الاستهداف "الإسرائيلي" للتعليم في فلسطين

بقلم ثامرعبدالغني سباعنه – جنين

لم يترك الاحتلال "الإسرائيلي" جانب من جوانب الحياة في فلسطين الا واستهدفها، ولم يدع قطاع من قطاعات ومحاور العمل في فلسطين الا وسعى لتدميرها أو افراغها من محتواها، وقد تعرض التعليم في فلسطين لهجمه "اسرائيلية" بدأت مع بداية الاحتلال ولازالت قائمة حتى الان، حرب استخدم فيها الاحتلال العديد من الوسائل والأدوات لضرب التعليم في فلسطين.

التعليم في فلسطين:

مر التعليم في فلسطين بعدة مراحل، ولعل أولها الكتاتيب، وقد ظهر الكُتَّاب عند المسلمين منذ عهد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، وانتشر مع انتشار الإسلام في مختلف البلدان، وكان المكان الرئيسي في العالم الإسلامي لتعليم الصغار، وقد تمتع بمكانة كبيرة الأهمية في الحياة الإسلامية، وبخاصة وأنه المكان الذي يتعلم فيه الصبيان القرآن وبعض العلوم.

التعليم في الزمن العثماني:

يرجع تنظيم التعليم في فلسطين إلى قانون التعليم العثماني الصادر سنة 1286هـ/ 1869م. وقد ترسخ نظام التعليم في قانون سنة 1913 الذي وضع لتقوية إشراف الدولة على المدارس. وعلى الرغم من ذلك ظلت غالبية المؤسسات التعليمية في متصرفية القدس بيد الإرساليات الأجنبية بعيداً عن رقابة الدولة.قسم قانون التعليم العثماني المدارس إلى قسمين: عمومية وخصوصية. وقد وضع نظام المدارس الحكومية العامة حسب النموذج الفرنسي، وكان التعليم مجانياً وإلزامياً (نظرياً)، وكان التعليم الديني أساساً فيه، واللغة التركية لغة التعليم. وأهمل النظام العثماني تعليم البنات على الأغلب.وقد أدخلت بعد الانقلاب العثماني سنة 1908 تعديلات على القانون شملت المناهج والطرق الإدارية المتبعة. وأدرجت في المناهج بالإضافة إلى تعليم القرآن واللغة التركية والتاريخ مواد مبادىء الصحة والموسيقى والطبيعيات والرياضيات، كما أن لغة التعليم في هذه المدارس تحولت من اللغة التركية إلى اللغة العربية. وكان لهذا التغير أثر في جعل المدارس مراكز لبث الوعي الوطني.

التعليم زمن الانتداب البريطاني:

تولت سلطات الاحتلال البريطاني مسؤولية التعليم وخلفت في ذلك الحكم التركي وورثت عنه ما كان موجوداً من مدارس وأجهزة ونظام. وقد تركت معظم ما كان موجوداً على حاله التي كان عليها قبل الحرب. وكان أبرز ما أحدثته من تغييرات إحلال اللغة العربية على اللغة التركية في المدارس الحكومية، وإدخال الإنكليزية في مرحلة معينة من مدارس المدن، وفتح كليتين للتدريب: واحدة للمعلمين وأخرى للمعلمات، لإيجاد ملاكات (كوادر) من المعلمين والمعلمات قادرة على التعليم باللغة العربية. وقد بدأت آلية التعليم أيام الإدارة العسكرية بجهاز إداري صغير مسؤول عن إعادة بناء التعليم، وتنظيم ما ورثته عن الأتراك وتحسينه، وتكييفه والظروف الجديدة. وكانت نواة ذلك مدارس الحكومة في المدن، مع عدد من مدارس القرى، ومعظم المدارس الخاصة. وقد بلغت موازنة التعليم في العام الدراسي 1919/ 1920 مبلغ 53.000 جنيه. أواخر الثلاثينات تقريباً عندما أعاد البريطانيون التمثيل العربي إلى دائرة المعارف وسط ثورة 1936-1939 استرضاء للعرب، فعينوا مديرين مساعدين عربيين تابعين لنائب المدير البريطاني، أحدهما للشؤون الإدارية، والآخر للشؤون العلمية الفنية.تبع تعيين المساعدين العربيين تعيين مساعد يهودي، ومدير مساعد بريطاني للتعليم الفني، ومديرة مساعدة بريطانية لتعليم البنات في الأربعينات، فأصبح عدد المديرين المساعدين خمسة كانوا مسؤوليين أمام نائب المدير البريطاني، ومن خلاله أمام المدير. وقد ضمت الدائرة المركزية في السنة الأخيرة في عهد الانتداب سبعة موظفين كباراً بدرجة مدير مساعد، أربعة بريطانيين، وعربيين، وواحدا يهودياً.

