مقابر الأحياء: الاحتلال يعزل الأسرى عن العالم الخارجي

مقالات
نسخ الرابط: https://almaidan.info/posts/371

في الساعات الأولى للحرب سارعت إدارة السجون إلى عزل الأسرى عن العالم الخارجي، فصادرت وسائل التواصل المتوافرة لدى الأسرى، وفى البدايه ألغت كل القنوات التلفزيونية وأوقفت البث، ورُكبت أجهزة التشويش حول الأقسام، وبذلك قطعت وشوشت على أجهزة الاتصال المهربة والموجودة لدى الأسرى، ومع الأيام اللاحقة بدأت إدارة السجون بمصادرة أجهزة الراديو، وأصبحت من الممنوعات التى يُعاقب عليها الأسرى في حال اكتشفت في غرفهم.

كما تتطور الأمر ليصل إلى مصادرة الساعات اليدوية الخاصة بالأسرى لمنعهم من التعرف على الوقت، وكذلك الأقلام والأوراق. وبذلك عزلت إدارة السجون الأسرى عن العالم، وبات الأسرى يجهلون الأحداث الجارية خارج السجن، بل وحتى الأحداث الحاصلة داخل السجون.

واختصر الحصول على الأخبار والمعلومات من خلال بعض المحامين أو من خلال الأسرى حديثي الاعتقال، لذا كانت الأخبار إما تصل متأخرة أو أنها تصل غير كاملة أو حتى تصل غير دقيقة. ولم تتوقف سياسة إدارة السجون بعزل الأسرى عن العالم بل واستخدمت أسلوب بث الإشاعات والأخبار الكاذبة التي تهدف إلى ضرب معنويات الأسرى والتنغيص على حياتهم، ومن بين هذه الإشاعات المتعلقة بخسائر المقاومة وأسماء الشهداء، وكذلك إشاعات مرتبطة بالأسرى والسجون وقرارات إدارة السجون بحق الأسرى، وكل ذلك كان له الأثر السلبي على الأسير وتفكيره وكذلك على قدرته على اتخاذ القرارات، فنقص المعلومة أو عدم دقتها تُعيق التفكر واتخاذ القرار المناسب.

منع زيارات الأهالي

منع زيارات الأهالي في سجون الاحتلال الإسرائيلي

تصنيف السجين كـ"أمنيّ" أو "جنائي" له إسقاطات بعيدة المدى على ظروف احتجازه، وفقًا لأمر مصلحة السّجون تُفرض على الأسير "الأمني" قيود في كلّ ما له صلة بالعلاقة مع العالم خارج السّجن وضمن ذلك الإجازات والزيارات والمكالمات الهاتفيّة والوصال مع الزوج/ة. بعد 7 أكتوبر جُرّد الأسرى دفعة واحدة حتى من الوسائل المقتضبة التي أتيحت لهم من خلالها الحفاظ على اتصال ما بالواقع خارج أسوار السّجن.

بعد 7 أكتوبر جُرّد الأسرى دفعة واحدة حتى من الوسائل المقتضبة التي أتيحت لهم من خلالها الحفاظ على اتصال ما بالواقع خارج أسوار السّجن.

الزيارات العائليّة ألغيت تمامًا، الفترة الزمنيّة المسموح خلالها منع مقابلة محامٍ أخذت تطول بذريعة "احتياجات الميدان المتغيّرة" حتى بلغت مدة المنع من المحامي أو المحاكم 180 يومًا، الحقّ في تمثيل أمام القضاء منصوص عليه في البند 14 من الميثاق الدولي الخاض بالحقوق المدنيّة والسياسية بنص البند 116 في ميثاق جنيف الرابع، مشتق من البند 116 في ميثاق جنيف الرابع، وينص أن من حقّ المعتقل استقبال زوّار في مواعيد ثابتة قدر الإمكان، وخاصّة أفراد الأسرة الأقربون.

