كل من القى نظرة سريعة على بروتوكول اجتماع الحكومة الاسرائيلية التي ناقشت فيه المصادقة على اتفاق اعلان المبادئ في اوسلو يومي 30 و31 اب من عام 1993 والتي سمحت الرقابة العسكرية بنشر اجزاء واسعة منه يمكنه الاستنتاج بسهولة ومن دون عناء بان اسرائيل لم تكن جدية في التوصل لاتفاق سياسي بقدر ما كانت لديها رغبة بالتخلص من قطاع غزة بالدرجة الاولى والمسؤولية المدنية عن السكان الفلسطينيين في الضفة وتحديد مساحات محددة لهم تعزلهم فيها وتستولي على باقي ارجاء الضفة الغربية خدمة للتوسع الاستيطاني ، او بمعنى اخر اعادة هيكلة الحكم العسكري الاسرائيلي من جديد في الضفة الغربية ، ووتطوير ادوات ووسائل التحكم والسيطرة على الفلسطينيين ، يظهر البروتوكول وما تلته من تسريبات وتصريحات كثيرة صدرت عن مسؤولين سياسيين وامنيين اسرائيليين ان اتفاق اوسلو كان بدأ من النهاية ومن ثم عاد الى الخلف ببطء بمعنى اخر بدأت اسرائيل بالموافقة على مبدأ الولاية للفلسطينيين ولو جزئية وتدحرجت لاحقا بشكل عكسي فبدلا من التقدم للامام كانت هناك عودة للخلف وهو ما ارادته المؤسسة الامنية والعسكرية وعملت عليه منذ التوقيع بعد ان اصبحت هي مقاول التنفيذ والجهة الوحيدة التي تمتلك كل مقدرات القرار . يمكن اختصار ذلك بسطر واحد ذكره الباحث في شؤون المجتمع والجيش اوري بن اليعازر في كتابه حروب اسرائيل الجديدة والذي تناول فيه تطور سلوك الجيش في الانتفاضة الثانية عندما وصف اتفاق اوسلو وهو ما يطابق ما قاله رابين وبيريس في البروتوكولات : اتفاق اوسلو كان بالنسبة لاسرائيل" اتفاقا امنيا بهوامش سياسية" . فيما راى فيه الزعيم الراحل ياسر عرفات اتفاقا سياسيا بهوامش امنية وهنا حصل التناقض الكبير منذ اللحظة الاولى لتوقيع الاتفاق بين المقاربتين .
الى المقال
انهيار اوسلو بدا بالفعل منذ اليوم الذي ناقشت فيه الحكومة الاتفاق للمصادقة عليه
_______________________________________________________
يجيل ليفي -باحث في علاقات المجتمع والجيش
________________________________________________________
إن قراءة محضر المناقشات التي وافقت فيها حكومة رابين على المبادئ العامة في اتفاقات أوسلو، تترك انطباعاً مختلطاً: البعض سيعتبرها دليلاً على عمى الحكومة التي تجاهلت تحذيرات رئيس الأركان إيهود باراك حول صعوبات تطبيق الاتفاق ؛ وهناك البعض ممن سيقدر شجاعة الحكومة في إطلاق خطوة سياسية صحيحة، والتي افشلت بسبب تعاون المتطرفين من الجانبين، كما تزعم كارولينا لاندسمان (هآرتس، 1.9)، ويمكن تقديم قراءة أخرى على أساسها بدأ انهيار اتفاقيات أوسلو منذ االاجتماع الذي صادقت فيه الحكومة نفسها على الاتفاق .
