طوفان الأقصى ..نظرة تحليلية

بقلم: معتصم سمارة

تقديم

سقطت إسرائيل بالضربة القاضية هذه المرة وكان سقوطها مدويا... سقطت هيبتها وغطرستها واستكبارها.. سقط تفوقها وتكنولوجيتها ... سقط جيشها الذي لا يقهر وتمرغ انفها بالتراب. ‏لا يعني ذلك أنّ ما سوف يأتي ليس مهمًّا، وما سوف يفعله الاحتلال، ويفعله أصلاً منذ نشا، من دمار هائل، بسبب قوّة نيرانه الغاشمة، هو أهمّ ما في الأمر، لكن في هذا الصراع الطويل والمعقد، حقّقت المقاومة هدفها في ضربة واحدة ثمّ تفرغت للتالي من جنون الاحتلال، على عكس كلّ المواجهات السابقة.

 

طوال عامين سابقين ومنذ معركة سيف القدس التي تأكلت فيها قدرة الردع الإسرائيلي كثيرا، حاول الاحتلال استعادة هيبته من خلال العربدة في القدس عبر مسيرة الاعلام والتنكيل بالمقدسيين العزل، ثم عبر شن حملة عسكرية ضد الجهاد الإسلامي في غزة، وفي الحالتين بقيت حماس شبه مكتوفة الايدي وبدت كأنها مردوعه عن القتال، وهنا بات الاحتلال مقتنعا ان سياسة تحييد حماس نجحت وانه يمكن شراء سكوتها عبر زيادة المنحة القطرية .

 

لكن يبدو ان حماس كانت أكثر وابعد استراتيجية في تخطيطها وقراءتها لما هو قادم واتضح انها كانت تخطط وتعد للمواجه الكبرى، وبمستوى عال من الدقة والكتمان وتضليل العدو، والا كيف استطاعت حماس خداع جهاز المخابرات الإسرائيلي ووحداته التجسسية، التي تتجسس على غزه ليل نهار والتي تفاخر بأنها تعرف أدق التفاصيل عن سكان غزه، كيف استطاعت حماس من نشر 5000 ألف صاروخ في موقعها قبل الهجوم، ونشرت قوات برية ودخلت بهجوم مظلي دون أن تعلم إسرائيل الدولة المتقدمة تكنولوجيا بهذا الأمر. لقد استطاعت حماس تخطي نظام الدفاع الذي صرفت عليه اسرائيل مليارات الدولارات.

وقد رأت المقاومة ان هذا هو التوقيت الأنسب لتوجيه الضربة القاضية للاحتلال، خاصة وانها حصلت على معلومات تفيد ان الاحتلال ينوي توجيه ضربة موجعة الى قطاع غزة، وكذلك في ظل استمرار الاحتلال في سياسته الاستفزازية في القدس وتكرار اعتداءاته على الاسرى، إضافة الى كل ذلك حديث نتنياهو المتكرر عن تصفية القضية الفلسطينية نهائيا في ظل التطبيع العربي.

 

أحداث المعركة

أحداث 7 أكتوبر، كشفت المؤسسة الأمنية في إسرائيل - الجيش والاستخبارات العسكرية والشاباك، عارية تماما، وازالت من العقل الجمعي في الشرق الأوسط باسره فكرة الجيش الذي لا يقهر، وحطمت النظريات الدفاعية، وفشلت إسرائيل مجدداً. كما فشل أيضاً السور الأمني الغالي التكلفة، المُقام بين القطاع ومستوطنات الغلاف، والذي خلق إحساساً مضخماً بالأمن، لا أساس له من الصحة.

 

يرى عدد من كبار المحللين العسكريين والاستراتيجيين في إسرائيل، أن الهجوم الذي شنته حماس يفوق بكثير إخفاق حرب 1973، وأن الهجوم الذي كان في معظمه مصورا يُعدّ إذلالاً لإسرائيل ويلحق أضراراً فادحة بصورتها العسكرية قد لا يمكن تجاوزها بسهولة.

 هذا الانهيار كانت له عدة مؤشرات منها: 1) "صفر" معلومات استخباراتية بحيازة إسرائيل بشأنه؛ 2) المنظومة الأمنية أدركت أن هناك عمليات خطف من شبكات التواصل الاجتماعي؛ 3) لم تكن لدى الجيش قوات كافية في محيط قطاع غزة؛ 4) حصل إرباك لدى الجيش فيما يتعلق بـلوجستيات نقل الجنود من قلب إسرائيل إلى ساحة المعركة؛ 5) عندما وصل الجيش إلى مستوطنات غلاف القطاع، انتظرت القوات ساعات قبل أن تدخل إلى ساحات القتال لعدم وجود أي تصور ميداني حول ما يجري في الداخل.

