الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستهديه, ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله.
أما بعد...
فإن العقيدة الإسلامية هي أساس العلوم الشرعية ومنبعها الأول, وهي التي اعتنى بها النبي صلى الله عليه وسلمأكبر الاعتناء فما زال يزرعها في صدور صحابته مدة تزيد عن نصف مكوثه بينهم, فقد تنزل القرآن على صدرهصلى الله عليه وسلم في العهد المكي ثلاثة عشر عامًا, فالفقه أساسه إيمان بالله وحرص على لزوم طاعته, والسيرة أساسها إيمان بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم قولًا وعملًا وتقريرًا وصفة ً. لذلك حرص علماؤنا على تثبيت أصول العقيدة ونواقضها وترسيخها في قلوب مريديهم وصدورهم وذلك اقتداءً بسنة رسولهم العظيم صلى الله عليه وسلم , ويكفينا دليلًا على أهمية العقيدة وتعلمها قول الله تعالى:(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)(الذاريات: 56), فوجود الإنسان ما هو إلا رهن الاعتقاد بوجود الله تعالى, والاعتقاد بأنه المعبود بحق دون سواه ــ سبحانه وتعالى ــ, وأنه المطاع في كل ما أمر به, من الإيمان به سبحانه, وبملائكته, وكتبه, ورسله, واليوم الآخر, والقدر خيره وشره.
ولقد كان هذا المؤلف في العقيدة الإسلامية, والذي تم إعداده في ظروف صعبة وأحوال غير طبيعية في السجون الصهيونية بعد أن لاحظنا أن كثيرًا من الإخوة السجناء الموجودين في السجون والقادمين الجدد إليها يعانون من ضعف في فهم العقيدة الإسلامية, وأن تتابع الظواهر والمصائب على هذه الأمة والمتغيرات التي بدأت تؤثر على مفاهيم كان يظن الكثير من الإخوة أنها واضحة وسهلة ومفهومة جعلت إعادة توضيح بعض ما طرأ وتصحيحه من هذه المفاهيم من الأهمية بمكان, وذلك من خلال العودة إلى النبع الصافي والأصل المتين, ألا وهي العقيدة الصحيحة لأهل السنة والجماعة بأسلوب سهل هين, يستطيع القارئ لهذا الكتاب أن يصل إلى مبتغاه دون الخوض في القضايا الحساسة والدقيقة, وكذلك الابتعاد عن نقاط الخلاف, والتركيز على أسس العقيدة الإسلامية, ولأول مرة بصيغة سؤال يجول في خاطر الأخ المسلم وجواب على هذا التساؤل بشكل يوفي السائل حقه في المعرفة دون إطالة أو توسع لا لزوم له لغير المتخصص, مع إعطاء المعلومة الكاملة والوافية في كل هذه التساؤلات, وهي للأخ المبتدئ دستور مصغر تكفيه ما يحتاجه لأمر دينه وعقيدته في السجون وخارجها.
واعلم أخي القارئ أن هذا الكتاب قد تناول العقيدة من جميع جوانبها من حيث طبيعة وصولها لنا عقلًا ونقلًا.
فأما العقلية: فهي ما يستدل على الله بها من خلال العقل, وهي ليست مجال بحثنا في هذا الكتاب, ولقد تركنا هذا الجانب لبحثه في مؤلف آخر, ولكن نوضح هذا المفهوم ونبسطه للأخ القارئ؛ حتى يعي المعنى والمثال الذي نضربه في هذا الجانب وهو: دليل الإلزام العقلي بين الوجود والعدم:
1_ الأصل في الموجد أنه موجود, فوجوده واجب.
2_ والأصل في الأشياء العدم, فوجودها ممكن.
3_ ولا يمكن أن يكون السبب في إيجاد الممكن إلا واجب الوجود.
وعلى هذا,فإن المقصود بدليل الإلزام العقلي بين الوجود والعدم, هوأن العقل ملزم بأن يأخذ أحد احتمالين: أن الكون موجود من العدم, أو من وجود.
فلو أننا أخذنا بالاحتمال الأول, وهو أن الكون وجد من العدم ــ أي من لا شيء ــ نكون قد سفهنا عقولنا, وذلك أن العدم غير موجود, فكيف سيوجد غيره, وأن فاقد الشيء لا يعطيه.
إذن، لم يتبق أمامنا سوى أن نأخذ بالاحتمال الثاني وهو أن هناك واجدًا لهذا الكون, وهو الله عزوجل, قال تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لّا يُوقِنُونَ)(الطور: 35-36).
