متلازمة ستوكهولم

 

حِين تتَعاطف الضحية مع جَلادها يصيرُ لدينا سلوكٌ غير سوي ، سُمي هذا السلوك من طرف علم النفس الإكلينيكي بمُتلازمة ستوكهولم .

إذن لنَعُدَّ عدد المرضى عندنا بهذه المتلازمة .

كي لا أُجانب الصواب سأقول إن فئات اجتماعية كثيرة مُصابة بمتلازمة ستوكهولم ، وأفراد كثر مُصَابون بهذا الداء العي ، وجماعات بشرية أقرب إلى التَّنميط والقطيع تفَضل هذا السلوك .

كثيرٌ منا يرفع صور الزعيم ، وهو واقف ، وهو جَالس ، وهو ببذلة سموكينغ ثَمينة ، وهو بقميص صَيفي مُريح ... الزعيم نفسه هو من أعطى أوامر جلد من يَرفعون صوره .

كثيرٌ منا يُذبج آيات مدح ، ويقرضِ قصائد طوال، ويُنَمق عبارات رنانة ، في حق مسؤول ، هو نَفسه المسؤول الذي اعتقل ،وعذَّب ،ونفى ، وتجاوز القوانين.

كثير منا ردَّد شعار * ليعش الرئيس ...* والرئيس هو من نَّكل بكل هدوء بأَغلب فئات الشعب .

علاقاتنا الاجتماعية هي الآخرى تتمحور حول متلازمة ستوكهولم ، فَنحن نُقدر أَكثر من يهيننا ، ونَعتبر من يُعاملنا بالحسنى مُجرد ضعيف لا قيمة له ، لقد وُجدنا في بنية اجتماعية تَرفع فيها أَلوية التفاضل عن طريق القوة والسلطة بين أفرادها ، وتُعلي أَكثرنا قوة وسلطة ، وتَجعله محبوبا ممن يَتسلط عليهم .

في الشارع نضْطر إلى اظِهار قوة مُصطنعة ، لأن هناك من قَال لنا في زمن ما أَن القوة هي مرادفٌ للمكانة الاجتماعية ، لذا نحب من له مكانة اجتماعية حتى وإن كانت مَكانته وسُلطته يستعملها ضِدنا ، فنحن في عقلنا اللاواعي نتمنى أنْ نكون في مكانه ، لذا نُحب مكانَتَه عبر حبه هو نفسه .

في الحب هو الآخر تَظهر متلازمة ستوكهولم ، مما يعني أنه امتلاك وليس حبا بمعناه النبيل ، يَتحول الحب إلى وسيلة للامتلاك ، يتحول فيه طرفٌ إلى ضحية تُحب جلادها حبَّا مَوهوما وإلى حد الجنون .

مات ملوك ، ومات َرؤساء عَاشوا بالدم ،وجنرالات حملوا الكلاشينكوف طيلة حياتهم قضوا نَحبَهُم ، فَخرجت فئات كثيرة في مُظاهرات النُّواح والبكاء على من رحل ، ومَن رحلوا هم أَنفسهم من جَوع الشعب ،ومن تجاوز كل الحدود المَعقولة في التسيير وتدبير حياة البلاد والعباد .

حُكوماتٌ كثيرة فاشلة ، وفشلها كَان واضحا لا يَحتاج إلى إيضاح ،تَمَّ إعادة انتخابها مرة آخرى وبتغييرات بسيطة ، هذه الحكومات تفننت في جَلد ظهر الشعب

مُتلازمة ستوكهولم كما تَمس الفرد تمس أيضا الجماعات ، وجَماعات كثيرة في مجتمعاتنا مريضة بهذه المتلازمة .

متلازمة ستوكهولم هي استعبادٌ مُختار ، الضَّحية تُحب جلادها دون أَن يفرض عليها ذلك ، وتَتعاطف معه، وتنسى جلدهُ لها ، وتجعله بشكل غير مباشر يتفنن في جلده .

للأَسف الكثيرُ منا يحبون جلاديهم .

في الشارع يَخاف المواطن البسيط من *رجل عصابة* عنيف ، ومن رجل أمن ينْظُر شزرا إلى الجميع ، وبَعدها يَجد هذا المواطٍن نفسهُ -دون أن يدري- معجبا بهذه الشخصيات ، معجبٌ بمكانتها ، فيتحول الإعجاب إلى حب وتعاطف ، وإن كان هذا* الرجل عصابة * ورجل الأمن هو من قام بِصفعه ، أو هُو من قام بأخذ رشوة منه ...

ألا نَتحدث عن إِعطائنا الرشوة لمسؤول ما بِكل راحة ،واعطاء الرشوة هو جَلد لظهر المُواطن ،ألا يَعني هذا تعاطفنا مع هذا السلوك ، وتعاطفنا مع من يفرض علينا الرشوة ...؟؟؟

التلاميذ والأطفالُ تُنما فيهم متلازمة ستوكهولم ،فَفي أَحاديثهم التي لا تنتهي ، يُقدرون الأستاذ الذي يتفنن في قمعهم، والشخص الذي ينظُر إِليهم بأنفة ،يذكرونَه بصفات بُطولية،وفي المقابل يَسخرون من الأَستاذ الذي يتخلى عن فلسفة الجلد في القسم .

بكل بساطة ، ولأَننا مجتمعٌ العلاقات الاجتماعية فيه معطوبة ، نَعكس تعاطفنا ، فنتعاطف في الغالب من جلادينا ، ونكره الذين يربتون على أكتافنا بكل هدوء .

رغم أن الفئات الكثيرة، وبدون أن تدري ،تُمجد من يطعَنها ، إلا أن الفئات الواعية بواقعها هي من تَحمل مشعل التَغيير.