تأملات في قضية المعلمين



 قبل أن أبدأ، ينبغي التوضيح أن دعوة المعلمين إلى الإضراب لم تأتِ من أجل

 المناكفة والتمرد، هناك اتفاق عُقِد هذا العام بين المعلمين والحكومة حول مجموعة من حقوق المعلمين، وبعد انقضاء ثلاثة أشهر على الاتفاق، لم تلتزم الحكومة بأي مِن البنود، بل عَمدت الى تأجيل الأزمة حتى تنقضي بالنسيان وفتور العزيمة. المعلمون اليوم عادوا الى مربع الصفر ويعني هذا العودة إلى حقوق كانوا يطالبون بها من عشر سنوات.

 

هناك مِن المعلمين اختار صف الحكومة مِن البداية، ولم يتوانَ عن إثبات ولاءه في التسحيج، لكن وصل الأمر ببعضهم باللعب على وتر العاطفة والتنظير من خلال تبريرهم عدم الوقوف مع الإضراب بحجة " مصلحة الطالب"، وكأن المعلمين المضربين لا يحرصون على مصلحة العملية التعليمية والطلاب، هذه حجة قبيحة لأنها تحول صاحب الحق الى مذنب وتجعل من الجلاد ضحية.

 

هناك أمر شهدته على مسمعي من عدد من المعلمين غير المضربين، كانوا يقولون في منتصف العام الدراسي الماضي دعونا نكمل العملية التعليمية وبداية العام القادم نشرع بالإضراب من بدء الدوام او العام الدراسي الجديد، ها نحن اليوم نراهم يحاربون الاضراب كما فعلوا في الماضي، وصدق من قال إن الكُفر عِناد، كذلك الكافر "محارب الحق في هذا السياق" يرفض الحق ولو قدمت له ألف دليل وحجة.

 

 البعض يقول يا أخي الظروف الآن غير مواتية للخوض في الإضراب، هناك عبارة شهيرة تقول " من ينتظر أن تجتمع جميع الظروف للتحرك، لن يتحرك أبداً"، الوقت الأنسب للمطالبة بالحقوق هو الآن، الحق قديم وضياعه بكون في لحظة السكوت عنه. انا اسأل هؤلاء متى برأيكم يكون الوقت مناسباً للمعلمين أن يطالبوا بحقوقهم، الساكت عن الحق لا يعجبه الفزعة اليه اليوم كما فعل في الأمس.

 

 وأنا صغير أتذكر عندما فازت حماس في انتخابات ٢٠٠٧، وتعرضت الحكومة الى ضائقة مالية كبيرة بسبب قطع المساعدات، وخرجت الحشود والمسيرات تنادي " الحكومة الرشيدة خلتنا على الحديدة"، لو كنت واعياً وناضجاً في تلك الفترة لدعمت موقف الناس ذاك، انا ادعم مطالب الناس والحكومة مُشرّعَة لأن تحقق مصالح الناس، لماذا لا يخرج الناس و بالتحديد من يأخذ صف الحكومة للمطالبة بحقوقهم؟ ، فحكومة اليوم ادخلتنا ازمات مالية و اقتصادية تفوق اضعاف ازمات ٢٠٠٧، ..لماذا لم يخرج الناس و المتعاطفون مع الحكومة عليها كما فعلوا في ٢٠٠٧؟

 

السلطة هي المسؤولة عن كل الأزمات في هذه البلد، هي من قبلت لنفسها صفة دولة معدومة الماء والهواء والأرض، لماذا يجب تخوين أصحاب الحقوق من المعلمين والمحامين والأطباء وغيرهم، مقابل بقاء فشلة على الحُكم برفقة مسحجين ومطبلين يقدمون مصالحهم الشخصية على مصلحة الشعب.

 

 كان ينبغي على الحركات النقابية الوقوف معاً في كل احتجاج لمراكمة الزخم وضمان فعالية الحراك والنتائج المثمرة. الحكومة نجحت في عزل كل قضية نقابية عن اخواتها تماماً كما يفعل الاحتلال مع الفلسطينيين، المحامون يخرجون وحدهم وكذلك البقية الباقية من طبقات المعلمين والمهندسين والممرضين والأطباء، نحن نسينا أننا شعب واحد متضرر بكافة أطيافه من القاع التي أوصلتنا اليه حكومتنا العتيدة..

 

 أنا لن أنكر احباطي من قضية المعلمين تحديداً، كوني انتمى الى هذه الطبقة، ولن أخفي الحقيقة المرة التي قالها لي أحد الأصدقاء، في مجمل كلامه قال إن المعلمون خسروا تأييد الناس وخسروا قضيتهم، لا احد يصدقهم، فهم يضربون و يقطعون العملية التعليمية و في الوقت نفسه لا يحصّلون حقوقهم المرجوة، فلا المعلم يستفيد ولا الطالب، و نبقى في نفس الحلقة المفرغة مِن عدم الوصول الى شيء.