قراءة في كتاب

"قراءات في المشروع الوطني الفلسطيني بين الأمس واليوم"

لجميل هلال وخالد فراج

 

عنوان الكتاب: قراءات في المشروع الوطني الفلسطيني بين الأمس واليوم

المؤلف\محرر: جميل هلال وخالد فراج

سنة النشر: 2019

الناشر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية

عدد الصفحات: 293

تقديم

الكتاب عبارة عن مجموعة من الأوراق قدمت من مجموعة من الباحثين، الضليعين في الشأن الفلسطيني، في ندوة نظمتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية في قبرص ايار \2019، وكان الهدف منها الإجابة على السؤال العريض، وهو الى أين وصل المشروع الوطني الفلسطيني في ظل التحولات الكبيرة التي شهدتها الحركة السياسية الفلسطينية، وكل من الطبقة السياسية والمجتمع في اسرائيل، وفي ظل متغيرات جذرية في الوضعين الاقليمي والدولي حملت تداعيات كبيرة في مختلف المجالات. وقد بقي المشروع الوطني متمثلا، على الأقل، في الوعي العام الفلسطيني بالاستقلال وحق تقرير المصير والعودة ولكن دون تفصيل يذكر، ولا شك أن كل واحد من هذه العناوين الثلاث يحتاج الى تفصيل كبير، خاصة وأن "قاعدة الشيطان يكمن في التفاصيل" باتت ترافق الحقل السياسي الفلسطيني داخلياً وخارجياً.

فالكتاب يقدم تحليلاً للمشهد الفلسطيني خلال حقبة أوسلو، ولكنة أيضاً يتساءل عن الحاضر، والى أين وصل المشروع الفلسطيني اليوم في ظل صفقة القرن، كما يسعى لاستشراف المستقبل .

هيكل الكتاب

 الكتاب عبارة عن مقدمة قصيرة واثنا عشرة مقالة لاثنا عشر باحثاً مختصاً، ويمكن تقسيمها الى ثلاثة أقسام، الأول هو عبارة عن محاولة توضيح لمصطلح المشروع الوطني وتعريفه وما التغيرات التي حصلت عليه والظروف المحيطة بمسيرة هذا المشروع منذ أكثر من مئة عام الى جانب محاولة استقراء مواقف القوى وفهمها لهذا المشروع في ظل المستجدات الحاصلة، أما القسم الثاني فهو عبارة عن قراءة معمقة لواقع المكونات الأساسية في الشعب الفلسطيني ودورها في المشروع الوطني، بينما يختتم الكتاب بالقسم الأخير وهو عبارة عن ثلاث مقالات رائعة، لجميل هلال وجورج جقمان وحسن خضر، فصلت واقع المشروع الوطني الفلسطيني الان ومكامن قوته وضعفه، الى جانب الحديث عن الوسائل والاستراتيجية المطلوبة لانجاز هذا المشروع.

وبالرغم من أن الكتاب جمع مقالات لكتاب مختلفين الا أنها كلها تناولت نفس الموضوع من زوايا وجوانب عديدة، بحيث يجد القارئ تغطية لجوانب متنوعة، كلها لها علاقة مباشرة في صلب المشروع الوطني، وكعادته يقدم هلال للقارئ بحثاً رصيناً متماسكاً، رغم تنوع المقالات، بناء على معطيات ووقائع، وسيلاحظ قارئ الكتاب وفي كل مقال أن هناك تتبع جيد لأهم الأحداث أو العناصر التي يتناولها موضوع المقالة. هذا لا يعني أن القارئ سيتفق بالضرورة مع كل ما هو مكتوب في تلك الصفحات.

