التواصل الحضاري سلوك اسلامي

بقلم ثامر سباعنه – جنين

قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا))

وقال تعالى ((وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ))

لقد احترم الاسلام عادات وتقاليد لشعوب ما دامت لا تخالف أصول الشريعة الاسلامية، وكان –ولازال- التواصل مع الناس كافة من مقاصد الاسلام، تواصل بالتي هي أحسن ووفق الضوابط التي أقرتها أحكام الشريعة الاسلامية.

الحضارة:

الحضارة عند ابن خلدون هي: "التفنن في الترف وإستجادة أحواله والكلف بالصنائع التي تؤنق من أصنافه وسائر فنونه". وعند أرنولد توينبي: هي الشرارة الإلاهية الخلاقة القادرة على أن تؤول إلى ما آلت إليه سابقاتها. أما عند سيد قطب فهي حين تكون الحاكمية العليا في مجتمع لله وحده متمثلة في الشريعة الإلاهية، وتكون هذه هي الحضارة الإسلامية.

وبناء الحضارة، في فكر محمد فتح الله كولون، بناء ليس كمثله أي بناء ضخامة واتساعا شمولا واستيعابا وامتدادا وأهمية وحضورا. فالحضارة تشيؤ وظيفي يتم عبر الزمن لعناصر التراب بفعل الناس، ووفق النظم التي يتواضع عليها الناس؛ والحضارة شهود ينتسج بحوار الإنسان فردا واجتماعا مع مرجعيته ليستخلص منها قبلته ووجهاته إليها؛ والحضارة شهود ينصاغ بجهد الإنسان وبحواره مع الكون لينتج منه قدرته على الفعل والتسخير كل حسب سهمه في الأيدي والأبصار.

التواصل الحضاري:

إن التواصل الحضاري هو الوصل لا القطع بين طرفين أو مجموعة من الأطراف، بحيث يصل كل طرف إلى الطرف الذي يقابله أو يرغب في الاقتراب منه والتعاون معه. وهذا الضرب من التواصل الراقي إنما ينبثق من الإرادة الجماعية والرغبة المتبادلة والإحساس المشترك، باعتباره ضرورة من ضرورات التعايش والتفاهم بين الشعوب. هو سلوك حضاري بالمفهوم العميق للحضارة، والعالم اليوم في أشد الحاجة إلى هذه الأنماط من السلوكات والممارسات المتحضرة، التي من شأنها أن تخفف من أجواء التوتر وتفتح المجال أمام تعزيز التعاون الدولي عن طريق حوار الثقافات وتحالف الحضارات تدعيما للسلام العالمي؛ بهدف تلاقح.

في أهداف مشروع التواصل الحضاري:

للتواصل الحضاري مجموعة أهداف أولها هدف فكري ويتمثل في تصحيح الصورة التي روجت عن الإسلام عقيدة ونظاما وحضارة. وثانيها هدف سياسي، أي العمل على إشراك الحضارة الإسلامية في صنع القرار الإسلامي والكفاح لأجل إحلال تواصل حضاري مشترك. وثالثها هدف اقتصادي بمعنى أن يكون العالم الإسلامي قوة اقتصادية عالية؛ ولذا يجب بناء اقتصاد قوي حتى تمكن المشاركة في صنع القرار.

الاسلام والتواصل الحضاري:

قال تعالى : ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾

وورد في التفسير الميسر تفسير الاية: ولو شاء ربك لجعل الناس كلهم جماعة واحدة على دين واحد وهو دين الإسلام، ولكنه سبحانه لم يشأ ذلك، فلا يزال الناس مختلفين في أديانهم؛ وذلك مقتضى حكمته.

فالأصل إذا هو التنوع والتعدد ولابد من تواصل حضاري بين الأمم والشعوب، فالله تعالى هو الخالق لكل البشر، جعل سبحانه بين البشر الكثير من المتشابهات والمشتركات والتوافقات في الحياة.

