فلسطين وطن للبيع
الكاتب: د. خليل نخلة
الناشر: مؤسسة روزا لوكسمبورغ
سنة النشر: 2011
عدد الصفحات: 282
عرض: ماهر عابد
لفهم المشهد الفلسطيني في فترة ما بعد اوسلو ولغاية الان لا بد من قراءة هذا الكتاب، فهو يبحث في التغيرات والمستجدات التي طرأت والتي ما زالت اثارها تتفاعل على الصعيد الوطني، وتأثيراتها على العلاقة مع الاحتلال، وعلى العلاقات الداخلية الفلسطينية، وهو يوضح كيف تغيرت القيم الوطنية ومدلولاتها، وكيف هيمن "تحالف نفعي ثلاثي" على القرار الفلسطيني، مشكلا نخبة جديدة تسعى لتحقيق مصالحها على حساب الوطن والشعب، وتغلف كل ذلك بغلاف المصلحة الوطنية العليا، وشعارات الدولة المستقلة والسيادة، كما يشرح كيف جرت عملية هندسة المجتمع لإعادة تشكيل الوعي الجمعي للناس لكي يقبلوا بواقع الاحتلال والاستبداد مقابل تسهيلات اقتصادية مصنوعة على عين الاحتلال وبإرادته، ويوضح المسيرة الطويلة التي قادتها مرحلة اوسلو – وما تزال- لتحويل الفدائيين إلى موظفين ورجال أمن ينتظرون الرواتب من صناديق المانحين، وتحويل الشعب الثائر إلى شعب متسول ينتظر فتات الدول المانحة، وهو يعالج نظرية التنمية في فلسطين، والتي تزعمتها الدول والمؤسسات المانحة بعد توقيع اتفاقية أوسلو في 13\9\1993، بالتعاون مع نخب محلية مكونة من بعض الرأسماليين ومن " الثوار السابقين".
موضوع الكتاب المركزي هو بحث اثار التدفق المالي الأجنبي المحمل بالأجندات السياسية على القضية الفلسطينية، وتناقض هذا التمويل مع مفهوم التنمية التحررية التي يحتاجها شعب ما يزال خاضعا للاحتلال، وأهمية الكتاب تنبع من جوهر الفكرة التي يحملها، كما يكتسب أهميته من خبرة الكاتب الطويلة (25 عاماً) في قضايا الدعم والتمويل الأجنبي.
غلاف الكتاب البسيط معبر جدا، وهو عبارة عن صورة للافتة خصصت للترحيب بالمشاركين في «مؤتمر بيت لحم للاستثمار» الذي رعته واشرفت عليه السلطة الفلسطينية بعد العام 2008، ويبدو انها منصوبة على حاجز إسرائيلي مقام على مدخل مدينة بيت لحم حيث عقد هذا المؤتمر، هذه الصورة التي تجمع بين التناقضات تعبر عن واقع التنمية الفلسطينية "المطلوبة اسرائيليا"، فهي تحمل شعار دولة الاحتلال «إسرائيل»، وشعار المنطقة الوسطى للجيش الإسرائيلي ( المشرفة على الضفة الغربية عسكريا)، وشعار الإدارة المدنية الإسرائيلية المسؤولة عن متابعة احتلال الضفة الغربية ومصادرة الارض وهدم المنازل الفلسطينية، ثم شعار الشرطة الإسرائيلية، واخيرا في أسفل اللوحة تقبع كلمة «مؤتمر فلسطين للاستثمار» كإشارة وحيدة يتيمة توحي «بفلسطينية المشروع»، ولعل غلاف الكتاب يشير الى مضمونه، فأي تنمية هذه التي تتم برعاية الاحتلال وتحت هيمنته، وهل يمكن لهذا النوع من التنمية ان تحقق استقلالا وطنيا في مواجهة مشروع صهيوني استيطاني اقتلاعي احلالي؟.
ما بين الدولة الوهمية وتجارة التنمية يضيع الوطن...
يبدو الكاتب خليل نخلة في دراسته واضحا كل الوضوح عنما يشرح انه لا يعنيه في تحليله للتنمية هنا مسألة “تشكيل الدولة في فلسطين تحت الاحتلال، بل ان ما يهمه هو كيفية المشاركة في تنمية المجتمع الفلسطيني تنمية حقيقية تؤدي إلى تعزيز صلابته في مقاومة الاحتلال، وتحرير نفسه من القيود التي يفرضها عليه الوضع الراهن، وهو ما يشكل برأيه أعلى درجات النضال القومي والإنساني التي ينبغي أن يشارك فيه جميع الفلسطينيين، وخاصة تلك الفئات التي تمتلك كما هائلا من الموارد.