يتناول الكتاب موضوع غاية في الأهمية وهو يأتي في وقت هام جدا(2019)، حيث الحديث عن صفقة القرن، كما أنه يقدم سرداً وتحليلاً لمسيرة النضال الفلسطيني باخفاقاتها وانجازاتها، ثم يتعرض الى أبرز التحديات التي تواجهها. يتميز الكتاب بصراحة الطرح دون مجاملة لأحد في لغة سهلة يسطيع القارئ فهمها بكل سهولة، الى جانب التعبير المباشر عن الأفكار بكل وضوح، وهذا يجعل الكتاب صالحا للقراءة من قبل جمهور عريض، على الأقل في غالبية المقالات، بحيث يتناوله طلبة الجامعات والباحثين في الشأن السياسي أو المتابعين والمهتمين في القضية الفلسطينية بسهولة ويسر. هذا كله يجعلني أقول أن الكتاب يصلح أن يكون مادة نقاش لطلبة العلوم السياسية في ورش العمل أو حلقات البحث، كما ينفع أن يكون على مائدة المراكز البحثية التي تقدم توصيات أو تقدير موقف لصناع القرار والنخب الفلسطينية .

في المقالة الأولى يتسائل ماهر الشريف، "مستغرباً"، من أين تنبع مشروعية طرح السؤال عن ماهية المشروع الوطني، ويعتقد الكاتب أن أبرز الأسباب تنبع من الخلل في بنية الحركة الوطنية الفلسطينية وقيادتها وآليات اتخاذ القرار فيها. ولاشك أنني أتفق معه في هذا التوصيف الذي للأسف ما زال يرافق الحركة الوطنية الى اليوم بما فيها تيار الاسلام السياسي، حيث كرر هذا التيار بعضا من الأخطاء التي مارستها منظمة التحرير، خاصة في جانب القراءة الخاطئة للمشهد الفلسطيني وفضائه العربي والاقليمي.

يقدم الشريف التطورات التي حصلت خلال المسيرة الفلسطينية، مبينا أن كثير من الشعارات التي رفعت في أكثر من مرحلة كانت أهدافها تعبوية لا أكثر، ولكنها في اعتقادي أصابت الوعي الجمعي الفلسطيني بالعديد من الأضرار ووضعت في طريقه السياسي الكثير من المطبات، كما أفقدته عديد المرات استغلال الفرص. يشير ماهر الشريف الى الجهود التي تركزت ولفترة طويلة من قبل القيادة الفلسطينية للحصول على الشرعية والسيطرة على "القرار الفلسطيني المستقل"، وهنا أرى أن هذه كانت إحدى أبرز اخفاقات منظمة التحرير، وربما كان سعيها الدائم وهاجسها للحصول على الشرعية، سببا في تقديمها الكثير من التنازلات دون أدنى مبرر، عدا عن التخبط وعدم قراءة الصورة كما ينبغي، وليس أدل على ذلك من الأداء السياسي للمنظمة في عقد الثمانينات وما شهده من تخبط واضح.

يقدم الشريف تحليلا جيدا لنتائج اوسلو معتبرا أنه تخلى فعلياً عن اللاجئين في الشتات، بعد أن ترك مصيرهم للمفاوضات، وليس على أساس القرار 194، وإنما حسب ما يتفق عليه الطرفان. كما أنه، اوسلو، اسقط من ملف الشعب الفلسطيني الأقلية الفلسطيني داخل الاراضي المحتلة عام 1948. ثم يلخص الشريف انجازات الحركة الوطنية ببقاء جزء مهم من الشعب الفلسطيني على أرضه، وخلق وعي عام بوحدة الشعب على اختلاف أماكن تواجده مما حافظ على هويته ووجود كيان سياسي معترف به. وهنا سأتفق معه في الانجازان الأول والثاني وسأخالفه في الثالث، فقد باتت السلطة الفلسطينية عبئا وليس انجازا وأصبحت أداة بيد الاحتلال تنوب عنه في كثير من المجالات وأعتقد أنها وصلت وأوصلتنا معها الى طريق مسدود. وباعتقادي أخيرا أن الكاتب محق في قدرة الشعب الفلسطيني أن يتجاوز تلك المعضلة وأن يخرج مجددا من عنق زجاجة اوسلو كما فعل ذلك مرارا عبر تاريخه.