إلى جانب ذلك، المبدأ 18 (1) في وثيقة مبادئ لحماية جميع البشر الخاضعين لأيّ نوع من الاعتقال أو الحبس يكفل حقّ المعتقل أو السّجين في التواصل مع محاميه، وقد جاء في الوثيقة أيضا أنّ لكل أسير الحقّ في الزيارة والاتصال، خاصة مع أفراد أسرته. مفوّضيّة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان كتبت منذ العام 2003 أنّها "تذكّر جميع الدول أنّ الاحتجاز المستمرّ الذي يُرافقه عزل عن العالم الخارجيّ (detention incommunicado) قد يسهل اللجوء إلى التعذيب ويمكنه أن يشكّل في حدّ ذاته نوعًا من أنواع المُعاملة القاسية، اللّا إنسانية أو المُهينة أو حتى التعذيب".

ووفقاً للسياسة الجديدة والمُعلنة معظم الفلسطينيين الذين اعتقلوا بعد 7 أكتوبر لم يتوفر لهم محامٍ يمثّلهم أو يقدّم لهم المشورة.

وبالمثل، قضت المحكمة الأوروبيّة لحقوق الإنسان في قرار حكم لها بأنّ احتجاز المعتقل في ظروف العزلة والحرمان من الاتصال لفترة طويلة بما يؤدي إلى المس بسلامته النفسيّة، يشكّل في حدّ ذاته مُعاملة قاسية ولا إنسانية ومخالفة للبند 3 في الميثاق الأوروبيّ لحقوق الإنسان الذي يحظر التنكيل أو التعذيب حظرًا مطلقًا ولا يقبل الإرجاء حتى في أوقات الحرب أو الطوارئ. من المُعطيات التي عُرضت أمام المستوى السياسي، تدعمها إفادات الشهود الواردة في هذا التقرير، ووفقاً للسياسة الجديدة والمُعلنة معظم الفلسطينيين الذين اعتقلوا بعد 7 أكتوبر لم يتوفر لهم محامٍ يمثّلهم أو يقدّم لهم المشورة.

لقد مُنعوا أيضاً من رؤية أفراد أسرهم وحتى مقابلة مندوبين عن الصليب الأحمر أو منظمات الغوث وحقوق الإنسان أو المرافعة العامّة أو هيئات مراقبة رسميه أخرى مثال نقابة المحامين. هذا المنع المتعدّد: إلى جانب مصادرة أجهزة التلفزيون والراديو من الزنازين، أبقى الأسرى معزولين تمامًا عن الواقع خارج أسوار السجن طيلة فترة حبسهم.

شهادات الأسرى

الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي

خلال فترة وجودي بالأسر خلال تلك الفترة (شهر يوليو 2023 الى شهر نوفمبر 2024) كنا نعيش بحالة عُزله شبه كاملة عن العالم، ومن بين القصص المؤثرة قصة الأسير عبد الله محمد عمايرة ( 35 عامًا) من بلدة دورا قضاء الخليل والذي اعتقل وزوجته حامل، وأمضى الأسير عامًا كاملًا وهو لا يعلم مصير زوجته والحمل، وهل أنجبت أم لا وما هو جنس الجنين وحتى اسم الجنين.

وكذلك الأسير يوسف زكارنه ( 22 عامًا) من بلدة قباطية، والذي علم من خلال المحامي بالمحكمه بخبر وفاة والده بعد شهر ونصف من الوفاة.

قصة الأسير عبد الله محمد عمايرة ( 35 عامًا) من بلدة دورا قضاء الخليل والذي اعتقل وزوجته حامل، وأمضى الأسير عامًا كاملًا وهو لا يعلم مصير زوجته والحمل، وهل أنجبت أم لا وما هو جنس الجنين وحتى اسم الجنين.

يقول الأسير المحرر مرشد الشوامرة "كنا معزولين تمامًا عن العالم الخارجي ولم نكن نعرف ما يحدث في الخارج، ولم أعرف أي شيء عن أهلي وأمي، كذلك لم أكن أعرف أي شيء عن إخوتي الأسرى ولا أعرف في أي سجن هم وما هي ظروفهم، ولم ألتق بأي محامٍ طيلة أحد عشر شهرًا، كنا في عُزلة تامة عن العالم.