هل الشرق الأوسط حقاً بحاجة إلى ناتو آخر؟
زيارة الرئيس الأمريكي جون بايدن المتوقعة للشرق الأوسط نجم عنها نقاشاً كبيراً في المنطقة، لاسيما بعد أن قال إنه سيباشر بتحالف أمني بين إسرائيل وبعض الدول العربية بهدف مواجهة
اي تهديدات قد تزعزع الاستقرار في المنطقة.
أُطلِقَ على هذا التحالف " ناتو الشرق الأوسط " والذي بموجبه تظهر اسئلة عديدة منها: لماذا يجب أن يكون هناك مثل هذا التحالف؟، لِمَن سيكون التحالف موجهاً ضد؟، هل الناتو أساساً يُعتبر نموذج ناجح لاستنساخه في مكان آخر؟، إضافةً الى ذلك، هل العالم العربي يحتاج إلى تحالف مثل هذا التحالف، وما الدور الذي ستلعبه اسرائيل فيه؟
من الصحيح القول أن الشرق الأوسط يعاني من مشاكل عديدة و متشابكة و التي سببت عدم الاستقرار و المعاناة خلال القرن العشرين و التي مازالت مستمرة الى الآن؛ عدم وجود استقلال سياسي حقيقي، فساد الحُكم، الصراع على السلطة، النزاعات الحدودية، حروب الوكالة، الإرهاب، الاقتصاد الفاشل، الفقر و الحرمان، البطالة، الفساد، العنف الاسري، الهجرة، مجرد بعض مِن هذه المشاكل.
ومع كل ذلك، ما هو السبب الجذري و الرئيسي؟، على الرغم أن الغرب يؤمن بسياسات السوق و قدرة السوق على تصحيح نفسه، فهذا لا يُسمَح أن يُطبَّق في الشرق الأوسط، لأن المنطقة لم تُترك أبداً لتقرير مصيرها حسب الديناميكيات الداخلية، فالأيدي الاستعمارية فرضت شروط و احكام، فحدود المنطقة حددتها القوى الاستعمارية -بريطانيا و فرنسا- و ذلك برسم خطوط على الخريطة خلال الحرب العالمية الاولى تمهيداً لتقسيم الدولة العثمانية، اتفاقية سايكس بيكو استخدمت لاحقاً بعد الحرب لتطبيق مبدأ فرّق تَسُد.
القوى الاستعمارية الغربية من ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية عملت بصورة منتظمة لإجهاض أي جهود حقيقية للاستقلال في المنطقة، وذلك بالعمل مع الطغاة والرجعيين المحليين لضمان بقاء الاحلام والمصالح الوطنية غير محققة، بل وتحالفوا مع معارضي الديمقراطية والحرية مقابل ولائهم بغض النظر عن عدم شعبيتهم وشرعيتهم، ومن هنا اصبحت الأنظمة المحلية قادرة على العمل من دون اي محاسبة شعبية، فهذه الأنظمة لم تُبنَ على الكفاءة والحِس الوطني، بل على الولاء.
مثل هذه الأنظمة السياسية لم تكن أبداً معنية ببناء دول حديثة لشعوب حرة، فثروات الشعوب بُددت على أفراد الأسرة والأتباع المخلصين وعلى واجهة مزيفة من الحداثة على شكل مباني ضخمة وملاعب جولف، الحُكم الرشيد غائب، فهي دول فاشلة في كل جانب تقريباً، مع أن حضاراتهم قديمة جداً.
المشكلة المُضافَة بالطبع كانت خلق و فرض في المنطقة الكيان الصهيوني، و الذي تم إيجاده كقاعدة استعمارية لفرض إرادة الغرب على المنطقة، و الدول الاستعمارية في الغرب دبرت قيام حكومات موالية في المنطقة لضمان أمن إسرائيل و بقاءها أقوى دولة في الشرق الأوسط، فَلم يُسمَح لأي دولة عربية لتكون قوية بما يكفي لتشكل تهديداً للدولة الصهيونية، سواء كانت مصر في عهد عبد الناصر او العراق في عهد صدام حسين او ايران في ظل نظام الجمهورية الإسلامية او حتى تركيا تحت رئاسة أردوغان، جميعهم تم تقليمهم و إذا لزم الأمر اقتلاعهم من جذورهم للحفاظ على هيمنة دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وعلى هذا النحو، فإن السبب الرئيسي والجذري لمعظم المشاكل في المنطقة هو التدخل الأجنبي، وتحديداً من الولايات المتحدة الأمريكية، فدولة إيران سواء -اعجبنا الأمر أم لم يعجبنا- هي جزء لا يتجزأ من المنطقة، وكانت هنا دائماً في المنطقة.
فالدول العربية الكبرى دائماً امتلكت القوة الكافية والإرادة السياسية للوقوف في وجه تطلعات طهران والعيش جنباً إلى جنب معها، وهذا ينطبق على قوى المنطقة الاخرى، مصر وتركيا، هذه الدول الثلاثة اعتادت على إيجاد سبل لتسوية الاختلافات والمشاكل، وغالباً بطرق سلمية وفي بعض الأحيان بالقوة مثل ما يفعل الأوروبيون.
طالما أن القوى الأجنبية، بما فيها اسرائيل، تتدخل في شؤون المنطقة، فإن الوضع الراهن سيستمر ليكون مسألة ومشكلة للجميع، وبالتحديد الدول التي على الجانب الآخر من البحر المتوسط.
تم بناء حلف الشمال الأطلسي "الناتو" على أساس وجود قوتين عظميين، ولجعل الناس والدول متأهبين للحرب في أي وقت، فتوسع الناتو -سواء هذا الكلام يعجب الغرب أم لا- هو سبب المواجهة العسكرية في اوكرانيا بسبب استفزازها لروسيا، وقد تمتد إلى حرب عالمية أخرى.
هل نحن بحاجة إلى منظمة مثل الناتو في منطقتنا؟، الفكرة بعينها نذير شؤم، لأنها توحي بأن الحرب وشيكة، وإشارة إلى أن المزيد والمزيد من ثرواتنا الطبيعية المستنزفة ستضيع وتذهب إلى الجيوب الأمريكية بسبب توجه انظمتنا العربية لشراء المزيد من الأسلحة وبناء جيوش واجهزة أمن أكبر واستخدامها للقتال في حروب جديدة او قمع شعوبها التي تتوق الى الحرية والديمقراطية، حيث رأينا الكثير من هذا في الفترة الأخيرة.
الشرق الاوسط عانى بما يكفي على أيدي القوى الأجنبية وحلفائهم، لقد حان الوقت لأن يتركونا وحدنا لإعادة بناء منطقتنا حيث يتعين علينا لا عليهم العيش والعمل هنا. مالم يحدث هذا، على أوروبا ان تتوقع رؤية المزيد من ملايين المهاجرين باذلين كل جهد ممكن لعبور حدودها بحثاً عن السلام والأمن لهم ولعائلاتهم، فالغرب لا يستطيع أن يقول أنه لم يتم تحذيره بهذا الشأن.
تمت الترجمة من مقال في
middle East monitor
Enter