يشخص جميل هلال الحالة الفلسطينية الراهنة بعبارات مختصرة بليغة ومعبرة تماما فيقول أن الحالة الفلسطينية مسكونة بالتفكك والتيه محددا العوامل التي قادت الى هذا المأزق، وسأكتفي، بعد اتفاقي معه في كل ما قيل، أن أشير الى أن هلال لم يصب في قدرة القيادة السياسية في اسرائيل على أن تعي أن مشروعها لا يمتلك مقومات الانتصار، فالصهاينة باتوا مصابين بالعمى وجنون العظمة، المستند الى انحياز امريكي حاد لصالحهم، وتساقط عربي واقليمي غيرمفهوم ولا مبرر. كما لابد أن أشير الى صوابية منطقه في ضرورة وجود تكتل ديمقراطي يوازن حالة التجاذب بين اليمين الديني (حماس والجهاد) واليمين الوطني (فتح)، مع تحفظي على تصنيف حركة فتح باليمين، أما دعوته لتعزيز بناء حركات اجتماعية عابرة للحدود كحركة مقاطعة اسرائيل فهي تنم عن وعي كبير وإلمام تام بالمشهد الكبير المحيط بالقضية الفلسطينية وما يواجهها من تحديات.

يوضح غسان الخطيب رؤية القوى السياسية للمشروع الوطني وسبل انجازة موضحا مدى التباينات بين هذه الرؤى، وهو ما يستدعي باعتقادي ضرورة الاسراع في صياغة رؤية موحدة للكل الفلسطيني للمشروع الوطني وآليات تحقيقه. ويشير الخطيب الى الرؤى الجديدة التي لا تنتمي لرؤية القوى التقليدية الفلسطينية، مثل نموذج حركة المقاطعة والتي ركزت على حقوق الانسان الفلسطيني بدلاً من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني مستغلةً نقاط ضعف الاحتلال في هذا الجانب، لكنني أتصور أن جهود حركة المقاطعة وغيرها في هذا الإطار لا تكفي لزحزحة الاحتلال عن مشروعه الاستعماري العنصري. ويقدم الخطيب في مقالته رؤية تشاؤمية لمستقبل المشروع الوطني والتي سماها خليل الهندي "التشاؤم العميق" التي بنيت على ثبات وتقدم الرؤية الاستراتيجية الاسرائيلية في مقابل التراجع في المشروع الوطني، وهو ما يستدعي صياغة استراتيجية طويلة الامد لمقارعة الاحتلال، الامر الذي يبدو أقرب الى الصواب في ظل الظروف الحالية او المنظورة قريبا.

لقد قمت بجمع مجموعة من المقالات في إطار واحد، حيث أن ما يجمعها في نظري أنها تناولت تحليلاً لاوضاع تجمعات الفلسطينيين في محيط المشروع الصهيوني، وهنا أقصد المقالات التي تناولت أوضاع قطاع غزة وفلسطينيي كل من الأردن وسوريا ولبنان اضافة الى الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 48، وقد يبدو مستغرباً للوهلة الاولى أنني وضعت قطاع غزة ضمن هذه الفئة لكنني انطلقت من الأساس القائل أن المشروع الصهيوني بات يستهدف احتلال واستعمار أكبر قد ممكن من الأرض الفلسطينية مع أقل عدد ممكن من السكان، عدا عن أن الجهود الصهيونية باتت تتركز بشكل كبير في السيطرة على الضفة الغربية، وهي قد نجحت بعد النسحاب من القطاع والانقسام، في عزل قطاع غزة تماما مع التخلص من كلفة احتلاله وفي ذات الوقت ابقاءه تحت سيطرتها وضمن مجالها الحيوي .

أعتقد هنا أن عزل قطاع غزة وتحييد الكتلة البشرية الضخمة الموجودة فيه، رغم الحروب التي تخوضها غزة ضد اسرائيل كل بضعة سنوات، قد يستمر لأمد طويل طالما بقي النظام العربي الرسمي رافضا الاعتراف بالاسلاميين وطالما بقيت السلطة الفلسطينية غير معنية بالعودة الى غزة، وهما أمران اعتقد استمرارهما في المدى المنظور على الاقل. يتكرر في مقالة الخطيب اجتزاء لبعض زوايا المشهد وتحميل لغزة والقوى المحاصرة فيها أحيانا فوق ما تحتمل، فالمشكلة الأسياسية في الاحتلال وسياساتة الاستعمارية ثم في القيادة الفلسطينية التي توهمت، راغبة، بانه مستعد لدفع ثمن سلام عادل وحقيقي. لكن الخطيب يعود في خاتمة مقالته ليضع الامور في نصابها متسائلا ما العمل؟ موضحا أن اسرائيل رفضت كل الحلول الوسط، وأن الحل يكمن في اعادة بناء البيت الفلسطيني وصياغة رؤية تقوم على اساس العودة الى الراوية التاريخية، مذكرا ان المشرع الصهيوني ذا صبغة احلالية اجلائية عنصرية.

