انهيار المجتمع الاسرائيلي - نظرة من داخل عالم الفئات المجتمعية المختلفة - الجزء الاول 

 

-----------------------------------------------------------------------

 

دكتور حجاي اغمون -شنير -يعمل في مجال دراسة نمو وتطور المجتمعات متعددة الثقافات في جامعة بار ايلان 

--------------------------------------------------------------------

عيد الفصح هنا ومن حولي عدد غير قليل من الناس يلمحون - إلى أنهم سيقومون بكسر قواعد اللعبة . وذلك بسبب قانون الطعام والشراب  غير المخمر( الحاميتس)  ، وفي  الواقع هم يقولون  ، حتى لو لم يتم تمريره  في الكنيست ، سنضع الطعام والشراب المخمر( الحاميتس)   في المستشفى. وليس فقط لإطعام والدنا المريض ، ولكن أيضًا لإظهار الطعام والشراب امام الجميع في  القسم. البعض منهم  يتحدث عن توزيع الخبز المخمر في الممرات أو في غرف الطوارئ.

 

بالنسبة للكثيرين ، هذا نوع من التنفيس عن الحنق  لكنهم فعليا  لن يفعلوا شيئًا. لكن هؤلاء لا يزالون بشرا  ، ومعظمهم ينظرون الى انفسهم  على انهم يتصرفون بشكل منطقي  ، والآن اصبحت بالنسبة لهم عملية كسر قواعد اللعبة أمرًا مشروعًا . 

 

من وجهة نظر هؤلاء ، لم يعد المتدينون الارثوذكس (الحرديم ) والمتدينون القوميون "إخوة" والتضامن الاجتماعي مات منذ بعض الوقت . بالنسبة لهم ، ليست هناك رغبة في البحث عن مسار لتفاهم معقول ومنطقي  يستطيع استيعاب اولئك الذين يريدون الحفاظ على الطعام الحلال واولئك الذين لا يريدون . 

 

هذه الظاهرة هي الصورة المقابلة التي تعكس الكراهية التي نراها بين  مجموعات أخرى للأشكناز والعلمانيين والليبراليين وبالطبع اليساريين . سأحاول تصور الظاهرة بمساعدة مفاهيم من المجال المجتمعاتي .

 

يبدو أن التصور الجماعي يوضح  درجة خطورة انهيار الفئات  والمجتمع الإسرائيلي  عامة وعدم القدرة على العودة عن ذلك . لكننا سنترك القليل من التفاؤل لليوم الذي سيلي تفاقم الأزمة ، ونقترح ما الذي يتعين علينا  فعله حينها ، على أمل أن تكون هناك لدينا بعض القوة لاستثمارها في عملية اعادة ترميم الحالة .

 

المجتمع الإسرائيلي ، شأنه شأن  معظم المجتمعات الغربية ، فهو مجتمع متعدد الثقافات ، يتكون من عدد من   الهويات المتنوعة و الأيديولوجيات والقيم والحاجات والقدرات المتنوعة. في نظر الأشخاص المتخصصين في المجتمعات متعددة الثقافات ، هناك أربعة مكونات ، كلما كانت أقوى ، كلما كان المجتمع أكثر استقرارًا وصحة.

 

العناصر هي: الشراكة المجتمعية ، والديمقراطية العميقة ، والتعددية الثقافية العميقة والالتزام بالقواعد الدولية  الأساسية للعدالة. تغذي هذه المكونات بعضها البعض ، لذلك فان تعزيز كل واحد فيها من شأنه ان  يقوي  العناصر الاخرى ايضا . للاسف الشديد  ، فإن العكس هو الصحيح أيضًا - اذا لحق الضعف باحد العناصر فان العناصر الاخرى ستضعف ايضا . 

هذه المرة سأركز فقط على عنصر الشراكة ، وبمساعدتها سأظهر حجم الانقسام والشرخ الاجتماعي في إسرائيل. في المنشور القادم  سأضيف المكونات الأخرى وأبين كيف يؤدي انهيار اي  منها إلى تسريع انهيار العناصر الاخرى . 

 

عنصر  الشراكة المجتمعية : 

اتضح أنه في كل مجتمع او فئة اجتماعية  غربي متعدد الثقافات توجد مجموعة مسيطرة  ، إلى جانب مجموعات أخرى ليست كذلك. لن أتطرق هنا إلى مسألة من هي المجموعة المسيطرة ومن لا . سأركز على ما نسميه "وعي السيطرة " ، النقيض من  "وعي الأقلية".

 

أحيانًا يكون هناك تطابق بين هذا الوعي ( كيفية ادراك الامور ) والواقع ، لكن ليس بالضرورة. الامر الذي يهمنا هنا هو أن الأقلية ترى نفسها مثل الشخص الذي يحتاج ان يعتني بنفسه فقط  ، وكذلك المجتمع كله ينظر اليه على هذا النحو . يتعين على عضو الكنيست العربي أن يعتني بالعرب ، وكذلك يتعين  على عضو الكنيست الأرثوذكسي الحردي  أن يعتني بالحريديم ، ويجب على عضو الكنيست من الطائفة الأثيوبية أن يعتني بأفراد طائفته. هذا هو وعي الأقلية. ونتفاجأ  احيانا عندما يظهرون تضامنهم مع مجموعات أخرى أو مع المجتمع ككل.

