هل في يد اسرائيل أفكار أخرى أكثر من التي نعرفها ؟!
__________________
في نهاية عملية "الدرع والسهم" - جولة القتال الاخيرة بين إسرائيل والجهاد الإسلامي في قطاع غزة - عاد الى النقاش موضوع الهدنة ، أو وضع ترتيبات موسعة ، على الحدود بين إسرائيل وغزة. ما شجع على عودة هذا النقاش حقيقة أن حماس ، كما في الجولتين السابقتين من الصراع ، لم تلعب فيه دورا فعالا ، ولكن هناك شكوك كبيرة تحوم حول عدم مشاركة حماس وهل يظهر هذا فقط رغبتها في الهدوء في المنطقة أم لا ، او ايضا ان الحديث يدور عن تفاهمات جديدة بين اطراف جبهة المقاومة يستطيع فيها اي مكون منها ان يكون مشاركا وان لم يعلب دورا فعليا في القتال . وفوق كل ذلك ، قد يصبح هامش المناورة لدى حماس ضيقا ، إذا قدم خصومها السياسيون توسيع الترتيبات على أنها تفاهمات منفصلة مع إسرائيل ، والتي تتجاوز الطبيعة المؤقتة المعروفة لوقف إطلاق النار. لذلك ، من الأفضل لإسرائيل ، التي لا تنوي العودة للسيطرة على القطاع ولا تتحدث عن عملية أو ترتيبات سياسية ، أن تواصل الشكل الحالي للترتيبات الهادئة ضد حماس. بمعنى اخر تقليص الخطر القادم من قطاع غزة وتوفير الحاجات اليومية لسكانه ، مع السعي باستمرار لتحسين الوضع في المنطقة.
--------------------------------------------------------
معهد ابحاث الامن القومي الاسرائيلي - الباحث يوحنان تصوريف
------------------------------------------------------
مع انتهاء جولة المواجهة مع حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة - عملية "الدرع والسهم" التي وقعت في الفترة من 9 إلى 13 أيار / مايو -عادت الى النقاشات قضية قطاع غزة ومن ضمن ذلك الأفكار القديمة: "الهدنة" ، وقف إطلاق النار - او بالتسمية الاكثر شمولا "الترتيبات" في إطارها يتم الاعتراف بحماس كعنوان وسيمنح القطاع مزايا إضافية في مجال إعادة الإعمار والبناء والتشغيل ، فضلاً عن حرية التنقل من و الى القطاع. وذلك مقابل ضمان الهدوء الأمني لفترة طويلة تمتد لعدة سنوات وليس أسابيع أو اشهر فقط. انصار هذه الخطوة يضيفون أنها قد تساعد في المواجهة المعقدة التي ستنشأ "في اليوم الذي يلي " أبو مازن ، لأن التنسيق بين إسرائيل وحماس قد يساعد في تشكيل الواقع الفلسطيني في مرحلة استبدال القيادة في الساحة .
