دبلوماسيون امريكيون ينظرون الى الوراء بعد مرور 30 عاما

على اتفاقات اوسلو . النشوة - وخيبة الامل .

________________________________________________________

 

خمس شخصيات مهمة كانت تشغل مواقع متقدمة في  القيادة الامريكية عام 1993 يتحدثون عن دور الولايات المتحدة في الاتفاقات  " لقد تهربنا من تحمل المسؤولية " ، عن الثقة بين الطرفين (" كل شئ جرى من خلف ظهورنا " ) . وحول الامور التي لا زالت ذات صلة منذ ذلك الوقت حتى الان (" الاتفاق كان جيدا لاسرائيل " ) .

 

________________________________________________________

 

هذا الأسبوع، قبل 30 عاما، التقطت  واحدة من أهم الصور في تاريخ إسرائيل:  رئيس الوزراء اسحق رابين  يصافح  يد زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات في حديقة البيت الأبيض بعد الاتفاق على أسس اتفاق سيؤدي إلى حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.  التوقيع اتفاق أوسلو، أو اسمه الرسمي  لـ "اتفاق اعلان  المبادئ"،  شكل اعترافا رسميا من دولة إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني ، فيما اعترفت  منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل نفسها.

 

في الأشهر والسنوات والعقود التي مرت منذ  حفل التوقيع الاحتفالي، أصبح اتفاق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين  يبعد يوما بعد يوم ، ولن يعتبر أي من المشاركين في بلورة  اتفاق أوسلو  أنه قصة نجاح. عندما يتعلق الأمر بالسؤال عن ما الذي حصل وادى الى التشويش عليه ولماذا ،  يمكن للأميركيين الذين لعبوا دورا في القصة أن يشيروا إلى بعض نقاط التحول – مثل اغتيال رابين وتعزيز  قوة المتطرفين من كلا الجانبين.

 

ولكن في هذه القصة هناك نقاط أخرى، والتي تجد هذه الشخصيات  صعوبة في الاتفاق عليها. هل  كان مصير الاتفاق محددا سلفا، وما إذا كان ينبغي على الولايات المتحدة أن تلعب دورا   أكبر في العملية منذ البداية ، وما إذا كان ينبغي على الأمريكيين أن يستثمروا أكثر في بناء الثقة بين الطرفين ، وهو ما كان من الممكن يؤثر على النتيجة النهائية. في الذكرى السنوية الـ 30 للتوقيع ، لا تزال الكثير  من هذه الأسئلة مهمة وذات صلة .  خمس شخصيات رئيسية شاركت في صياغة الاتفاقات من الجانب الأمريكي تنظر إلى الوراء على ما حصل  وما كان يمكن القيام به بشكل مختلف.

 

مارتين انديك

_____________________

 

من وجهة نظر مارتن إنديك، الذي كان عضوا بارزا في طاقم  السلام للشرق الأوسط نيابة عن وزير الخارجية وارن كريستوفر في عام 1993، فإن فشل أوسلو لم يكن في الاتفاق نفسه - ولكن في فشل كلا الطرفين في الوفاء بالتزاماتهما التي وردت في  الوثيقة التي وقعوا عليها. وقال إنديك: "الجمهور ينظر إلى اتفاق أوسلو ويعتقد أنه كان كارثة. أعتقد أن الاتفاق كان يمكن أن يكون ناجحا لو لم يتم اغتيال رابين". وعندما جاء لفحص  الاتفاقية، وضع إنديك أصبعه على عدم  القاء  الولايات المتحدة بثقلها باعتباره  عامل حاسم في انهيارها .  واضاف انديك الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة في اسرائيل لفترتين منفصلتين :  لقد تفاوض الطرفان من خلف ظهورنا ، لقد عرفنا عن الاتفاقات فقط بعد ان تمت صياغته . وفي اللحظة التي توصلت فيها اسرائيل والولايات المتحدة الى الاتفاق لم يبقى امام الرئيس الاخيار واحد  فقط وهو الوقوف خلف هذا الاتفاق وتركه يعمل . لقد كنا مضطرين للعمل بسرعة.

