هل يتجه الفلسطينيون نحو مبدأ الصمود ؟!

الفلسطينيين بعد انتخابات 2022

 

مركز أبحاث الامن القومي الاسرائيلي - جامعة تل ابيب 

-------------------------------------------------------

لم تفاجئ نتائج انتخابات الكنيست الإسرائيلي الخامس والعشرين الفلسطينيين. وباعتبارهم من المتابعين  المهتمين جدا  للأحداث في إسرائيل ، فقد أدركوا التغيير الذي يحدث منذ أكثر من عقد في موقف المجتمع الإسرائيلي من القضية الفلسطينية والزيادة المستمرة في قوة الأحزاب المعارضة للتسوية السياسية. عززت النتائج بالفعل التقديرات  التي كانت تتبلور في هذه السنوات بين كثير  من الفلسطينيين ، والتي تقول : لن تعترف إسرائيل أبدًا بالفلسطينيين كشعب وبحقهم في تقرير المصير. ترفض إسرائيل حل الدولتين وفي أفضل الأحوال ستوافق على حكم  ذاتي  فلسطيني موسع ،  ستستمر إسرائيل في إقامة المستوطنات في الضفة الغربية ولن تُخلي البؤر الاستيطانية في المنطقة ، التنسيق الأمني ​​هو  المسالة الاساسية بالنسبة لإسرائيل وليس التسوية السياسية. وإن القوى السياسية والاجتماعية الإسرائيلية التي تسعى إلى مأسسة العلاقات على أساس التعايش والسلام  أصابها الضعف الشديد ، فيما يتزايد خطر الانتقال من الصراع القومي إلى الصراع الديني.

 

التقارير المسربة من المفاوضات الائتلافية في إسرائيل ، والتي بموجبها تطالب الصهيونية الدينية  بنقل السيطرة  على الإدارة المدنية إليهم ، وإلغاء قانون فك الارتباط ، وتأهيل وتسوية وضع  البؤر الاستيطانية ، وضم المستوطنات ، ادت الى ارتفاع وتيرة الاصوات التي تنادي بالمصالحة الفلسطينية والوحدة. يتم تفسير هذه المطالب  من  معظم الفلسطينيين على أنها محاولة لتهويد الضفة الغربية والقضاء نهائيًا على فكرة  حل الدولتين ، والتي لا يؤمن بها معظم أعضاء الحكومة الإسرائيلية الجديدة ، الذين ينظرون الى السلطة الفلسطينية  باعتبارها مصدر إزعاج ،  يجب إزالته من الطريق.

 

ومع ذلك ، يبدو أن نتائج الانتخابات الإسرائيلية على وجه التحديد والخوف من أن تغلق الحكومة الجديدة الباب أمام الإنجازات السياسية للفلسطينيين  التي تحققت حتى الآن ، هي التي تمنح  السلطة الفلسطينية نوعا من الشعور بالارتياح  - مما يثبت جدوى  بقائها  ايضا  في مواجهة  عملية نزع الشرعية عنها والانتقادات الغير مسبوقة لسياساتها وأدائها على الساحة الداخلية. حتى المتحدثين المعارضين يقرون بالحاجة ، وهو أمر لا مفر منه في الواقع ، للتفاهم  أو التعاون معها. في ضوء نتائج الانتخابات ، بدأ محمود عباس أيضًا في الحديث عن اهمية  المصالحة الوطنية ، واجتمع عزام الأحمد ، ممثل فتح في  محادثات المصالحة ، في لبنان في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) مع المسؤول الكبير في حماس  موسى أبو مرزوق. الاقتراح  الذي قدمته السلطة الفلسطينية باللجوء إلى محكمة العدل الدولية من أجل تحديد ما إذا كانت السيطرة الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية ترقى إلى مستوى الضم ، والذي أيدته الأمم المتحدة ، حصل على  ردود فعل إيجابية  كثيرة حتى من حماس . كذلك إعلان مكتب التحقيقات الفدرالي FBI عن فتح تحقيق في وفاة الصحفية شيرين أبو عاقلة  . كما يعود الفضل للسلطة الفلسطينية في قرار اللجنة الثالثة للأمم المتحدة الذي ينص على أن للفلسطينيين الحق في تقرير المصير.