كان في فلسطين أثناء الانتداب البريطاني نظامان منفصلان للتعليم: أحدهما للعرب، والثاني لليهود، وكانا مختلفين اختلافاً كبيراً، سواء في الإدارة أو السلم التعليمي أو المنهاج أو إعداد المعلمين أو التفتيش أو التمويل وغيرها.وكان تعليم العرب ينقسم إلى قسمين: الأول، تديره الدولة وتشرف عليه إشرافاً تاماً، والثاني، كان تابعاً للجمعيات التبشيرية ومستقلاً إلى حد كبير عن سيطرة الحكومة.أما تعليم اليهود فقد كان مستقلاً استقلالاً تاماً عن الدولة ويتبع الأحزاب اليهودية التي كان ينسق بينها مكتب تعليم تابع لفاعد ليئومي (المجلس الوطني ليهود فلسطين) 

كانت ميزانية التعليم من جهة أخرى قليلة جداً لا تسد حاجة العرب إلى تعليم أولادهم ولا تتيح فرص التعليم للكثير من أطفالهم. ولم تتعد موازنة التعليم في أولى السنوات الدراسية أيام الادارة المدنية (1920/1921 ) مبلغ 78.000 جنيه. وكانت نسبة ما ينفق على التعليم قليلة جداً بالقياس إلى مجموع النفقات الأخرى، ولا سيما نفقات الأمن العام.

مع أن بريطانيا كانت تتستر في سياستها على فلسطين ، بأنها ليست محتلة أو مستعمرة ، بل هي وصية على فلسطين ، أرضها وشعبها ، كانت تدعي بأنها تعمل جاهدة لتطوير الشعب الفلسطيني كي يصل الى بر الأمان ويصبح لديه المقدرة في حكم نفسه بنفسه ، لكنها لم تعمل أي شيء من هذه الوعود الكاذبة ، كل ما فعلته هو تنفيذ وعدها للحركة الصهيونية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ، وعندما ايقنت أن مفاتيح هذا الوطن أصبحت بأيدي اليهود ، تركت البلاد في حالة من الفوضى والقتال يوم 15 أيار عام 1948. تشير الاحصائيات كما وردت في الموسوعة الفلسطينية ، أن عدد المدارس الرسمية ، أي الحكومية الابتدائية الكاملة ، التي تتألف من سبع سنوات دراسية في العام الدراسي 1945- 1946 ، 125 مدرسة ضمت حوالي 2500 طالب في الصف السابع الابتدائي ، وكان في البلاد عام 1946- 1947 ، أربع مدارس ذات صفوف ثانوية كاملة ، ثم ارتفع العدد الى 12 مدرسة في عام 1947 -1948 ، كما كان هناك نحو ثماني مدارس ثانوية للذكور والاناث ، لم تكتمل فيها سنوات الدراسة الثانوية .

التعليم في فلسطين بين الاعوام (1948-1967) : في هذه الفتره التي تلت الاحتلال "الاسرائيلي" لجزء من فلسطين، اصبح التعليم في فلسطين تحت اشراف ثلاث انظمه، ففي الضفة الغربية كان التعليم تحت اشراف الاردن ووفق وزارة التربية والتعليم الاردنية، وفي غزة بات تحت النظام المصري، وفي الداخل الفلسطيني سادت القوانين والنظم "الاسرائيلية".