انه يسعى عبر هذه الدراسة لتحليل الأسباب الكامنة وراء التناقض القائم بين الحديث والكلمات التي تبدو في ظاهرها “قومية” و“وطنية”، وما يجري على الأرض من تعزيز لقبضة الاحتلال الاستيطاني، والسعي الحثيث لتطبيع العلاقات مع هذا الاحتلال، والكاتب يؤكد مرة اخرى انه لا يهتم في هذه الدراسة ببيان عوار “الدولة الوهمية” التي يسعى الرأسماليون الفلسطينيون ونخبة أوسلو من سياسيين ومفكرين الى اضفاء طابع الشرعية عليها، والتي يعملون على تأسيسها في ظل الاحتلال الاستيطاني، كما لا يهمه نقض ادعاءاتهم - المشكوك في صحتها اصلا- بأن انشاءها هو أمر ممكن التحقيق ، ولكنه يريد عبر تحليله هذا توضيح أن الطبقة الرأسمالية الفلسطينية- المتحالفة مع نخبة اوسلو- هي بطبيعتها وفي المقام الأول طبقة غير ملتزمة وغير معنية وغير قادرة على “تطوير” نوع من المجتمع المتماسك اللازم لمقاومة الاحتلال والتخلص منه، وان همها الأساسي هو إطلاق المشاريع الرأسمالية الاستهلاكية والإبقاء عليها والتوسع فيها عبر نشر ثقافة الاستهلاك، والاستهلاك المترف، وذلك بالتعاون مع هياكل الاحتلال المادية والبشرية والاقتصادية، وبالتالي فهي تساعد واقعيا بترسيخ وادامة الاحتلال ولكن تحت مسميات مختلفة، كما أن الادعاءات المتكررة بأن هؤلاء الرأسماليين الفلسطينيين يمثلون “دعائم” التنمية، وأن استثماراتهم المالية والتكنولوجية هي “محركها”، ليست سوى ضرب من الخيال، فما يجري التأسيس له ليس أكثر من تجارة تنمية، وصناعة تنمية، وشركات تنمية قابضة محدودة الضمان، وما يجري في الحقيقة ليس سوى الاندفاع للمذهب التجاري، وتعميق التفاعل النشط بين رأس المال، والنخب السياسية والمنظمات غير الحكومية والتمويل الدولي، وبرأيه ان كل مظاهر التنمية في مناطق السلطة الفلسطينية ليست سوى سراب يحسبه الظمآن ماء، وهو عبارة عن برنامج “تجارة تنمية معولمة” يشق طريقه ويستخدم في هذه المرحلة المناطق الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، مركزا له وحالة للاختبار، وفي “تجارة التنمية المعولمة” هذه، لا يمثل الرأسماليون الفلسطينيون وبيروقراطية أوسلو السياسية والفكرية المشرعنة لها، وهياكل المنظمات غير الحكومية التنموية” سوى وكلاء محليين ومقاولين من الباطن وسماسرة لمراكز رأس المال الغربي ووكالات التمويل عبر الوطنية المشار إليها مجازا “بالمانحين”.
بنية الكتاب: يتكون من خمسة فصول بالإضافة الى المقدمة والتمهيد
التمهيد: يوضح الكاتب انه يعتبر هذا التمهيد اعترافا شخصيا، فهو كان محورا اساسيا في المنظومة التي يوجه سهام نقده لها، حيث عمل مديرا للبرامج في مؤسسة التعاون الفلسطينية في جنيف منذ تأسيسها في العام 1984 حتى العام 1992، وعمل مستشارا لمكتب المفوضية الأوروبية في القدس، ومشرفا على برامج الاتحاد الأوروبي في قطاع التربية والتعليم لفترة ثماني سنوات، كما أسس وعمل رئيسا للهيئة الوطنية للاعتماد والجودة والنوعية لمؤسسات التعليم العالي في فلسطين، في وزارة التربية والتعليم العالي حتى العام 2004، وعمل - لاحقا- رئيسا لفريق “مؤسسات” لتعزيز حقوق الإنسان والحكم الرشيد في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 لتنسيق دعم أربع دول أوروبية في هذا المجال.
وهو يوضح انه استفاد شخصيا مدة تصل الى عشرين عاما من أساليب العمل نفسها التي يقوم بانتقادها في هذا الكتاب، حيث "بقيت في هذه المناصب طالما استطعت البقاء فيها لأنني كنت بحاجة إلى الراتب الذي كنت أتقاضاه"، غير أني" سمحت لنفسي التأمل في هذه التجارب المتراكمة، واستخلاص النتائج الضرورية منها بالوضوح والجدية اللازمين وتعميم ما أعتبره بالفوائد المتراكمة".
مقدمة الكتاب جاءت بعنوان: "نحو تنمية تحررية مرتكزة على الناس"
وفيها يوضح مقاصد التنمية التحررية المرتكزة على الناس” ، حيث تستهدف “المجتمع بأسره من أجل تقوية وتعزيز الموارد المحلية للمجتمع، وذلك من خلال التركيز بشكل أساسي على الإنتاج المحلي بدلا من الاستهلاك، وهي بذلك تقود المجتمع إلى الاعتماد على الذات، وإلى حماية الموارد المحلية والبشرية وزيادتها إلى أقصى الحدود الممكنة.
بهذا المعنى، فهي تهدف إلى تحرير عقول الناس وأجسادهم من الظلم الخارجي والسيطرة والهيمنة، ومن القمع الداخلي وإساءة المعاملة والاستغلال والفساد والانحراف، ومن إمكانية النفاذ إلى مصادر القوة بالاعتماد على الامتيازات بطرق ملتوية، والتنمية التحررية المرتكزة على الناس تستهدف الفقراء، لا كأدوات لها، بل باستهداف الأسباب التي تجعل الناس فقراء وتسعى للقضاء على تلك الأسباب، وهي في جوهرها مقاربة تقرير مصير وتحرر اجتماعي وسياسي؛ وهي على هذا النحو، وحتى تصبح ممكنة، فإنها تهدف بالدرجة الأولى إلى مقاومة وإنهاء الاحتلال والاستعمار والسيطرة الأجنبية والفصل العنصري السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي الممارس داخليا.
