تحديات التنمية في الهيئات المحلية
سوزان العويوي
عضو سابق في مجلس بلدية الخليل
تُعد عضوية المجالس البلدية من أكثر التجارب الشخصية ثراءً، فهي تتيح للعضو التعرف على قطاعات خدماتية ومهارات مختلفة ، كالهندسة والادارة والتفاوض وحل المشكلات وغيرها، وعلى صعيد آخر فهي تُجبر العضو الذي يهتم بخدمة مجتمعه على التعامل مع شرائح مختلفة بل وكل شرائح المجتمع كون عمل الهيئات المحلية على مختلف أحجامها يلامس بشكل مباشر مصالح الاهالي واحتياجاتهم، ومن المتعارف عليه أن الهيئات المحلية بمثابة حكومات مصغرة داخل التجمعات السكانية.
الا أن التنظير من بعد على العمل البلدي سهل جدا، ومجالات النقد والانتقاد واسعة، وتختلف تماما الصورة عند تقلد منصب رئيس أو عضو مجلس بلدي، حيث تتكشف الامور وتصبح أوضح وأكثر شمولية، وساعتها يدرك العضو حجم التحديات التي تواجه الهيئات المحلية وتعيق عملها.
ولعل أول وأهم وأوضح هذه التحديات بلا منازع هو الاحتلال، فالخدمات الاساسية للمواطنين كالكهرباء والمياه والتخلص من النفايات ترتبط ارتباطا وثيقا بالاحتلال ورغباته، ولا يزال المصدر الاساسي للكهرباء هو الشركة القطرية، كما يسيطر الاحتلال بشكل كامل على مصادر المياه ويتحكم بما يصل من كميات للمدن الخاضعة للسلطة الوطنية الفلسطينية، كما ويستحيل افتتاح أي مكب نفايات الا بموافقة الاحتلال وبشروط معقدة لعدة أسباب، أهمها سيطرته على أغلب مساحات الاراضي المفتوحة التي تخضع لتصنيف "ج" حسب اتفاقية أوسلو، وكذلك الحال بالنسبة لباقي الخدمات في الهيئات المحلية، خاصة ما يتعلق بالبيئة.
وعلى صعيد آخر، فان نظام الانتخابات الخاص بالهيئات المحلية يعتبر عائقاً من عدة نواحي، فهو نظام قائم على القوائم المغلقة، وبالتالي لا مجال لاختيار الاعضاء حسب الكفاءة، ويزيد الامر تعقيدا تدخل الاحزاب السياسية والعشائر في تشكيل هذه القوائم مما يُصدّر للهيئات أعضاء لا تتوفر فيهم الكفاءة في غالبا الأحيان.
كما يشكل التشويش الحاصل والتداخل بين صلاحيات الهيئة المحلية والوزارات المتصلة بعمل البلديات كوزارة الحكم المحلي وسلطة المياه وسلطة الطاقة ومجلس تنظيم قطاع الكهرباء وغيرها تشكل عائقا لا يستهان به، فمن المفروض ان الصلاحيات كاملة بيد المجالس المنتخبة، اما دور الوزارات فهو رقابي وداعم فقط، لكن الواقع مختلف، وهناك الكثير من التدخلات والتأثير على تفاصيل العمل بعيداً عن الادوار الحقيقة.
