التيار الديني الصهيوني وقيادة المؤسسة العسكرية ...الاثار والتداعيات
تقديم
تهدف هذه الورقة الى القاء نظرة على صعود التيار الديني القومي وارتقاءه في سلم قيادة المؤسسة العسكرية والأمنية في إسرائيل، وتوضيح الظروف التي أسهمت في ازدياد نسبة افراد هذا التيار في المؤسستين كماً ونوعاً، إضافة الى التعرف على تأثير هذا الصعود على قرارات وسلوك الجيش الإسرائيلي وعلى الصراع المستمر مع الفلسطينيين، مع الاخذ بعين الاعتبار للدور الكبير والمكانة الهامة التي يحظى بها الجيش في دوائر صنع القرار في مختلف المجالات الأساسية في إسرائيل، وربما من وجهة نظرنا، الامر الذي سيعود بإسرائيل الى طبيعتها الاصلية.
حيث تأتي كتابة هذه الورقة بعد حوالي شهرين من استلام حكومة نتنياهو الأكثر يمينيةً وتطرفا، ربما، في تاريخ حكومات الكيان الصهيوني، والتي ضمت أكبر تمثيل لوزراء التيار الديني القومي ومن يتبنون أيدولوجيتهم من وزراء حزب الليكود أيضاً، بما في ذلك تبوء وزراء هذا التيار مواقع متقدمة جداً في الاشراف على المؤسسات الأمنية والعسكرية بصورة لم تتم في السابق. حيث يشغل بتسلائيل سموتريتش موقع وزير ثاني في وزارة الحرب الإسرائيلية الى جانب كونه وزيراً للمالية، وقد حصل على صلاحيات واسعة جداً في كل ما يتعلق بسياسات الاحتلال في الضفة الغربية والمشروع الاستيطاني الاستعماري فيها، كما تسلم الوزير الآخر في هذا التيار ايتمار بن غفير وزارة الامن الداخلي والتي باتت تعرف بوزارة الامن القومي بعدما أضيفت اليها صلاحيات واسعة في مجال الامن والشرطة في مناطق القدس ونقاط الاحتكاك في الضفة الغربية، وقد حظي الاخر بصلاحيات واسعة تمس بشكل مباشر الجوانب المختلفة بحياة الفلسطينيين سواء في الضفة الغربية أو في المدن والقرى الفلسطينية المحتلة عام 48، هذا الى جانب كون الاثنان أعضاء في المجلس الوزاري المصغر (الكابينيت).
كما تأتي كتابة هذه الورقة متزامنة مع حدثين بارزين جداً في هذا السياق، الأول يتمثل في القمع الوحشي الذي مارسته قوات الأمن والشرطة التابعة لوزارة الامن القومي بقيادة الوزير بن غفير للمظاهرات المعارضة لسياسات حكومة نتنياهو في شوارع تل أبيب، والتي تنظمها أحزاب المعارضة المحسوبة على تيار اليسار والوسط في إسرائيل، والذي ما زال يقاد من النخبة الأشكنازية العلمانية، وأما الحدث الثاني فهو الهجوم الإرهابي المتوحش الذي قام به مئات المستوطنين ضد بلدة حوارة قضاء نابلس على مرأى ومسمع من جنود الجيش الإسرائيلي، الذين كانوا متواجدين في الشارع الرئيسي في بلدة حوارة دون أن يحركوا ساكناً، أمام عشرات عمليات الحرق للبيوت والممتلكات والاعتداء على الناس في البلدة التي تبعد أقل من كيلو متر واحد عن المعسكر الرئيسي للجيش الإسرائيلي في المنطقة، وبالرغم من ذلك احتاج هذا الجيش الى اكثر من أربع ساعات للوصول الى مكان الحدث بعد ان تم احراق عشرات البيوت ومئات المحلات التجارية ومقتل فلسطيني على يد غلات المستوطنين بينما كان يحاول الدفاع عن نفسه.
الإطار التفسيري
تشكل دراسة العلاقات بين الأيديولوجيا الدينية من ناحية وبين المؤسسة العسكرية وعقيدتها من ناحية أخرى، تشكل نقطة هامة في دراسة بنية الدولة ونظامها السياسي، وتزداد هذه الأهمية في حالات عديدة من دول العالم، تبدو إسرائيل من أبرزها بسبب طبيعة إسرائيل ونشأتها والأسس التي بنت عليها الحركة الصهيونية مشروعها إضافة الى الخلفية الدينية التي ما زالت تؤثر، بل ربما يزداد هذا التأثير يوماً بعد يوم، في كافة نواحي الحياة. كما ان الاطلاع على الحراك الداخلي واتجاهاته في أي دولة أو كيان سياسي له أهمية كبرى، لما لذلك من تأثير كبير للبيئة والأجواء الداخلية التي تعمل في ظلها دوائر صنع القرار، حيث يشكل الالمام بفهم المكونات الداخلية لصنع القرار ممراً اجبارياً لتوقع وجهة السياسات العامة في الدول والاطر السياسية المختلفة. وهذا الامر لا شك انه ينطبق على إسرائيل أكثر من غيرها بفعل الفسيفساء المشكل للمجتمع الاسرائيلي.