المنهاج التعليمي في فلسطين:

التعليم في القدس :

أقدمت سلطات الإحتلال على إغلاق مكتب التربية والتعليم لمحافظة القدس واعتقلت مدير التربية، وقامت بإلحاق جميع المدارس الحكومية التابعة لوزارة التربية والتعليم الأردنية بجهاز سلطات المعارف الإسرائيلية وإدارة المعارف بجهاز البلدية في حين وضعت المدارس الرسمية في الضفة والقطاع تحت إشراف ضابط التربية، وأما المدارس الخاصة فقد ضمت الى وزارة المعارف وفقاً لقانون رقم (564) لعام 1968. وقصدت سلطات الاحتلال من وراء سياساتها التعليمية الى السيطرة الكاملة مع المدينة وإضعاف ارتباطها بالمدن الفلسطينية في الضفة الغربية، والى تكميم العربية القومية في مجالات الانتماء للقيم التراثية والوطنية والحضارية العربية وذلك من خلال تطبيقها للمنهاج الإسرائيلي، الذي هدفت فلسفته الى غرس نفوس الأطفال حقيقة مفادها أن البلاد يهودية في الأصل وتم تحريرها من الدخلاء. من هنا لقد لحق بالتعليم في القدس الشريف أضراراً عظيمة فقد عملت سلطات الإحتلال على تعيين مدرسين ومعلمين في المدارس العربية لا يحملون مؤهلات تربوية وفنية تتيح لهم حق ممارسة مهنة التعليم، فكثيراً منهم حملوا فقط شهادات الثانوية العامة، كما لم تقم سلطات الإحتلال من تطبيق التعليم الإلزامي، كما لم تفرض على أولياء الأمور تسجيل أبنائهم وبذلك تفشت ظاهرة التسرب في المدارس، ومنعت إعطاء المؤسسات الوطنية التراخيص لبناء مدارس جديدة وتوسيع المدارس القائمة في الوقت الذي تلزم فيه أصحاب العقارات بدفع كافة أنواع الضرائب البلدية والدخل والضرائب الإضافية، ويتم معاملتهم كسكان القدس الغربية مع التباين الكبير في مستويات المعيشة والدخل، ولقد لاقت الإجراءات الإسرائيلية في قضايا التعليم مقاومةً شديدة من قبل السكان والجهاز التعليمي ورفض تام من مديري المدارس والمعلمين وقامت باعتقال عدد من المدرسين وإغلاق مكتب التربية واعتقال مدير التربية ومساعده، وقد رفض غالبية المعلمين العمل في المدارس التابعة لوزارة المعارف وتوجهوا الى المدارس الخاصة والأهلية التي ظلت تطبق المنهاج الأردني، وقد لعب المعلمون دوراً كبيراً في تشجيع أولياء أمور الطلبة إلى نقل أبنائهم الى المدارس الوطنية سواء ما كان تابعاً للأوقاف الإسلامية أو للأديرة والكنائس المسيحية والمدارس المملوكة لجمعيات او أشخاص

يشرف على التعليم في القدس خمس جهات مختلفة وهي:

1- مدارس الأوقاف: وهي مدارس مديرية التربية والتعليم في القدس، وتعمل ضمن إطار وزارة التربية والتعليم الفلسطينية وتلتزم بالمنهاج الفلسطيني.

2- المدارس الأهلية والخاصّة: وهي المدارس التابعة للكنائس او الجمعيات الخيرية او مدارس أهلية وخاصة (تتبع أفرادا). وتلتزم المدارس بالبرامج التعليمية الفلسطينية والمنهاج الفلسطيني رغم أن غالبيتها يعمل تحت ضغوطات اسرائيلية بسبب حصولها على مخصصات اسرائيلية شهرية.

3- مدارس المعارف والبلدية: وهي المدارس التي تدار بشكل كامل ومباشر من دائرة المعارف الاسرائيلية وبلدية الاحتلال وتخضع لتطبيق المناهج الفلسطينية المحرفة وجزء منها يطبق فيها المناهج الاسرائيلية.

4- مدارس شبه معارف ( مقاولات) : وهي مدارس مرخصة أي معترف بها ولكن غير رسمية، ويطلق عليها ايضا اسم مدارس المقاولات لأن ادارتها تتعاون مع المعارف الاسرائيلية وتلتزم بتعليماتها كاملة، لفتح صفوف في مبان سكنية، وذلك مقابل مخصصات تتقاضاها من بلدية الاحتلال.

