بناء الرقابة الذاتية لأبنائنا في زماننا الحاضر

 

مع التسارع الملحوظ في عصرنا الحاضر والذي شمل معظم مناحي الحياة، ولعل أهمها وأخطرها على أبنائنا والجيل القادم وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي والارتباط بالاجهزة الذكية، إن زماننا هذا زمن الانفتاح والمتغيرات، ومع كثرة التقنيات والفضائيات وكثرة الثقافات والشبهات أصبح الشباب يعيشون اليوم في مفترق طرق وتحت تأثير هذه المتغيرات ولا شك أنها تسبب لهم كثيرًا من المشكلات التربوية والأخلاقية.

لقد أحدثت الفضائيات والشبكة العنكبوتية (الإنترنت) تغيرًا مهمًا في المجتمعات بما قدمته من وسائل للاتصالات، جعلت العالم ينساب بعضه على بعض، فلا حدود ولا قيود تقف في وجه انتقال المعلومات، والتربية بحكم عملها وطبيعتها أكثر جوانب المجتمع عرضة للتغير؛ وبناء على ذلك فالمتغيرات الحادة التي ينطوي عليها عصرُ المعلومات وعصر الانفتاح، ستحدث تغيرًا كبيرًا في منظومة التربية؛ مناهجها وأساليبها وأثرها, ولذا أصبح من المهم مراجعة منظومة التربية لتتوافق مع الأثر الذي ستؤديه في زمن الانفتاح.لم يعد المربي هو من يوجّه فقط, ولم يعد المتربي رجلا سِلْمًا لمربيه، بل فيه شركاء آخرون, فالقنوات الفضائية وما تبثه من إغواء أو إغراء تخالف قيم المجتمع الإسلامي وتدعو إلى الفحش والرذيلة, والشبكة العنكبوتية وما تحمله في طياتها من مواقع إباحية أو عدائية ومقالات تدعو إلى مساوئ الأخلاق, وفي المقابل طرح خيارات فكريه تشوه الأفكار الإسلامية الصافية وتحارب مبادئه وقيمه الزكية, وتنوع مجالات الانفتاح وازديادها بحيث لا يمكن حجبها يزيد من صعوبة التربية في زمن الانفتاح, لقد أصبحنا عبر السماء نستقبل أفكار الأمم وثقافتهم وما يبث من سموم.

وفي ظل هذا التسارع وازدياد المؤثرات التي تحيط بأبنائنا بات من الضروري تفعيل الرقابه الذاتية لدى أبنائنا .

الرقابة الذاتية:

 وهذه الرقابة الذاتية هي الأساس في بناء شخصية قوية لدى الفرد ، فهي تعني امتلاك الفرد القدرة على المراقبة الذاتية والتفكير الجيد في العمل قبل القيام به ، ومن ثم القيام بالأعمال الصحيحة ، وترك الأعمال الخاطئة التي قد تكون لها نتائج غير مرضية من المجتمع الذي يعيش فيه ، كما أن قدرة الفرد على مراقبة نفسه وتعديلها ، والعمل على تقويمها ، تمنحه الثقة بنفسه ، لأن هذه القدرة تدار ذاتيا ، وبمعزل عن الإدارة الخارجية من قبل الآخرين ، فهي تبعده عن الانغماس الزائد في الملذات ، وتسمح له بالتركيز على المسئوليات ، فهي تساعده على استخدام عقله للسيطرة على عواطفه .

أهمية الرقابة الذاتية:

في ظل الانفجار التقني والتقدم التكنولوجي والتطور السريع في أساليب ووسائل التواصل، زادت أهمية بناء وتعزيز الرقابة الذاتية لدى ابناءنا. في الحديث التاسع عشر من الأربعين النووية، يصحب عبدُالله ابن عبَّاس رضي الله تعالى عنهما النبيَّ محمَّد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم على دابَّة، ونِعْمَت الصُّحبةُ، فيستخدم المصطفى عليه الصلاة والسلام هذه الرفقة ليعطي الفتى ابنَ عباس بعض الإشارات المهمَّة، التي لم تكن خاصَّة بالفتى ابن عبَّاس، ولكنَّ المعنيَّ بها الأمَّة كلُّها، تأخذ ذلك من الرسول المربِّي صلى الله عليه وسلم من خلال الرواة الذين نقلوا عنه، بأمانة متناهية، هذه القواعد التي صدرَت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لقد أصبح لزاما على المربي الاهتمام بغرس وتعزيز الرقابة الذاتية لدى أبنائه منذ السنوات الأولى فهي الفترة الحاسمة والخطيرة في تكوين البصيرة الأخلاقية التي تجعل الطفل قادرا على التمييز بين الخير والشر، فما يتم تكوينه في هذه الفترة يصعب انتزاعه وتغييره فيما بعد.