وعندما يقود تأثير احدى مكونات البيئة الداخلية على دوائر صنع القرار الى تغييرات كبيرة سواءً على مستوى الدولة او على المستوى الخارجي، فانه يصبح على درجة كبيرة من الأهمية فهم اليات العمل لهذه المكونات على طريق زيادة قوتها ونفوذها وتأثيرها. وتعتبر إسرائيل من الأمثلة الأكثر وضوحاً من بين دول العالم اليوم التي يتضح فيها تأثير مكونات بيئتها الداخلية على عملية صنع القرار، حيث يلعب الحراك السياسي الاجتماعي الاقتصادي والاثني الداخلي في إسرائيل، والقوى المؤثرة فيه دوراً مهماً في تصميم ورسم السياسات العامة لهذا الكيان.
كان مفكرو علم الاجتماع والسياسة قد وضعوا العديد من النظريات التي تفسر تزايد قوة التيارات الأيدلوجية ومن ضمنها الحركات الدينية، ويعتبر تيار الصهيونية الدينية في إسرائيل هو من أبرز الأمثلة على التيارات الأيدلوجية، التي اثبت الواقع على تزايد كبير في قوة تأثيرها في بنية الدولة والمجتمع، حيث تتميز الحالة الدينية في إسرائيل عن غيرها في العديد من دول العالم، وذلك بسبب الطبيعة الخاصة لتشكيلة المجتمع الإسرائيلي وتعقيداته الطائفية والعرقية، واثر تلك التعقيدات المباشر على الحالة الدينية، وهو الامر الذي يجعل من الصعوبة بمكان تبني نموذجاً محدداً بعينه ليفسر تنامي قوة تيار الصهيونية الدينية بهذا الشكل.
انطلق تيار الصهيونية الدينية من فكرة أساسية تتمثل في معارضة الفكرة التي يؤمن بها عامة اليهود، والداعية الى الاعتماد على "المسيح المنتظر" كي يقودهم من اجل إقامة "مملكة إسرائيل" ويعيدهم الى "ارض الميعاد". بل يرون ان عودة اليهود الى ارض الميعاد يجب ان تسبق نزول المسيح المخلص، وليس العكس، لذا تحالفوا مع الحركة الصهيونية واندمجوا في مؤسسات دولة إسرائيل. ويسعى افراد هذا التيار الى الانخراط في صفوف الجيش، حيث لا تعارض فقهياً لديهم من الانضمام الى صفوف الجيش وتأدية الخدمة العسكرية، بل ان قادة هذا التيار وحاخاماته يشجعون الافراد على الالتحاق بالجيش وصولاً الى اعلى المراتب، بعكس "التيار الحريدي" الذي يمتنع عن الالتحاق بالجيش، بذريعة الاهتمام بدراسة التوراة.
ويمثل الحاخام ابرهام كوك في فكره وايدولوجيته الاب الروحي للتيار الصهيوني الديني. فقد أسس كوك أول مدرسة دينية في إسرائيل، مدرسة "مركاز هراف" الدينية والتي تخرج منها الالاف من دعاة الصهيونية الدينية. وقد حاول كوك الوصول الى صيغة دينية يمكنها الجمع بين الدينيين واللا دينيين، كما حاول ان يمنح الحركة الصهيونية شرعية دينية[1].
احتفظ الحاخام كوك الابن بتراث أبيه، وبدون ذلك لبقي معلقاً على الرفوف، فحتى حزب المفدال لم ير في الحاخام كوك الأب مرجعا لسياسته بعد قيام دولة "إسرائيل"، ولم يحافظ كوك الابن على التوازن في مركبات المقدس، بل أنه أعطى الأولوية لمركب "أرض إسرائيل"، فقد اعتبر القومية اليهودية أداة مقدسة لتحقيق العودة الى "أرض إسرائيل".
تحول مصطلح الخلاص الى الكلمة السياسية المهيمنة في فكر كوك الابن، فـ "إسرائيل" ليست كياناً سياسياً فقط، بل أساس لتحقيق الخلاص، ويعتقد أن حرب حزيران 1967م، واحتلال الأرض العربية هي خطوة جوهرية في استعجال الخلاص المسياني، وقبل الاحتلال أعطى للدولة جوهرا دينيا- مقدسا، كمرحلة انتقال من الكارثة الى الخلاص[2].
خلفية تاريخية
شهدت إسرائيل نهاية الستينات وخلال عقد السبعينيات من القرن الماضي تحولات عديدة أسهمت بشكل كبير في ازدياد قوة التيار الديني الصهيوني، فقد شكلت نتائج حرب عام 67 ، التي اعتبرت من قبل حاخامات التيار نصرا من الرب ، ومن بعدها حرب 73 ، التي اعتبرت من قبل زعماء التيار عقابا ربانيا بسبب البعد عن الدين، الى جانب صعود اليمين الى الحكم عام 77 إضافة الى عوامل أخرى اجتماعية واقتصادية، أسهمت كلها في منح الفرصة لهذا التيار ليراكم إنجازاته وتقدمه المتواصل نحو التأثير في مركز القرار، الامر الذي عزز ثقته بنفسه ومكنه من التأثير على مراكز صنع القرار في الدولة وعلى الحراك الاجتماعي والاقتصادي داخل المجتمع الإسرائيلي بشكل واضح، بالرغم من ان هذا النفوذ ما زال لا يتناسب بتاتاً مع الوزن الديمغرافي لهذا التيار.