والكاتب يُقِر انه لم يبدأ مشروع تأليف الكتاب بالاستنتاج الذي وصل اليه في النهاية، وهو يوضح انه" كلما تعمقت أكثر بالموضوع، ازدادت قناعتي بأن ما قمنا به، منذ بداية ما يعرف “بعملية السلام”، تحت مسميات “التنمية”، كان مجرد أسطورة متكاملة وخداع وهمي للذات، فالمبالغ الهائلة التي خصصها “المانحون ” للضفة الغربية وقطاع غزة منذ عام 1994 كانت مساعدات سياسية غير تنموية، بمعنى أن هدفها العام كان دائما، ومنذ البداية، ضمان نجاح واستمرارية عملية أوسلو السياسية، وهذه المساعدات جاءت لتضمن أن السلطة الفلسطينية والتي هي من “صنع أوسلو” تتبنى التسوية السلمية المتفاوض عليها، وتذعن لأجندة اسرائيل والغرب السياسية والاقتصادية، المفروضة علينا، وتبني على الأرض مؤسسات السلطة الفلسطينية الوهمية والمصطنعة كرموز “لكيان سيادي صوري.
وبحكم خبرته العملية، واطلاعه عن كثب على واقع الامور، فانه يقول ان هناك تحالفا ثلاثيا – تشكل وترسخ بحكم الواقع- يتكون من: النخبة السياسية الرأسمالية الفلسطينية، والمنظمات الفلسطينية التنموية غير الحكومية، ووكالات المساعدات عبر الوطنية، هذا التحالف عمل على ترسيخ “اسطورة التنمية، وروج لفرضية داخلية مفادها عدم وجود أي تناقض بين الاحتلال الاستيطاني و”التنمية الاقتصادية ” وكلما ازداد التقارب بين أطراف هذا التحالف الثلاثي أصبحت ادعاءات التنمية الرسمية أكثر أسطورية وخداعا.
وللتدليل على رؤيته فهو يقدم براهين عديدة تعتمد على ثلاثة مرتكزات:
يتمحور المرتكز الأول على العلاقة بين التنمية التحررية المرتكزة على الناس والرأسماليين، فهؤلاء لن يغامروا بأموالهم في استثمارات لتحقيق تنمية مالم يكونوا متأكدين بأن النتائج المتوقعة لتدخلاتهم المالية ستعزز فرصهم في زيادة ثرواتهم.
أما المرتكز الثاني فيتمحور حول العلاقة بين التنمية التحررية المرتكزة على الناس والسيادة في ظل الاحتلال العسكري والاقتصادي الاستعماري المستمر والفصل العنصري، فالإذعان لنظام مستمر من الاحتلال، سواء كان مفروضا بشكل مباشر من قبل قوة الاحتلال الاستعمارية نفسها، أو من خلال نظام السيطرة المبني على التعاقد من الباطن الممارس من قبل الفلسطينيين أنفسهم، يتناقض مع مقولة تنمية الشعب والمجتمع الفلسطيني، لذا فإن القضاء على الاحتلال الاستيطاني والفصل العنصري، المباشر منه والمتعاقد عليه، يصبح شرطا ضروريا لتحقيق التنمية.
اما المرتكز الثالث فيتمحور حول العلاقة بين التنمية التحررية المرتكزة على الناس والاعتماد بشكل كلي على الموارد المالية الخارجية، هذا التناقض الكامن بين الاعتماد الفلسطيني المطلق على المساعدات الدولية الغربية، والتوقع الرسمي بأن تؤدي هذه المساعدات المالية، ومصدرها الأساسي هو الحكومات والوكالات الغربية، إلى تطوير وتحرير الشعب والمجتمع الفلسطيني وانتشاله من الفقر والإفقار الذي صنعه نظام الاحتلال الاستيطاني المفروض على هذا الشعب، وهو النظام نفسه الذي يتم دعمه وضمان استمراريته من قبل هذه المصادر نفسها، إنها بامتياز مساعدات سياسية تقدم للفلسطينيين بهدف الإذعان والخضوع لأجندة وبرنامج سياسي مفروض عليهم، إنها تكبل المجتمع بأسره بالأغلال وتضع الأجيال المقبلة رهينة الديون السياسية والاقتصادية، وهي بالتأكيد ليست مساعدات تهدف إلى تحفيز وزيادة القدرات الإبداعية المحلية والمنتجة والتي إن وجهت وتم الاستفادة منها بشكل صحيح، ستعمل ضد التفتيت المجتمعي، وسوف تؤدي في النهاية إلى وطن وثقافة الاستقلال الحقيقي، إنها مساعدات تركز على الاستهلاك وعلى جعل الناس رهائن، إنها مساعدات معادية للإنتاجية والتحرر.