وتكمن أهمية الرقابة الذاتية وبناءها في أبنائنا في:

- تحقيق الأمن والأمان في الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82

- بناء مناعة داخلية لدى أبنائنا وبالتالي زيادة قدرتهم على المقاومة والثبات في مسيرة حياتهم.

- ارتفاع درجة الترابط ونمو العلاقات الاجتماعية، وتقليل نسب الطلاق والمشاكل الأسرية والخلافات المجتمعية.

- انتشار الثقة بالتعامل في المجتمع.

وسائل تنمية الرقابة الذاتية لدى ابناءنا:

- استشعار رقابة الله ومعيته، يقول الله سبحانه وتعالى: -: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴾ [النساء: 108]، ويقول تعالى: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا ﴾ [الأحزاب: 52]، ويقول جل شأنه: ﴿ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ﴾ [البقرة: 235]، ويقول سبحانه: ﴿ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ﴾ [الإسراء: 25، 26]

- بناء القدوة هي أفضل الطرق لاكتساب الأفراد الفضيلة الأخلاقية الخاصة بالرقابة الذاتية، تعد تعد تصرفاتنا النص الحي للآخرين.

- الصديق الصالح، فالصديق وقت الضيق، وبالتالي لا بدّ للإنسان من اختيار صديق حقيقي يدعو إلى الخير، ويقف معه في ضيقه وفرحه، وحثّ الدين الإسلامي على اختيار الصديق الصادق والخيّر، فقال تعالى: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف: 64]، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (عَلَيْكَ بِإِخْوَانِ الصِّدْقِ فَعِشْ فِي أَكْنَافِهِمْ ، فَإِنَّهُمْ زَيْنٌ فِي الرَّخَاءِ ، وَعُدَّةٌ فِي الْبَلاءِ).

- الموعظه والحديث المباشر مع الطفل .

- الحث على القراءه وخاصة الكتب التي تساعد في بناء الذات، والتربية وبناء الرقابه الذاتية والقرب من الله.

- الاهتمام بالوقت، تُعزّز إدارة الوقت معنويات الفرد وتجعله أكثر ثقةً بنفسه، فالأشخاص القادرون على تنظيم وقتهم وإدارته يستطيعون إنجاز المهام المُسندة إليهم في الوقت المحدّد، ممّا يجعلهم محطّ اهتمام الجميع وأكثر تُّميزاً من غيرهم من الأشخاص في حياتهم على الصعيدين الشخصي والمهني.

- التدريب من خلال الصيام والصلاة ومساعدة المحتاجين لان العمل المباشر والتربية بالتدريب لها الأثر الفعال على الطفل وتربيته.

- التسامح والتغلب على الغضب.

- تعزيز السلوكيات الإيجابية لدى الأطفال، من الأساليب الحديثة والأكثر فاعلية لتعديل سلوك الأفراد خاصة حيث يعرف السلوك الإيجابي بأنه وسيلة للتعبير عن الإعجاب أو التقدير للأشخاص مقابل أداءهم أو ردود أفعالهم تجاه شئ ما وطرق التعزيز الإيجابي كثيرة جداً منها اللفظي أو المعنوي وربما المادي ولكل منهم مميزاته وفوائده.

محاسبة النفس والتربية على الاعتراف بالخطأ وتعديله:

قال عمر الفاروق أيها الناس حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعما لكم قبل أن توزن عليكم وتهيئوا للعرض الأكبر (( يومئذ تعرضون لاتخفى منكم خافيه ))وقال الفضيل بن عياض: من حاسب نفسه قبل أن يحاسب خف في القيامة حسابه وحضر عن السؤال جوابه وحسن منقلبه ومأبه ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته وطالت في عرصات القيامة وقفاته وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته وأكيس الناس من دان نفسه وحاسبها وعاتبها وعمل لما بعد الموت واشتغل بعيوبه وإصلاحها.