وقد طرأ التحول الأساسي في عمل التيار بعد حرب عام 67، حيث تغيرت نظرة المتدينين للجيش بعد استيلاءه على ما تبقى من القدس بما في ذلك حائط المبكى (حائط البراق) وغيره من الأماكن المقدسة لليهود الموجودة في الضفة الغربية، فقد أطلقت بعض الأوساط داخل التيار على الجيش اسم "جيش الله" وأن ما حدث من انتصار على العرب والسيطرة على المسجد الأقصى هو مقدمة بقدوم المسيح المنتظر، الأمر الذي دفع بأفراد هذا التيار الى الانضمام لصفوف الجيش، وهكذا شهدت نهاية سبعينيات القرن الماضي بدء زيادة واضحة في عدد ضباط الجيش القادمين من صفوف الصهيونية الدينية، لكن محاولات خريجي "يشيفات ههسدير" التقدم الى مواقع عليا في الجيش جوبهت بمعارضة قيادة الجيش العلمانية، حيث تظهر الاحصائيات ان 3-5% فقط من خريجي "يشيفات ههسدير"[3] قبلوا لدورات الضباط، بينما شكل أبناء الخلفية العلمانية 80-90% من المقبولين لدورة الضباط. وهو الأمر الذي جعل قادة التيار الديني الصهيوني يبحثون عن وسيلة أخرى تعزز من تواجدهم في صفوف الجيش، وكان ذلك عبر انشاء كليات عسكرية تمهيدية، تمثل اطاراً تحضيرياً قبل الخدمة العسكرية وينتسب لها طلاب من شتى الفئات (علمانيون ومتدينون)، وقد استطاعت الصهيونية الدينية من خلال ذلك ليس فقط اختراق شريحة الضباط في الجيش، وانما التأثير أيضا في الفئات العلمانية التي تدرس في تلك الكليات[4].
ولم يكن تعاظم تأثير التيار الديني هو نتاج تحولات داخلية فقط، بل أيضاً نتاجاً مباشراً لسيرورة الاحداث الخارجية، فاندلاع الانتفاضة الفلسطينية ثم مقتل اسحق رابين وما تبعه من انهيار في مشروع اوسلوا الهادف الى تسوية الصراع مع الفلسطينيين، فاندلاع انتفاضة الأقصى، الى جانب التشظي في الخارطة الحزبية الإسرائيلية وعدم بقاء أحزاب كبيرة، كل ذلك كان له بالغ الأثر في منح هذا التيار الفرصة لزيادة تأثيره على مراكز صنع القرار. حيث وجد هذا التيار الفرصة سانحة امامه لمراكمة إنجازاته فقد استطاع تطوير مؤسساته التعليمية والدينية التي مكنته من استقطاب قطاعات جماهيرية واسعة إضافة الى نجاحه في اختراق الأحزاب العلمانية وخاصة حزب الليكود بهدف التأثير على سياساته بما يخدم أهداف التيار.
المتدينون الصهاينة واختراق المؤسسة العسكرية
يعتبر المجتمع الإسرائيلي مجتمعاً عسكريا بصورة او بأخرى فالخدمة العسكرية مفروضة اجبارياً على الرجال والنساء، وهذا ينبع من كون المجتمع الإسرائيلي يجمع على انه ما زال يخوض حرب وجود مع جيرانه العرب، وان الدولة ما زالت تواجه خطراً وجودياً مستمراً، ما يخلق حالةً من العظمة والاجلال لمظاهر العسكرة في المجتمع بما في ذلك ما يحظى به ضباط وجنود الجيش والمؤسسة الأمنية من احترام وتبجيل. وهو الامر كذلك الذي يمكن كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي من ممارستهم لتأثير كبير في مجالات مختلفة بعد تقاعدهم من الخدمة العسكرية، ومن أبرز هذه المجالات المجال السياسي، حيث تتنافس الأحزاب الصهيونية على تدعيم قوائمها الانتخابية بكبار الضباط المتقاعدين، ولا يكاد يخلو مجلس وزراء في إسرائيل من حضور بارز لعدة جنرالات، ناهيك عن حضورهم الكبير كأعضاء برلمان في الكنيست الإسرائيلي.
لقد شكل عقد التسعينيات بداية انعطافه في العلاقة ما بين الجيش والمتدينين القوميين الذين حرصت قياداتهم الدينية والسياسية على الدفع بهم الى الخدمة في صفوف الوحدات القتالية للجيش بغية الوصول الى المواقع القيادية العليا في المؤسسة العسكرية والأمنية، وقد ضاعف هؤلاء من حضورهم المتزايد في الجيش نظراً للدور الكبير الذي يحظى به الجيش الإسرائيلي في عملية صنع القرار السياسي وفي ممارسة السياسات بشكل أساسي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد تزامن ذلك مع تحولات عديدة في المجتمع الإسرائيلي أسهمت في صعود التيار الديني القومي الى اعلى المواقع القيادية في الجيش والمؤسسة الأمنية.