لاثبات المزاعم حول جدوى " الترتيبات " تقدم حقيقة أن هذه هي المرة الثالثة منذ عام 2019 التي تمتنع فيها حماس عن التدخل في المواجهة بين إسرائيل والجهاد الإسلامي ، تاركةً الحركة وحدها في المعركة . النتيجة التي يخلصون اليها هؤلاء هي أن وجهة حماس ليست نحو التصعيد ، انما إلى اعادة تأهيل الحياة اليومية لسكان قطاع غزة وتحسينها. يستمد مؤيدو هذه السياسات التشجيع من التنسيق بين حماس وإسرائيل ، عبر الوساطة المصرية ، التي تبلورت بعد جولة المواجهة عام 2021 - عملية `` حارس الاسوار '' - الذي ادى للسماح بدخول العمال إلى إسرائيل وإدخال البضائع الى قطاع غزة. ومن وجهة نظرهؤلاء ، فإن تصرفات حماس منذ ذلك الوقت تعكس مسؤولية الحكم والرغبة في الحفاظ على السلطة ، والتي تتغلب على روح "المقاومة" والتي يتم التعبير عنها في القلق على السكان وتطلعها لزيادة مصادر الدخل وزيادة حركة التجارة في الأسواق. يمكن ان نضيف لذلك ركنا اساسيا لتاكيد المزاعم التي يقدمها اولئك الذين يؤيدون التوجه في مسار الترتيبات وهي الجهود التي بذلتها حماس خلال هذه الفترة لكبح جماح حركة الجهاد الإسلامي ضد محاولات التنظيم إطلاق صواريخ على إسرائيل ، اضف الى ذلك الانتقادات والغضب التي عبّر عنها قادة الجهاد أحيانًا حول الأداء "السلبي" لقادة حماس والضرر الذي الحقوه ب "المقاومة" من وجهة نظرهم . كما أن زيارة قادة حماس والجهاد الإسلامي ، الى القاهرة و التي بدأت في 2 حزيران / يونيو عقب المواجهة الأخيرة ، تهدف أيضًا ، وفقًا للصحافة العربية وبالتنسيق على ما يبدو مع إسرائيل ، إلى تثبيت الهدوء وتوسيع عملية إعادة إعمار القطاع .
اتخذت حماس بالفعل موقفا براغماتيا ذهب بعيدا ضمن المفاهيم الإسلامية تجاه الصراع مع إسرائيل ، من اجل سكان القطاع والفلسطينيين بشكل عام ، منذ المواجهة الكبيرة التي دارت في عام 2014 - عملية "الجرف الصامد". لقد أدى الدمار الواسع الذي سببته الحرب والضربة القوية التي تعرضت لها اثناءها إلى تنويع أساليبها النضالية ضد إسرائيل واعتماد أنماط النضال الشعبي ، مؤقتًا على الأقل. في ايار 2017 ، بعد مناقشات داخلية طويلة ، نشرت حماس برنامجًا سياسيًا جديدًا ، والذي ، وفقًا لقادة الحركة ، حل محل الميثاق الأصلي ، ومنذ ذلك الحين أصبح بمثابة خارطة طريق توجه سلوك الحركة ، لكنها لم تقم بالغاء الميثاق نفسه ايضا . وتنص الوثيقة على أنه وعلى قاعدة الوحدة الوطنية والاجماع ، ستكون حماس مستعدة لوقف المقاومة المسلحة أو التحول إلى المقاومة الشعبية ، بل وحتى القبول بتسوية على اساس قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران من عام 1967 ، دون الاعتراف بإسرائيل وبدون تسوية سلمية ، بشرط أن يكون القرار وطنياً وليس تنظيمياً. في أيار 2018 ، بعد يومين من المواجهات بين المتظاهرين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي على طول السياج الحدودي في غزة ، والتي قُتل خلالها عدد كبير من الفلسطينيين ، أوضح يحيى السنوار ، زعيم حماس في قطاع غزة ، أن الحركة اختارت المقاومة الشعبية لأنها " الطريقة المناسبة للنضال في هذا الوقت ".
منذ ذلك الحين وحتى عام 2021 ، استثمرت حماس معظم جهودها في الساحة السياسية الفلسطينية الداخلية. وأوضحت حماس مرة أخرى أنها لا تستطيع تحرير فلسطين وحدها بالمقاومة المسلحة ، كما أن فتح وحدها لا تستطيع التوصل إلى تسوية سلمية مع إسرائيل من خلال المفاوضات . وفي الوقت نفسه سعت حماس إلى المصالحة الوطنية وإجراء الانتخابات التي اعتقدت قيادة المنظمة فيها أن ستحقق إنجازًا مثيرًا للإعجاب من شأنه أن يساعدها على أن تكون جزءًا من القيادة الوطنية ، ومن ثم السيطرة عليها لاحقًا. لكن أبو مازن قرر خلط الأوراق عندما الغى الانتخابات في عام 2021.مما اضطر حماس الى تغيير استراتيجيتها وتسبب بالفعل في " اندلاع معركة " حارس الاسوار " ، والذي تميز بتعدد الجبهات - قطاع غزة والضفة الغربية والمواطنين العرب في إسرائيل. ومنذ ذلك الحين ، تحاول حماس منع نشوب مواجهة جديدة في قطاع غزة وتشجع على نقله إلى أراضي الضفة الغربية ، وكذلك تحاول تحريض الجمهور هناك للعمل ضد السلطة الفلسطينية وحتى التسبب في انهيارها .
