الحملة العسكرية في جنين - المطلوب خطوة استكمالية .
_________________
معهد ابحاث الامن القومي الاسرائيلي - تل أبيب
__________________
في نهاية عملية "المنزل والحديقة" ساد شعور بالنجاح التكتيكي-العملياتي في إسرائيل ، ولكن في غياب تحرك سياسي مكمل ، فإن الإنجاز العسكري سوف يتآكل قريبًا - وهو الأمر الذي سيؤدي إلى مزيدا من إضعاف قدرات ومكانة السلطة الفلسطينية. قد يسرّع ذلك الانزلاق إلى الواقع الخطير "الدولة الواحدة" . كيف يجب أن تتصرف إسرائيل؟
___________________
العملية العسكرية التي نفذها الجيش الإسرائيلي في جنين - "المنزل والحديقة" ، والتي استمرت يومين ، كانت تهدف إلى الرد على التدهور الأمني وفقدان السيطرة السلطة الفلسطينية على الاوضاع في شمال السامرة. اتى استخدام القوة في هذا المنطقة نتيجة لتراكم عددا من التحديات والتوجهات :
* طريقة عمل الجيش الإسرائيلي والشاباك ضد الإرهاب في السامرة - "كاسر الأمواج" - استنفدت نفسها ، وأصبحت حلقة من العنف تغذي نفسها: كلما زاد الجيش الإسرائيلي من نشاطه ضد النشطاء المسلحين وتسبب في قتل المزيد منهم . كلما ازداد دافع الشباب الفلسطيني للانضمام إلى القتال ضد الجيش الإسرائيلي وإلهجمات على المستوطنين وجنود الجيش الإسرائيلي والمواطنين الإسرائيليين.
* عدم وجود أفق سياسي واعتبار الخطوات التي تمضي بها الحكومة الإسرائيلية قدما على أنها إجراءات ضم متسارعة. في الأشهر الأخيرة - تم تسجيل رقم قياسي من عمليات البناء في المستوطنات ، وعمليًا تم شرعنة عملية انتهاك القانون كما يتجلى في العودة مجددا الى مستوطنتي حومش وأبيتار وإنشاء ما لا يقل عن عشرة بؤر استيطانية جديدة غير قانونية . بالاضافة الى ان هذه التطورات تخلق المزيد من نقاط الاحتكاك ، فهي تخلق ايضا شعورا بالياس والاحباط بين الفلسطينيين من اي امل بالتحرر من الاحتلال وتحقيق تطلعاتهم الوطنية .
* فقدت السلطة الفلسطينية السيطرة على شمال السامرة ، فيما تفتقر الاجهزة الأمنية الفلسطينية إلى الدافع لمواجهة المجموعات المسلحة التي سيطرت على جنين ومحيطها. التنسيق السياسي مع إسرائيل محدود وتزداد صعوبة تنفيذ التنسيق الأمني الذي منع في اوقات سابقة حدوث تدهور خارج عن السيطرة . في هذا الجو من التوسع الاستيطاني والعنف من قبل المستوطنين ضد الفلسطينيين ، لا تعتزم الاجهزة الامنية الفلسطينية العمل ضد الجماعات المسلحة في جنين ونابلس و / أو المساعدة في نزع سلاحها.
*من الواضح أن الجيش الإسرائيلي فقد السيطرة على المستوطنين في السامرة ، الذين يرفعون وتيرة أعمالهم الانتقامية ضد الفلسطينيين في أعقاب الهجمات التي تعرضوا لها ، وحتى انهم يحصلون على الدعم السياسي من الوزراء المتشددين في الحكومة ، الذين يشجعونهم على اخذ القانون بأيديهم.
* تحولت جنين الى مركز ( الإرهاب ) في السامرة - في مخيم اللاجئين في المدينة ازداد حجم الأسلحة والذخائر واقيمت معامل لتصنيع المتفجرات. وازداد التعاون بين الفصائل وعلى رأسها الجهاد الإسلامي وحماس ، وبينهم وبين نشطاء التنظيم / فتح . كما تم بناء آليات تنسيق بين الفصائل تشمل غرفة عمليات وأنظمة إنذار . وخلف الكواليس ، تشجع إيران الإرهاب وتساعد في تحويل الأموال إلى النشطاء وتهريب الأسلحة عبر الحدود السورية والأردن.