 

في النقاش  الداخلي الذي حصل بعد الانتخابات ، يتزايد الانشغال بمسألة الفائدة من استمرار الاعتماد على الخيار السياسي كمسار رئيسي لتحقيق الاستقلال الفلسطيني ، وتتزايد الاصوات الداعية للتخلي  عن الالتزام باتفاقات أوسلو ، والاستجابة للمطالب الشعبية بالمصالحة الوطنية بين المنظمات . صحيح أن النقاش  الحر والصاخب بشأن الحلول والسيناريوهات التي قد تخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية لا يملك في هذه المرحلة  امكانية ترجمته إلى إجماع  قابل للتنفيذ . ومع ذلك ، في ضوء  هذا الخطاب ومحاولات زعزعة استقرار السلطة الفلسطينية من قبل المنظمات الإسلامية المعارضة والمنظمات المحلية المسلحة في الضفة الغربية ، تبرز السلطة الفلسطينية ككيان لديه القدرة على التعامل بفعالية مع التحديات السياسية والدولية التي قد تضعها الحكومة الاسرائيلية في وجه الفلسطينيين . 

 

إن دراسة ثلاث عمليات يمر بها الفلسطينيون على مدى الثلاثين عامًا الماضية قد تجعلنا نعرف  كيف يمكن أن يواجهوا التحديات التي ستضعها امامهم  الحكومة الإسرائيلية الجديدة.

 

 * التسليم بوجود اسرائيل في المنطقة حصل على  تعبير عملي مع اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987 ، والتي عبرت في الواقع عن الاعتراف بضعف القوة الفلسطينية والاستعداد للعيش بشكل مستقل إلى جانب إسرائيل وليس في مكانها. بعد 29 عامًا ، في عام 2017 ، أدركت حماس أيضًا محدودية قوتها وقبلت مبدأ الدولة الفلسطينية على طول خطوط 67 ، وإن كان ذلك دون اعتراف وسلام مع إسرائيل ، مع المطالبة في الوقت نفسه بالحصول على الإجماع بشان  هذا الأمر.

 * الانتقال من عصر الثورة إلى بناء المؤسسات -  واصل ياسر عرفات الذي سبق عباس في رئاسة  للسلطة الفلسطينية ،  روح الثورة بعد توقيع اتفاقيات أوسلو وألحق ضررا بالغا  بامكانية التوصل لتسوية مع اسرائيل .  نائبه عباس عارض بشدة سياساته . وانتخابه للرئاسة عام 2005  رافقه شفافية كبيرة و عرض علني للسياسات التي ينوي اتباعها ، والتي عبرت عن التزامها الكامل باتفاقيات أوسلو و الاستعداد لتنفيذها نصا وروحا . خلال فترة عباس ، ويعود الفضل الاكبر لذلك لسلام فياض  ،  الذي شغل منصب رئيس الوزراء خلال السنوات السبع الأولى من رئاسته ، اعيد بناء النظام الفلسطيني على أسس مؤسسية وفاعلية  أكثر من ذلك النظام الذي اداره عرفات بشكل غير هرمي ومن دون توزيع واضح للوظائف والسلطات . 

*قبول الشروط الدولية  - تعتبر اتفاقيات أوسلو أهم إنجاز للفلسطينيين منذ أن بدأوا نضالهم ضد الوجود اليهودي في المنطقة.  تحقق هذا الإنجاز نتيجة  التزام منظمة التحرير الفلسطينية بقواعد اللعبة والقرارات الدولية التي تم رفضها حتى ذلك الحين. واليوم ، تستثمر حماس أيضًا الجهود ، وإن لم تنجح كثيرًا ، في تطوير نظام العلاقات الخارجية ، وهو ما يعبر عن ادراكها  الحاجة إليها .  وتعتمد أهمية الحفاظ على السلطة الفلسطينية إلى حد كبير في المحافظة على  استمرار الدعم الدولي ،  والسلطة على رغم ضعفها المستمر ، فهي حاليًا "البيت القومي  الفلسطيني".