تسلط لميس اندوني الضوء على نقطة بالغة الأهمية في بداية مقالتها التي تبحث دور الاردنيين من اصل فلسطيني في المشروع الوطني الفلسطيني، فتقول إن تهميش دور منظمة التحرير أدى الى تجزئة الكتل الفلسطينية بمفهومها السياسي، وهي لا شك محقة بعد ان أصبحت السلطة الفلسطينية تستحوذ على معظم أدوار منظمة التحرير، وهو لا شك الامر الذي أسهم في تهميش دور الفلسطينيين في الاردن وغيرها من مناطق اللجوء. ولكن أندوني تشرح حساسية وضع الفلسطينيين في الاردن وما أسمته "ازدواج الهوية"، وبالاضافة الى عوامل اخرى مرتبطة بتاريخ علاقة منظمة التحرير بالنظام الملكي بالاردن جعل دور هذه الكتلة الكبيرة من الفلسطينيين هامشياً في المشروع الوطني، كما أن اتفاق اوسلو وما تبعه من دخول الاردن على خط مسيرة السلام وتوقيعها لاتفاق وادي عربة أفقد الفلسطينيين الكثير من ادوات الفعل والتأثير.

بيد أن الأحداث في الأراضي المحتلة وخاصة فيما يتعلق بالقدس والمسجد الاقصى، والتي تحولت الى نقطة ساخنة في العقد الاخير، عززت من الدفع بالقضية الفلسطينية الى رأس سلم الاولويات في الاردن بما في ذلك الحراك الشعبي والذي لا شك يلعب هؤلاء الفلسطينيون فيه دورا كبيرا. كما تشير لميس اندوني الى ان صفقة القرن وما فيها من مخاطر على الاردن ونظامه السياسي أعاد للقضية الفلسطينية ومشروعها الوطني بما يحمله من حقوق تاريخية مشروعة للشعب الفلسطيني، أعاد لها الاعتبار والحضور على المستويين السياسي والشعبي في الاردن عموما، وهو الامر الذي مكن الفلسطينيون من أصل أدرني من التفاعل مع الاحداث والمتغيرات على الساحة الفلسطينية، خاصة وأن هؤلاء الفلسطينيون يمارسون أيضاً العمل السياسي في الاردن من خلال الاحزاب الاردنية والنقابات الشعبية.

تقول اندوني إن الحفاظ على شعار حل الدولتين هو أمر ضروري لأنه ينطوي على عدم الاعتراف بالاستيطان والضم لأراضي الضفة والقدس، وهذا التناقض الذي يبدو لي في مقولة اندوني السابقة ينبع بالاساس من اتفاق اوسلو المجحف الذي ولد بناءً على منح الصهاينة 78% من الاراضي التاريخية من الشعب الفلسطيني، بينما أبقى 22% خاضعة للتفاوض وأعتقد أن غالبية الاردنيين من أصل فلسطيني بخلاف ما تقوله أندوني يعتبرون الصواب في العودة الى الرواية التاريخية للمشروع الوطني والتي تقول بحق العودة وتحرير الاراضي التي احتلت منذ عام 48.

 تقدم هنيدة غانم تصورها لوضع العرب في اسرائيل وتفصل في تحليلها لما مروا به من محطات وصولا الى نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، والذي اعيدت به صياغة وتعريف الكثير من المفاهيم السياسية والاجتماعية المرتبطة بحياة عرب فلسطين المحتلة عام 48 مثل الأسرلة والمواطنة. لكن ما تبع كتابة غانم لورقتها بوقت قصير هو تحول كبير في أداء العرب السياسي في الداخل المحتل، وهنا اقصد دخول القائمة الموحدة بزعامة منصور عباس، لاول مرة في تاريخ الاحتلال، على خط المشاركة في حكومة صهيونية يترأسها مستوطن يميني كان ينادي في حملته الانتخابية بحق اسرائيل في الضفة الغربية وترحيل الفلسطينيين منها. وهو باعتقادي امر يتطلب اعادة قراءة المشهد الفلسطيني في الداخل على اساس دمج هؤلاء الفلسطينيين في صياغة وبنية أي اطار قادم للمشروع الوطني الفلسطيني.

