الحياة الثقافية للأسرى

أثَّر الإعتقال على حياة الأسير من مختلف جوانب الحياة أهمها الحياة الثقافية، فالكثير من الأسرى انقطع عن مسيرته التعليمية بسبب الأسر، لكن الأسرى سارعوا بوضع خطط لمساعدة الأسير بالنهوض بوعيه الثقافي فهناك استطاع إستكمال الثانوية العامة، والدراسة الجامعية، وارتقت وصولاً الى الدراسات العليا، الماجستير او الدكتوراه، على الرغم من الصعوبات وقلة الإمكانات المتوفرة والتضييق الواقع عليهم من إدارة السجون .

لقد مرت الحياة الثقافية للاسرى في سجون الاحتلال في مراحل قبل ان تصل الى ما وصلت اليه الان:

المرحلة الاولى:

في بداية الحياة الاعتقالية فرضت سلطات السجون حصارا ثقافيا على الاسرى، وشمل هذا الحصار منع حصول الاسير على القلم، والدفتر، والكتاب، واجباره على سماع الاذاعة الاسرائيلية في اوقات محددة، "ولم يسمح له بقراءة الصحف سوى صحيفة الانباء التي كانت تصدرها اجهزة المخابرات الاسرائيلية، وقد طبق الحظر التام على كل انواع الثقافة الوطنية والانسانيه، وكل اسير يتم ضبط ورقة او قلم معه يتم عقابه في زنزانة انفرادية، ويعتدي عليه من قِبل طواقم السجانين" [1].

المرحلة الثانية:

وفيها بدأ الاسرى بخوض اضرابات ومواجهات مع السجان ليتم تحقيق مجموعه كبيرة من مطالبهم ومن بينها الامور المتعلقه بالحياة الثقافية، وبالفعل بدأت السجون بترتيب برامج ثقافية متنوعة مُستفيدين من الاسرى ذوي الخبرة والتعليم السابق.

المرحلة الثالثه:

بعد عملية خطف الجندي "الاسرائيلي" جلعاد شاليط عام 2006، حيث قامت ادارة السجون بفرض مجموعة من العقوبات على الاسرى، سُميت بــ (قانون شاليط)، طالت هذه العقوبات الحياة الثقافية للاسرى، من منع التعليم الجامعي، ومنع عقد امتحان الثانوية العامة في السجون، ومنع عقد جلسات ومحاضرات للاسرى، اضافة للحد من ادخال الكتب، بل ومصادرة اعداد كبيرة.

المرحلة الرابعة:

بعد تنفيذ صفقة (وفاء الاحرار) عام 2011، والافراج عن مجموعة من الاسرى الفلسطينيين مقابل الجندي شاليط، حيث بدأت الحياة الثقافية في السجون تستعيد عافيتها وزخمها.

خلق حياة ثقافية متكالمة داخل زنزانة بأربعة جدران لأمر صعب لكن ليس بمستحيل على الأسرى الفلسطينين؛ الذين جعلوا من طوق السجن برنامج ثقافي قائم على جلسات قرآنية بالصباح، أقاموا المكتبات بكل قسم بحيث تحتوي على كتب تم إدخالها عن طريق زيارة الأهالي أو الصليب الأحمر أو الجمعيات الخيرية وتشمل هذه الكتب على مختلف المجالات الثقافية ويتم أيضا ترتيبها وتنظيم استعارتها ويعمل البعض على تلخيصها، بل وتعقد جلسات ومحاضرات يتم استغلال أساتذة الجامعات والمعلمين والأئمة في تقديم العلم بشكل اجباري حتى تعم الفائدة لكل الأسرى

ويتطور البرنامج الثقافي ليتم إضافة الدورات المختلفة للأسرى لتشمل التنمية البشرية والعمل التنظيمي والمشاريع الإنتاجية أو تعليم اللغات المختلفة (عبريه، انجليزية) بحيث تكون اختيارية للأسرى كلٌ حسب رغبته، إننا لا نستطيع حصر المواضيع التي اشتملتها دروس ومحاضرات الأسرى. بل أن الأسرى أحيانا يعدون برامجهم ومحاضراتهم حسب نظام الجامعات الفلسطينية.

اشتملت الحياة الثقافية على تشجيع الإبداعات الأدبية للأسير، فتُعقد المسابقات في كتابة الشعر والقصة والخطابة ويتم تكريم الفائزين بما يتوفر في الكنتينا، وعادة يتم إخراج إبداعاتهم للخارج ليتم نشرها بما توفر من صحف أو مواقع انترنت.

وللترفيه عن الأسرى فإنهم عادة وبشكل دوري أو أيام الأعياد والمناسبات المختلفة، الاحتفالات التي تشتمل على الكلمات والأناشيد والأغاني وكذلك المسابقات الثقافية والمسرحيات الهادفة، ويستغلون كل الإمكانات البسيطة لإنجاح الاحتفال فمن تزيين الخيام أو الغرف بقصاصات الجرائد إلى تحويل سلال النينجا (أي سلال القمامة) إلى طبول.

ولا تغيب الصحف والجرائد عن حياة الأسرى –وان تتأخر كثيرا في الوصول لهم- فهم يتسابقون على حجز دورهم في الجريدة إذ أن العدد محدود جدا من الصحف، بالإضافة إلى الدور والمكانة العزيزة للتلفاز على قلوب الأسرى فهو حلقة وصلهم الوحيدة بالخارج.

كما ان هنالك دور للترجمه، حيث يقوم الاسرى بترجمه المقالات المنشورة في الصحف العبرية والانجليزية التي تصل الى السجون ويجدون بها ما يفيد الاسرى ويضيف الى رصيدهم الثقافي والسياسي.


النشاط الثقافي:

شكلت التنظيمات داخل سجون الاحتلال لجان ثقافية تُشرف على الفِعل الثقافي للاسرى، وتعمل هذه اللجان على اخراج برنامج ثقافي يتناسب مع حياة الاسير.

وفي الشكل التالي الهيكليه الثقافية للأسرى

شكل (1)

الهيكيلية الثقافية للأسرى

التعليم داخل المعتقلات:

تمكن الأسرى القدماء من وضع استرتيجية وطنية تستند لمساعدة كل أسير يتم اعتقاله حديثا؛ بحثه على ضرورة الإستفادة من وقته بتطوير ثقافته واستكمال تعليمه كجزء من أدوات المواجهة المركزية وحماية الأسير من سياسة السجان ومن بين الإحصائيات التي طرحت في عدد الملتحقين من الأسرى في الجامعات والتعليم.. جامعة القدس أبوديس بدرجة بكالوريس لعام 2021 (113) أسير، وجامعة القدس المفتوحة (564) بالنسبة لدرجة الماجستير بجامعة القدس أبوديس(49) وجامعة فلسطين بقطاع غزة (44) أسير -أما الثانوية العامة عام 2021 تقدم لها (486) أسيرا-[2].

 



[1] أبو شرايعة (2013). الحركة الاسيرة وتأثيرها في السياسة الفلسطينيه 2006-2012، رسالة ماجستير غير منشوره، جامعةالازهر، فلسطين، ص40.

[2] هيئة الأسرى والمؤسسات: تقرير شامل يتناول حصاد 2021 https://2u.pw/8irNi  (بتصرف)