ومحاسبة النفس من الأمور التي ينبغي أن يحرِصَ عليها العبد المؤمن؛ لئلا تنطلق بهواها كيفما شاءت، فإن حاسَب نفسه اكتشف وجهَ القصور الذي قصَّره تجاه خالقِه والناس، فيتوقف عن مواصلة هذا التقصير، ثم يتخلص منه عن طريق التوبة، وطاعة الله تعالى، وإعطاء الناس حقوقَهم، والمحاسبة كذلك تكشف للمسلم حصَّته من الطاعة التي قام بها، إن العبد المسلم التقيَّ يخصِّص لنفسه وقتًا في آخر النهار يحاسِبُ فيه نفسه على جميع حركاته وسكناته، فيحاسبها بدايةً على الفرائض، فإن أدَّاها على وجهها، شكر الله تعالى، وإن فوَّتها من أصلها، طالَبَ نفسه بالقضاء، وإن أدَّاها ناقصة، كلَّفها الجبرانَ بالنوافل، وإن ارتكب معصية، اشتغل بعقوبتها وتعذيبها ومعاتبتها ليستوفي منها ما يتدارك به ما فرط، كما عليه أن يحاسب نفسه على خواطره وأفكاره، وقيامه وقعوده، وأكله وشربه ونومه، وهل نوى بذلك كلِّه وجهَ الله أم الدنيا؟ وليحاسب النفس على جميع العمر يومًا يومًا، وساعةً وساعةً، في جميع الأعضاء الظاهرة والباطنة.

الانضباط الذاتي : إن أساس معالجة كل أشكال الإدمان يتمثل في (الانضباط الذاتي)، من أجل إحداث نوع من الموازنة بين الواجبات والمسؤوليات والحاجات،

وذلك يتأتى من خلال الوسائل التالية :

✔ أكد قولا وعملا أن الهاتف الذكي وسيلة وليس غاية.

✔ لا يجوز أن ينشغل الصغار بوسائل التواصل في أيام الدراسة.

✔ ذكر الأبناء دائما بضرورة إدخال شيء نافع في برنامجهم اليومي، كالذهاب لحلقة قرآن، أو القراءة في كتاب نافع.

✔ إذا وضعت خطة لاستخدام أبنائك لوسائل التواصل، فتمسك بها، ودافع عنها بقوة.

معوقات الرقابة الذاتية:

- الجهل بالمحرمات

- التهاون بالمحرمات

- الصديق السوء

- ضعف الثقة بالنفس

- عدم استخدام الأسلوب الأنسب بالتربية

- عدم توفر القدوة.

- سهولة الوصول للمحظورات من خلال الأجهزة الحديثه

- التعلق والادمان لمواقع التواصل الاجتماعي

أفكار ومقترحات لتعزيز الرقابة الذاتيه لأطفالنا:

- وضع ضوابط وقواعد داخل الاسرة لاستخدام الأجهزة الحديثه وفق نظام وبرنامج يومي.

- توجيه الأطفال للقراءه وحفظ شيء مفيد بشكل يومي.

- اعلان عطلة دورية يتم فيها التخلي عن الأجهزة الذكيه ومواقع التواصل الاجتماعي ( لكل افراد الاسرة)

- استخدام المسابقات والتحديات التي تكسب الطفل المعلومه والمعرفه والتدريب.

- اللجوء للكتب والمحاضرات التي تتناول التربية والرقابة الذاتية والاستفاده منها.

- على المربي اكتشاف مهارات وهوايات الأطفال وتنميتها وتطويرها.

- يقول الدكتور عبد الكريم البكار : إننا لن نستطيع ممارسة دورنا التربوي بكفاءة ما لم نعمل على تربية أنفسنا ونحن نربي صغارنا.ومن هنا نقول : إن الصغار في البيوت يجب أن يروا في آبائهم وأمهاتهم قدوات لهم في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك على النحو التالي :

✔ إبعاد الجوال عن الجلسات العائلية.

✔ عدم الانشغال بالجوال عن القراءة في الكتب النافعة الرصينة.

✔ عدم استخدام الجوال أداة للعب واللهو ورؤية المواد الإباحية.

- علاقات أسرية متينة : القاعدة الذهبية في معالجة أي مشكلة تربوية داخل الأسرة؛ يتمثل في استطاعة الأبوان في احتضان الطفل والاقتراب منه وتوفير قدر جيد من الحب والاهتمام به.

- تكليف الطفل بما يتناسب مع سنه بتحمل بعض المسؤوليات في المنزل، وذلك حتى نشغل جزءا من وقته، وحتى نشعره بقدرته على المساهمة والإنجاز، وحتى ننمي المهارات الكامنة لديه.

- من المهم صرف جزء من وقت الطفل في ممارسة أنواع من الرياضات الأخرى، فهي بديل ممتاز للألعاب الإلكترونية مع أهميتها القصوى في إمتاع الطفل وتقوية عضلاته.

- شجع ابنك المراهق دائما على المشاركة في الأعمال التطوعية والانخراط في فرق العمل الشبابية التي تقدم الخدمات التطوعية للمجتمع.