قراءة حول تصاعد المقاومة في جنين
قراءة حول حالة جنين المقاومة
اعداد
عوني عدنان كميل و ثامر عبدالغني سباعنه
كانت جنين، ومخيمها، ولا تزال صاحبة اليد العليا في مواجهة المحتل في المدن، والقرى، والتجمعات في شمال الضفة الغربية منذ عشرات السنين، ومنذ الحملة الفرنسية على بلاد الشام، مروراً بالاحتلال البريطاني، وصولاً الى الاحتلال الاسرائيلي الذي لا يزال جاثماً على صدور شعبنا، وبعد الاحتلال الاسرائيلي بعد عام 1948 م أضيف مكون جغرافي جديد إلى محافظة جنين، وهو عبارة عن تجمع سكاني من أغلب قرى وجمعات مدينة حيفا التاريخيّة الذي عجّرتهم العصابات الصهيونية، وطردتهم من بيوتهم فلجأوا إلى جنين، وأنشأوا مخيماً تديره الأنروا اسمه(مخيم جنين).
وسرعان ما صار المخيم الواقع في ضواحي المدينة معقلا للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، إلى أن خاض المخيم معركته الكبرى خلال عملية السور الواقي عام 2002م، والتي أشرف عليها رئيس أركان جيش الاحتلال شاؤول موفاز، وقتل خلالها العديد من الجنود الاسرائيليين، واستشهد العشرات من الفلسطينيين، ودمّر الاحتلال حينها أحياء كاملة في المخيم، وسوّى الأزقّة والمنازل في الأرض.
في الاسابيع الاخيرة بات اسم جنين مرتبط بشكل وثيق بالمقاومة الفلسطينية، بل باتت جنين وغزة صورتان لمشهد واحد جديد كان قد غاب لسنوات ، حتى ان البعض اسمى جنين بعاصمة المقاومة لفلسطين، ولعل الاحداث المتلاحقة في جنين لم تعد مجرد رمز، بل غدت ظاهره ومصدر قلق للاحتلال، وحالة مختلفه تستحق البحث والتوثيق.
جنين وأبرز محطات الانطلاق.
مع نهاية عام 2013م، كان حمزة أبو الهيجا نجل الأسير القائد في حماس يشارك في فعالية تضامنية للأسرى، فحاولت السلطة اعتقاله، فلم يسلم نفسه لهم، وبعد فترة من الزمن صار مطلوباً للاحتلال الاسرائيلي كذلك ، وأصرّ على عدم تسليم نفسه للاحتلال، وصار اسمه يتردد بين جيل الشباب كمطارد يحمل سلاحه ويواجه الاحتلال، وكان حمزة بمثابة شرارة جديدة بعد زمن من غياب مظاهر المطاردة والسلاح.
ومنذ ذلك الحين أصبح حمزة أبو الهيجا أيقونة لامعة لمرحلة جديدة بدأت الدماء تتدفق فيها لفكرة العمل المقاوم من جديد، وصار الشبان يرفعون صور حمزة ابو الهيجا، ويضع ن صوره على مواقع التواثل الاجتماعي، وصار ملهماً للمئات من الشباب كبطل قاوم الاحتلال ولم يسلم نفسه، وهو ابن العائلة التي قدمت الكثير لأجل فلسطين.
في شهر حزيران من العام 2014م، اختطفت خلية من حماس ثلاثة مستوطنين وقامت بقتلهم، نتيجة اضراب الأسرى الاداريين الذي تجاوز اكثر من ستين يوماً، وعلى إثر ذلك انطلقت شرارة حرب العصف المأمول مع غزة، التي استطاعت فيها فصائل المقاومة أن تبدع في الكثير من أساليب المقاومة الجديدة، وشاهد جمهور الضفة الغربية جيش الاحتلال ينهزم أمام المقاومة الفلسطينية، وفي اليوم الذي أعلنت فيه كتائب القسام عن اختطاف الجندي شاؤول آرون خرجت الضفة الغربية عن بكرة أبيها تهتف للمقاومة، وتمجدها، وبدأ الناس يتململون من الوضع القائم الذي تحارب فيه المقاومة، ويتم قمعها من الاحتلال، والسلطة الفلسطينية، واستطاعت حرب 2014م، أن تلهب جذوة المقاومة في قلوب الشباب، ونفوسهم، وعقولهم، وبدأت عمليات إلقاء الحجارة، وضرب المولوتوف تتصاعد في أنحاء الصفة الغربية، لكن لم تكن لفصائل المقاومة دور واضح نتيجة تحطيمها، وملاحقتها الشديدة من اسرائيل والسلطة الفلسطينية.