جاءت الرسالات السماوية السابقة للإسلام الذي جاء متمِّماً لها، جاءت لإسلام الحياة لله سبحانه وتعالى فجمعها بذلك اسم الإسلام؛ فالإسلام بهذا المعنى هو دين الأنبياء جميعاً، وهذا ما نطق به القرآن الكريم على ألسنة رسل الله أجمعين: {إنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإسْلامُ} [آل عمران: 19]. لكن الحقيقـة المسلَّم بها هي الاعتراف بوجود الاختلاف في المعتقدات بين الناس، وهي سنة؛ إذ قال الله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَـجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } [المائدة: 48]، ومن ثَمَّ فإن الاختلاف في المعتقدات لا يمنع من التسامح والتعايش بين أتباع الأديان.

ارتباط العالمية في الإسلام بالدين وحضارته هو الأمر الذي جعل العالمية تسير وَفْقَ ضوابط دينية وأخلاقية؛ فالعالمية مستمدة - أصلاً - من وحدة الدين أي كون دين البشرية واحداً من البداية، وهو التوحيد الذي منه تنبثق العالمية؛ فالتوحيد يعني الاعتراف بإله واحد خالق للعالم وللإنسان، وأنه إله للعالم وللبشرية وأمامه يتساوى كلُّ الخلق، ويتوحد كل الكون وتصبح الإنسانية أُخوَّة؛ فكـل الخلق مردود إلى آدم وحواء، والكل يشترك في أُبُوَّة آدم وأمومة حواء؛ وذلك بصرف النظر عن اختلاف الأديان والأجناس والألوان والعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية. وهكذا تنطلق العالمية في الإسلام من وحدة الدين إلى وحدة العالم ووحدة الإنسان الدافعة كلها إلى ضرورة التعارف على أساسٍ من التقوى والتعاون، ورفض الظلم والعدوان بين أبناء البشر والإخوة العائدين إلى أصل واحد، وجعل رسالة الإنسان تعمير الأرض وإقرار السلام والأمن فيها

اللغة العربية والتواصل الحضاري:

اللغة أحد مقومات التواصل بين الحضارات والأمم، واللغة منبع الذكراة وأداة المعرفة والتعبير وجسر تواصلي بين الناس.

اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، كما تعد من أقدم اللغات السامية، وأكثرها تحدثًا وانتشارًا حول العالم، لذلك تم تكريمها من قبل منظمة اليونسكو العالمية بتخصيص يوم الثامن عشر من ديسمبر من كل عام بأنه يومًا عالميًا للغة العربية، وتعدُّ أهمية لغة الضاد في كثرة الناطقين والمتحدثين بها، وبأنها محفوظة في آيات القرآن، باقية ما بقيت السماء والأرض، ولا حديث أجمل من الحديث بالعربية، ولا شعر أجمل من شعر يصف العربية، ومن واجب العلماء والأدباء والشعراء ورجال العلم المحافظة على لغتهم وإثرائها بمؤلفاتهم وقصائدهم، ولذلك نجد جُلَّ هؤلاء حملوا على عاتقهم مسؤولية الحفاظ على اللغة العربية، والتمسّك بها وبجذورها اللغوية.

تحتل اللغة العربية المكان البارز في تفكير العرب وثقافتهم وتعيش نهضة عصرية جديدة، وإنها لقادرة على استيعاب المصطلحات العلمية وتمثيلها، وقد أخذت الجامعات في الأقطار العربية تهتم بتطوير اللغة لاستيعاب مصطلحات العلوم والفنون والصناعات والتكنولوجيا الحديثة.اللغة العربية من لغات العصر ومن لغات العلوم الحديثة والقديمة على السواء، كانت في وقت ازدهارها لغة العلوم العصرية ولغة الحضارة الخالدة التي سادت قروناً طويلة وكانت فيها زهرة الدنيا وقِبلة العلماء من كل عصر ومصر. إن لها تاريخها اللغوي العريق وتاريخها العلمي والثقافي قطعت نهضتها الجديدة في العصر الحديث.تميزت اللغة العربية عن بقية اللغات في مسايرة التطور الحضاري، وبما أن اللغة العربية تشكل هوية الأمة الثقافية التي تميز عن باقي الأمم، فاللغة العربية هي الوعاء الأساسي الذي يحتوي على العلوم والتكنولوجيا والثقافة والتاريخ والحضارة.