أتبع التيار الديني الصهيوني وسيلتين أساسيتين لضمان تغلغل أتباعه في الجيش وتبوء المواقع القيادية فيه، وهما: التعبئة الدينية الخاصة، وابتداع مسارات تعليمية تؤهل الشباب المتدين للخدمة العسكرية. فقد حرصت المرجعيات الدينية على إصدار الفتاوي التي تحث على التطوع للخدمة في الوحدات المقاتلة، واعتبار هذه مهمة دينية " مقدسة "، يتوجب على جميع أبناء التيار القيام بها. فقد أصد الحاخام مردخاي إلياهو الزعيم السابق للصهيونية الدينية في إسرائيل فتوى مطلع التسعينات تعتبر التطوع في الوحدات المقاتلة في الجيش: " واجب على كل متدين قادر، وأن التخلف عن هذا الواجب يعد معصية للرب وتجاوزاً لدرب أنبياء إسرائيل والصديقين على مر العصور "، في الوقت الذي اعتبر فيه الحاخام إبراهام شابيرا " الخدمة العسكرية والروح القتالية مهمة جماعية يفرضها الرب بهدف قيادة المشروع الصهيوني "[5].
اتفقت قيادة الجيش الإسرائيلي ومرجعيات الصهيونية الدينية على بلورة مسارين تعليميين لتأهيل الشباب المتدين للخدمة العسكرية، يضمنان من ناحية استثمار الطاقة الكامنة في خدمة الشباب المتدين، ومن ناحية ثانية عدم المس بفرص تحصيل الجنود العلوم الدينية، لذا فقد تم إنشاء نوعين من المؤسسات التعليمية الخاصة لتحقيق هذا الهدف، يتم تمويلها من قبل الجيش، دون أن يكون للمؤسسة العسكرية حق التدخل في مناهج التعليم في هذه المدارس التي تحددها وتشرف على تدريسها المرجعيات الدينية ذاتها. المسار الأول تمثل في المدارس الدينية العسكرية التمهيدية: يطلق عليها " يشيفوت ههسدير "، وتم الشروع في تدشينها أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، وقضى الاتفاق بين الجيش المرجعيات الدينية أن يواصل الطلاب في هذه المدارس تلقي تعليمهم الديني في الوقت الذي يؤدون الخدمة العسكرية، على أن يتم تدشين وحدات قتالية متجانسة خاصة بطلاب هذه المدارس، بحيث يخدم الجنود ثمانية عشر شهراً، تقسم على ثلاث مراحل، يخدم الطالب ستة أشهر في الجيش، ثم يتفرغ بعد ذلك لدراسة العلوم الدينية ستة أشهر أخرى، وبعد ذلك يعود للخدمة العسكرية لمدة ستة أشهر، وهكذا دواليك[6].
وأما الثاني فكان عبارة عن الأكاديميات الدينية قبل العسكرية: أقيمت أول أكاديمية دينية عسكرية عام 1996، ويمنح الجيش طلاب هذه الأكاديميات تأجيلاً من الخدمة العسكرية لمدة عام ونصف، حيث يتفرغون خلالها للعلوم الدينية، وبعد انتهاء هذه الفترة يخدمون ثلاثة أعوام، مثل سائر الجنود، وفي وحدات مختلطة يشاركهم فيها الجنود العلمانيون. ويمتاز هذا النوع من المؤسسات التعليمية بقدرة على استقطاب الطلاب بدرجة أكبر بكثير من المدارس الدينية التمهيدية. وقد مثل ظهور هذه الأكاديميات نقطة تحول فارقة في عدد المتدينين الذين يتجندون للوحدات المختارة[7]. ويشرف على هذين النوعين من المدارس حاخامات، عادة ما يكونوا من خريجي الوحدات المختارة في الجيش، علاوة على مناهج التدريس تركز على التوراة والتلمود والأدب التلمودي. ومما لا شك فيه أن كلاً من التعبئة الدينية والمسارات التعليمية الخاصة قد أسهمتا في تعاظم الدافعية للخدمة في الوحدات المقاتلة في الجيش لدى الشباب المتدين.
العوامل التي عززت من فرص التيار في اختراق الجيش
أدت التطورات الاجتماعية والاقتصادية في منتصف الثمانينيات الناجمة عن الازمة الاقتصادية الى نزوع قطاعات من الإسرائيليين نحو الفردية وتغليب المصلحة الفردية على المصلحة العامة، وكان من أوضح مظاهر هذه الازمة تراجع الدافعية للخدمة في الوحدات المقاتلة في الجيش، كما أسهمت التطورات السياسية في منتصف التسعينيات، متمثلةً في الأساس في التوقيع على اتفاقيات السلام مع الفلسطينيين والأردن، بتراجع كبير في دافعية الجيل الشاب، والعلماني منه تحديداً، للتجند للخدمة العسكرية. كما تكون إدراك في أوساط عديدة في المجتمع لضخامة التكلفة الباهظة لاستمرار الصراع، خاصةً وان ذلك تزامن مع تورط إسرائيل في الجنوب اللبناني وتكبدها لخسائر كبيرة في الأرواح، إضافة الى عجزها الواضح عن حسم الصراع امام تنظيم حزب الله الذي ادار ضد جيشها، وبنجاح، حرب عصابات فتاكة. كما تزامن ذلك أيضاً مع سيادة التوجهات الاقتصادية النيو ليبرالية والتي كرست مفاهيم النجاح الفردي وفتحت المجال امام المستوطن الصهيوني للبحث في مسارات تعزز نجاحه وانتماؤه بعيداً عن مسار الخدمة العسكرية[8].