 

و أوضح إنديك،  وبسبب هذه الظروف ، اضطرت إدارة الرئيس بيل كلينتون - التي استضافت اتفاق التوقيع الذي حظي باهتمام واسع في  البيت الأبيض - إلى العمل  في الظلام. وقال السفير السابق: "لم نكن نعرف بالضبط  الى اين نسير واين دخلنا ، ولم نكن نعرف ما  الذي يحدث  من خلف  الكواليس في المفاوضات"، وقال: "صحيح اننا  قرأنا الاتفاق، لكنه كان مجرد هيكل فقط . واضطررنا للتوقيع على وثيقة لم يكن لنا أي دور في صياغتها".

 

من وجهة نظر  إنديك، كان هذا الوضع  ليس مرغوبا لإدارة كلينتون، لكنها اضطرت إلى تنفيذ الالتزامات التي قطعتها الأطراف ل بعضها البعض، وليس تجاه الولايات المتحدة نفسها. وأضاف "الأمور التي تم الاتفاق عليها، ربما بنية حسنة، لم يتم تنفيذها "، مركزا على "النبضات الثلاث"، وهي المراحل الثلاث التي وافقت فيها إسرائيل على الانسحاب من مناطق  في الضفة الغربية، قبل توقيع الاتفاق النهائي. وقال إنديك: "في اتفاق أوسلو، اتفق الطرفان على تأجيل مفاوضات  القضايا الكبرى الى الحل النهائي ، وينسى الجمهور أنه لم يكن هناك  اي شيء مكتوب في الاتفاق حول دولة فلسطينية، حول القدس، حول اللاجئين والحدود. كل شيء بقي معلقا  في الهواء".

 

يوضح السفير السابق أن إجراءات بناء الثقة التي اتفق عليها الطرفان انهارت مع اغتيال رابين، ومعها اتفاق أوسلو نفسه. "أعتقدت أن الاتفاق سينجح باجتياز هذا . لكني  كنت مخطئا"، موضحا  كيف أن التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عام 1996 وعدم رغبة عرفات في التصدي ( للإرهاب ) الفلسطيني بعد اغتيال رابين دمرت ما تم بناؤه بين الجانبين في وقت سابق.

 

استمرت عملية انهيار الاتفاق  على الرغم من توقيع اتفاق واي في أكتوبر 1998، والذي كان يهدف إلى وضع جدول زمني للخطوات المبينة في اتفاقات أوسلو، ووفقا لإنديك حتى نهاية ولاية نتنياهو الأولى في عام 1999، كان الاتفاق في وضع سئ للغاية . عندما تم انتخاب إيهود باراك رئيسا للوزراء، صحيح انه قام بتنفيذ الانسحابات  التي وردت في اتفاق  في معاهدة واي ريفر ، ولكن رفض تنفيذ المزيد  من الانسحابات الأخرى وحاول التوصل إلى اتفاق  على الوضع النهائي. وزعم  إنديك: " انه إذا نظرنا إلى الوراء، فقد دمرت  خطوة باراك  هذه ما تبقى من اتفاقات أوسلو"،  واضاف "لقد أيد رابين مقاربة مقاربة الخطوة خطوة ،  فيما أيد باراك مقاربة تقول او كل شئ او لا شئ ، وبذلك بقينا من دون اي شئ " .