الفصل الأول: أفكار للعمل متطلبات إرساء بيئة مؤاتيه للتنمية التحررية المرتكزة على الناس في فلسطين
في هذا الفصل يطرح الكاتب بعض افكاره الاساسية المبنية على رؤى نظرية مسبقة، وايضا على تجربة عملية من قلب الحدث، وقد خصص جزءا من الفصل لمراجعة الأدبيات النظرية والتي يستند اليها الكاتب للانطلاق في تحليله عن واقع القضية الفلسطينية بعد اوسلو، ويركز الكاتب هنا على موضعة واقعنا الراهن في سياقه المعولم، وكيف أننا في فلسطين، كما هو الحال بالنسبة لبقية ما يسمى بالعالم الثالث، نخضع ونتأثر بنفس قوى العولمة، بخاصة المؤسسات المالية ونهج الحكم، ولاسترجاع سيطرتنا على مواردنا ومستقبلنا فهو يطرح أفكارا للعمل واقتراحات لتوجهات ضرورية لتأسيس قاعدة سليمة لبيئة التنمية التحررية المرتكزة على الناس في فلسطين.
الكاتب هنا عبر بصراحة عن ايمانه بان" السلطة الفلسطينية تم اختراعها لتكون نموذج تحكم للتجريب وإعادة الهندسة، وستكون قابلة للتكرار في اماكن اخرى من العالم من قبل الاطراف التي اخترعتها، ويبدو أن جوهر هذه التجارب يدور حول السؤال التالي: كيف يمكن إعادة تشكيل وقولبة “دولة وطنية” ملفقة ومنزوعة السيادة لتصبح بحجم شركة حديثة يمكن السيطرة عليها، ويديرها كبار المدراء التنفيذيون “السياسيون”، وفئة المنظمات غير الحكومية التي أعيد تصميمها، ويحافظ على بقائها جهاز أمن جيد التدريب.
وقد بذل جهدا كبيرا للإجابة عن السؤال المركزي الذي طرحه في هذا الفصل وهو: كيف ولماذا أصبحنا نعتمد على “المساعدات” التي تقدمها الشركات العابرة للحدود ؟وكيف أعيد استعمارنا من قبل هذه المساعدات؟ مبينا ان الاعتماد على المعونات في مناطق السلطة الفلسطينية اخذ بالتزايد منذ نشأتها، حيث صنفت مناطق السلطة الفلسطينية في العام 2006 كأكثر بلدان العالم اعتماداً على المساعدات، كما أنه على الصعيد المحلي، من حيث الإدراك والسلوك، يبدو أنه ثمة اعتماد كلي على المساعدات الخارجية يقوّض أية مبادرة للعمل المحلي، ولقد تم السماح للمعونة الخارجية أن تتمتع بما يشبه سلطة السيطرة الاستبدادية، وبالتالي الخضوع لمصادر هذه المساعدات، وهي دول الكتلة الرأسمالية.
ويلاحظ نخلة انه على الرغم من حجم المساعدات الخارجية الذي تم ضخه، الا أنه كان من المستحيل تقريبا تتبع أي أثر تنموي إيجابي لهذه الموارد التي تم تجنيدها على أرض الواقع، وهو يفسر هذا الامر بالمتغيرات الجديدة المفروضة، فقد أصبحت اتفاقات أوسلو التي أقرتها مراكز رأس المال الغربية بديلا عن التحرر من الاحتلال، وتم الاستعاضة عن معارضتنا الإبداعية التاريخية الثورية ضد الظلم والاحتلال ب“معارضة محكمة” يسارية ممولة جيدا ومدجنة، كما إن وجود وكالات الإغاثة الحكومية والتجارية والعابرة للحدود من خلال التمويل قد أصبح له دور سلطوي استبدادي، وأصبح بديلا للحكم المحلي، والمنظمات غير الحكومية “التنموية” المهنية والإدارية غير المسيسة والمعاد تسييسها والتي تم اختراعها واستدامتها من قبل وكالات الإغاثة الحكومية والعابرة للحدود اصبحت بديلا عن القاعدة الشعبية الشاملة والحركات الاجتماعية والاقتصادية المسيسة، وأصبح النمو الاقتصادي الآلي والقابل للقياس بديلا عن التنمية المرتكزة على الإنتاج، كما بات الاعتماد على رواتب وظائف القطاع العام التي تم اصطناعها بديلا عن القطاع الإنتاجي الذي يولد فرص عمل مستدامة، وأصبحت الاستثمارات الرأسمالية في احتكارات الاستهلاك والخدمات المقبولة لدى الاحتلال والمعتمدة على التعاون معه، بديلا عن المؤسسات الصغيرة الإنتاجية الأصلية المستدامة.
الفصل الثاني: طبقة الرأسماليين الفلسطينيين: ودورها في إعاقة تطور البيئة المواتية للتنمية التحررية المرتكزة على الناس
يتناول الفصل الثاني تحليل دور الرأسماليين الفلسطينيين في الاستثمار في مناطق السلطة الفلسطينية، وفتح هذه المناطق لاستثمارات رأس المال الأجنبي، وبالتالي يركز هذا الفصل على دورهم في إعاقة “التنمية التحررية المرتكزة على الناس” من خلال تعاملهم وتواطؤهم مع النخب السياسية وهيكليات الاحتلال.