أدركت قيادات التيار الديني القومي الفراغ الذي يتركه العلمانيون في الجيش بسبب تلك الظروف، فاستغلت ذلك سريعاً ووجهت أنصارها الى ملئ ذلك الفراغ بهدف تحقيق أكبر قدر من التأثير على دائرة صنع القرار في الكيان، فقد لاحظت حاخامات وقيادات التيار حجم الدور الذي يتمتع به الجيش في صنع القرار السياسي، كما ان تلك القيادات تدرك ان الرأي العام في إسرائيل يمنح أهمية كبرى لتقديرات واراء المؤسسة العسكرية، التي تظهر دائماً على انها تقديرات مهنية تماماً لا علاقة لها بالاعتبارات السياسية والأيديولوجية الداخلية. خاصة وان التاريخ يبرهن في أكثر من محطة ان الجيش استطاع ذات مرة ان يجر المستوى السياسي الى ما يريده هو.
مظاهر تصاعد حضور التيار داخل الجيش
نظراً الى ما أسلفنا من إدراك قيادات التيار الديني القومي للتأثير الكبير للنخبة الأمنية والعسكرية على دوائر صنع القرار، فقد حثت هذه القيادات عناصرها الى الانخراط في الوحدات المختارة في الجيش، ولم يخفي زعماء التيار توجههم الواضح الى احكام السيطرة على الجيش، وكتصحيح لقصور (يشيفوت ههسدير) التي حد مسارها من تقدم الجنود في المراكز العسكرية، ابتدع حاخامات هذا التيار مسار المعاهد الدينية التحضيرية للجيش والتي مكنت المتدينين من التأثير مباشرة على طابع الجيش بالكامل، وليس فقط على الوحدات المقاتلة التي يخدمون فيها. وقد نسب الراب إيلي سادان المنتمي إلى (مركاز هراف) ومؤسس هذه المعاهد فكرة إقامتها إلى حديث قائد المنطقة الوسطى عام 1988 أثناء الانتفاضة الجنرال عمرام متسناع "الجيش يحتاج لكم –المتدينين- وللقيم التي تحملونها وخصوصا في هذه الأيام.. نحن بحاجة لقيمكم الروحية أكثر من أي وقت مضى. وقد منحت الأكاديميات شرعية دينية للخدمة في الجيش ليس كجندي مرتبط بانعزال يشيفوت ههسدير، بل بالحيز الجغرافي الديمغرافي بكامله خصوصا إنها في معظمها مقامة في الضفة الغربية وفي الأوساط الاستيطانية، وقد سجل عدد الجنود القتاليين القادمين من الأكاديميات ضعفي عدد الجنود من باقي الأوساط كما إن عدد الضباط القادة أعلى 3.5 من نظرائهم، والضباط رفيعي الدرجات أكثر بثلاث مرات بل إن ربع الخريجين من فروع أخرى من الجيش كالمدفعية والدبابات هم أيضا من خريجي الأكاديميات الذين يبلغ عددهم 4% فقط من مجموع المجندين[9].
وبنظرة الى الجدول ادناه سنرى حجم الازدياد المتسارع في اعداد المتدينين خريجي وحدة المشاة
جدول (1): نسبة المقاتلين المتدينين بين خريجي "استكمال مشاة"[10]
سنة انهاء المسار |
نسبة الخريجين المتدينين % |
1995 |
11.6 |
1996 |
12.5 |
1997 |
14.9 |
1998 |
15.8 |
1999 |
14.5 |
2000 |
15.5 |
2001 |
22.5 |
2002 |
26 |
2003 |
23.9 |
2004 |
27.4 |
2005 |
25.9 |
2006 |
28 |
2007 |
31 |
2008 |
26 |
ورغم أن التيار الديني القومي في الكيان الصهيوني يمثل 12% من المستوطنين فإن تمثيل اتباعه في الوحدات الخاصة وألوية الصفوة في الجيش يتراوح بين 40% إلى 70% من بين ضباط وجنود هذه الوحدات. ويشكل المتدينون القوميون في الجيش الصهيوني 70% من وحدة "ماجلان"، أهم الوحدات الخاصة، وأكثر من 50% من الضباط في لواء الصفوة "جفعاتي"، و45% من الضباط والجنود في الوحدة الخاصة في سلاح الجو "شيلداغ"، و43% من الضباط في لواء المشاة "جولاني"، و40% من المظليين.
وشهدت كليات الإعداد العسكرية هي الأخرى ارتفاعًا بنسبة 250% في عدد المنتسبين من اتباع التيار الديني الصهيوني، حيث أنه بعدما كان مجمل عدد هؤلاء عام 1996، أي بعد سنة من مقتل رابين 450 مجندًا فقط، ارتفع عددهم في العقدين الماضيين وتضاعف بنحو 250% ليصل اليوم إلى 1550. ولقد بات أتباع التيار الديني القومي يشكلون 40% من الذين يتجندون لسلاح الطيران، مع العلم أنه حتى مطلع الثمانينيات من القرن الماضي لم يكن هناك أي تمثيل لهم في هذا السلاح تحديدا الذي كان حكرا على العلمانيين وتحديدًا على أبناء الكيبوتسات[11].