* فقدت الإدارة الأمريكية وسائل كبح الحكومة الإسرائيلية فيما يتعلق بسياسات الاستيطان التي تقودها ، والتي تهدف الى إغلاق الباب أمام خيار التسوية السياسية التي تقوم على "دولتين لشعبين". ارتفع مستوى التوتر بين إسرائيل والولايات المتحدة بسبب عجز قوات الأمن عن التصدي لعنف المستوطنين ضد الفلسطينيين. (يضاف إلى ذلك القلق الأمريكي من نتائج الانقلاب على النظام في اسرائيل والتي تدفع به الحكومة قدما الى الامام والتي يصاحبها احتجاجات شعبية واسعة النطاق ، لهذه الاسباب تشهد العلاقات بين الحكومة الإسرائيلية والادارة الأمريكية مرحلة من التوتر الشديد ، مما يعني ، بالاضافة الى دلالات اخرى ، تقويض ركيزة الشرعية الدولية لإسرائيل).
لكل هذه الأسباب ، وعلى خلفية الضغط المتزايد من قبل المستوطنين وممثليهم في الحكومة لشن عملية عسكرية واسعة النطاق ، بدأ الجيش الإسرائيلي عملية مركزة ضد البنية التحتية ( الإرهابية )في مخيم جنين للاجئين. وأهدافها: تفكيك البنية التحتية ( الإرهابية) في المخيم ؛ قتل او جرح النشطاء واعتقال العناصر المتورطة في (الإرهاب ) ؛ تهيئة الظروف لاستمرار الحملة ضد (الإرهاب) في المنطقة ، كل هذا في محاولة للسيطرة على ألسنة اللهب المتصاعدة ومنع الأحداث من الانتشار إلى مناطق أخرى في يهودا والسامرة وساحات أخرى.
في نهاية العملية ، يسود شعور بالنجاح التكتيكي - العملياتي في إسرائيل في ضوء الإنجازات التالية: مقتل 12 ناشطاً مسلحا . تم استجواب 300 متهم ( بالإرهاب ) واعتقال حوالي 30 منهم. - تدمير ستة معامل للقنابل والمتفجرات. تم تحديد وتدمير 14 شقة مستخدمة للنشاطات المسلحة وغرف المراقبة . تم إبطال مفعول 300 عبوة ناسفة جاهزة للاستخدام ؛ تم ضبط عشرات العبوات الناسفة والبنادق والمسدسات ومئات الرصاصات وعشرات الكيلوغرامات من المواد الكيماوية المستخدمة في صنع المتفجرات. تم كشف وتدمير ستة فتحات للأنفاق ومخبأين للأسلحة.معظم النشطاء المسلحين غادروا المخيم في وقت مبكر ، بعد أن عرفوا أن الجيش الإسرائيلي قد دخل إلى المخيم ، فيما فر آخرون مستغلين الخروج الجماعي للعائلات خارج المخيم خوفا من تعرضهم للاذى .
بعد العملية ، تصاعدت الانتقادات الدولية لإسرائيل. أعلن "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الأوضاع الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة" عن تضرر مئات الوحدات السكنية في مخيم جنين للاجئين ، ولم يعد بعضها صالحاً للسكن. أكثر من 500 أسرة فلسطينية ، يزيد عددهم عن نزح 3500 رجل وامرأة من منازلهم وأجبروا على مغادرة منازلهم بسبب الدمار ، كما لحقت أضرار جسيمة بشبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي في المخيم نفسه وفي الأحياء المحيطة به.
التداعيات
___
إلى جانب النجاح العملياتي ، تبرز عدة أسئلة: كيف يمكن الحفاظ على الإنجاز؟ هل يمكن عزل جنين عن باقي مناطق يهودا والسامرة؟ هل هناك نية وإمكانية لاستئناف سيطرة الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في جنين؟ كيف يمكن ان نسد الفجوة في المؤسسة الإسرائيلية بين الجهات المهنية التي تنظر باهمية كبيرة الى ضرورة تحسين أداء السلطة الفلسطينية وتلك الجهات في الحكومة التي تسعى إلى تقويضها ؟ ما هي الخطوة السياسية المكملة والممكنة من جانب الحكومة الإسرائيلية لترسيخ هذا الإنجاز العسكري والحفاظ على نتائجه ؟
بعد العملية وخاصة بعد طرد نائب رئيس فتح محمود العالول وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عزام الأحمد بطريقة مهينة من الجنازة في جنين ، وفي ضوء رفض حماس والجهاد الإسلامي دعوة أبو مازن لعقد اجتماع للامناء العامين للفصائل ، أدرك رئيس السلطة الفلسطينية أنه يجب إعادة النظر في السياسات المتبعة في شمال السامرة. هناك ادعاء شائع ضد السلطة هو أنها لا تعمل كما هو متوقع من سلطة حاكمة ولا توفر الحماية للسكان الفلسطينيين ضد عنف المستوطنين. في محاولة لإثبات وجودها على الأرض ، نظمت السلطة الفلسطينية مسيرات مسلحة لمجموعات التنظيم / فتح في عدد من المدن والقرى ، كما عقدت صلحا بين قيادات المنظمة ونشطاءه المنتمين إلى كتائب شهداء الاقصى في جنين . لكن هذا كله لم يقدم للجمهور ردا كافيا على المزاعم الموجهة ضدهابانها عاجزة عن العمل والسيطرة . وبالفعل تسربت من نقاش داخلي في رام الله ، المخاوف من أنه إذا لم تتحرك الاجهزة بسرعة ، فقد تكرر حماس ما فعلته في غزة عام 2007 مرة أخرى في جنين. كما تقرر ايضا أن تقوم السلطة الفلسطينية بإصلاح الأضرار التي لحقت نتيجة للعملية من أجل إثبات مسؤولياتها والعمل تجاه السكان الفلسطينيين وتنفيذ المساعدة المالية لإعادة إعمار جنين ، والتي وعدت بها الإمارات العربية المتحدة (15 مليون دولار ، على الرغم من ذلك من خلال وكالة الأمم المتحدة للأونروا). ، والجزائر (30 مليون دولار).