ولتوضيح هذا المثال نأخذ قصة الإمام أبي حنيفة النعمان ــ رحمه الله ــ والزنديق, وهي أنه: (جاء زنديق إلى الإمام أبي حنيفة وقال: يا إمام: هل رأيت ربك؟ قال الإمام: سبحان ربي لا تدركه الأبصار. قال الزنديق: فهل سمعته؟ هل أحسسته؟ هل شممته؟ هل لمسته؟ فقال الإمام: سبحان ربي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. فقال الزنديق:إن لم تكن رأيته ولا أحسسته ولا شممته ولا لمسته فكيف ثبت أنه موجود؟فقال الإمام: هل رأيت عقلك؟ قال: لا, قال الإمام: فهل أحسست عقلك؟ قال: لا,فقال الإمام: هل سمعت عقلك؟ قال: لا, قال الإمام: فهل لمست عقلك؟ فقال: لا,فقال الإمام: أعاقل أنت أم مجنون؟ قال الزنديق: بل عاقل! فقال الإمام: فأين عقلك؟قال الزنديق: موجود.فقال الإمام: كذلك الله موجود, الله فوق كل شيء وليس تحته شيء وهو في كل شيء - بعلمه وإحاطته- لا كشيء في شيء وليس كمثله شيء وهو السميع البصير)[1].
وأما العقيدة النقلية وهى ما ندرسه في هذا الكتاب ونسعى لشرحه وتوضيحه للأخ القارئ, فهي العقيدة التي وصلتنا عن طريق القرآن والسنة من خلال أقوال العلماء المعتبرين.
وقد قسمت هذا الكتاب إلى سبعة فصول:
الفصل الأول:
وقد تضمن تعريفات الحديث المتواتر, والمشهور, والآحاد, وهل يؤخذ بحديث الآحاد في العقائد, ورأي المؤيدين, ورأي المخالفين, وتعريف الشرط والركن, وتعريف العقيدة.
وأهمية العقيدة, والسلف والسلفية, ونبذة عن الفرق, الشيعة, والروافض, والخوارج, والقدرية, والمرجئة, والجبرية، والجهمية, والمعتزلة, والأشاعرة.
الفصل الثاني:
وقد تضمن الركن الأول, الإيمان بالله, والربوبية والألوهية, والأسماء والصفات, وأركان لا إله إلا الله - ركني النفي والإثبات - .
وشروط لا إله إلا الله التسعة " النطق والإقرار, واجتناب الطاغوت, والعلم المنافي للجهل, والصدق والإخلاص, والعمل بها, واليقين وعدم الشك, والحب والبغض, والتسليم لها ولأحكامها والموت عليها".
والولاء والبراء ونواقض الإسلام العشرة.
الفصل الثالث:
وتضمن الركن الثاني وهو الإيمان بالملائكة والشياطين, من هم, وممّ خلقوا, ووجوب الإيمان بهم, وما أعمالهم وصفاتهم, وبعض ثمرات الإيمان بهم, وغيره.
الفصل الرابع:
وتضمن الركن الثالث الإيمان بالكتب, تعريف الكتب, ومصدرها, وغيره.
الفصل الخامس:
وتضمن الركن الرابع الإيمان بالأنبياء والمرسلين, من أول رسل الله إلى الأرض وآخرهم, وعدد الأنبياء, وأولي العزم منهم, وغيره.
الفصل السادس:
وتضمن الركن الخامس الإيمان باليوم الآخر,ومعنى الإيمان به, وما مفهومه, وعلامات الساعة الكبرى, وبعض العلامات الصغرى, والقنطرة والأعراف والصراط وغيره.
الفصل السابع:
وتتضمن الركن السادس الإيمان بالقضاء والقدر, معناه, وأقسامه, والإيمان به وغيره.
وفي خاتمة الكتاب تلخيص عقيدة أهل السنة والجماعة في سطور.
لقد عملت على عزو الأقوال إلى أصحابها، واجتهدت في تخريج أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وإن الذي زار هذه السجون ليدرك حجم ما يعانيه الأسير من تنقلات تعسفية بين السجون، مما يقلل فرص الباحث من الأسرى للوصول إلى مصادر المعلومة من قطانها الأصلية، ولذا فإني قد عزوت الأحاديث التي أخرجها الإمام البخاري إلى كتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني، والغمام مسلم في كتاب المنهاج في شرح النووي على مسلم، وكلاهما طبعة بيت الأفكار الدولية، واكتفيت بوضع رقم الحديث للدلالة عليه.
والأصل مع نهاية قراءة هذا الكتاب أن يكون الأخ المسلم قد تعلم أسس عقيدته, وأن يستطيع الإجابة عن كل التساؤلات فيها, وكذلك يستطيع الدفاع عنها, بل ويوضحها لكل من يحتاج لها من المسلمين وغير المسلمين.
وهذا الجهد ما كان فيه من خير وصواب فمن الله، وما كان فيه غير ذلك فمني ومن الشيطان، وأرجو من الله عزوجل أن ينفع بهذا الكتاب، ويجعله لي ذخرًا يوم القيامة وأن لا يحرمني أجر هذا الجهد ولإخواننا وأهلنا...
والله الموفق.....
بقلم الأسير: شعاع جلال نايف كممجي..
للاطلاع على الكتاب كامل يُرجى تحميله من المرفقات أعلاه ..