لكن تسلسل الاحداث لتبرير التوصل الى الترتيبات في اطارها الحالي اليوم ليس كافيا . أولاً ، بعد عملية الدرع والسهم ، يبقى السؤال ما إذا كانت حماس لم تشارك فعلا فيها وهل تفقد من قوتها نتيجة "عدم التدخل" هذا ، وهل الجهاد الإسلامي الذي تلقت معظم الضربات في المواجهة ، ضعفت نتيجة لذلك. ومع ذلك ، يمكن ان نخرج من تصريحات كبار مسؤولي الجهاد الإسلامي وكبار مسؤولي حماس بعد المواجهة ، بالانطباع بأن عدم تدخل حماس ، على الأقل على مستوى الوعي ، عاد على كلاهما بالفائدة ، ادى صمود الجهاد الإسلامي بمفرده ضد إسرائيل أثناء المواجهة الى تعزيز مكانته في الساحة الفلسطينية. يوضح المتحدثون باسم المنظمتين أنه تم بالفعل خلق نمط جديد من النضال ، حيث لا تشارك جميع المنظمات في نفس الوقت في المواجهة ولكنها تدعمه ، كل على طريقته الخاصة ، سواء في إطار غرفة العمليات المشتركة أو في التصريحات والدعم المعلن . تصريحات كبار المسؤولين ، بمن فيهم زياد النخالة ، الأمين العام للجهاد ، وموسى أبو مرزوق من قادة حماس ، لا تكشف عن توتر بين التنظيمين ، وإنما تفاهمات تتناسب مع رؤيتهم للوضع الراهن . يبدو أن كلا التنظيمين حافظا على قوتهم ونفوذهم إلى حد كبير. ومع ذلك ، بينما لا تزال حماس هي من تحدد قواعد اللعبة ، سيكون مطالبا منذ الآن اخذ الجهاد الإسلامي بعين الاعتبار ، لا سيما عند محاولة ترسيخ فكرة الترتيبات في اتفاقية ملزمة ، ذات طابع رسمي أكثر من مبدأ "الهدوء مقابل الهدوء".
بالنسبة لحماس ، يطرح السؤال حول مجال المناورة لديها وهل ستتمكن من الموافقة على الترتيبات أو الوفاء بالالتزامات التي ستترتب عليها. بعد كل شيء ، اشترطت حماس ان تحصل أي عملية ذات طابع سياسي مع إسرائيل على وفاق و إجماع وطني ، ومن الواضح أن الترتيبات في شكلها الواسع الذي يتضمن بناء بنية تحتية جديدة وميناء وفتح قطاع غزة لتنقل السكان ، يحمل طبيعة سياسية. حتى الترتيبات في صيغتها المقلصة ، والتي تحظى بقبول متبادل - اعتراف إسرائيلي بحكم الأمر الواقع بحماس كعنوان ، وحتى سلطة ، ليس بالأمر الهين بالنسبة لحماس. اكثر من ذلك ، فإن حماس في منافسة مستمرة مع السلطة الفلسطينية على قلوب الجمهور. على الرغم من قلة موارده ، إلا أنه يتمتع بشعبية كبيرة ، مما يؤدي الى احداث توازن في ميزان القوى بينهما. إن التوصل إلى تسوية بين إسرائيل وحماس ، ستكون أوسع مما عرفناه حتى الآن ، سيعرّض حماس الى موجة واسعة من الاتهامات التي ستقدمها على أنها ذهبت إلى حلول منفردة مع إسرائيل ، شانها شأن خصمها السياسي فتح ، تلعب الى جانب اسرائيل وتمكنها من استمرار سياساتها القائمة على مبدأ فرق تسد . الاستراتيجية التي صاغتها حماس في السنوات الأخيرة تهدف ، من بين ما تهدف ، إلى مواجهة مثل هذه الاتهامات التي وجهت لها منذ سيطرتها على قطاع غزة عام 2007. لذلك ، من المتوقع أن تحرص حماس على ان تكون اي خطوة تقوم بها في قطاع غزة مع إسرائيل تحمل طابعا أمنيا وإنسانيا ، وليس خطوة تكون لها تداعيات سياسية.