 

وبعد ذلك ، يشرح إنديك  ، لم يتبق الكثير. ولم تأتي المحادثات التي جرت في كامب ديفيد في عام 2000  بأي جديد ، وبعد ذلك بوقت قصير اندلعت الانتفاضة الثانية.  واضاف وقع شرخ  جوهري  في  الثقة بين الطرفين. "لم يعد من الممكن إصلاحه " ، . وهكذا، عندما حاول الرئيس باراك أوباما بدء جولة أخرى من المحادثات بين إسرائيل والفلسطينيين في عام 2013، كانت فرص النجاح معدومة.  وقال انديك الذي كان المبعوث الخاص للإدارة الامريكية  إلى إسرائيل في ذلك الوقت "لم أكن أعتقد أن هناك اي امكانية  للنجاح"،  " وأحدا لم يكن يصدق ان شيئا سيخرج من ذلك " .

 

ومع ذلك، لا يزال إنديك يؤمن بالاسس التي وضعتها اتفاقات أوسلو. وقال: "لا يوجد هيكل آخر للمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، قد يكون جوهر أوسلو مات ، لكن بنية الاتفاقات لا تزال ذات صلة". وأضاف وفقا لاعتقاده  "إذا اتفق الجانبان على مناقشة المرحلة الثالثة( النبضة الثالثة ) - التي توقفت عندها  المحادثات في المرة السابقة  - فسيكون ذلك أفضل أساس لتحريك  عملية السلام. هذه الفكرة، المتمثلة في خطوات صغيرة تركز أولا على الأراضي، هي الفكرة  التي يجب أن نعود إليها".

 

دان كريتزر : دبلوماسي امريكي رفيع المستوى وسفير الولايات المتحدة سابقا في تل ابيب

-------------------------

صحيح   ان الولايات المتحدة لم تكن طرفا في المفاوضات التي ادت الى اتفاق اوسلو ،  لكن دان كريتسر كان الدبلوماسي الامريكي الاقرب الى المباحثات منذ انطلاقتها .   وأشار كيرتسر الذي كان موظفا رفيعا في وزارة الخارجية الامريكية عام 1993 وكان مكلفا باطلاع الادارة الامريكية على كل جديد فيما يتعلق بالاتصالات الفلسطينية الاسرائيلية   الى ان عدم قيام الولايات المتحدة بالتدخل الفعال كان السبب الرئيسي الذي ادى الى انهيار المباحثات .

واضاف  كيرتزر: "لم تكن  الإدارة  ترغب في السماع عن أوسلو لأنهم كانوا يؤمنون بدفع  المفاوضات بين إسرائيل وسوريا قدما .  انهم لم يرغبوا في الاستماع إلي مطلقا .  لقد كان هذا  محبطًا للغاية". وعلى حد قوله، فقد حاول  وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، شمعون بيريس، عدم اعلام الأميركيين على  المحادثات، لأنه كان يخشى حدوث تسريبات أو الإضرار بالمفاوضات  الهشة . وعلى حد قوله، حتى بعد أن قام نائب بيريس، يوسي بيلين،  باطلاعه والأدارة الامريكية  على سير المحادثات، كان وزير الخارجية كريستوفر ورجاله مهتمين فقط بالمسألة السورية. فقط بعد أن جاء بيريس إلى كاليفورنيا لإطلاع كريستوفر على التقدم الذي تم تحقيقه في المفاوضات مع الفلسطينيين، بدأ وزير الخارجية كريستوفر ينظر الى الأمر بجدية.

ووفقا لكريتزر ، فإن حفل التوقيع بعد حوالي شهر في حديقة  البيت الأبيض هو الحدث الأكثر أهمية في العملية برمتها. وقال كريتزر: "إن صورة عرفات وهو يصافح رابين أثبتت أنه شريك". ويوضح أنه على الرغم من تأخر الولايات المتحدة في الانضمام، إلا أنه يشيد باستعدادها للانضمام إلى العملية - إما عن طريق جمع المليارات لدفع المحادثات قدما أو عن طريق حشد الدعم من دول العالم. ووفقا له، فإن هذه الإجراءات جعلت من الممكن التوقيع على اتفاقية السلام بين إسرائيل والأردن بعد حوالي عام.