جدول (2): تزايد عدد الأطر التحضيرية ما قبل الخدمة العسكرية وعدد الطلاب[12]
السنة التعليمية |
عدد الأطر التحضيرية |
عدد الطلاب (المعدل السنوي) |
97/98 |
6 |
700 |
98/99 |
10 |
850 |
99/2000 |
15 |
1000 |
2002/2003 |
18 |
1170 |
2003/2004 |
21 |
1240 |
2004/2005 |
21 |
1325 |
2005/2006 |
23 |
1300 |
2006/2007 |
25 |
1500 |
2007/2008 |
34 |
1800 |
ولعل من أوضح مظاهر تعاظم تمثيل المتدينين في الوحدات المقاتلة في الجيش هو الانقلاب الذي شهدته التركيبة القيادية في وحدة "شيلداغ"، الوحدة المختارة لسلاح الجو الإسرائيلي؛ حيث إن ثلثي قادة الأطقم في هذه الوحدة، الأكثر سرية في الجيش الإسرائيلي، هم من المتدينين.
ويوضح نائب رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي السابق دان هارئيل أن أتباع التيار الديني الصهيوني يقودون معظم الكتائب والسرايا في ألوية المشاة المختارة، وهي: المظليون و"هناحل" و"جفعاتي" و"جولاني"؛ إلى جانب احتكارهم قيادة وحدات الصفوة بشكل مطلق، وهي "سييرت متكال"، التي تعتبر أهم الوحدات نخبوية في الجيش الإسرائيلي، و"إيجوز" و"شمشون" و"دوخيفات"، فضلًا عن سيطرتهم على الوحدة المختارة للشرطة والمعروفة بـ "يسام". وقد حصل ثلاثة من أتباع التيار الديني القومي في الكيان الصهيوني على رتبة فريق، من خلال قيادتهم جهازي المخابرات الموساد والشاباك والشرطة، في حين وصل 12 حصلوا إلى رتبة لواء في الجيش وكانوا أعضاء في هيئة الأركان[13].
وقد اعتبر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق الجنرال شلومو غازيت أن الصور التي بثتها قنوات التلفزة الإسرائيلية لكبار الضباط المتدينين وهم يتحركون في القاعة التي يعقد فيها هذا المؤتمر "معتمرين قبعاتهم الدينية المزركشة" دليلًا على وقوع الجيش الإسرائيلي في قبضة التيار الديني الصهيوني[14].
ولا يكتفي أتباع هذا التيار بالسعي الى السيطرة على الجيش، بل انهم فطنوا خلال العقدين الماضيين لأهمية السيطرة على جهاز المخابرات الداخلية "الشاباك"، الذي يعتبر من أكثر الأجهزة الاستخبارية تأثيراً على دائرة صنع القرار في الدولة العبرية، ويشير يعكوف بيري الرئيس السابق للشاباك الى ان معظم مسؤولي المناطق في الجهاز أصبحوا من أتباع التيار الديني، كما ان يورام كوهين رئيس الجهاز في بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين هو من اتباع التيار الصهيوني[15].
تداعيات وآثار هذا الصعود
مما لا شك فيه أن كون الجيش مؤسسة وطنية عامة فإنه يتأثر ويؤثر بكل المعطيات التي تؤثر في الدولة ككل، لاحظنا كيف أن تغير قيم جيل الألفية الجديدة، والطبقة الأشكنازية الوسطى قد أثر بعمق على نوعية التجنيد وتدفق أعضاء الكيبوتسات إلى الجيش، وهذا انعكس في تركيب ليس فقط وحدات قتالية بل مستوى القيادات العسكرية أيضا، واحتلال أعضاء التيار الديني الصهيوني لمناصب عامة، كما أن شبكة المصالح الحزبية تؤثر بشكل كبير عبر نظام التوازنات والتفاهمات الضمنية التي تمتد تأثيراتها في مختلف مؤسسات ومناحي الحياة في الدولة.
من جهة أخرى فان خروج الجنرالات إلى الحياة المدنية العامة وتبوئهم مناصب أساسية في قطاعات الاقتصاد والتربية والسياسة والحياة الحزبية يعزز عسكرة المجتمع ونفوذ العسكريين وعقليتهم على هذا المجتمع.
ان تبوء المتدينين المواقع القيادية في الجيش الإسرائيلي ينذر بتهديد جدي وخطير للنظام السياسي الإسرائيلي، حيث أن الضباط والجنود المتدينين الذين ينخرطون في الجيش يكفرون بقيم " الديمقراطية " والانتقال السلمي للسلطة، وتحظى التعاليم الصادرة عن المرجعيات الدينية والحاخامات باحترام أكبر لدى الضباط والجنود المتدينين من الأوامر التي تصدرها قيادة الجيش، ويطلب الحاخامات من طلابهم من الضباط والجنود رفض الأوامر الصادرة عن قادتهم العسكريين في حال تعارضت مع تعاليم التوراة والتلمود. وهذا ما حدث أكثر من مرة، فقد أعلنت مجموعة من الضباط في لواء الصفوة " كفير " أنها لن تنفذ أي أوامر تصدرها قيادة الجيش بإخلاء النقاط التي أقامها المستوطنون بدون تصريح من الحكومات الإسرائيلية. ويتم تربية الضباط والجنود على رفض قيم الديموقراطية، فالحاخام إلياكيم ليفانون الذي يدير إحدى المدارس الدينية التمهيدية، قال: " الديموقراطية تضر بالواقع وتقود إلى خيارات غير حقيقية، ولذا يتوجب تجاوز حدود وأطر الديموقراطية، والالتزام فقط بالتوراة على اعتبار أنها تمثل الحقيقة المطلقة"[16].
