قطار التطبيع... هل تقوده السعودية حديثا، كما قادته مصر قديما ؟!
دخل الاحتلال إلى فلسطين مستوطنا ثم محتلا، فكان ورما في جسد الامة، تلفظه الأمة وترفض وجوده. إلا أن خيانات الزعماء العرب مكنته من الانتصار ومن ثم السيطرة والتمدد، لكن الاعتراف به والتطبيع معه وإقامة العلاقات معه بقيت مرفوضة بشكل واضح ورسمي، وأبرز معبر عن هذا الموقف كان مؤتمر اللاءات الثلاث في الخرطوم عام ١٩٦٧.
لكن مصر بقيادة السادات كسرت هذا الإجماع، وشذت بتوقيع سلام مك الكيان الصهيوني في كامب ديفيد. وقف العرب والمسلمون في وجه هذا الاتفاق، كونه استسلام، وكونه تخلي عن فلسطين وأهلها.
بقيت مصر منفردة في اتفاقها، وحافظ العرب على تماسكهم رغم الرغبة الخفية لبعضهم بأن يقيم سلاما مماثلا، إلى أن قامت منظمة التحرير الفلسطينية بتوقيع اتفاق اوسلو، مما فتح الباب على مصراعيه أمام من يرغب باللحاق بركب التطبيع على قاعة أن أهل البيت سلموا، فلن نكون ملكيين أكثر من الملك. وخلا وقت قصير كانت الاردن تعلن توقيع اتفاقية سلام مع المحتل في وادي عربة، لا تقل سوءا عن اتفاق اوسلو.
وتوقف الأمر عند هذا الحد، فهناك أمر كان يشكل حرجا دائما يحول دون الهرولة نحو التطبيع، ألا وهو المقاومة الشعبية الفلسطينية التي كانت تدفع المحتل نحو ارتكاب الجرائم والفظائع بحق الشعب الفلسطيني، بل وشن الحروب التي تدمر كل ما استطاعت آلة الحرب الصهيونية ضربه من مقدرات الشعب.
ومع مرور الوقت وتوفر عدد من "المبررات الشكلية" بدأت عدة أنظمة عربية بالاقدام على استحياء، ثم مع مزيد من الجرأة ودون حياء بفتح علاقات مع الاحتلال، وظهرت موجة من الهرولة في هذا الاتجاه ظهرت فيها أسما دول كعمان والإمارات والبحرين والمغرب والسودان بلد اللاءات الثلاث.
لكن الرهان بقي على الرمز الروحي والمركز الإسلامي والثقل العربي المتمثل بالسعودية.
اليوم لا تتحدث الصحافة بموضوع مثير أكثر من حديثها عن التطبيع السعودي الصهيوني المحتمل. وحق للصحافة أن تكثر من الحديث حول هذا الموضوع، فلا أرى أن خطرا في هذا المجال يفوق خطر توقيع السعودية على اتفاق سلام مع "اسرائيل".
ثلاثة لهم تأثير خطير على فتح العلاقات مع الاحتلال:
مصر.. فهي التي دشنت هذا القطار، وبقيت عرابة له لسنوات طوال.
ومنظمة التحرير.. فهي بنظر العالم صاحبة الأمر وممثل الشعب، وان تنازلت فلا بأس من أن يتنازل البعيد.
والسعودية.. فهي الرمز الديني، والقائد الروحي، والثقل الاقتصادي، والأخ الكبير بعد مصر...
إن السلام الذي عقدته مصر شجع ممثلي الشعب الفلسطيني على أن يحذوا الحذو.
وإن السلام الذي عقدته السلطة شجع كل من بعدها أن لا يشكل العقدة في المنشار.
وإن سلاما قد تعقده السعودية سيكون أثره على العالم الإسلامي وليس العالم العربي فقط. وسنرى دولا إسلامية تسارع إلى عقد سلام أو إقامة علاقات مع دولة الاحتلال.