السلطة الفلسطينية.. نموذج زبائني واضح
تصنف معظم أنظمة الحكم في الدول العربية على أنها أنظمة فئوية ودكتاتورية، فهذه الأنظمة في الغالب تخدم مصالح فئة معينة من ناحية وهي أنظمة متسلطة ومتجبرة في معظم الحالات من ناحية أخرى، وتبدو علاقة الدولة في المجتمع أنها علاقة صدامية تصارعية، وهذا الشكل القائم في الدول العربية مستمر منذ عقود طويلة، نتج بعد الخروج من حقبة الاستعمار، ولكنه يعتبر بصورة أو بأخرى امتداد لسياسات الحكم العثماني في فتراته الاخيرة.. بمعنى أن النمط السائد في الدول العربية ومنذ ما يزيد على القرن ونصف هو نمط الدولة الخارجة على المجتمع المتسلطة عليه، وفي العقود الاخيرة برز بشكل واضح ما يعرف بنموذج الدولة الزبائنية، وهي الدولة التي تلعب دور المعيل الذي يوزع العائدات، ليس وفقا لخطط تنموية أو سياسات اقتصادية ترمي إلى النهوض بواقع البلد، وإنما وفقاً لحسابات سياسية معينة تهدف الى تكوين وإدامة مؤيدين وأنصار وموالين (زبائن) للنظام.
وتلجأ كثير من الانظمة الى انشاء علاقات زبائنية كسياسة واستراتيجيا لها لحشد الانصار وضمان الولاء الذي يقود الى توسيع النفوذ وادامة السيطرة على المجتمع، وهو الشكل الذي بات قائما في الضفة الغربية لدى السلطة الفلسطينية وتبدو أبرز ملامح هذا النظام كالاتي:
(1) سيطرة رأس السلطة على موارد عامة ضخمة يقوم بتوزيعها وفق حسابات سياسية وتحقيق مصالح تخدم النخبة المسيطرة على دوائر صنع القرار، ولتحييد واحتواء الاصوات المعارضة أو اضعافها واسكاتها
(2) تشكيل وتعزيز أجهزة أمنية وتوسيع نفوذها وتخصيص امكانيات كبيرة لها ما يجعلها تستهلك جزء كبير من موارد الدولة، وهي لا شك جزء مهم من الشبكة الزبائنية عدا عن اشتراكها في ادارة العلاقات الزبائنية بما في ذلك احتكار الوظائف الحكومية أو ما يرتبط بالدولة من جهات اقتصادية واجتماعية مؤثرة
(3) ربط السلطة بجهة محددة أو طائفة معينة أو عائلة أو مجموعة متنفذة وهو الأمر الذي يبدو واضحا في السنوات الأخيرة حيث تتجه الأمور الى حصر القرار والسيطرة في مجموعة صغيرة جدا تدير الأمور كما ترتأي هي فقط وبما يخدم مصالحها في الأساس
(4) تميل الانظمة الزبائنية الى تهميش دور المؤسسات الوطنية التي تتمتع بالاستقلالية أو لديها صفة تمثيلية (برلمان تشريعي، أحزاب، نقابات، محاكم، وغيرها)وهي بذلك تدفع المعارضة وعموم الشعب الى اعتماد وسائل واساليب مقاومة ومواجهة لسياساتها غير اعتيادية أو سرية أو قبول الاحتواء والعمل في نطاق تحدده الفئة المتنفذة.
(5) سيطرة الطبقة الحاكمة على الفضاء الاقتصادي من خلال اتباع اساليب وسياسات اقتصادية وسن قوانين لا تسمح لمن هم خارج النخبة بالاقتراب من الكعكعة التي يتم تقاسمها بين أعضاء النخبة وهو ما يمكنها من القيام بدور توزيعي على الاتباع وتنظيم علاقات زبائنية تخدم استمرار الوضع القائم.
إن هذا النظام الزبائني ليس بجديد على الدولة الحديثة فهو موجود حتى في دول ديمقراطية سيطر عليها نمط الحكم الفردي (نتنياهو\اسرائيل، تاتشر\بريطانيا، كاسترو\كوبا) لكن دون أن يتم مصادرة دور المؤسسات الوطنية . كما أننا يمكن أن نجد هذا النظام على مستويات أقل من الدولة، مجلس بلدي أو شركة على سبيل المثال، لكن ما يبدو عليه الوضع في أروقة السلطة الفلسطينية لا يبشر بخير على هذا الصعيد . فالامور تتجه أكثر فأكثر الى تهميش مؤسسات "الدولة" وحصر النفوذ في مجموعة صغيرة من الاشخاص.
يترافق هذا النهج السائد والمتزايد مع تراجع الموارد وعجز مستمر عن تأدية ابسط الالتزامات نحو الموظفين خاصة والجمهور بصورة عامة، هذا الى جانب انسداد تام في المسار السياسي الاوحد لهذه السلطة ما يعني ان الامور تتجه الى نقطة محددة لايمكن معها استمرار هذا الوضع الذي تبدو به السلطة ممثلة لمصالح فئة معينة دون الناس.