أما بالنسبة لحماس ، فقد خرجت المنظمة بدون خسائر من جولة التصعيد القصيرة في جنين ، ومن دون أن تدفع ثمن تشجيع وتحفيز الإرهاب في يهودا والسامرة ، لكنها كانت أيضًا موضع انتقادات لانها لم تحرك ساكنا امام الجيش الإسرائيلي وتحافظ بحرص شديد على مكاسبها في قطاع غزة - إعادة الإعمار والنمو الاقتصادي والعمل في إسرائيل . يبدو أن تبني حماس المسؤولية عن الأعمال الإرهابية التي وقعت بعد العملية في جنين كان الهدف منها تعزيز صورتها كقائدة لحركة المقاومة - بالضرورة على حساب السلطة الفلسطينية وفتح.
التوصيات
____________
على الرغم من المصلحة المشتركة للسلطة الفلسطينية وإسرائيل في منع حماس والجهاد الإسلامي من السيطرة على منطقة جنين (وبالتالي تحييد التأثير الإيراني على ما يحدث في السامرة) ، فان كلاهما متردد في محاولة استنفاد إمكانات تعاونهما. لذلك ، فإن إسرائيل مطالبة بتصميم ظروف تسمح للسلطة الفلسطينية وتشجعها على العودة إلى جنين ، أولاً وقبل كل شيء بصفتها الطرف الذي يعيد اعمار المخيم بعد التدمير الذي حدث أثناء العملية. في الوقت نفسه ، يجب ممارسة الضغوط على السلطة الفلسطينية ، بشكل رئيسي من خلال الولايات المتحدة والأردن ، لاستئناف نشر الاجهزة الأمنية الفلسطينية في المنطقة ، مع تعزيزها وتجهيزها بوسائل متطورة اكثر ، وفقًا للخطة التي وضعها المنسق الأمني الأمريكي.
يجب أيضًا تشجيع استعادة السلطة الفلسطينية سيطرتها في شمال السامرة من خلال تعزيز المشاريع الاقتصادية وإنشاء مراكز تدريب وتشغيل للشبان الفلسطينيين . من أجل ضمان جمع التبرعات وتوجيهها إلى المشاريع الحيوية ، يجب إنشاء آلية مراقبة دولية ، على سبيل المثال من قبل الدول المانحة ، للتأكد من أن الأموال الممنوحة للسلطة تُستثمر بالفعل في البنية التحتية و مشاريع التوظيف في منطقة جنين.
إذا رفضت إسرائيل سلفا المبادرة لاعادة سيطرة السلطة الفلسطينية في جنين ، فلن يمر وقت طويل قبل أن تكون مطالبة مرة أخرى بشن عملية أخرى ضد حماس والجهاد الإسلامي وشهداء الأقصى في المنطقة. وبالفعل ، في 9 تموز (يوليو) ، اتخذت الحكومة الإسرائيلية قرارًا صائبا عندما قررت العمل على تقوية السلطة الفلسطينية ، لكنها في الوقت نفسه وضعت عليها سلسلة من الشروط التي سيكون من الصعب تنفيذها ، بما في ذلك وقف الدعم المالي لعائلات الاسرى والضحايا الفلسطينيين ، وكذلك تجنب تحدي اسرائيل ومواجهتها في المحافل الدولية .
البديل عن إعادة السلطة إلى شمال السامرة هو أن يستولي الجيش الإسرائيلي على المنطقة ويديرها ككانتون مستقل ، بحيث تقع مسؤولية وعبء رعاية السكان الفلسطينيين على عاتق دولة إسرائيل. ستكون هذه خطوة مهمة في تسريع الانزلاق إلى واقع الدولة الواحدة.
اعداد الباحثان المختصان بالساحة الفلسطينية في معهد ابحاث الامن القومي الاسرائيلي
اودي ديكل وعنات قفارتس