لكن كيرتزر عاد ووجه اصابع الاتهام للولايات المتحدة زاعما " انها استمرت في التهرب من الدور التي كان يتعين عليها القيام به بصفتها وسيط في المفاوضات " . وأوضح أن الاتفاق لم يذكر المستوطنات على الإطلاق ولم يذكر حدود مسؤولية السلطة الفلسطينية فيما يتعلق  باتفاق مستقبلي - وهنا، على حد قوله، "كان ينبغي للولايات المتحدة أن تتدخل وتغلق الثغرات وتصحح  حالة عدم التناسب ، لكننا لم نفعل ذلك".

وفي مايو/أيار 1994، أصبحت الحاجة إلى مشاركة الولايات المتحدة في المفاوضات واضحة. ووفقاً لكيرتزر، عندما جاء إلى القاهرة قبل التوقيع على اتفاق القاهرة (اتفاق غزة وأريحا أولاً)، كان الطرفان بعيدين عن الاتفاق. واضاف  كريتزر: "كان لزاما علينا  أن نحدد موعدا نهائيا حتى يعلموا أنه يتعين عليهم الانتهاء، ولكن عندما جئت كان من الواضح أنهم لن يتوصلوا إلى توافقات  دون الضغط الأمريكي". وأضاف: "لكن مرة أخرى، لم نكن هناك"، في إشارة إلى ضعف تدخل الولايات المتحدة في الأيام التي تلت . "لقد حدث كل شيء في الوقت الذي  واصل  فيه الجانبان القيام بالأعمال التدميرية - البناء الذي تقوم به إسرائيل في الأراضي الفلسطينية والأعمال الإرهابية التي ينفذها الفلسطينيين ". وقال كيرتزر "، هذا كانت مقاربة تحمل وجهين لعملية السلام : هناك مفاوضات بين القادة، ولكن لا شيء يتغير على الأرض".

وبحسب قوله، فإن عدم تدخل الأميركيين، وقيامهم بمطالبة الاطراف باحداث  تغييرات على الأرض، جعلت  الاتفاق بلا معنى. وقال كيرتزر: "بمجرد أن يدرك اللاعبين  على الأرض أنهم ليسوا  مضطرين  إلى التصرف وفقًا لما يقرره القادة ، فإن هذه الاتفاقات تصبح لا قيمة لها". واضاف  أن اتفاقيات أوسلو لم تعد على   مطروحة على جدول الأعمال، بل وأكثر من ذلك: لم يعد لها اي اهمية . والسؤال الوحيد بالنسبة له هو ما إذا كانت إسرائيل والفلسطينيون قادرون معاً على استجماع القدر الكافي من الشجاعة السياسية لإعادة اطلاق  المفاوضات على أساس الفهم  الذي تشكل   بعد سنوات من اتفاقات أوسلو.

 

اهارون دافيد ميلر

----------------------------

قد يكون اهآرون ديفيد ميلر هو الدبلوماسي الأمريكي الأكثر مشاركة في المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين على مر السنين. وفي عام 1991، ساعد الإدارة في واشنطن في التخطيط لمؤتمر مدريد، الذي كان أول مؤتمر للسلام بمشاركة ممثلين إسرائيليين وفلسطينيين.  وقال ميلر "كنت  اشعر اني في السماء "،عندما جرى مدريد لكنه اشار الى انه  اصبح اكثر  تحفظا في  المقارنة بين مدريد وأوسلو  بشأن فرص  السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وقال عندما جلس في حديقة البيت الأبيض وشاهد رابين يصافح عرفات، "اعتقدت أنني كنت أهلوس".

كان ميلر متفائلاً. وقال الدبلوماسي الكبير الذي خدم لسنوات في وزارة الخارجية الأميركية: "اعتقدت أن عملية السلام قد بدأت، وأننا وصلنا إلى نقطة اللاعودة. ونقلت هذا الشعور المبتهج إلى البيت الأبيض في عهد كلينتون". لكنه  يدرك اليوم أن ذلك كان خطأً: "لقد كانت اتفاقيات أوسلو بمثابة انتصار لقوة الإرادة، ولكن حتى في ذلك الوقت كان بوسعك أن تعرف بسهولة إن مصيرها الفشل".