استمرت المواجهات في الضفة الغربية بين الفلسطينيين، وقوات الاحتلال الإسرائيلي والتي ازدادت بشكل ملحوظ بعد الحرب على غزة عام 2014م، وازدادت بعد تزايد المحاولات الإسرائيلية الساعية إلى تقسيم المسجد الأقصى مكانيًّا وزمانيًّا بين المسلمين واليهود وبالتالي تغيير الوضع القائم، وأخذت هذه المحاولات بُعدًا جديدًا بتكثيف الاعتداءات على المرابطين في المسجد، وخاصة النساء، وإذلالهم على أبوابه.
في الثالث من أكتوبر عام 2015م، تمكن الشهيد مهند الحلبي من تفجير انتفاضة جديدة لا تزال تربك إسرائيل، من خلال تنفيذ عملية بطولية قرب باب الأسباط في القدس المحتلة، ليقتل جنديين إسرائيليين، ويصيب خمسة مستوطنين آخرين، بعد أن طعنَ عدداً منهم، وخطف سلاح أحدهم، وهي العملية التي فجَّرت الانتفاضة التي وضع إسرائيل بمأزقٍ حقيقي، وتدحرجت الأحداث فيما بعد وتصاعدت عمليات الطعن وتكثَّفت بصورة غير مسبوقة في الصراع العربي-الإسرائيلي مما طرح تساؤلًا جوهريًّا عن قدرة هذه العمليات ذات الطابع الفردي والعشوائي.
أكمل الكثير من شبان جنين مشوار عمليات الطعن، وأدخلوا الكارلو إضافة للسكاكين، ففي شهر شباط قتلت مجندة إسرائيلية، وأصيبت أخرى بجروح بليغة خلال عملية اطلق عليها باب العامود، لوقوعها بباب العامود في القدس المحتلة، هذه العملية نفذها ثلاثة شبان من قباطية جنوب جنين، وكان تتويجاً لأكثر من 5 محاولات عمليات طعن استشهد فيها أصدقاؤهم من قباطية، واستمرّت الاحداث في جنين تتصاعد ولم تستطع "إسرائيل" وقف العمليات الفردية التي أربكت حساباته.
ظاهرة العسكرة الفردية في ظل تغييب فصائل المقاومة
برزت ظاهرة جديدة خلال السنوات الأخيرة، وهي ظاهرة العسكرة الفردية، بحيث أصبح الكثير من الشبان يعملون في الكثير من الأعمال الحرّة، في الضفة، أو في الداخل المحتل في ظل وجود الفتحات في الجدار الفاصل، ثم يلجأوون لشراء السلاح كظاهرة من ظواهر الرجولة، والهواية، وسرعان ما تحوّل الكثير من هذه الأسلحة الفردية من الاستعراضات، والمشاكل العائلية إلى سلاح موجّه نحو الاحتلال الاسرائيلي في الاقتحامات المستمرة لجنين، ومخيمها، وقراها، وظلت احداث المقاومة تتصاعد بشكل تدريجي باتجاه القوات المقتحمة من خلال الحجارة، والزجاجات الحارقة، وإطلاق النار، وأخذت تتسع رقعة المقاومة للجيش الاسرائيلي لأغلب مناطق جنين مع تركيزها في المخيم.