يهتم الكاتب بالبحث في التفاعل الحاصل بين السياسة (منظمة التحرير /السلطة الفلسطينية) والرأسماليين، باعتبار أن هذين المكونين قد أصبحا من المقومات الرئيسية للطبقة الفلسطينية البرجوازية الحاكمة منذ أن تحولت منظمة التحرير من حركة “ثورية” في منتصف السبعينات إلى طبقة سياسية – برجوازية حاكمة في منتصف التسعينات من أواخر القرن الماضي مع تأسيس السلطة الفلسطينية، كما يهتم الكتاب بإبراز كيف أن المصالح المهيمنة للطبقة الآخذة بالصعود تضعها في تحالف تام مع المصالح المالية – السياسية الإقليمية، بما في ذلك إسرائيل والدول العربية.
يركّز هذا الفصل ايضا على عملية التفاعل بين الرأسماليين الفلسطينيين، خصوصا أولئك الذين هم في “الشتات”، ونخبة منظمة التحرير/السلطة الفلسطينية السياسية، بحيث حاول كل منهما من خلالها زيادة قاعدة ربحه السياسية، أو الاقتصادية، أو الرمزية، وعلى مدار آخر20 -30 سنة من التاريخ الفلسطيني يتعمق التحليل في عملية التفاعل هذه بين الرأسماليين الفلسطينيين والنخبة السياسية الحاكمة ليُظهر بأن ما يحدث هو “تجارة تنموية” أو “صناعة تنموية” يزيد الرأسماليون من خلالها فرصهم بالربح باعتبار أنهم يضفون طابع الشرعية على موقف الطبقة السياسية الحاكمة الميّال إلى استمرار الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي لهذا الجزء من فلسطين الضفة الغربية وغزة وتطبيع العلاقات معه ويعززونه، وفي هذه العملية، يصبح الحكم الذاتي التابع مقبولا ومبررا؛ ويتم إلغاء وإعادة تعريف حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة؛ ويتحول المجتمع نفسه إلى مجمّع من العمّال المفقرين والمسيطر عليهم؛ كما ويتم تقويض وتجاهل استخدام الأرض كمصدر إنتاج زراعي؛ ويجري تحديد طاقة أبناء البلد والمبادرات التطوعية من خلال كمية أموال “المانحين”؛ وتتحوّل “التنمية” الحقيقية للمجتمع الفلسطيني إلى أسطورة راسخة بعمق.
تشرح الدراسة في هذا الجزء - بشكل خاص- كيف ازدهرت استثمارات فئة صغيرة مؤثرة من رأسماليي الشتات في المناطق التي تخضع للسلطة الفلسطينية كجزء من “صفقة أوسلو” في تعاون وثيق مع، وتحت جناح، قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الخانعة والتي سبق لها وأن قدّمت التنازلات.
عاد بعض فلسطينيي الشتات إلى المناطق الفلسطينية؛ وبقي البعض في الخارج، لكن بما أن هذه عملية عابرة للحدود يغذّيها رأسمال عابر للحدود، لم يعد مهما سواء عاد الرأسماليون إلى الضفة الغربية وقطاع غزة أم لم يعودوا، لقد نجحوا في هذه العملية بدعم من الرأسماليين الآخرين الذين بقوا في الشتات، والرأسماليين أبناء البلد، والبلاد الغربية “المتبرّعة”، والوكالات المالية العالمية، فقد اتحدوا في بيع وإعادة شراء فلسطين “بالمفرق”؛ وحوّلوها إلى مزارع خاصة لهم؛ ورهنوا أجيال المستقبل بفرص عمل استعبادية ورخيصة الأجر، وجعلوهم معتمدين بشكل كلي على الاحتلال المتواصل، وعلى الاقتصاد الإسرائيلي والهبات المالية الدولية، وأصبحوا يوصفون، هم وداعميهم، والمستفيدين، والمتبرعين في بيروقراطية السلطة الفلسطينية الفاسدة، برافعة “التنمية” الاقتصادية المستقبلية لفلسطين ومحركيها.
الاستهلاك المغري والمعولم على حساب الإنتاج المحلّي
يركّز الكاتب بالتفصيل على بعض المشاريع الاقتصادية المختارة التي أقيمت في سياق “عملية أوسلو” باعتبارها عنوان “للسلام الاقتصادي” المقترح والمفروض، بمبادرة من الرأسماليين الفلسطينيين والصهاينة والإقليميين، جميع هذه المشاريع كان مبنيا على اعتقاد خاطئ هو، أن “وضع الاحتلال” غير قابل للتغيّر، أي أن الاحتلال مستمر، لذا فإن أنجع الطرق الفعالة لتحقيق “التنمية الاقتصادية” في المناطق الفلسطينية المحتلة هي من خلال وجود تنسيق إيجابي ومتبادل مع هيكل الاحتلال.
مع سيادة هذا الاعتقاد، تكتسب مفاهيم “الأمة”، والاستقلال”، و“بناء مؤسسات الدولة”، و“الأمن” و“التنمية”، إلخ.. معان “أورويلية ( نسبة لرواية جورج اورويل 1984)، اي عكس معانيها تماما، وتحمل في ثناياها نقيضها المتأصّل بها، وللوصول إلى هذا الغرض، تمّ اختراع وتطوير معجم جديد، يركّز، بالمبدأ، على الكيفية التي تمكن الرأسماليين والمؤسسات من النجاح في جذب الاستثمارات من أجل “تنمية فلسطين بالتعاون مع، وبدعم من، الاحتلال”.
