هناك اعتقاد يقتصر على أن العقوق فقط يتوقف على معاملة الوالدين بما يتنافى مع ما يوجَب في حقهم، لكن في الحقيقة هناك أنواع عديدة مِن العقوق يغفل الناس عنها بسبب قلة الانتباه و عدم الحرص على ذكرها و تذكرها دائماً.

 

 سوف أتحدث في هذا المقال عَن عقوق الوقت أو عقوق اليوم كما اسمّيه دائماً.

 

 ما يجعل هذا النوع من العقوق مختلفاً وخطيراً في الوقت نفسه أنّ الإنسان لا يستطيع إعادته، فصفحته تطوى بمجرد مضيّه

 فالإنسان عبارة عن أيام ماضية وايام مقبلة، فما مضى منها اصبحت في عداد التاريخ لا رجعة لها، فهي لا تختلف عمّن مات ولم تبق منه سوى ذكرى تتلاشى مع مرور الأيام، بينما الايام المقبلة فلها حق على الإنسان أن يبرها بالعمل الصالح والنافع ولا يضيعها بالأمور الفارغة.

 

 إٍن سألتَ أي شخص عن جدول نشاطاته اليومية والاعمال التي يقوم بها يومياً على اختلاف أنواعها المادية والمعنوية والتي يمكن أن تسهم في بناء شخصيته وإثراءها جسدياً وروحياً، سوف تكتشف أن عدد كبير من الأشخاص يضيعون ساعات فراغ كثيرة لو ما تم مقارنتها مع ساعات عمل الشخص، لوجدت أن يومه بالأغلب عبارة عن فراغ.

 

 أنا أسمي تضييع الإنسان معظم وقته بلا منفعة تعود عليه او على مَن حوله "عقوق اليوم"، عُمر اليوم الواحد اربعة وعشرون ساعة، تفويت الساعات بين لَعِب وهزل وفراغ باطل يقتل يوم الإنسان، فاليوم كريم مع الإنسان في عدد ساعاته ولكن للأسف الإنسان غالباً يعق يومه ويضيع هبة عظيمة أنعمها عليه الله عز وجل.

 

 الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز أقسمَ بالعصر، وفسّر كثير من العلماء كلمة العصر على أنها الوقت.

 

ولقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّ الإنسان يوم القيامة سوف يسألُ عن أمور مهمة مِن حياته في الدنيا ومنها وقته في الدنيا، الى درجة أنه قال عليه الصلاة والسلام: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟

 

 يمكن اعتبار هذا الحديث وإدراجه في باب استغلال الوقت، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لرجلٍ وهو يَعِظُه: ((اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شبابَكَ قبلَ هَرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناءكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَراغَكَ قبلَ شُغلِكَ، وحياتَكَ قبلَ موتِكَ))

 

 قد يسأل سائل كيف يضيع الإنسان وقته ويعِق يومه، وتتلخص الاجابة فيما إورده الإمام الماوردي رحمه الله في أدب الدنيا والدين عن بعض البلغاء أنه قال: من أمضى يومه في غير حق قضاه، أو فرض أداه أو مجد أثله، أو حمد حصله، أو خير أسسه، أو علم اقتبسه، فقد عق يومه وظلم نفسه.

 

 المقصد مما قاله الماوردي أنّ كل وقت يمضي في غير طاعة الله وتهذيب النفس وتنميتها وبنائها بما هو نافع لها بالعلم والعمل هو وقتٌ ضائع، والأحرى للإنسان أن يندم شديد الندم على ضياعه.

 

 في الوقت الحاضر، من السهل معاينة وتعيين المَواطن التي يضيع فيها الإنسان معظم اوقاته مثل مواقع التواصل الاجتماعي بكافة أنواعها والمقاهي  و متابعة الأنشطة الرياضية و تحديداً مباريات كرة القدم و المناقشات الفارغة التي تدخل ضمن اللغو الذي نهى عنه القرآن الكريم.

 

 سمعتُ الشيخ سعيد الكملي في أحد دروسه ينصح طلاب العلم و يؤزهم لطلب العلم على حساب الكسل و العجز التي تسكن نفوس طلاب عصرنا بقوله هذه الابيات:

 إذا كان يؤذيك حر المصيف ويبس الخريف وبرد الشتا

 ويلهيك حسن زمان الربيع فأخذك للعلم قل لي: متى؟!

 

 مسألة عقوق اليوم ليست هينة بل الأمر عظيم وجلل. الإنسان لا يرضى أن يعود مِن عمله بلا مقابل مادي، فكيف يرضى لنفسه أن تنهي يومها كما بدأته، هلك مَن قدَّم الدنيا على اصلاح نفسه ولم يوفر لها وقتاً لتكون أفضل بالعلم النافع و العمل الصالح.