5- مدارس الوكالة : وهي المدارس التي تعمل تحت ادارة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة لمنظمة الامم المتحدة وتلتزم بالنظام التعليمي الفلسطيني والمنهاج الفلسطيني.

ولقد مر التعليم في القدس العربية وضواحيها في ظل الاحتلال في المدارس التابعة للبلدية والمعارف الاسرائيليتين في ثلاث مراحل هي :

1- مرحلة تطبيق المناهج الإسرائيلية الرسمية خلال الفترة ما بين ( 1968/1967-1972/1971 ) في صفوف المرحلة الثانوية.

2- مرحلة تطبيق المناهج الإسرائيلية الموحدة خلال الفترة ما بين العامين الدراسيين (1972/1971-1973/1972).

3- مرحلة العودة لتطبيق المنهاج الأردني في العام (1974/1973) في المرحلة الثانوية ثم طبق المنهاج الأردني في المرحلة الإعدادية ( 1979/1978 ) وفي العام الدراسي ( 1981/1980) جرى تطبيق المنهاج الأردني في المرحلة الإبتدائية مع الحفاظ على تطبيق المنهاج الإسرائيلي فيما يتعلق باللغة العبرية والمدنيات الإسرائيلية.

سياسة الاحتلال تجاه التعليم في فلسطين 1948:

يسعى الاحتلال جاهدا لــ (( أسرلة التعليم في فلسطين ال48 )) من خلال القوانين والنظم المعتمده في المدارس الفلسطينية والعربية في الداخل ، وقد استخدم الاحتلال مجموعه من الادوات لتنفيذ خطته ومنها:

1- تفريغ البلدة القديمة من مدارسها والسيطرة على مبانيها التاريخية وتحويلها إلى منطقة دينية سياحية وتحويل طلبتها إلى مدارس خارج السور لتعلم المنهاج الإسرائيلي فقط.

2- يسعى الاحتلال إلى إغلاق المدارس الخاصة التي ترفض تدريس المنهاج الإسرائيلي، وكذلك إغلاق رياض الأطفال في البلدة القديمة وعددها يزيد عن خمسين وتحويل أطفالها إلى روضات تتبع بلدية الاحتلال، وفتح مراكز جماهيرية تسعى لتطبيع الشباب مع مشاريع وبرامج الاحتلال الثقافية والاجتماعية.

3- نشر ما تسمى "الشرطة الجماهيرية" في أحياء القدس التي تتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية الإسرائيلية لتطبيق برامجها على الأطفال والأسر المقدسية.

4- اعتماد المنهاج الاسرائيلي في المدارس العربية، ومنع تدريس المناهج الفلسطينية.

سياسة الاحتلال تجاه التعليم في الضفة الغربية :

بالرغم من وجود السلطه الوطنية الفلسطينية على جزء من اراضى ومناطق الضفة الغربية الا ان الاحتلال استهدف ولا يزال يستهدف التعليم والمؤسسات التعليمية في اراضي الضفة الغربية من خلال:

1- اعتقال المعلمين وملاحقتهم.

2- ارتقاء عدد من المعلين شهداء بسبب الاعتداءات الاحتلالية

3- اعاقة و وقف بناء المدارس في مناطق في الضفة الغربية

4- محاربة المناهج الفلسطينية والمطالبه بتغييرها بحجة (دعم الارهاب)

5- ملاحقة الطلبة الفلسطينيين واستهدافهم سواء بالاعتقال أو الشهاده أو الاصابة.

6- منع وصول الطلبة الى مدارسهم

7- اغلاق عدد من المدارس

8- اقتحام عدد من المدارس والاعتداء على الطلبة والطواقم التدريسية.

سياسة الاحتلال تجاه التعليم في قطاع غزة:

1- قصف وتدمير المدارس

2- استهداف المعلمين والطلبة سواء بالاصابات أو الاستشهاد.

3- منع الطلبة والمعلمين من السفر بسبب الحصار المفروض على غزة.

4- النقص بالادوات والحاجيات بسبب الحصار.