إذن، ووفقا لمعجم المفاهيم “الأورويلي”، والمعدّ حديثا، يصبح التنسيق والتعاون مع هياكل الاحتلال، من أعلى المستويات السياسية وصولا إلى القادة العسكريين المحليين، من خلال مشاريع مشتركة مع رأسماليين صهاينة، يصبح شرطا مسبقا مرحّبا به من أجل قيام مشاريع ناجحة، علاوة على ذلك، تصبح جميع “الوسائل الاقتصادية” المتاحة التي يمكن أن تولّد استثمارات مربحة، سواء كانت خاصة أو عامة، وسائل متاحة ومسموح بها ويتم التشجيع على استخدامها، وكلما كانت هذه الوسائل مشكوك بها وقابلة للفساد كلّما كانت أفضل وأكثر نجاحا، وتصبح جميعها على رأس “العمل الوطني الملتزم”.
ملخص هذا الفصل الهام هو تحليل طبيعة طبقة الرأسماليين الفلسطينيين ودورها في إعاقة “التنمية التحررية المرتكزة على الناس”، وتسلسل التحليل يظهر كيف أن استثمارات الرأسماليين الفلسطينيين، تحت ادعاء تنمية المجتمع والاقتصاد، تحبط إنتاج بيئة موائمة “للتنمية التحررية المرتكزة على الناس”، ولإبراز الدلائل لتدعيم هذا الادعاء، يركز التحليل على التحالفات بين الرأسماليين والنخب السياسية المشوهة التي أفرزتها عملية أوسلو، وعلى تعاملهم وتطبيع علاقاتهم مع الرأسماليين الإسرائيليين- الصهاينة لكي يحافظوا على سيطرتهم على الاحتكارات الأساسية في مجال الخدمات، والمشاريع الاستهلاكية، والعقارات ومشاريع الإسكان، والمؤسسات المالية، والمناطق الصناعية الحدودية، والخصخصة في مجالات العمالة الواقعة تحت هيمنة الاحتلال.
ما يبدو واضحا من هذا التحليل بأن استثمارات طبقة الرأسماليين لم تركز على مشاريع إنتاجية أساسية، ولم تبد أي اهتمام في معالجة أسباب الفقر المتزايد، على العكس من ذلك، فقد تم التطرق إلى دفع الاستثمارات بتلهف نحو استحداث مؤسسات وآليات توفير أموال ومؤسسات شبه مالية للإقراض السريع، وهو الامر الذي فتح المجال على مصراعيه لزيادة مديونية الشخص العادي والأسر والمجتمع بأكمله، كما أن التحليل يؤشر إلى أن معظم الأرباح الناتجة عن هذه الاستثمارات يتم تحويلها إلى خارج فلسطين، ولا يعاد استثمارها في مشاريع تنموية عامة في فلسطين، لمنفعة الناس وتحت إشرافهم.
الفصل الثالث: المنظمات غير الحكومية الفلسطينية والمنظمات العابرة للحدود
هذا الفصل يركز على دور المنظمات غير الحكومية (الأهلية) “التنموية”، التي أفرغت من مضمونها السياسي الوطني لتقوم بدور الوسيط أو “السمسار” لوكالات التمويل عبر الوطنية، وتحل محل الحركات الاجتماعية القاعدية، ويتمحور التحليل في هذا الفصل على الاتجاهات الناشئة من استحداث المنظمات غير الحكومية “التنموية” من قبل وكالات الدعم عابرة الحدود الوطنية من حيث التأثير المضر على تطور بيئة حاضنة للتنمية التحررية المرتكزة على الناس.
بعد ان يؤكد الباحث بأن البيئة المواتية “للتنمية التحررية المرتكزة على الناس” تسعى لتدعيم وتقوية الموارد الذاتية في المجتمع؛ وتهدف إلى تطوير قناعة وثقافة الاعتماد على الذات، وتعظيم الاعتماد على الموارد البشرية الأصيلة، وتحرير الناس من القمع والاستعمار والهيمنة الخارجية، ومن الاستغلال والفصل العنصري الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الداخلي، وبهذا، فإنها تحصن نسيجا مجتمعيا منيعا وصلبا.
من خلال التحليل الدقيق لعدد من دراسات الحالة، تظهر الدلائل التراكمية في هذا الفصل الدور المباشر للدعم السياسي الخارجي في التركيز على تطوير المنظمات غير الحكومية “التنموية” كالمكون الرئيسي للمجتمع المدني، وتغييب وتهميش وتجزئة المكونات الضرورية الأخرى لمجتمع مدني متماسك، أي الأحزاب السياسية، النقابات العمالية الفاعلة، الحركات الاجتماعية القاعدية، ووسائل الإعلام المستقلة، وكون هذه المنظمات غير الحكومية “التنموية” “المهنية”، “اللاسياسية” تعتمد كليا على الدعم الخارجي لاستمراريتها، وتصر على حصرية الاستفادة من مصادر الدعم هذه، وعلى لعب دور “الوسيط” من الباطن، فإن هذه المؤسسات تقوم بدور خطير في إحباط تحقيق بيئة مؤاتيه للتنمية التحررية المرتكزة على الناس.
