بن غفير والاستهداف الدائم للأسرى..

مشاركة بن غفير بنفسه في اقتحام اقسام سجن جلبوع برفقة قوات مدججة من مصلحة السجون الصهيونية قبل يومين أعاد الى الواجهة المساعي الدائمة والحثيثة التي لم يتخلى عنها الإرهابي المتطرف بن غفير منذ أن كان خارج الحكومة.

فمنذ اللحظة الأولى التي أراد بن غفير دخول معترك السياسة كان موضوع الاسرى حاضرا في ذهنه، هو حاقد على كل ما هو غير يهودي، وحقده على الفلسطيني اشد، وحقده على المقاومين من أبناء هذا الشعب لا يفوقه حقد. والأسرى أبرز شريحة في هذه الفئة، ولعلها الأضعف من حيث الإمكانات وحرية الحركة والفعل.

عندما أعلن هذا المتطرف دعايته الانتخابية كان التضييق على الاسرى عنوانا حاضرا وبقوة، فأطلق وعودا كثيرة منها إقرار قانون الإعدام بحق الاسرى الذين شاركوا في عمليات المقاومة، ومنها سحب منجزات الاسرى التي حققوها بعرقهم وجوعهم ودمائهم، واعادتهم الى "العصر الحجري" ليعيشوا ظروفا لا تصلح للعيش الادمي.

حقق بن جفير وحزبه انتصارا في الانتخابات مكنه من التفاوض بقوة ليصبح جزءا من الائتلاف الحاكم، فكان على رأس اشتراطاته لقبول التحالف أن يحصل على وعد بتقديم قانون اعدام الاسرى لإقراره في الكنيست. ثم حافظ على ذات الهدف والبوصلة موجهة خلال التفاوض لتوزيع الحقائب لكي يحصل على الوزارة التي تتابع ملف الاسرى... وقد كان. ثم مارس ذات الدور منذ الشهر الأول لتسلمه حقيبة "الامن القومي" فبدأ بالعمل على سحب منجزات الاسرى تباعا، فألغى المخابز التي كانت لدى الاسرى، وضيق عليهم في ساعات الاستحمام، وسعى الى جعل علاج الاسنان على حساب الاسرى وبأضيق نطاق، وقدم قانون الغاء الافراج المبكر، وحاول ان يقلص زيارات ذوي الاسرى الى مرة كل شهرين... ولا زال يتفنن في استخراج الأفكار التي تضيق الخناق على الاسرى وتحقق رغباته التي يمكن تلخيصها في اثنتين: الدعاية والظهور الإعلامي، واشباع حقده النابع من قناعاته العقدية المتجذرة في فكره وسلوكه.

ماذا حقق بن غفير من خلال حربه للأسرى...؟!

لا شك ان بن غفير رغم رعونته في اتخاذ القرارات الا انه يسير في موضوع الاسرى نحو اهداف محددة، وان كنت اعتقد انه لا يملك خطة تفصيلية تحقق هذه الأهداف ضمن أفضل طريقة واقل تكلفة، ورعونته تظهر في محاولته الوصول الى الأهداف الاتي وضعها نصب عينيه.

حتى اللحظة لم يحقق بن غفير الكثير من النتائج التي كان يرجوها لأسباب نذكرها لاحقا، الا أن ذلك لا يعني انه لم يحقق شيئا، فالمتتبع لشؤون الاسرى يدرك أن واقعهم المعيشي تراجع بنسبة ما بعد تسلم بن غفير منصبه، ويمكن أن نقول ان واقعهم تراجع في بعض المنجزات التي تم سحبها جزئيا او كليا، رغم ان ما تم سحبه محدود جدا بفضل صمود الاسرى، الا أن مصلحة السجون ضيقت عليهم في البنود التي ذكرناها سابقا وبقدر لا يمس جوهر حياتهم اليومية ان وقف الامر عند هذا الحد.