ومن الواضح أنه إذا كانت أبسط قواعد الديموقراطية تقوم على خضوع المستوى العسكري لتعليمات الحكومة المنتخبة، فإنه لا يوجد أي ضمانة أن ينفذ الجيش تعليمات الحكومات الإسرائيلية في حال زاد تمثيل المتدينين في هيئة أركان الجيش. ولعل الذي يدلل على حجم قلق العلمانيين من تغلغل المتدينين في الجيش، هو ما قاله الجنرال شلومو غازيت، الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية بأن " الجنود المتدينين يذكرونني بالولاء المزدوج للضباط في الجيش النازي". وعلى الرغم من أن النخب العلمانية لازالت تهيمن على المؤسسات الأكاديمية وتسيطر على المشهد الثقافي والإعلامي، وتضطلع بإدارة معظم المرافق الاقتصادية، إلا أنه منذ مطلع القرن الحالي حدث تراجع واضح وكبير في حجم سيطرة العلمانيين على هذه النخب لصالح المتدينين، وهذا لا يرجع فقط لتنامي دور الأحزاب الدينية وزيادة تأثيرها، بل بشكل أساسي بفضل العدد الكبير من كبار الضباط المتدينين الذين يتسرحون من الجيش ويتم استيعابهم في المرافق المدنية المختلفة. وتكمن أهمية هذا التطور في أنه يمنح المتدينين الفرصة للتأثير على الرأي العام الإسرائيلي ودفعه لتقبل المنطلقات الأيدلوجية لهذا التيار من القضايا المطروحة. فمن الواضح أن تعاطي إسرائيل مع مشاريع التسوية التي تطرح لحل الصراع مع العرب وتحديداً مع الفلسطينيين ستتأثر إلى حد كبير بتنامي تأثير المتدينين على الجيش[17].
فعلى سبيل المثال يفترض أن يشتمل أي اتفاق تسوية للصراع مع الفلسطينيين على إخلاء مستوطنات يهودية من الضفة الغربية، ومن الواضح أن كل المؤشرات تدلل على أن إخلاء المستوطنات سيواجه بردة فعل عنيفة من قبل أتباع التيار الديني الصهيوني، وضمنهم آلاف الضباط والجنود. وهذا بالضبط ما حدا بوزير القضاء الإسرائيلي الأسبق يوسف لبيد أن ينصح رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت بعدم التعاطي بجدية مع المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، على اعتبار أن إخلاء المستوطنات يمكن أن يؤدي إلى حرب أهلية داخل إسرائيل، وتفكك الجيش.
وتلعب النخبة العسكرية دوراً هاماً في صنع القرارات السياسية، حيث أن الحكومات في إسرائيل تتخذ قراراتها بشكل عام في ضوء التوصيات التي تقدمها الهيئات القيادية في الجيش بوصفها جهات مهنية، ونادراً ما تتجاهل الحكومات توصيات الجيش. وهناك أكثر من مؤشر على أن التوصيات التي يقدمها الجنرالات المتدينون والتي تتعلق بالتسويات السياسية تتأثر بمواقفهم الأيدلوجية. فعلى سبيل المثال اتهم الوزير السابق يوسي ساريد الجنرال يعكوف عامي درور الذي ينتمي للتيار الديني الصهيوني، والذي كان يرأس لواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية بـ " فبركة " التقييمات من أجل إقناع حكومة إيهود براك عام 2000 بأنه لا طائل من التسوية مع سوريا ولبنان، وذلك انطلاقاً من اعتبارات أيدلوجية وليس اعتبارات مهنية. علاوة على ذلك فإن انتقال الجنرالات المتدينين للعمل السياسي بعد تسرحهم من الخدمة العسكرية سيزيد من تأثير التيار الديني على صنع السياسات العامة في الكيان الصهيوني[18].
أن تغلغل المتدينين في الجيش الإسرائيلي لن يدفع فقط إسرائيل لنبذ سبل تسوية الصراع بالطرق السلمية، بل أنه سيدفع الكيان الصهيوني للتوسع في ممارسة القمع الفلسطينيين واستسهال شن حروب على العرب. ولقد تربى الضباط والجنود المتدينون على تقديس القوة والسجود لها والإيمان بتأثيرها لحسم الصراع مع العالم العربي، فقد حث الحاخام يهودا أميتال، الذي كان يوصف بالاعتدال، على شن الحروب قائلاً " تولد الحرب عملية التطهير والتصفية والتنقية وتنظف مواطني إسرائيل ". من هنا فإن نجاح المتدينين في السيطرة على المزيد من المواقع القيادية في الجيش سيعزز فقط ميل إسرائيل لشن مزيد من الحروب ضد العرب، والتوسع في استخدام القوة المفرطة وغير المتناسبة.
في نفس الوقت فإن هناك علاقة واضحة بين تعاظم تأثير المتدينين على الجيش وبين ميله لاستخدام القوة المفرطة ضد المدنيين الفلسطينيين والعرب. فقد أدت زيادة ثقل المتدينين الكبير في المواقع القيادية في الجيش الى فتح أبواب الجيش أمام غلاة المتطرفين من الحاخامات الذين اشتهروا بإصدار الفتاوى التي تدعو إلى قتل المدنيين الفلسطينيين، للتنظير لأفكارهم، وهناك مؤشرات كثيرة أن بعض الجهات داخل المستوطنات التي تتولى تنفيذ الاعتداءات ضد الفلسطينيين، مثال جماعة "فتية التلال "، التي تقوم باجتثاث أشجار الزيتون وتسمم آبار المياه الارتوازية في الضفة الغربية تضم عدداً من الجنود المتدينين في الجيش. يتضح مما تقدم إن مواصلة المتدينين تغلغلهم في الجيش الإسرائيلي يؤذن بحدوث تحولات كبيرة في المشهد الإسرائيلي الداخلي، وينذر بحقبة قاسية من المواجهة بين العرب والكيان الصهيوني[19].