وعلى عكس كيرتزر الذي أشار إلى أن عدم مشاركة الولايات المتحدة في بداية المفاوضات كان عاملا سلبيا، يرى ميلر أنها كانت في الواقع علامة جيدة .  وأوضح: «اعتقدت أن ما يفعلوه لوحدهم سينجح، ولم أفكر في الأمر تحليلياً، ولم أفحص مضمون الاتفاق، بل طريقة كتابته». وبحسب قوله، وخلافاً لادعاء كيرتسر، فإن الولايات المتحدة "حاولت بكل قوتها" الحفاظ على بقاء  اتفاق أوسلو واهميته ، وفرص المفاوضات بين الأطراف. كما تحدث سابقيه ايضا ميلر يعتقد ان اغتيال رابين، وتصاعد الإرهاب بعد ذلك ، وانتخاب نتنياهو رئيساً للوزراء، هي العوامل التي تسببت  في انهيار الاتفاقيات. لكنه يرفض المزاعم  بأن بنية الاتفاقيات نفسها كانت معيبة. وقال ميلر: "عندما لا تعرف ما هو هدفك، فإن كل الطرق ستقودك إليه. ولو ركز الطرفان منذ البداية على الهدف النهائي، لانتهى التفاوض حتى قبل أن يبدأ".

ووفق رأيه ، فإن العنصر المفقود هو طرف ثالث الذي يمكنه العمل  أمام الطرفين وتقديم عملية  التنفيذ الفعلي للاتفاقات. وأوضح ميللر أن "كل شيء تم حمله على أكتاف رابين وعرفات". وزعم ميلر ، ان رابين  وافق على اجراء المحادثات مع عرفات فقط بعد أن أدرك أن الإدارة في واشنطن لن تكون قادرة على  دفع اجراء  محادثات مباشرة بينه وبين النظام في سوريا. وقال ميلر "لقد ادرك رابين أن عرفات اختار خيارات صعبة للغاية ليكون هناك إلى جانبه في سبتمبر 1993".

يقول ميلر إنه لو كان في وسعه لكان قد غير شيئين: كان سيمنع مقتل رابين، وكان سيتسبب في انتخاب جورج بوش الأب بدلا من بيل كلينتون في الانتخابات الرئاسية عام 1992. "لو بقي جيمس بيكر وزيرا للخارجية، لكان بإمكانه هو ورابين وبوش التوقيع على إحدى الاتفاقيات - إما مع عرفات، أو مع النظام في سوريا". لكن مع وجود كلينتون في البيت الأبيض، وفقا لميلر، تغيرت اللهجة. وأضاف " لقد أراد  كلينتون أن يفتح صفحة جديدة مع إسرائيل. ومنعنا  حتى أن نقول إن المستوطنات تشكل عائقا أمام السلام".

كما ذكر  ميلر  ثلاثة عناصر في اتفاقيات أوسلو لا تزال ذات صلة حتى اليوم. الأول هو التقسيم إلى مناطق (A) و(B) و(C)، وهو ما قد يطرح للنقاش مرة أخرى إذا تم التوصل بالفعل إلى اتفاق بين السعودية وإسرائيل؛ والثاني هو اعتراف إسرائيل بقيادة فلسطينية، واعتراف الفلسطينيين بالحكومة الإسرائيلية. والثالث هو تكريس مكانة  الحركة الوطنية الفلسطينية. وقال إن "الكفاح المسلح ضد إسرائيل اتخذ شكلا منظما، وهو تنظيم يطمح إلى إقامة دولة. وهذه عناصر لن تختفي في المستقبل القريب، وهي نتاج مباشر لاتفاق أوسلو ".