وبما يخص رئيس الهيئة المحلية وعدم اشتراط أي درجة عليمة أو تخصص او خبرة فهو تحد كبير يواجه عمل البلديات التي تقوم بالدرجة الاولى على تخصصين وهما الهندسة ومن ثم الادارة، ووصول رئيس هيئة محلية لا يمتلك المعرفة الكافية ولو بالحد الأدنى بهذين التخصصين أو أحدهما على الاقل يؤثر سلبا على إدارة العمل البلدي، في حين لا يشترط ان ينطبق ذلك على الاعضاء كون الصلاحيات الممنوحة لهم أقل بكثير من الرئيس، وحتى يتم تصويب الوضع فلا بد من تقليل صلاحيات الرئيس أو اشتراط الحد الادنى من الكفاءة لتولي هذا المنصب وأرجح الخيار الثاني كون الرئيس أقرب لكونه موظفا في الهيئة، وإن لم يمتلك هذه المهارات مسبقا فعلى الاقل يجب اشتراط تدريبات مكثفة خلال فترة الترشح،
وبما يخص البيئة الداخلية للهيئات المحلية، ونتيجة سياسات التوظيف غير المهنية في معظم الاحيان والتي تُبنى على المحسوبية والوساطات او بأمر العشيرة أو الحزب، فان تلك السياسات تُفرز موظفين أما غير مؤهلين، او غير فاعلين في الهيئة مما يعيق او يؤخر تقديم خدمات البلديات والمجالس القروية. ونلمس الفرق بشكل واضح عند الموظفين الكفؤين الذي يشكلون راس مال الهيئات المحلية البشري، وبهم تستمر الهيئات في تقدمها نظراً لتناوب المجالس وتغيير أشخاصها، فيبقى الموظف هو الاساس الذي يجب أن يكن متيناً.
ولعل من اهم معيقات التنمية التي يحلم وتسعى لتحقيقها المجالس البلدية هو العائق المالي، فموارد الهيئات المحلية محدودة جدا، والتجمعات السكانية تفتقر للبنية التحتية الشاملة السليمة، وهذه البنية تكلفتها باهظة وفي الغالب لا يدرك حجم تكلفة مشاريع البنية التحتية الا من هم مطلعين عن قرب على عمل المجالس المحلية ومواردها وموازناتها، فما يظهر للعيان نسبته اقل بكثير من حجم العمل الحقيقي.
ويتحمل المواطن أيضا جزءا هامّاً من قدرة المجالس البلدية والقروية على النجاح او الفشل، فمفهوم المواطنة لا يزال غائباً عن وعي الكثيرين، فلا يزال هناك قصوراً في مساءلة المواطنين للهيئات المحلية ومتابعة عملها، وينسى كثيرون أن هذه المجالس تشكلت وفق ارادة المواطنين وعليهم – أي المواطنين – دور الرقابة على أداء المجلس، ومتابعة عمله وتتبع إنجازاته، فلا يُعقل ان يكتفي الاهالي بدور الانتخاب فقط دون المساءلة، ويغطوا في نوم عميق لا يستفيقون منه الا عند إجراء الانتخابات التالي، وكأن دور الفرد ينتهي بمجرد وضع ورقة الاقتراع بالصندوق، بل على العكس، فمن هذه النقطة تبدأ مهمة الاهالي، وعليهم تُلقى مهمة المساءلة وفرض الشفافية على اداء المجلس البلدي.
وبتعاون المواطنين او معارضتهم لتنفيذ مشاريع البلديات دور كبير في تقدم الانجار، فهناك للاسف من يتعامل مع مشاريع البلدية كأنها "سطو" على الممتلكات الخاصة دون الاخذ بعين الاعتبار بانها منفعة عامة، وأن الجميع يستفيد من هذه الخدمات، فمن تم فتح شارع مثلا من أرضه هو يستفيد من شارع تم اقتطاعه من أرض شخص آخر.
وهناك نسبة لا بأس بها من معيقات العمل الميدانية، ففي الخليل مثلا التي يستوطن الاحتلال قلبها العديد من المعيقات الفنية، كما أن الطبيعة الجغرافية تختلف فيها تكلفة العمل، فالعمل في الجبال ليس كالعمل في المناطق المستوية مثلا...الخ.
وبالإجمال، فان عمل المجالس المحلية عمل تراكمي، ومجلس يستلم اللواء من سابقه، والاصل أن يكن المجلس الحديث أكثر كفاءة حتى يبقى منحنى التنمية في صعود، أما ان يستلم من هو أضعف فهنا تحدث الفجوات، وتنكسر عجلة التقدم، وتُقتل الهمم لدى كوادر الهيئاتِ.
تحريراً في 4/5/2023م
الموافق 14/رمضان/1444هـ