خلاصة
يمكننا القول ان المؤسسة العسكرية في إسرائيل تسير في الطريق الذي يضعها تحت سيطرة أصحاب القبعات المزركشة، وهذا لا شك سينعكس بشكل مباشر على سلوك هذا الجيش في الميدان وخاصة اتجاه الفلسطينيين، وعلى عقيدته القتالية أيضا، التي ستسيطر عليها الأفكار التوراتية المتطرفة والانتقامية.
وقد استطاع التيار الديني القومي وباقتدار ان يفرض نفسه فاعلا مؤثرا في القرار الإسرائيلي عبر تنفيذه لخطة مدروسة رمت الى وصول أبنائه الى مركز صناعة القرار في المؤسسة الحاكمة وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية والأمنية، ولا شك ان ترجمة هذه الفاعلية في مركز صنع القرار بدت واضحةً في رؤية الدولة العبرية لمستقبل الضفة الغربية، والسياسة الاستيطانية الاستعمارية فيها، بمعنى اخر، ان فرص التوصل الى تسوية سياسية عادلة للصراع مع الشعب الفلسطيني باتت تقترب من الصفر في ظل تبني المؤسسة الرسمية لرؤية زعماء التيار الديني القومي، القاضية بعدم التنازل مهما كلف الامر عن الضفة الغربية أو معظم أراضيها، بما في ذلك مدينة القدس، ما يعني دون ادنى شك ان الأمور تتجه نحو الصدام الشامل مع الفلسطينيين والعالم العربي.
كما ان تأثير هذا التيار بدا واضحاً في قضايا حساسة، مثل قضية المسجد الأقصى والتي تقول ايدلوجيته بضرورة السيطرة عليه وبناء الهيكل مكانه، وخلال العقدين الأخيرين بدا واضحاً الانزياح التدريجي في موقف المؤسسة الأمنية والشرطية ليقترب أكثر فأكثر من رؤية أصحاب القبعات المزركشة، وبالتالي السماح لهم بالاقتحامات المتكررة للمكان والمخاطرة مرة بعد مرة بانفجار المواجهات مع الفلسطينيين.
الأمر الآخر الذي يبدو فيه أثر فكر وأيدلوجية المتدينين القوميين هو التحول الداخلي الذي يحمل في طياته رغبة هذا التيار في فرض أسلوبه على المجتمع بأسره بما في ذلك المخاطرة بالمس بالسمات الديمقراطية للحياة في إسرائيل من خلال إعادة صياغة القوانين والمؤسسة القضائية بصورة تخدم اهداف ورؤية التيار وأفكاره. إضافة الى الامر الهام الاخر وهو تحويل مناحي الحياة المختلفة للمجتمع باسره كي تتوافق مع تعاليم التوراة، الامر الذي يرفضه العلمانيون تماما وهو ما سيقود ربما الى الصدام الداخلي في إسرائيل.
[1]حماد، باهر: الدور السياسي للأصولية اليهودية في إقامة دولة إسرائيل. رسالة ماجستير، جامعة حلوان. مصر https://bit.ly/3EYKMWh
[2] الصهيونية الدينية من الهامش الى المركز . موقع سبسطية للشؤون الإسرائيلية https://sabastia.net/post/2175
[3] يشيفات ههسدير: مدارس دينية تختص بتعليم التوراة والتلمود والشريعة والفقه، وقد أسهم فكر الحاخام كوك بالذات الى تبني الييشيفوت ايدلوجيا قومية دينية منذ قيام الدولة، تعززت وتطرفت مع مرور الوقت. للمزيد انظر: خالد أبو عصبة، "التربية والتعليم" في كميل منصور
(محرر)، دليل إسرائيل العام 2011(رام الله: مؤسسة الدراسات الفلسطينية،2011)، ص413-414.
[5] تغلغل المتدينين في الجيش الإسرائيلي: تبعات وتداعيات. مركز الاسرى للدراسات، تم الاسترداد في 1-3-2023 https://bit.ly/3EY55mZ
[9] جابر، احمد مصطفى : تديين الجيش الإسرائيلي في اطار التأثر والتأثير متعدد المجالات، تم الاسترداد في 28-2-2023. https://bit.ly/3Zn8FyX
[10] مدار " مكانة معتمري القبعات الدينية في القيادة التكتيكية للجيش الإسرائيلي"، قضايا إسرائيلية، 2011، عدد43-44، ص112.
[11] النعامي، صالح : "المتدينون في الجيش الصهيوني والجيوش العربية" موقع فلسطين اون لاين، تم الاسترداد في 1-3-2023 https://bit.ly/3SOlb89
[12] مدار " مكانة معتمري القبعات الدينية في القيادة التكتيكية للجيش الإسرائيلي" قضايا إسرائيلية، 3011، عدد43-44، ص114.
[17] للاطلاع انظر: قتيبة غانم، " الأصولية الدينية في الجيش الإسرائيلي" مركز الزيتونة للدراسات، بيروت، 2015 .