 

دينيس روس

---------------------

بصفته منسق شؤون الشرق الأوسط في إدارة كلينتون، يستطيع دينيس روس أن يقدم نظرة عميقة  على اتفاقيات أوسلو. وقال روس: "كنت أتمنى لو كان لأوسلو إرث أكثر اثرا . اليوم، يرى الفلسطينيون أنها عملية تستهدف افراغ المفاوضات مع إسرائيل من محتواها، وهي في نظر معظم الإسرائيليين دليل على عدم وجود شريك. "

لكن في حينه ، كما يشير  روس، كانت اتفاقيات أوسلو بمثابة "اختراق  الحاجز السيكولوجي ". ووفقا لما قاله ، " حينئذ  كانت هناك حركتان وطنيتان تتقاتلان على  نفس الأراضي وعاشتا في عالم من الرفض والإنكار المتبادل، وهنا انتهى الأمر"، قال روس، "قلت  لوزير الخارجية أن هذه الوثيقة ملهمة.  واهميتها هي  في وجودها  بحد ذاته في العالم. إنها وثيقة تاريخية،قبل  فيها  إسرائيل والفلسطينيون وجود بعضهم بعضا .

ومثل أسلافه، يوافق روس أيضاً على أن الولايات المتحدة كانت مخطئة عندما لم تطلب  من الجانبين احترام تعهدتاهما ، ولم تلزمهما بالخضوع للمساءلة. وأوضح أنه " لم يكن يتعين علينا تجاهل الاعمال الارهابية والمشاكل الامنية من الطرف الفلسطيني  الجانب الفلسطيني،  وعلى الجانب الإسرائيلي،لك ينبغي ينبغي لنا أن نتجاهل البناء في المستوطنات". واضاف ، حاولت الإدارة تسهيل الأمر على رابين في التعامل مع المعارضة اليمينية في إسرائيل، ولم ترد بالطريقة التي كان ينبغي أن ترد بها على البناء في الضفة الغربية.

ويوضح روس أن الإدارة كانت خائفة جداً من التشويش على  العملية التي كانت قد بدأت بالفعل من دونها. وقال: "كنا على استعداد تام للدفاع عن العملية، وكنا مترددين  في القيام باي شيء قد يضر بالاتفاقات"، مضيفا: "اعتقدنا أنه إذا كنا أكثر حزما  فقد يؤدي ذلك إلى إبطاء المحادثات، ثم عندئذ يحل  العنف مكانها ". لقد فكرنا في الأمر، لكن كان من السهل علينا إقناع أنفسنا بأن الأمر لا يستحق التدخل".

ومع ذلك، وجه روس انتقادات  شديدة لمنتقدي الاتفاق . وقال: "لم يقدم أي طرف من معارضي اتفاق أوسلو حلا أفضل. فاليمين الإسرائيلي يعتقد أنه لا يجب علينا  القيام بأي شيء، وأن على الحركة الفلسطينية ببساطة أن تلقي سلاحها وتتخلى عن طموحها في إقامة دولة". ولم يرَ الفلسطينيون تغييرا على الارض الامر الذي قاد في نهاية المطاف الى اندلاع انتفاضة اخرى " .

على الرغم من العيوب الكثيرة ، لا يزال روس يعتقد أن اتفاقيات أوسلو نجحت في تفصيل مهم للغاية: إنشاء جسم  دولاني فلسطيني. وقال روس: "في السابق، لم يكن لدى الفلسطينيين أي شيء قريب من الحكومة. ربما لم يكن ذلك طموح الكثيرين منهم ، ولكن مع ذلك هناك إنجاز هنا لا ينبغي التقليل من شأنه ، السلطة الفلسطينية هي نتاج مباشر لأوسلو. " علاوة على ذلك، اشار روس  إلى أن اتفاقيات أوسلو لها منتج آخر مهم يميل الكثيرون  إلى تجاهله: "أوسلو جعلت  إسرائيل  دولة يمكن للعرب أن يقيموا علاقات معها".