الفصل الرابع: سماسرة " المساعدات" ، "التنمية " المُتخيلة وتجريد التنمية من مضمونها (مؤسسة التعاون الفلسطينية كمثال حي)
يقدم الفصل الرابع تحليلا جزئيا تفصيليا (micro-analysis) لسماسرة التمويل المؤسساتية من خلال التركيز على دور “مؤسسة التعاون” الفلسطينية كمثال حي، ويهتم اهتماما خاصا بتغير دور مؤسسة التعاون منذ انتقالها إلى المناطق الفلسطينية الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، ويتم تقديم مؤسسة التعاون باعتبارها حالة حقيقية لمنظمة دولية غير حكومية ومحلية في نفس الوقت يتداخل فيها إلى حد بعيد دور المؤسسين الرأسماليين الفلسطينيين، الذي تم تحليله في الفصل الثاني، وادعاءاتهم “التنموية” ودور المؤسسة المبتدع كقناة لتمرير الدعم الدولي.
يظهر التحليل كيف أن السمسرة المؤسساتية لوكالات التمويل الخارجي تعيق بالفعل عملية التنمية التحررية المرتكزة على الناس، من هذا المنظور، يوضح التحليل، بشكل لا لبس فيه، أن مؤسسة التعاون لا تتميز عن بقية المنظمات غير الحكومية “التنموية”، كون هويتها الأصلية فلسطينية وتمويلها الأساسي فلسطيني، لقد تم اختراع مؤسسة التعاون على يد رأسماليي الشتات كمؤسسة أو جمعية “تنموية” عامة، خارج فلسطين، قبل تأسيس السلطة الفلسطينية، غير أنها كانت قد طمحت، طوال الوقت، أن تصبح مؤسسة فلسطينية وطنيّة ذات وجود فعلي على أرض فلسطين، وقد تحقّق لها ذلك بعد العام 1994، بفضل “عمليّة أوسلو”، التي اشترك فيها عدد من مؤسّسي التعاون الرئيسيين وذوي النفوذ فيها، وكان لهم دور فعّال في حثّ عرفات على قبول البرنامج الأمريكي – الإسرائيلي المفروض.
تجمع مؤسسة التعاون، من خلال تطوّرها الخاص ووجودها وعملها الفعلي الحالي على الأرض، عدداً من العناصر الرئيسية التي تم تحليلها في هذا الكتاب، وهذا ما يبرّر استخدامها كحالة دراسية مفصلة، منذ تأسيسها رسميّا كمنظّمة عون “تنموية” فلسطينية في سويسرا عام 1983، من قبل الرأسماليين الفلسطينيين في الشتات، استمرت مؤسسة التعاون في القيام ب“مهمتها” التنموية معتمدة على الوقفية التي راكمتها بقيمة 75 مليون دولار، إضافة إلى ذلك، تعمل اليوم، بالمقام الاول، كوسيط للمساعدات لصالح 25–30 وكالة إغاثة عالمية، رغم ذلك، فإنها تفضّل أن تسمّي هذا الدور بتعظيم دور وكالات المساعدات الدولية، ويمكن توزيع هذه الوكالات، لتسهيل الرجوع إليها، إلى خمس فئات: تتضمن الفئة الأولى الوكالات الرسمية للحكومات الغربية، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، والاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وسويسرا، والنمسا، وتتضمن الفئة الثانية وكالات الشركات العابرة للحدود القومية، وبشكل أساس، مؤسسة فورد والبنك الدولي، أما الفئة الثالثة فتتضمن الوكالات العربية والإسلامية الإقليمية والعالمية الرئيسة: الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، وبنك التنمية الإسلامي، وصندوق النقد العربي، وبرنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية (AGFUND)، والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا (BADEA)، وصندوق أوبك للتنمية في فيينا، وتشمل الفئة الرابعة بعض الجمعيات الخيريّة في المملكة المتحدة، من بينها مؤسسة كريم رضا سعيد، صندوق الأميرة ديانا التذكاري، وغيرها، وتتضمن الفئة الخامسة وكالات الأمم المتحدة، بما فيها اليونسكو، والأسكوا، والأنروا.
تعمل مؤسسة التعاون على صعد مختلفة، وكلها تصب في خانة تعزيز وترسيخ خرافة القدرة على تحقيق “تنمية” مستقلّة تحت الاحتلال في كيان تابع، غير سيادي، يسمى “السلطة الفلسطينية”، وهي تعمل على فرضية تقول: أن بإمكان رأس المال التأسيسي ومصدره الرأسماليون الفلسطينيون والذي ازداد ثلاثة إلى خمسة أضعاف بسبب الأموال التي دفعت من قبل وكالات التمويل الرسمية الغربية، والعربية، والإسلامية، أن يخفف من الفقر، وأن “يطوّر” المجتمع الفلسطيني الممزّق والمحتل في إطار “الحكم الذاتي” المتخيل.