معركة سيف القدس ذو حدّين
شكّل تصدي المقدس، وأهالي حي الشيخ جراح لسياسة الاحتلال وتهجيرهم من بيوتهم، رافعة لانطلاق هبة مقدسية، وفلسطينية جديدة، استطاعت أن تفرض نفسها على أجندة الجميع وتعيد قضية القدس إلى الواجهة، وجاء التحول الأبرز في هذه الأحداث بتدخل المقاومة في غزة واعتبارها الانتهاكات بحق المقدسات وأهل القدس دافعا ومبررا للدخول في جولة من القتال مع الاحتلال، خاصة بعد مناشدات المقدسيين لها وإصرار حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على فرض سياساتها على المسجد الأقصى، قدّمت المقاومة في غزة نموذجا قتاليا محترفا، وقدرة عالية على مواجهة العدوان الإسرائيلي والتعامل مع خطط الاحتلال، يضاف لذلك هبة فلسطينيي الداخل المحتل، وتدهو الاوضاع في الضفة الغربية باتجاه مواجهة المحتل.
إن احداث معركة سيف القدس أدّت إلى نهضة روحية، وعقلية لدى جيل الشباب في جنين الذين لم يعايشوا مرحلة الانتفاضة الثانية، ومرحلة حلّ، وقمع التنظيمات الفلسطينية التي تتبنى نهج المقاومة، وعلى رأسها حماس بعد عام 2007م، لكنّ هذا الجيل الجديد نشأ على حب المقاومة، وبغض المحتل بفطرته السليمة التي حاولت امريكا وإسرائيل طمسها، وإنشاء الفلسطيني الجديد بديلاً عن الفلسطيني المقاوم فشلت أيّما فشل، وقد ذكرت إحصائية أجراها مركز القدس للدراسات من خلال تتبع إحصائيات إسرائيلية في هذا الشان أن أعمال المقاومة في جنين، ومخيمها ازدادت بشكل ملحوظ، ومتنوع بعد معركة سيف القدس، وهي الفترة الأكثر في عدد أعمال المقاومة منذ سنوات طويلة.
نفق الحرية
مع تصاعد الأحداث في جنين بعد معركة سيف القدس، طرأ حدثٌ جديد كان له دور محوري في دفع الحالة النضالية المتصاعدة في جنين، وهو هروب ستة من أسرى جنين الذين يمضي كثير منهم أحكام بالسجن المؤبد في أيلول 2021، وهم(محمود العارضة، محمد العارضة، مناضل نفيعات، وزكريا الزبيدي، ويعقوب قادري، وأيهم كممجي) حيث تمكنوا من الهروب من سجن جلبوع، وبعد نشر الاحتلال تخوفاته من وصول الشبان الى مخيم جنين، بدأ العشرات من أبناء المخيم، وعلى مدار خمسة أيام من عملية ملاحقة الاحتلال للأسرى الفارين، بدأ شباب المخيم "فعاليات الإرباك"، والتي تمثّلت بتنفيذ عمليات إطلاق النّار على الحواجز المحيطة بمدينة جنين، والخروج في مسيراتٍ عسكريّة داخل المخيّم. كان الهدفُ استعراضَ عتاد المقاومين وما يمتلكونه من سلاح، والتأكيد على استعدادهم للدفاع عن الأسرى واحتضانهم، وظلت الحالة قائمة، بل وتزداد وتبرتها في كل شهيد يرتقي في جنين، يزداد عدد الشبان المقاومين، والمسلحين أضعافاً.
ضياء حمارشة
قبل حلول شهر رمضان من العام الجاري كانت إسرائيل قد أصدرت تحذيرات بأن هذا الشهر لن يمر كما كانت تمر السنوات السابقة، وحذرت من تصاعد الأحداث من جديد، لكن تفاجأت إسرائيل أن الاحداث بدأت تتدافع قبل شهر رمضان المبارك، والذي أعلن بدء شارة الاحداث شاب من النقب من عائلة أبو القيعان نفذ عملية في بئر السبع، قتل خلالها عدد من المستوطنين، ثم بعد أيام نفذ شبان آخرون من ام الفحم عملية أخرى في الخضيرة أدت لمقتل العديد من الصهاينة.