 يدخل هلال الى الكتاب مقالته عن دور اليسار في المشروع الوطني، وباعتقادي انه لا داعي لها لانه ليس هناك مقالات تتحدث عن دور الاحزاب، واظن ان اليسار جاءته الفرصة، اثر الانقسام بين فتح وحماس، ليستعيد بريقه ويشكل قوة ثالثة فلسطينة، تلعب دورا هاما في مرحلة غاية في الحساسية ولكنه فشل فشلا كبيرا، وقد فصل مهند عبد الحميد المعوقات التي تحول دون لعب اليسار الدور المنوط به، والتي اراها محقة.

تسهم مقالة سهيل الناطور في القاء نظرة على واقع اللاجئين الفلسطينيين في كل من سوريا ولبنان ودورهم في المشروع الوطني، مشيرا الى انه ورغم التمسك الشديد والحرص الدائم من هؤلاء اللاجئين على التمسك بحق العودة، واعتباره احد اهم ركائز المشروع الوطني، الا ان الانظمة العربية التي بالغت جدا في التخوف من التوطين جعلت من هذا التخوف سببا في حرمان هؤلاء من ابسط شروط العيش الكريم، ما قاد الى هجرة واسعة في صفوف هؤلاء الفلسطينيين نحو اوروبا وخاصة من فئات الشباب. ومع ان الناطور يسهب في تعقيدات اوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان ودورهم في المشروع الوطني، الا انه في خاتمة مقالته يعتبر ان هؤلاء يرون في قيام الدولة المستقلة اهم العوامل التي ممكن ان تنعكس بالايجاب على سائر المسالة الفلسطينية، مع انه لا يوضح كيف توصل الى هذه القناعة خاصة في ظل اصوات عديدة بين هؤلاء اللاجئين ما زالت تنادي بالعودة الى التمسك بتحرير كل فلسطين التاريخية.

بعد جملة المقالات التي تناولات اوضاع اللاجئين يتناول جابر سليمان تشخيص حالة اللجوء الفلسطينية وخصوصياتها ودور اللاجئين في المشروع الوطني في اعادة التركيز على كثير مما ورد في المقالات السابقة، الا انه يضع في نهاية مقالته خمس عشر توصية تقود الى تعزيز دور اللاجئين في الاسهام في نهضة المشروع الوطني ومده بالامكانات والادوات التي تساعد في تحقيق اغراضه.

ما هو المشروع الوطني الان؟ سؤال جورج جقمان يمكن أن يكون سؤال لكل فلسطيني، وعندما اقول كل فلسطيني، اعني ما أقول، فهو يمكن أن يكون تساؤل الرئيس أبو مازن أو غيره من قادة الاحزاب الفلسطينية، لانه وبكل بساطة بات مفهوما ان حل الدولتين لم يعد ذو اهمية وقد تجاوزته سياسات اسرائيل المدعومه امريكيا. ويعبر جقمان، في وصف رائع، عن تكرار الحديث في الامر بانه نوع من الهذيان السياسي من قبل منظمة التحرير او ما تبقى منها.

بينما يفسر الدكتور جورج السبب في التمسك بهاذا الوهم في انه قابل للتسويق وان القيادة ترى فيه احد اسس شرعيتها عربيا ودوليا، وهذا يجعل حسب، راي الكاتب، القيادة الفلسطينية في انتظار مفتوح، ولكن من غير الواضح انتظار ماذا، ودون أي تصور واضح للمستقبل.

يفصل الدكتور جقمان ظروف المشروع الوطني في كل من الضفة وغزة في ظل حالة الانقسام. ويصل الكاتب، بعد كل هذا المسلسل من محاولات رأب الصدع الفلسطيني الفاشلة، الى استنتاج مفاده ان بناء برنامج سياسي جديد تبنى عليه استرتيجية جديدة للأمدين القريب والبعيد تكون هي اساسا للمصالحة. ولا شك انها رؤية عميقة للامور وان هذا اسلم طريق للخروج من المأزق الفلسطيني الداخلي والذي بدون الخروج منه لن يكون بامكان المشروع الوطني ان يتقدم.

