قراءة في مشهد الانتخابات البلدية الفلسطينية -2022

مركز الميدان للدراسات والاستشارات

اعداد: معتصم سمارة

أعلنت لجنة الانتخابات المركزية اليوم الأحد، النتائج الرسمية للمرحلة الثانية من الانتخابات المحلية، التي جرت في 50 هيئة محلية بالضفة الغربية يوم أمس السبت، حيث تضمنت النتائج عدد الأصوات والمقاعد التي فازت بها كل قائمة، إضافة إلى أسماء الفائزين.

وقال رئيس لجنة الانتخابات المركزية الدكتور حنا ناصر في مؤتمر صحفي عقده في المركز الإعلامي داخل مقر اللجنة بمدينة البيرة، إن نسبة الاقتراع النهائية في المرحلة الثانية بلغت 53.69% من أصحاب حق الاقتراع البالغ عددهم 715,413، مبيناً أن هذه النسبة صدرت بعد انتهاء كافة المقترعين المتواجدين داخل المراكز من الإدلاء بأصواتهم.

ولفت إلى أن عدد المقترعين الإجمالي وصل إلى 384 ألف، وأن نسبة الأوراق الصحيحة من هذه الأصوات بلغت 97%، ونسبة الأوراق البيضاء 1% والأوراق الباطلة 2%.

وأضاف الدكتور ناصر بأن لجنة الانتخابات المركزية اجتمعت صباح اليوم الأحد، ونظرت في كافة الشكاوى والتقارير المقدمة من هيئات الرقابة، حيث رأت اللجنة أن أياً من هذه الشكاوى لا تؤثر على نتائج الانتخابات، وعليه أقرت اللجنة النتائج الرسمية للانتخابات.

وتبين النتائج أن نسبة المقاعد التي حصلت عليها القوائم المستقلة بلغت 64.4% من العدد الكلي للمقاعد المتنافس عليها والبالغة 632 مقعداً، بينما حازت القوائم الحزبية على 35.6%.

كما أعلنت اللجنة أسماء القوائم ومرشحيها الفائزين بالتزكية في 23 هيئة محلية ترشحت في كل منها قائمة انتخابية واحدة مكتملة.

وكانت أعلى نسب التصويت في بلدية ترقوميا/الخليل، حيث بلغت نسبة الاقتراع 85% فيما كانت أقل نسبة تصويت في مدينة البيرة، حيث بلغت 30.40% فقط، وقد شكلت الإناث ما نسبته 19% من عدد المقاعد الفائزة، بينما شكل الذكور 81% الباقية، أما أعمار الفائزين فقد توزعت كالاتي:

من 25-35 سنة 16%

من 36-45 سنة 27%

من 46-55 سنة 30%

من 55 فما فوق 27 %

ولا بد أن نشير إلى أن 29 قائمة فازت تلقائياً كونها ترشحت لوحدها ولم يترشح في مقابلها أحد، كما أن 23 مجلس بلدي لم يترشح لقيادة مجلسها أي أحد، ما يعني أن لجان معينة من الحكم المحلي هي من ستشغل مجالسها المحلية ، بقي أن نشير إلى أن 50 بلدية هي التي جرت فيها الانتخابات في هذه الجولة بما فيها البلديات في المدن الكبرى.

عند دراسة الأرقام في الأعلى سنخلص إلى جملة من المؤشرات الناتجة عنها أبرزها:

-         انخفاض نسبة التصويت يشير إلى وصول نسبة من الناس مرحلة اليأس من القدرة على تغيير الواقع، وإلى انتشار حالة من اللامبالاة عند نسبة لا بأس بها من الناس وخاصة في المدن الكبرى.

-         من خلال متابعتنا لمجريات الانتخابات فإن الأغلبية الصامتة هي التي غابت عن صندوق الاقتراع، أما الأشخاص المؤطرين تنظيمياً فهؤلاء على الأغلب مارسوا حقهم الانتخابي.

-         بالرغم من فوز القوائم المستقلة في مواجهة قوائم حركة فتح إلى أن الناخب أرسل رسالة مفادها، أن لا بديل عن المشاركة والتعاون بين كل الأطراف في إدارة الشأن الفلسطيني حيث فازت قوائم عديدة من المستقلين والمحسوبة على التيار الإسلامي

-         برز في هذه الانتخابات انخفاض سن المترشحين حيث ضمت القوائم المختلفة العديد من الشباب، وهو ما انعكس على نسبتهم في الفائزين، حيث وصل إلى مقاعد المجالس المحلية ما نسبتهم 43% ممن هم دون سن 45، وهو مؤشر مهم على إدراك المجتمع لقيمة ودور الشباب في صناعة الغد وصياغة رؤيته له.