 

من ناحية أخرى ، تقع على عاتق المجموعة  التي ينظر اليها من وجهة نظر العامة وحتى من وجهة نظرهم هم انفسهم انهم المجموعة المسيطرة مسؤولية رعاية والاهتمام بالجميع  . إذا وقف عضو كنيست أشكنازي علماني وأعلن أن مهمته  هي رعاية العلمانيين الأشكناز ، فسوف نطلق عليه انه نخبوي عنصري . وبالفعل ، في المجتمع الإسرائيلي ، حتى قبل قيام الدولة ، نشأ شعور بالسيطرة  ، اساسه ان  الأشكناز من  غير الأرثوذكس القريبين من حزب مباي ( الحزب الذي انشاه بن غوريون)  وما تولد منه . عاشوا لسنوات عديدة مع شعور  " انهم صاحب البيت " . 

 

لقد مرت هذه المجموعة بتغيرات تنموية مثيرة للاهتمام في العقود الماضية ، واليوم يمكن تسميتها "مجموعة المؤمنين بالديمقراطية الليبرالية" (وهو مفهوم لم يعرفه اعضاء حزب مباي القدامى إلا من خلال القراءة النقدية لكتابات زئيف جابوتنسكي ، أو من رسائل تيودور هرتزل).

 

في كلتا الحالتين ، فإن "وعي السيطرة" الزم هؤلاء بالمسؤولية عن التضامن الإسرائيلي ،وبناء الشراكة بين أجزاء المجتمع ، أن يكونوا هم اللاصق الذي يربطهم معًا ، أو بعبارة أخرى - تطوير عنصر الشراكة المجتمعية بين الأربعة التي قدمناها أعلاه.

لكن يوجد تناقض داخلي هنا. من اجل بناء الشراكة ، من الضروري أن يكون لدى جميع عناصر المجتمع إحساس بالمسؤولية المشتركة تجاه المجتمع وشعور بالملكية المشتركة على المجتمع.  هذا لن يكون صالحا  عندما تكون هناك جهة مسيطرة او شعور بذلك يقول انها هي من "تملك البيت" والآخرون لا يملكون.

 

لذلك ، في جميع أنحاء العالم الغربي ، تعمل السيطرة  على تطوير التضامن من خلال منح  جزء من قوتها وامكانياتها  لفئات الاقلية  حتى يشعروا بأنهم شركاء في صنع القرار والمسؤولية والملكية. يحصل هذا في كل الدول الغربية بشكل يمكن الفئة المسيطرة من المحافظة على مكانتها ، لانه ما العمل ، هذه المجموعة لديها مصالحها وهي الدبق الذي يجمع الناس ويوحدهم لكنه في نفس الوقت له رائحة كريهة جدا . 

 

من الواضح أن إسرائيل هي الديموقراطية الغربية الوحيدة التي أجريت فيها التجربة المرعبة التي يفقد فيها أعضاء مجموعة الهيمنة وعي الهيمنة ، ويطورون وعي أقلية. لقد بدأ  هذا بالفعل في عام 1977 ، مع ولادة عبارة "لقد سرقوا من الدولة  " ، ولكنه تطور  منذ ذلك الحين  ببطء حتى اليوم  واستوطن   هذا الفهم عميقا  في وعي أعضاء "النخبة  القديمة".

 

الآن ،  شانها شان  أي أقلية أخرى ، تحاول هذه المجموعة الحفاظ على قوتها والحصول على حصتها في التاثير في داخل المجتمع برمته .الصراع على المحكمة العليا هو مثال مهم على ذلك. مثلها مثل  جميع الأقليات الأخرى ، وايضا النخبة القديمة تتحدث عن التضامن . ولكن مثل كل الأقليات الأخرى ، تطلب  من الاخرين التنازل باسم التضامن ، وهذا ليس سلوكًا طبيعيا ومنطقيا للفئات المسيطرة .

 

مع تحول فئات  الهيمنة القديمة إلى  مجموعة أقلية ، كان من المأمول ظهور  فئة هيمنة جديدة لتحل محلها. لكن من السهل أن نرى أن كل الجماعات المرشحة لان تكون  الهيمنة الجديدة ما زالت  تعيش عميقا في وعي الأقلية.

 

على سبيل المثال ، كان من المتوقع والمامول  من المجموعة الدينية القومية أن تطور وعيًا بالهيمنة:  لانها بعد كل شئ نجحت باخراج رئيس وزراء من داخلها مؤخرا ، وفي الائتلاف الحكومي الجديد الذي اقيم هذا العام هي صاحبة الكلمة الاولى تقريبا ، اما بين القادة العسكريين والامنيين فحضورها واضح وكبير ايضا والمزيد .  

 

فعليا،  الخطاب الذي يأتي منها هو خطاب الضحية  الذي يعود لأقلية مضطهدة تحارب  دفاعا عن مصالحها الخاصة فقط.  وهي  غير مستعدة لتقديم تنازلات من أجل التضامن ومن أجل بناء التماسك ، وهذا يدل على غياب الإحساس  عندها بالسيطرة  في مجتمعها. يعد عنصر  الشراكة المجتمعية ضروريًا لتطوير وبقاء  مجتمع متعدد الثقافات صحي ومستدام. عندما يتم بناء المجتمع فقط من الأقليات التي تتصارع على الكعكة من أجل احتياجاتها ، ولا تخشى الإضرار بالأقليات الأخرى ، فإن هذه الشراكة تتضرر يومًا بعد يوم.

 

 

لا نرى في الأفق آلية لبناء شراكة مجتمعية في المجتمع الإسرائيلي ، سواء من خلال تشكل فئة  هيمنة  جديدة ، أو بطرق أخرى. في الواقع ، ستوضح معرفة  المكونات الثلاثة الأخرى لبناء مجتمع متعدد الثقافات مدى خطورة الانهيار ، لكننا سنحتفظ بذلك للمقال  التالي.