ازدياد حدة استخدام الاحتلال للقوة المفرطة.. دلالات ومؤشرات.
دأب الاحتلال على قمع الشعب الفلسطيني وقواه الحية ، بل إن السمة الملاصقة لأي احتلال هي القمع والإجرام، والاحتلال الاسرائيلي لم يفقد هذه السمة منذ ما قبل نشأته وحتى يومنا هذا، إلا أن وتيرة استخدام العنف ارتفعت وانخفضت بفعل ظروف موضوعية أو ذاتية .
في هذه المرحلة ازدادت الحدة وارتفعت وتيرة القمع بشكل كبير وفي كل اتجاه تقريباً، بدءاً من زيادة الاستيطان ومصادرة الأراضي وبناء الوحدات الاستيطانية وشرعنة بؤر استيطانية عشوائية، مروراً بتسارع كبير في هدم المنازل الفلسطينية بحجة عدم الترخيص وبحجج أخرى وصولاً إلى الازدياد غير المسبوق فى اقتحام المسجد الاقصى وأداء الصلوات التلمودية فيه، وليس انتهاء " بسفك الدم الفلسطيني.
ولو أردنا أن نتوقف قليلاً عند سفك الدى الفلسطيني لوجدنا أن أعداد الشهداء ازدادت حتى بلغت تسعين شهيداً من بداية العام، وزاد الجرحى عن المئات ، بل إن القتل أخذ أشكالاً أشد وحشية مما سبق
وتمثلت بـ : -
* القتل رغم القدرة على الاعتقال، تكرر هذا الفعل مع عدد من المقاومين والمواطنين العزل، وآخرها ما كان مع الشهيد (يزن الخصيب) .
* الدخول الى مراكز المدن في وضح النهار وساعة الذروة، رغم ما يشكله هذا الامر من استفزاز، وما يترتب عليه من احتمالية القتل أو الاصابة للمارة والتجار وطلبة المدارس ، بل وما يثيره حتى قتل المقاومين المستهدفين أمام أعين الناس كما حصل في الاقتحام الأخير لمدينة جنين استشهاد المقاوم يوسف شريح أمام أعين الناس بوابل كثيف من الرصاص، أثارت مشاعر الناس وأججت عواطفهم.
* القتل من نقطة الصفر والاعدام بدم بارد مرة بعد مرة، والذي يُعد جريمة حرب مكتملة الأركان، وتكرار ذلك أمام عدسات الكاميرا كما حصل مع الشهيد نضال الخازم.
* القتل لأجل القتل ، ففي المرات العديدة التي اقتحم فيها جيش الاحتلال مدن جنين ونابلس وأريحا وغيرها من المدن بهدف تصفية مطلوبين ، كان بإمكانه أن يخرج وقد اكتفى بالأهداف التي حققها أو أن يتجاوزها بقليل، إلا أنه كان يخرج بحصيلة كبيرة دون الحاجة الى ذلك كما حصل مثلاً فى اقتحام نابلس حيث استشهد تسعة وأصيب اكثر من مئة فلسطينى كثير منهم
شيوخ ونساء وأطفال، وكأنه يبحث عن رفع غلة مغامراته ..
ولعل المراقب يدرك دون عناء أن المزيد من القتل لا يخدم الاحتلال، بل يضره لأنه يكثف الحقد في الصدور، ويثير دوافع الانتقام، ويذكي نار المقاومة، فالقتل على مرأى من الناس ومسمعهم يؤجج مشاعرهم فيدفعهم الى الانخراط في المقاومة، ويزيد من ظاهرة " الذئاب المنفردة" كما يسمونها، والشواهد كثيرة.
أَضف إلى أن القتل أمام الكاميرا يحمِّل الاحتلال تبعات إضافية من المساءلة ، وإساءة الوجه أمام العالم إذا فما الذي یدفعه الى فعل ذلك.
يمكن أن نعزو هذا المستوى من الإجرام الى ما يلي :
أولاً : هذه الحكومة المتطرفة التي أعلنت عن أجندتها خلال الانتخابات وقبل ذلك - من خلال أحزابها - أجندة تقطر سماً ودماً ، و دعاية انتخابية تعد بحصد أكبر عدد من الأرواح، وبالتالي فهي تنفذ أجندتها ، وتنجز ما وعدت به الناخب الصهيوني. وهي لقلة خبرتها وضيق أفقها لا تنظر إلى التداعيات، ولا تأبه بالإعلام أو بالرأي العام.
لقد استمعنا إلى تحريضات كثيرة من وزراء وأعضاء في الحكومة كالذي رأيناه من بن غفير وهو يدعم الجيش والشرطة بعد كل جريمة، فيربت على كتف الجندي الذي قتل ، ويقول للشرطي الذي استدعي للتحقيق : أنا في ظهرك فلا تقلق.
ثانياً : الكيان في هذه المرحلة في وضع حرج يواجه خلافات داخليه وتهديدات خارجية ..
فهو يواجه مقاومة فلسطينية فعالة لم تكن بهذه القوه منذ عشرين عاماً، وانتفاضة شعبية على وشك الاندلاع.
وهو يشعر أن الخطر الايراني على الابواب ، وأن ذراعه "حزب الله" يهدد من الشمال.
وفوق ذلك هو يواجه مسيرات بمئات الآلاف في شوارع مدنه ، واستنكافات جماعية لضباطه وجوده عن الخدمة، وهروب مليارات الشواقل من اقتصاده نحو الخارج.. فهو يعبر عن مأزقه بهذا القمع، ويشعر أنه بحاجة إلى استخدام القوة القصوى حتى يحافظ على وجوده، وكأنه يشعر بخطر وجودي حقيقي.
زد على ذلك أنه يسعى إلى ترحيل أزمته الداخلية نحو العدو المشترك " المقاومة الفلسطينية ". فهو يرجو أن يساهم ذلك في توحيد الصفوف، والحفاظ على ماء الوجه أمام شعبه، فطالما كان الدم الفلسطيني مادة لزيادة الشعبية، وسلماً للنجاة من المآزق.
ولا ننسى كذلك أنه مأزوم بعدم قدرته على السيطرة على الشارع الفلسطيني، وإخماد جذوة المقاومة ، الأمر الذي يدفعه لمزيد من التوحش وإراقة الدماء.