-         بالرغم مما ذكر في النقطة السابقة الى أن الملاحظ في يوم الانتخابات هو غياب لشريحة الشباب عن التصويت أكثر من غيرها، ولا شك أن هذا يعود لأسباب كثيرة من أهمها غياب أي نشاط سياسي أو نقابي حقيقي في الضفة الغربية منذ سنوات طويلة وسيطرة السلطة على الفضاء العام.

-         بالرغم من مقاطعة حركة حماس رسميا للانتخابات الى أن القوائم المستقلة، سواء المقربة منها أو المحسوبة على العائلات والعشائر أو تلك المؤلفة من شخصيات مهنية ورجال أعمال، استطاعت أن تشكل نداً قوياً للحزب الحاكم بل والانتصار عليه فعلياً، ما يشير الى رفض الشارع الى تفرد جهة معينة لوحدها  بإدارة الشأن العام.

-         شاب الانتخابات وما بعدها بعض الخروقات التي لم تؤثر على سير العملية أو جوهر النتائج، ولكن بعض الممارسات توحي بكل وضوح أن هناك أطراف ما زالت غير مقتنعة أصلا أنه يمكن لأحد أن ينافسها مواقع الحكم، وحتى إن اقتصر ذلك على بلدية محلية.

-         ما زال الانقسام داخل حزب السلطة مستمراً، فبالرغم من التهديد بالعقوبات لكل من يترشح من الحركة ومناصريها في مقابل قوائم التنظيم، الا أن قوائم كثيرة ترشحت في مواجهة فتح تحت اسم قوائم مستقلة، بل تعدى الأمر ذلك ليتم تسجيل أكثر من قائمة باسم فتح لنفس المجلس المحلي، كما حدث على سبيل المثال لا الحصر في العيزرية، سلفيت، بيت ساحور، بيت جالا، الظاهرية وغيرها .

-         برز في هذه الجولة رغبة واضحة لدى قوائم حركة فتح، وفي مناطق عديدة، الترشح بأسماء مستقلة وليس باسم قائمة فتح، وقد جاء ذلك بناء على رغبة هذه القوائم بعدم تحمل العبئ الثقيل الملقى على كاهل فتح، نتيجة أخطاء السلطة وممارساتها المرفوضة جماهيرياً، حيث جرى ذلك في بلديات بعض المدن الكبرى مثل نابلس، البيرة، بيت لحم، أريحا، بير زيت وغيرها الكثير من البلدات.

-         ظهر في هذه الجولة حضور لتيار دحلان من خلال قوائم مستقلة، والتي سرعان ما أعلنت عن رفضها التحالف مع قوائم فتح كما حدث في قلقيلية، حيث أعلنت الكتلة المستقلة التابعة لدحلان عن منح أصواتها لقائمة مستقلة محسوبة على التيار الاسلامي، رافضة بذلك التعاون مع قائمة فتح الفائزة.

-         لا بد من الإشارة الا أن قوائم حركة فتح كانت أكثر استعداداً من غيرها لهذه الجولة، كما أنها اعتمدت على منظومة تنظيمية وإعلامية جاهزة، إضافة الى ما تلقته من دعم الكثيرين من العاملين في المؤسسة الرسمية، وهو ما أعطى هذه القوائم أفضلية نوعاً ما قبل الانتخابات.

-         لا بد أن نسجل لصالح الحكومة ومؤسساتها المختلفة توفيرها لأجواء مناسبة ساعدت على اتمام العملية الانتخابية بصورة حضارية الى حد ما.

 

إنَّ إجراء الانتخابات بحد ذاته هو أمر ايجابي وضروري، والأصل أن تجري الانتخابات بصورة دائمة، وأن تأتي بدافع من الداخل وليس نتيجة لضغوط خارجية، بل إن الانتخابات باتت مؤخراً (الرئاسية والتشريعية) هي المخرج، ربما الوحيد، من حالة الانقسام المستمرة منذ أكثر من خمسة عشر عاماً ، ولا شك أنها حاجة وضرورة مجتمعية بعد ازدياد حالة الاستقطاب والتجاذب في الشارع الفلسطيني، وسيادة منطق البلد النا عند فئة من الناس التي تعتقد أن مكانها الدائم في سدة الحكم مهما مارست من أخطاء أو ارتكبت من تجاوزات.