ومن جنين وبعد أن تخطى الحواجز، والتشديدات، والجدار الفاصل استقل ضياء حمارشة الشاب الفلسطيني الذي يبلغ من العمر 26 عاماً، من بلدة يعبد، سيارة تحمل لوحة ترخيص اسرائيلية، وسار بهدوء ودون اي تردد نحو بني براك، وهناك أخرج سلاحه الرشاش، وأطلق النار بمهارة عالية، ومشى بخطى واثقة في بني براك، وقتل وأصاب عدد من الصهاينه، وحظيت عملية ضياء حمارشة النوعية باحتفاء واسع في أوساط الفلسطينيين، وأيدتها الفصائل الفلسطينية وباركتها، وقد ألهبت عمليته جذوة المقاومة في نفوس الشباب.
رعد فتحي خازم.
رعد شاب من مخيم جنين، من أكثر الشبان ذكاءً في مجال السايبر، ويعرف بين أوساط الشباب بـ (الهكر) لقدراته العالية في مجال التكنولوجيا.
وصل رعد عند التاسعة مساءً إلى شارع ديزنغوف والذي يعتبر من أهم شوارع تل أبيب، ثم فتح نيران سلاحه على الموجودين هناك، فحوّل هدوء تلك الليلة إلى رعب دبّ في تل أبيب، فقتل قبل أن ينسحب ثلاثة منهم، وجرح 14 وصفت جراح بعضهم بالخطيرة، ثم انسحب، وجلس على مقعد قبل أن يختفي عن الأنظار، وقد استغرق البحث عنه أكثر من 8 ساعات.
كانت عملية رعد خازم ملهمة لجيل الشباب في جنين، ومخيمها، والضفة الغربية جمعاء، فقد نجح نجاحً عظيمً، وهزم المنظومة الأمنية الإسرائيلية هزيمة مدوية أظهرت فشلاً استراتيجياً للدولة العبرية على كافة المستويات، وأكد من خلال عمليته البطولة أنّ بالإمكان إلحاق الهزيمة والاندحار بالمحتل.
إن جنين ومخيمها الذي غدا معلمًا من معالم المقاومة يخشى الاحتلال تمدده نموذجًا في باقي مناطق الضفة الغربية، وأن الضفة الغربية تشهد تغييرًا كبيرًا في مقاومتها وحالة من التوحد مع مختلف ساحات شعبنا الفلسطيني، وأنها فرضت معادلات جديدة على الاحتلال الإسرائيلي جعلته يعيش حالة من التخبط والعجز والفشل، كما أن الفعل المقاوم ومشاركه كل الفصائل اضافه الى الحاضنه الشعبية ورضى اهلي جنين وصبر وثبات بل وتشجيع اهالي المقاومين والشهداء والاسرى يعطى دعم اكبر ومشاركة اوسع في الفعل المقاوم في جنين.
وإن هذه الصورة غالبا ستنتقل الى باقي مدن ومخيمات الضفه ولعل بوادر ذلك باتت واضحه في بعض المناطق في صورة مشرقه باتت ترتسم في عقول وقلوب الاجيال الجديدة من الشعب الفلسطيني صورة الانتصار والقدرة على الثبات والتضحيه اضافه لمكانه وقيمه وعزة المقاوم .
الاحتلال وجنين
الاحتلال بات أمام معظلة كبيرة، وأصبحت جنين مصدر قلق دائم للاحتلال –خاصه في ظل ضعف سيطرة السلطه الفلسطينية- ولعل الخيارات أمام الاحتلال خيارات محدوده، وهي:
الأول اجتياح واسع لجنين شبيه باجتياح 2002 وبالتالي خسائر من الطرفين، اضافه لخطر دخول المقاومة الفلسطينية في غزة بالحرب .
الثاني حالة الاستنزاف الجاريه حاليا من دخول لقوات الاحتلال لجنين وتنفيذ عمليات سريعه واستهداف للمقاومه.
المراجع :
الجزيرة نت
عربي 21
متراس
مركز القدس للدراسات