النكسة نكسة ادراك

 

أسوأ ما في الاحتلال أن ضرره لا يقتصر على مظاهر الاحتلال المادية من نهبٍ للأراضي و قتلٍ للشعوب بل يتعدى ذلك ليشتت وعي الشعوب المحتلة بحيث تصبح عاجزة عن ادراك مواطن الخلل و نقاط الضعف الحقيقية التي تسلل من خلالها المحتل لاحتلال هذا الشعب.

ولأن المحتل الصهيوني معروف بقدرته الدعائية و الإعلامية في تأثيره على الشعب فقد تمكن من زرع جملة من أسباب الاحتلال الوهمية التي سوَّق لها على انها الاسباب الحقيقية التي تمكن من احتلالنا من خلالها.

فهو يريد منا أن نرى الصورة التي يريدها مجتزأة. لا أن نراها كاملة واضحة معروفة الحدود معلومة الجوانب .

ومن ذلك أننا ما زلنا عند تعيين أسباب نهاية ثورة 1935بقيادة الشيخ القسام بالشكل الذي انتهت به نلقي باللوم على احد المقاتلين الذي خالف أوامر اطلاق النار و بادر من تلقاء نفسه. وفي هذا قصور لرؤيتنا لأي حالة تقييم لكل ما يتعلق بشؤوننا الفلسطينية.

فالنكسة الفلسطينية جاءت كنتيجة لتأخرنا في ادراك الشعور بالخطر و من ثم الهزيمة لاحقا .

فانشغلنا بعيوب غيرنا من تقصير الدول العربية والامة الإسلامية عن ابصار عيوبنا التي قادتنا الى ما نحن فيه. ومن لم ير عيوبه فسيبقى مراوحا مكانه. حتى اننا غفلنا عن أسباب نشوء المجتمعات وانهيارها. وعن قوانين القران الربانية في التغيير. (ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ).

فالنكسة لم تأت على شعب معافى في نظامه وسليم في اقتصاده ونخبته السياسية لنتمكن من القاء اللوم على غيرنا. فالفقر أنهك الناس بين ضرورات العائلة ومتطلبات الاقطاعي الانتهازية.

والنخبة إما عائلية ذات مطامع ومطامح أضاعت المصلحة الوطنية على حساب مصالحها الخاصة واما نخبة جماهيرية وعظيه تصدرت الحديث عن هموم الشعب و تطلعاته عبر امتلاكها للقدرة الخطابية مفتقدة لمقومات الممارسة السياسية و لإمكانيات حشد طاقات الشعب و توزيعها.

فأعطاها الشعب ثقته في إدارة القضية وشؤونه السياسية والعسكرية حتى وجد العصابات الصهيونية اما منزله تفجر البيوت وتقتل الأطفال وترتكب أبشع المجازر فيها.

إذا علينا أن نتفق انه كلما زاد وعي الشعب بشكل عام زاد مقدار شعوره بالخطر المحدق حوله. فالشعور تابع للإدراك. والانسان بطبعه يشعر بالخوف مما يستطيع إدراك شره. والتحرك ضد الخطر هو نتيجة للشعور أولا به الذي يولده الادراك. والنكسة جاءت بعد تخطيط سنوات من طرف الصهيونية على شعب جاء شعوره بالقلق - من (أولاد الميتة) على حد وصف الفلسطيني للمستوطن في بداية استيطانه - متأخرا.