بالإضافة إلى ذلك، ظلت بعض المستوطنات تستغيث لمدة يوم كامل من دون أن تكون هناك قدرة للوصول إلى الأحياء التي سيطر عليها مقاتلو حماس، ولهذا تداعيات على مفهوم الأمن، ودور الجيش، داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه، وداخل المنظومة الأمنية الإسرائيلية.

 

سيناريو حرب متعدّدة الساحات/ الجبهات؟

مع بدء المعركة الحالية، اتجهت الأنظار مجدداً إلى احتمالية انضمام جبهات أخرى للقتال (حزب الله على وجه التحديد)، وقد تصاعد هذا السيناريو مع تناقل العديد من وسائل الإعلام العربية والعبرية أيضاً بأن هذا الأخير نقل رسالة إلى إسرائيل عبر الوسيط المصري هدّد فيها بالانضمام إلى القتال في حال أقدمت إسرائيل على الدخول برياً إلى قطاع غزة، وفي أعقاب إعلانه اليوم (8/10/2023) المسؤولية المباشرة عن قصف مواقع في "هار دوف" في مزارع شبعا اللبنانية المحتلّة بمجموعة من قذائف الهاون قبل أن يتم الردّ على القصف بواسطة المدفعية الإسرائيلية.

هذا الحدث، بالإضافة إلى التقديرات العسكرية الإسرائيلية السابقة، والتصريحات التي أدلى بها حزب الله سابقاً حول الحرب متعدّدة الجبهات- حتى وإن لم يُعلن نيّته التدخل في هذه المعركة صراحة في تصريحات اليوم - تجعل هذا السيناريو محتملاً، كما تُشير العديد من التحليلات العسكرية والأمنية إلى أن تعدّد الجبهات يحتمل تعدّد الساحات الفلسطينية التي ستنضم إلى المواجهة، لا سيّما وأن احتمالية ارتكاب المستوطنين عمليات انتقامية في الضفة الغربية هو أمر وارد بشدّة (خصوصاً أن المستوطنين في الضفة الغربية هم من جمهور المستوطنين المتطرفين)  مثل هذا السيناريو قد يترتّب عليه تفجير ساحة الضفة الغربية التي يُمكن أن تتحول إلى ساحة حرب بين المستوطنين والفلسطينيين، ويُمكن اعتبار إغلاق الحواجز الإسرائيلية التي تقطّع أوصال الضفة الغربية منذ صباح اليوم الثاني لبدء المعركة محاولة للسيطرة على هذه الساحة، هذا بالإضافة إلى هدفها الأساس والمتمثّل في الحدّ من حدوث عمليات فدائية في الطرق والشوارع الاستيطانية في الضفة.

في دلالات المواجهة

كان السؤال الأهم دوما ما هي جدوى مراكمة كل هذه القوة في قطاع غزة. وقد جاءت هذه المعركة لتقول بكل وضوح، ان الامر لا يتعلق بغزة فقط وفي الحقيقة ان الامر بدأ مع معركة سيف القدس في ربيع 2021 ، ليكون إجابة على سؤال معنى مراكمة القوة وتوسيع البنية العسكرية، ودورها في القضية الوطنية عامة، وتأكيدا على ان استراتيجية حماس في استخدام بنيتها العسكرية في القطاع لتحقيق إنجازات على المستوى الوطني، استراتيجية راسخة يثبتها الدليل العملي مرة بعد أخرى، الامر الذي يجعل محاولة احتواء سلاح المقاومة، او تحييده عن القضية الوطنية العامة فشلا ذريعا للاحتلال، وانتصارا لمنطق المقاومة والمراهنة عليها.

اما السؤال الأصعب هو كيف استطاع مقاتلو كتائب القسام ان يخترقوا الحدود بكل هذه السهولة ويتغلبوا على أنظمة الرقابة والتجسس ويصلوا بكل سهولة الى عمق 30 كم داخل فلسطين المحتلة 48 بل ويمعنوا قتلا وتدميرا في العدو ثم يعودا بعشرات الاسرى الى قطاع غزة سالمين غانمين لعل الإجابة تكمن في إرادة فوق إرادة البشر شاءت ان يتم اذلال أعداء الله على مرأى ومسمع من البشرية قاطبة.