اسرائيل من جانبها اوضحت بالافعال وليس بالاقوال فقط عدم نيتها العودة الى قطاع غزة . و على اساس هذه النظرية تعمل المؤسسة الامنية الاسرائيلية ، منذ عام 2005 ، وهو ليس بعيدة عن أعين الفلسطينيين. (الأصوات الداعية إلى العودة إلى غزة من اليمين المتطرف لم ينظر اليها الطرف الآخر على انها تغيير عملي). لذلك ، تستطيع حماس أن تسمح لنفسها بعدم تلبية التوقعات منها دون ان تتعرض للرد من جانب إسرائيل ، كما حصل في مواجهة "الدرع والسهم" على سبيل المثال ، عندما لم تقم بمنع الجهاد الإسلامي من إطلاق الصواريخ واستمرت في التشجيع و توجيه الإرهاب في الضفة الغربية. هذه الحقيقة ، خاصة طريقة تصرفها مع الجهاد في قطاع غزة ، قد تشير أيضًا إلى محدودية قدرتها على كبح جماحه . لكن من غير المعقول ألا تطالب إسرائيل عندما يكون الحديث عن توسيع الترتيبات بانهاء قضية الأسرى والمفقودين والتوقف التام عن المشاركة في الإرهاب في الضفة الغربية أو في ساحة أخرى. من المشكوك فيه للغاية أن تكون حماس قادرة على قبول مثل هذه المطالب ، الأمر الذي سيضع علامة استفهام كبيرة على إمكانية دفع ترتيبات واسعة النطاق قدما الى الامام .
لذلك ، يجب على إسرائيل أن تعترف بالواقع الحالي ، الذي لا يمكن فيه ، بسبب الانقسام في الساحة الفلسطينية ، تلبية متطلبات الأمن الإسرائيلي دون توأم فلسطيني بين منظم ، إذا كان فيها بعد سياسي أو تعرف بأن لها تداعيات سياسية. . إذا توجهت حماس إلى ترتيبات منفصلة في نطاق واسع مع إسرائيل ، فمن المتوقع أن تجد نفسها في نفس المكان الضعيف الذي وجدت السلطة الفلسطينية نفسها فيه اليوم ، ان كان ذلك بسبب الادراك المتزايد لخطر السياسات الاسرائيلية "فرق تسد " والمعارضة الشديدة لأي خطوة لا تستند الى توافق وطني. وفي الوقت الحالي ، طالما أن اي تحرك سياسي ليس مطروحا على جدول الأعمال ، فمن الأفضل لإسرائيل أن تستمر في مواجهة التهديد الأمني القادم من قطاع غزة بالصيغة الحالية القائمة على الحوار الهادئ ، و تركز على محاولة الحفاظ على الهدوء على طول حدود القطاع ، مقابل تلبية الاحتياجات المعيشية لسكان القطاع ، مع محاولة تقويته وتوسيعه إلى مناطق اخرى ، ولكن دون اي تعامل ووصف رسمي اوتصريحات طموحة.