كانت اتفاقيات أوسلو بمثابة اتفاق تسوية تاريخي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكن النقاشات في جلسة الحكومة تلك لم تعكس ذلك. بدا اسحق رابين (عن حق) وكأنه شخص كان شبه مجبر على التوصل إلى اتفاق، وكان شمعون بيريس فخورا بالسماح باستمرار المشروع الاستيطاني، ووزراء ميرتس قللوا من حجم الحدث، ومهندس الاتفاق يوسي بيلين بقي صامتا. . فقط الوزيران موشيه شاحال وحاييم رامون خرجوا عن هذا الايقاع . لقد أوضح رابين فعلا بأنه لم يُشرك الجيش في المفاوضات لأنها كانت عملية سياسية، ولكن في الواقع كان الأمر عبارة عن نقاش عسكري حول كيفية الدفاع عن المستوطنات.
وقد حدد رئيس الأركان باراك الايقاع ، حين حذر من "مشاكل بالغة الصعوبة في تنفيذ العنصر الأمني" الذي يتمحور حول حماية حرية حركة المستوطنين والقدرة على اعتقال المهاجمين المحتملين . وأعرب باراك عن أسفه لأن الشكل الحالي من السيطرة الأمنية لن يستمر ، لكنه لم يقدم بديلا . كما انه لم يستطيع استيعاب الواقع الجديد ، كما سخر من أهمية التعاون مع الفلسطينيين، وغرق في نقاش تكتيكي مثل "كيفية تنسيق عملية دخول عناصر من جفعاتي الى جباليا مثلا مع الشرطة الفلسطينية ". كما حاول هو وآخرون تجاهل التغيير، وقد احسن الوزير شاحال التعبير عن ذلك عندما قال ان وجهة نظر الجهات الامنية كانت هي : ما كان هو ما سيكون .
كذلك تجنبت الحكومة مناقشة الرؤيا السياسية الاوسع ، ومفاهيم سياسية مثل "السيادة الفلسطينية" و"الدولة الفلسطينية" غيبت تقريبا . وكانت الوزيرة شولاميت ألوني الوحيدة هي الوحيدة من بين الوزراء التي تحدثت عن "السياسات ". وتساءلت: "هل البديل عن التوصل إلى هذا الاتفاق سيضمن وضعا أمنيا أفضل، عندما يفقد الناس الذين يخضعون لسيطرتنا كل أمل ، وتصعد حماس مرة اخرى ، فيما نواصل نحن الاغلاقات ، ونستمر في تيئيس الناس هناك؟" لقد رأت، وهي وحيدة في هذا الراي ، القيمة الأمنية في إضعاف العداء الفلسطيني، وليس في استمرار السيطرة العسكرية.
هكذا قررت المناقشات مستقبل الاتفاق ومصيره منذ اللحظة الاولى . واذا كان الاتفاق عسكرياً، فان المطلوب هو أن يعهد ببلورته وتصميمه ، بعد توقيع اتفاق المبادئ، إلى الجيش وليس إلى وزارة الخارجية، لاسيما وأن انخراط الجيش ساهم في توفير الشرعية للاتفاق بين الجمهور. لقد صمم الجيش اتفاقات أوسلو على انها اتفاقيات عسكرية تضمن سيطرة إسرائيلية اكثر ذكاء واحكاما على الضفة الغربية والقطاع، الأمر الذي لم يهيئ السلطة الفلسطينية لاداء دورها كدولة، في حين استمر المشروع الاستيطاني في التنامي و قيد حرية حركة الفلسطينيين .
وكانت النتيجة، بحسب التحليل الثاقب لرئيس الشاباك آنذاك عامي إيلون، خلق تيار من المحبطين من أوسلو، وهو ما أدى إلى اندلاع الانتفاضة الثانية وانهيار الاتفاقات. ولم تتجاهل الحكومة تحذيرات رئيس الأركان كما قيل انما استودعت تطبيق اتفاقات اوسلو بين يديه . ليس المتطرفون من الجانبين هم المسؤولون عن انهيار الاتفاق ، بل انصار يسار الوسط الذين صمموا الاتفاقيات بالذات هم المسؤولون عن ذلك . وهذا درس مهم للمستقبل عندما تعود إسرائيل إلى طريق الحوار مع الفلسطينيين.