التواصل في عالم سريع التغيير:

أن التفاعل ضرورة، فتلك حقيقة لا نحتاج في إثباتها لكثير عناء، وإنما يكفي أن نقلِّب بضع صفحات من كتاب التاريخ، أو نشاهد دقائق معدودات من الزمن الحضاري؛ لندرك أن التفاعل ضرورة وليس ترفًا، وخيار مهم لا نافلة من القول! ويكفي في إثبات هذه الحقيقة أن نشير إلى إنه إذا كان الإنسان لا يولد كاملاً دفعة واحدة، وإنما يبدأ نطفة فعلقة فمضغة.. إلخ، حتى يتكون مرحلة إثر مرحلة.. وإذا كان الإنسان يولد لا يعلم شيئًا، ثم تبدأ حواسه في النمو، وعقله في الإدراك حتى يستوعب ما حوله شيئًا فشيئا.. فإن الحضارات أيضًا تمرُّ بمثل هذه المراحل.

الاسلام الحضاري:

في ندوة (تطوير العلوم الفقهية: الفقه الحضاري – فقه العمران) التي عقدت بتاريخ 21 ربيع الآخر 1431 هجرية الموافق 6 أبريل 2010 م والتي اشترك فيها علماء وفقهاء من العالم الإسلامي وخبراء في مسائل الحضارة والعمران خرجت بمجموعة توصيات لتعميق مفهوم الإسلام الحضاري أهمها:

1- للفقه الحضاري الإسلامي مفهوما واسعا يشمل قيم العدل والأمن والحرية والرخاء والمساواة والتعاون والتكافل ، هذه القيم لابد من العناية بها فقها وتأصيلا.

2- إعداد مصنف مرجعي يشتمل على نصوص الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المرتبطة بمكنونات الفقه الحضاري ، مرتبا ومبوبا على مسائل العمران بحيث يشكل مادة نصية مرجعية في ذلك مع الاستعانة بأهل الخبرات المختلفة لإبراز أفكارهم ومواهبهم في بناء الحياة والحضارة وتطوير الفقه الحضاري

3- إعداد مدونة واسعة للفقه الحضاري يشتمل على مباحث الفقه المتعلقة بمسائل العمران وفقه البيئة والمياه ونحوها لإيجاد فقه مفصل مؤصل في هذه المجالات بين أيدي الفقهاء المحدثين يربط فيه الفقه الحضاري بالفقه الموروث وفق المذاهب الفقهية المتعددة ثم وضع اطار مستقبلي لاستيعاب مستجدات الحياة الحديثة المعاصرة.

4- دعوة الفقهاء وخبراء الحضارة لاستخراج الأسس الحضارية للتراث الإسلامي.

5- التأكيد على رؤية الإسلام في احترام الحرية الفردية

6- اظهار عناية الإسلام بالتنمية.

7- التوعية المستدامة لحماية البيئة

8- الحد من ظاهرة التصحر والاحتباس الحراري

9- وضع ميثاق أخلاقي لاستهلاك المياه والحفاظ عليها.

10 – الاهتمام بالاستثمار العقاري مع الحفاظ على سلامة البيئة

11- الاستفادة من التراث التنظيمي للمدنية لمعالجة المشكلات المتفاقمة للديموغرافيا المعاصرة

12 – نشر ثقافة الوعي بقواعد المرور

13 – نشر ثقافة احترام العامل وإعمال المبادئ الحضارية المتصلة بحقوق العمال

14 – تميم التصورات الحضارية الفقهية في مناحي الحياة المختلفة واشاعتها عبر وسائل الإعلام وضمن المناهج التعليمية بشقيها العالم والعالي.