وبالإضافة لكون مؤسسة التعاون بالأساس قناة تمويلية لوكالات التمويل الحكومية والإقليمية والعالمية الرسمية التابعة للحكومات الغربية والعربية والإسلامية، فمن الواضح أنها أيضا وكالة تمويلية لبعض صناديق الرأسماليين الفلسطينيين، التي تستخدم خصيصا “للتنمية” الاقتصادية – الاجتماعية المريحة”، وتعمل على إضفاء صورة المسؤولية الاجتماعية والالتزام الوطني والقومي على أعضائها من الرأسماليين، كما يوجه هؤلاء الرأسماليون الفلسطينيون المسؤولون عن تأسيس مؤسسة التعاون استثماراتهم الاقتصادية الهامة لشركاتهم الخاصة والتي كانوا قد قرروا بتصميم إنشائها كشركات احتكارية.
وحسب تحليل الكاتب فان السلطة الفلسطينية شجعت الرأسماليين الفلسطينيين وتواطأت معهم، لإنشاء هذه الشركات الاحتكارية بعد العام 1994، ويشرح الكاتب انه بالنسبة لبعض أعضائها من الرأسماليين الفلسطينيين فانهم ينظرون إلى مؤسسة التعاون كرديف للمؤسسات والجمعيات الخيرية المعفاة من الضرائب والتي أنشأت برأس مال تجاري أميركي، مثل مؤسسة فورد، وروكفلر، ومؤسسة المجتمع المفتوح، وغيرها، وحسب تعبيره فهذا يساعد على حرف الانتباه بشأن كيفية جمع هذه الأموال بالمقام الأول، والمواقف الوطنية الخيانية التي سهلت جمعها!.
الفصل الخامس: تأملات نظرية، مسرد بالتعليقات التوضيحية
في الفصل الخامس والأخير يهتم د خليل نخلة بعرض النظريات والتعليقات التوضيحية لإبراز المفاهيم التي إرتكز عليها في دراسته، ويوضح انه في هذا الكتاب ركز تحليله حول جوهر الفكر النقدي الاجتماعي اليساري، واستنادا الى تحليلاتهم التي فككت قواعد الهياكل الاستعمارية في العالم غير الغربي- الجنوب أو ما اصطلح على تسميته بالعالم الثالث، تمكن الباحث من تطوير فهم أوضح للآليات الاستعمارية في الهيمنة السياسية على الشعوب التي سلبت منهم القوة تحت تأثير القمع السياسي والاقتصادي، كما تمكن من استيعاب وتحليل أن ظاهرة استعمار الناس لم تكن نزوة من نزوات التاريخ حدثت في مرحلة تاريخية من اجل تسريع عملية نهب المصادر الطبيعية وثروات الدول غير الغربية من قبل القوى الغربية، ثم انتهت، بل ان هذه الظاهرة هي عملية إهلاك وإبادة اجتماعية مستمرة يتم تحقيقها بنجاح من خلال استخدام الوسائل العسكرية وغير العسكرية على حد سواء، تستهدف جميع فئات الناس المحرومين وغير المتمكنين والفقراء، سواء كانوا خارج الحدود المادية الوطنية للقوى الاستعمارية، أو داخل حدودها مثل الأميركيين الأصليين في أمريكا الشمالية والجنوبية، والفلسطينيين الموجودين في أرضهم.
واعتمادا على هذه التحليلات النقدية، توصل الباحث إلى قناعة مفادها أن الحدود السياسية “الوطنية” ليست فقط حدود قابلة للتغيير، بل انها ايضا قد اصبحت تحت وطأة الموجة الحالية من إعادة الاستعمار من جديد، حدودا بلا أي معنى أو أهمية، فمفهوم "المركز" و "الاطراف"، الذي يتصور حدودا ثابتة تفصل الشمال عن الجنوب، أصبح اليوم مفهوما قابلا للتشكل، فلقد عمل الشمال على توليد جنوبه الداخلي، وشكل الجنوب طبقة رقيقة من المجتمع المندمج كليا في اقتصاد الشمال.
ويعتقد الكاتب ان هذا المفهوم مناسب جدا للتحليل الحالي الذي يتناوله هذا الكتاب، خاصة وأنه يتعلق بعملية إعادة الاستعمار المالي والثقافي، من خلال وكلاء محليين ووكلاء من الباطن ممولين تمويلا جيدا للقيام بعملية التنفيذ، وعلاوة على ذلك، يتعلق هذا المفهوم مباشرة بالهجمة المنهجية المنظمة والممولة جيدا، التي تستهدف “إعادة هندسة” وعينا الوطني كشعوب مستعمرة، وكشعوب وعيها لذاتها قد حددته مسبقا سياسات الفصل السياسي والاقتصادي والاجتماعي العنصري الذي نعيشه اليوم، ولعل أهم وكلاء هذه العملية هم مثقفو واكاديميو الجنوب- الشمال، والشمال- الجنوب التابعون؛ وقيادتنا من النخب السياسية الخاضعة التي نصبت نفسها علينا، وكذلك وكالات التمويل الغربية عبر الوطنية، والدول التي تشجع وتمول الانشطة التي تهدف إلى تطبيع العلاقات والصلات مع هيكل الاحتلال الإسرائيلي، من أجل إضفاء الطابع الإنساني عليه، والعمل بالتالي، على جعله مقبولا كشريك حميد شرعي، وهو ما يمثل تناقضا تاما ومطلقا لمفهوم "التنمية التحررية المرتكزة على الناس".