أحداث جنين .. تقدير موقف

ذكرنا قبل قرابة شهر أن علامات تطور المقاومة بدأت تظهر من خلال الأحداث التي حصلت مرارا في مخيم نور شمس ثم مخيم بلاطة ثم مخيم جنين. أظهرت المقاومة في حينه تطورا في اليقظة والاستعداد وتفويت الفرصة على جيش الاحتلال في انشطته للنيل من المقاومين، فكان دخولهم لهذه المناطق فاشلا بميزان تحقيق الأهداف.

في الحدث الاخير في جنين أظهرت المقاومة تطورا اضافيا، فهي بالإضافة إلى يقظتها وجهوزيتها أظهرت تطورا في إعداد وزراعة العبوات، فاستطاعت اصطياد خمس مركبات على الأقل وفي محاور عدة، بالإضافة إلى ذلك الفاعلية العالية لهذه العبوات والتي أعطبت مصفحة من نوع فهد أمريكية الصنع اسرائيلية التصفيح، تم إدخالها إلى الخدمة منذ عامين فقط.

بالإضافة إلى ذلك فإن المقاومة في جنين أظهرت مشاركة فصائلية واسعة وتنسيق عالي، بل واعلام حربي بمستوى افضل مما كانت عليه.

في المقابل ظهر جيش الاحتلال مربكا ومتفاجئا، فقد دخل المخيم لإعتقال مطلوبين بطريقته المعتادة وهي دخول وحدات المستعربين للسيطرة على الهدف ثم لحاق الوحدات الاخرى بالآليات المصفحة، الا أن تكتيكهم لم ينجح هذه المرة، واصطدموا بعدد كبير من العبوات وكم هائل من الرصاص وعدد لا بأس به من الكمائن، الأمر الذي جعلهم غير قادرين على الانسحاب، مما استدعى استخدام الطيران الحربي، وأطال أمد الاشتباك إلى قرابة عشر ساعات وهو ما لا يفضله جيش الاحتلال لاعتبارات عديدة. ولجأ الاحتلال كعادته الى الضرب العشوائي مما رفع حصيلة الشهداء والجرحى في صفوف المدنيين والصحفيين وطواقم الاسعاف. وكانت مفاجأة الاحتلال كبيرة من قوة العبوات، وأن المصفحات الجديدة لم تصمد أمامها، مما أدخلهم في حسابات عملياتية جديدة. كما ان إصابة طائرة الأباتشي برصاص المقاومين واضطرارها للانسحاب شكل مفاجأة أخرى. حتى انهم بدؤوا يتداولون في إعلامهم تخوفات من امتلاك المقاومة في جنين سلاح سام المضاد للطيران.

هذا كله سيلزم الاحتلال إلى إعادة حساباته وتغيير تكتيكاته في اي اقتحام قادم لبؤر المقاومة المنتشرة في الضفة الغربية. وذلك على نطاق شكل وتكتيكات الاقتحام، والأدوات المستخدمة في الاقتحام، وحجم وتدريب القوات المشاركة فيه.

يناقش الاحتلال في اروقته الداخلية وعبر وسائل اعلامه مسألة تنفيذ حملة اطلق بعضهم عليها اسم " السور الواقي ٢ ". إلا أني أعتقد أن الظرف لم ينضج بعد لتنفيذ هكذا حملة، وان كانت لا تزال ضمن الاحتمالات. وأسباب ذلك متعددة، أبرزها:

* الخشية من ردة فعل المقاومة في غزة، ووحدة الساحات على وجه العموم. خاصة أن هكذا عملية قد يتبعها دماء ودمار.

* الخسائر التي قد تترتب على هكذا اجتياح والتي قد تتفوق من وجهة النظر الإسرائيلية على الإيجابيات والأرباح.

* لا زال في جعبة جيش وحكومة الاحتلال وسائل لم تنتهي منها، ولا زال لديهم أمل بنجاحها وإن بشكل متدرج وعلى مدى متوسط، ولن يكون الاجتياح الواسع إلا بعد ان تستنفذ هذه الأساليب والوسائل وتفقد نجاعتها وفاعليتها.