لكنه ربما أنجز توتيرا في واقع الاسرى ونزع استقرارهم. من يعيش تجربة الاسر يدرك ان الأسير يرنو الى الاستقرار، فهو يوفر له الهدوء والامن النسبي، ويوفر له الأجواء الملائمة لتحقيق المزيد من المنجزات على الصعيد الشخصي والثقافي، وفي الوقت الذي تتوتر الأجواء وتبدأ الخطوات النضالية فان مجمل البرامج الإدارية والثقافية تتعطل جزئيا او كليا.

أما على صعيده الشخصي فقد حقق بن غفير زوبعة إعلامية حوله، وهي الأجواء التي يحبها ويجد نفسه بها، الا أن هذه الزوبعة لم تخدم حزبه ولا حتى شخصه على المستوى الانتخابي، واستطلاعات الرأي توضح ذلك، وطريقة التعامل معه في الاتلاف الحكومي تشير الى أنهم يتعاملون معه كإنسان طائش لا يمكن الاعتماد عليه او الوثوق بحكمته.

التداعيات...

وان حقق بن غفير بعض النجاحات المحدودة التي ذكرنا، الا أن حجم الإخفاق فاق ذلك بكثير، ولعل شكل الإخفاق الأبرز هو: عدم قدرته على تحقيق الأهداف التي وضعها واضطراره الى التراجع مرة بعد مرة أمام صمود الاسرى ووقفة الشعب الفلسطيني من خلفه. لكن الشكل الاخر من خفاقه هو التداعيات السلبية التي عاد بها مع كل محاولة، تداعيات على دولته وعلى الواقع المحيط بشكل عام.

فقد اندفع بن غفير في حربه للأسرى دون مراعاة لظروف أو أحداث أو تداعيات، ودون اختيار التوقيت الأنسب أو الطريقة المثلى، وبغض النظر عن المآلات وما يمكن أن تصل النتائج. مما اضطره الى التراجع الذي ذكرناه، ومما اضطر رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو الى التدخل مرة بعد مرة لينقذ الأمر ولينزله عن الشجرة وليمنع الاحداث من الانزلاق الى المجهول. ولو ترك بن غفير وقراراته دون تدخل لبلغت الأمور مبلغا شديدا، على كيانه وربما على المنطقة عموما.

 

إذا لماذا لم ينجح بن غفير واضطر للتراجع مرارا، ولماذا تدخل نتنياهو مرة بعد مرة ومنعه من الاستمرار في قراره لمرات عديدة...؟!

لا شك ان العامل الأهم والابرز الذي أفشل بن غفير والجأه الى التراجع عن كثير من مخططاته هو صمود الاسرى أنفسهم، واصرارهم على انتزاع حقوقهم والحفاظ على منجزاتهم. وقد استلزم هذا الامر منهم عزيمة صلبة وإرادة حديدية، كما استلزم حسن إدارة للمعركة، وحكمة في التقدم والتأخر.

أما العامل الثاني فهو الشعب الفلسطيني الذي لا زال يعتبر الاسرى خطا احمر ونقطة اجماع، فوقف من خلف الاسرى في معاركهم واستعداداتهم، وكانت المقاومة الحاضر الدائم الذي قوى ظهر الاسرى واشعر العدو انهم لا يحاربون لوحدهم، وأن الشعب والمقاومة والقوى المجتمعية تقف من خلفهم، وربما هذا الذي دفع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تتدخل مرارا لمنع قرارات وسحب أخرى، وهو عين ما دفع نتنياهو الى تبني وجهة النظر هذه مرة بعد مرة.

 

هل انكسر بن غفير... وهل انتهت معارك الاسرى؟!

لم ينكسر بن غفير بعد، ولما تنتهي معارك الاسرى، ولعل مرحلة ما بعد أعياد يهود تكون أقسى على إخواننا الاسرى. سيبقى بن غفير يقدم مشروعا تلو الاخر، ويحاول أن يخنق الاسرى، فالأيام القادمة حبلى بالتطورات.