 

جمال هلال

---------------------------------

عندما تُسأل الشخصيات الرئيسية في اتفاق أوسلو من هو أقرب شخص إلى لقب "البطل الأميركي المنسي"، يبرز اسم واحد مراراً وتكراراً: جمال هلال. وكان هلال مترجماً أميركياً مصرياً عمل في خدمة البيت الأبيض منذ أيام ريغان وحتى إدارة أوباما، وخلال اتفاقيات أوسلو كان مترجماً ومستشاراً في خدمة كلينتون وروس. حتى أن هلال التقى بعرفات على انفراد في محاولة أخيرة لإنقاذ المفاوضات. خبرته الواسعة، فضلاً عن كونه مصريًا أمريكيًا في رأس  هرم الإدارة الأمريكية، تمنحه منظورًا فريدًا حول اتفاقيات أوسلو.

ومثل أسلافه، يعتقد هلال أيضًا أن عدم مشاركة الولايات المتحدة في الاتفاقيات كان خطأها. وقال هلال: "لم يكن لدينا أي دور في المفاوضات، لقد استضفنا الحفل فقط ، ولم نكن في وضع يسمح لنا باقتراح تغييرات أو تعديلات. لقد كنا ببساطة سعداء بما كان يحدث، لذلك وافقنا  على العمل بالأدوات التي كانت لدينا". ويؤكد هلال  على الاحترام الكبير الذي يكنه زعماء الدول العربية لرابين. "كنت أتحدث في كثير من الأحيان إلى أحدهم وأقول له شيئا ما  ، فيقول لي: "هذا ليس صحيحاً، قال لي رابين كذا ".  لقد صدقوه، وكانت كلمته منقوشة في الحديد".

هلال مقتنع بأن الخطأ الأكبر الذي ارتكبته إسرائيل هو الطريقة التي تعاملت بها مع اتفاقيات أوسلو،  باعتبارها له نوع من المعروف للفلسطينيين. "إن التقدم في حل الدولتين لشعبين هو فكرة جيدة لإسرائيل، وليس للفلسطينيين. يعيش الفلسطينيون في صعوبات، اذن ما الذي استجد ؟ كان بامكان الفلسطينيين العيش لعقود اخرى كثيرة على نفس المنوال .

يعتقد هلال الآن أن تسييس الصراع يؤخر نهايته. "لن ينتهي الأمر بالسياسة. نحن بحاجة إلى قادة قادرين على النظر إلى ما هو أبعد من الظروف الحالية، والحفر عميقا في الجرح النازف - وليس فقط تضميده. إذا لم يكن  لدى إسرائيل الاستعداد  لتقديم أكثر من مجرد فتات للفلسطينيين". "لن يكون هناك أي تقدم. لن يعيش أحد بسعادة وثراء بهذه الطريقة. هذا لن يحدث حرفيًا."

 

وهناك مشكلة الأخرى، بحسب هلال، وهي أن إسرائيل لا تفهم مدى أهمية المشكلة الفلسطينية للعالم العربي بأكمله. وقال: "لا يمكن للدول العربية أن تتجاهل الظلم الذي يشعر به الشعب الفلسطيني، فهو أمر عاطفي وليس عقلانيا، وهذا هو الواقع سواء قبلتم به أم لا". وعلى حد قوله فإن إسرائيل تخطئ في تصورها أنه لا يوجد شريك في الجانب الفلسطيني. "لو أرادت إسرائيل قيادة فلسطينية لسمحت للفلسطينيين بإجراء انتخابات. ومن يقول لا لكل شيء سيجد نفسه بلا شريك وفي حالة من الفوضى". لكن هلال لا يوفر  الجانب العربي والفلسطيني أيضا من انتقاداته ايضا . "جميع الأطراف مذنبون هنا."