قراءة سياسية لمناسك الحج (1)
السيادة الكاملة
لا بدّ من فهم فريضة الحج في السياق السياسي الاوّل حيث كانت السيادة على مكان الحج لزعامة مكة التي كانت تحكمها عادات جاهلية مع بقايا ارث ديني متوارث منذ سيدنا ابراهيم عليه السلام وقد تحوّل التوحيد مع مرور الزمن الى عبادة الاصنام والشرك ، وقد تحوّل هذا الدين الى حالة من التوظيف لتثبيت السيطرة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ولتشكيل موروث ثقافي جامد وثابت يديم هيمنة الزعامة القبلية والمتنفّذ فيها طغمة من رجالات مكّة يمسكون فيها رقاب الناس بقسمتهم الى أسياد يدورون في فلكهم وعبيد يقومون على خدمتهم ..
وكان أمام الدين الجديد عدة سيناريوهات سياسية:
السيناريو الأول : إما أن يندرج في هذه السياسة ويقرّ بها ويأخذ جانب تصالحي لا يصطدم بهذا الوضع الطاغي والمهيمن فيفصل الدين عن السياسة ويطمّن المتنفّذين بعدم تضرّر أوضاعهم ومصالحهم وأن يكتفي بدين لا شأن له بما يخلخل الوضع القائم فيرضون عنه ويعطونه هامش ضيّق أو ملعب صغير لممارسة ما يحلو لهم به شرط أن لا يتدخّلوا في سياسة البلد ولا اقتصاده .
السيناريو الثاني: أن يتقاسموا السيادة السياسية فيأخذون ويعطون ما يرضيهم ويرضي تلك الزعامة القائمة فيتقاسمون المناسك والشعائر والاوامر والنواهي والاعراف والتقاليد ويصبح في مكة ثقافتين القديمة السائدة وثقافة الدين الجديد دونما تضارب أو تعارض قدر المستطاع.
السيناريو الثالث: أن هذا الدين لا يقبل ابدا إلا الوراثة الكاملة والصحيحة لديانة ابراهيم مع السيادة الكاملة لله، بمعنى التوحيد الخالص ونبذ الشرك والاصنام مع ثقافة الاصنام وزعامة الاصنام وبالتالي سحب البساط بشكل كامل من تحت تلك السيادة الظالمة والمجحفة وإحلال سيادة التوحيد الخالص والعدالة الكاملة وإحقاق الحق وإبطال الباطل.
فكان السياق السياسي في عمرة القضاء أن تخرج مكة بسيادتها وثقافتها ومعتقداتها وعاداتها وتقاليدها من المكان ليدخل المسلمون بدينهم الجديد وبكلّ أبعاده وعباداته ومناسكه وشعائره وبما يضمن الوراثة الصحيحة لدين ابراهيم عليه السلام دون أيّ انحراف أو تشويه.
ثم بعد ذلك وبعد فتح مكّة جاء الحج ليحمل معه السيادة السياسية الكاملة لهذا المكان المقدّس وليطهّره من الشرك وعبادة الاصنام والتبعية السياسية لتلك الزعامة التي كانت توظّف الحج لخدمة مصالحها وأركان سياستها الباطلة .
كل ما في الحج يؤكد هذه السيادة السياسية المستمدة من وحي السماء وصاحبة الميراث الصحيح لأبي الانبياء وخليل الرحمن ابراهيم عليه السلام .
واليوم بما يسمّى الديانة الابراهيمية ومحاولتهم لعمل كوكتيل ديني مجنون لا يبتعدون كثيرا عن تلك الزعامة الجاهلية لتي كانت تدّعي الانتساب لابراهيم عليه السلام وسيدنا ابراهيم منهم براء.
فريضة الحج جاءت لتحرّر الناس من كلّ اشكال الصنميّة والشرك والتبعية والخضوع لغير الله بشكل عملي في أرض النبوة والرسالة بينما هناك من يعمل لتفريغها من هذه الروح وليجعلها عبادة شكلية لا صلة لها بالواقع أو السياسة والصنميّة الجديدة المتنفّذة هذه الايام بكلّ بشاعة وعهر.