وهنا لا بد أن أشير الى فقرة من مقالة الدكتور جقمان لما فيها من تعبير عن الحالة:"لا يوجد ربع قرن اخر للمفاوضات تستكمل فيه اسرائيل المشروع الصهيوني فيما تبقى من فلسطين. لقد وصلت القيادة الفلسطينية و"حماس" الى نهاية الطريق، بما في ذلك "المشروع الوطني" في آخر طبعة له، وليس لديهما تصور جديد ومختلف سوى البقاء من أجل البقاء. ولا تصور سوى شعارات لا علاقة لها بالواقع الراهن، ولا تكفي للحفاظ على ماء الوجه. ولا تصور لعناصر القوة الفلسطينية الموجودة وكيفية استخدامها، على الأقل لوضع لبنات مشروع وطني جديد تبقى أهدافه النهائية مفتوحة الى حد ما، او ممرحلة، ازاء صراع سيزداد وضوحا مع استمرارسرقة الارض في الضفة الغربية، لغرض استكمال المشروع الصهيوني."

ويختتم جقمان المقالة بعبارات واضحة على غرار: إن الوضع الحالي هو وجود دولة واحدة هي اسرائيل وحكم ذاتي في ظل سيادتها الكاملة، وإن ما يمنع رؤية المشهد بوضوح هو استمرار تداول حل الدولتين فلسطينيا وعربيا ودوليا.

يستكمل هاني المصري في مقالته ما انتهت اليه مقالة جورج جوقمان من الحديث عن الانقسام، مبينا الفرق بين الانقسام الحالي وغيره من الخلافات التي مرت بها القضية الفلسطينية، ثم يبين اسباب فشل كل الجهود السابقة لاتمام المصالحة معددا هذه الاسباب من الاهم الى الأدنى اهمية، مع ان كل سبب لوحده كفيل أن يعطل أي مسار مصالحة. ثم يفصل المصري عدة مقاربات لتحقيق المصالحة، موضحا كيف آلت كلها الى الفشل. ويعود المصري لتبيان اثر الانقسام على المشروع الوطني، ومع أن أحدا لا ينكر أثر هذا الانقسام البغيض الا أن المصري يحمله موت المشروع الوطني بقوله: لقد أوقع الانقسام ضحايا عديدة، لكن ضحيته الكبرى كانت المشروع الوطني. باعتقادي ان المشروع الوطني كان الضحية المباشرة لاتفاق اوسلو وليس هناك ما يشير الا أن سلوك قيادة منظمة التحرير السياسي كان سيتبدل لو لم يحدث انقسام. ولكن لا شك أن المصري محق في أن الانقسام أسهم في تآكل المؤسسات الفلسطينية.

وتتختم مقالة حسن خضر الكتاب بالحديث عن دور الثقافة الوطنية الفلسطينية كرافعة للهوية الفلسطينية وكحامية للمشروع الوطني، فيغرق خضر القارئ في سلسلة من التعاريف لجملة من المصطلحات من قبيل القومي والوطني والديني والسياسي والثقافي، في محاولة رائعة لوضع الامور ضمن إطار نظري مناسب لنقاش وتحليل الأمر بناء عليه. وبعد أن يوضح حجم ما جرى على المشروع الوطني من تحولات خلال خمسين عاما، وما يظهر من صورة قاتمة وصلت اليها الامور يشير خضر الى نقطة ضوء في النفق المظلم . حيث أن بقاء نصف الشعب الفلسطيني على أرضه وتمكين تجمعاته الديمغرافية الكبرى من التواصل والتفاعل، ومن إعادة انشاء واحياء العلاقة مع النصف الثاني من الشعب المتواجد في المنافي القريبة والبعيدة، يبقيان على رأس أولويات المشروع الوطني بصرف النظر عن الحلول الؤقتة والسيناريوهات المحتملة. والواقع أن التقدم التقني وما طرأ من تقدم على مفهوم العمل السياسي والجتماعي، الذي لم يعد حكرا على الأحزاب، يقدمان حلولا وأدوات كثيرة في هذا الشأن.