لذلك ، إذا حاولت الحكومة الإسرائيلية الجديدة إعادة الساحة الفلسطينية إلى الواقع الذي سبق اتفاقيات أوسلو ، أو إعادة تعريف علاقتها معها بشكل يمكن  أن يفسره الفلسطينيون على أنه حكم ذاتي لا يسير نحو الاستقلال الكامل ، ستواجه نظامًا فلسطينيًا لن يوافق على التنازل عما حققه بالفعل ، وعلى التطلعات والآمال التي تغذي مبرر  استمرار وجود السلطة الفلسطينية. السلطة الفلسطينية ، ككيان وطني ، مقبول من قبل الغالبية العظمى من الجمهور الفلسطيني وضرورة الحفاظ عليها  محل إجماع فلسطيني تقريبًا. يتركز الخلاف على مسألة السياسات التي يجب أن تتبناها السلطة وشكل اداءها . حتى الآن ، المزاعم القائلة  بأن السلطة الفلسطينية ليست أكثر من مقاول تنفيذي لإسرائيل لم تؤدي الى تقويض مكانتها  بشكل حقيقي . وحماس ، على الرغم من معارضتها للتنسيق الأمني ​​بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل ، تدرك أكثر مما كانت عليه في الماضي القيود  على استخدام الأسلحة النارية. مشاركة حماس في الانتخابات ، والضغوط التي تمارسها من أجل اجراءها  ، والرسائل المتكررة من قادتها لعباس وقادة فتح ، والتي  تقول فيها انهم لن يتمكنوا من دفع  القضية الفلسطينية  قدما وحدهم ، وأن شراكة متفق  عليها فقط بين فتح وحماس ستؤدي الى ذلك ، تشير الى نضج سياسي واقرار بالقيود التي كانت تقلل من شأنها في السابق . 

 

لم يتم تشكيل الحكومة الجديدة في إسرائيل بعد ، لكن تشكيلها يثير المخاوف  في الجانب الفلسطيني. إن السياسات  التي ستتخذها  تجاه الفلسطينيين ، إذا عبرت عن تشدد فيما يتعلق بقضية الصراع وادارته  مع الفلسطينيين ،  فانه قد يخلق ديناميكيات  من التعاون بين مختلف المكونات المؤثرة  في الساحة الفلسطينية. على الرغم من أنه نظرًا للاختلافات الكثيرة  بين الأطراف ، من الصعب في هذه المرحلة التحدث عن المصالحة بين المنظمات ، إلا أن الادراك  المشترك بوجود  تهديد حقيقي على  الحلم الوطني قد تخلق نوعا من التعاون  والالتفاف حول ثقافة الصمود  -  وهي فكرة شائعة  على لسان  كل فلسطيني كعبرة  من هزيمة 1948 -  باعتبارها وسيلة تربط  بين جميع الفصائل والتشكيلات . هذا درس يعني  انه لن يتكرر مع حصل معنا  ما حصل في السابق  أبدًا -  بمعنى اخر لن يتم ترحيلنا بعد الآن ولن نسمح بالسيطرة  على أراضينا أو الاستيلاء عليها ، وسنقف صامدين ونتصدى لها . 

 

عندئذ قد ياتي  البعد الجماهيري للنضال ويعبر عن نفسه بشكل واضح  ويجر خلفه  الاهتمام  إلاعلامي والدولي المتواصل . السلطة الفلسطينية بدأت بالفعل في التحرك في هذا الاتجاه. وقد خططت السلطة منذ فترة طويلة لانشطة  أخرى مماثلة ، وقد يؤدي تشكيل الحكومة الجديدة في إسرائيل الى تسريع ذلك . الساحة الدولية ستكون محور النضال الفلسطيني ضد إسرائيل ، وهذه المرة ستزداد فرص نجاحه في كسب دعم دولي واسع ، وحتى من الولايات المتحدة إذا نفذ قادة الصهيونية الدينية  نواياهم. عندها سيكون النضال في مناطق  الضفة الغربية واسعا اكثر ، وستكون إمكانية المصالحة الوطنية الفلسطينية الداخلية أكثر واقعية مما هي عليه الآن.

 

ستحسن  الحكومة الإسرائيلية الجديدة صنعا  إن هي حددت لنفسها بوضوح الأهداف التي ترغب في تحقيقها  من  علاقاتها مع الفلسطينيين ، وتدرس  العوامل التي تثير مخاوف الجانب الفلسطيني ، وتفحصت أي من طموحات أعضائها التي أعرب عنها عشية الانتخابات يمكن تحقيها ،  وما الذي يتعين عليها تاجيله او رفضه  وما هو الثمن المترتب على كل خطوة . كما أنه من المناسب اتخاذ إجراءات تعمل على تهدئة الفلسطينيين ويمكن أن يكون الحوار عاملاً مفيدًا في هذا الشأن. يمكن أن تكون التنمية الاقتصادية وتطوير البنى التحتية مفيدا أيضًا ، إذا  تجنبت  الحكومة الادلاء بتصريحات  يمكن تفسيرها على أنها تغلق الباب أمام فكرة التسوية السياسية ، وتوضح ذلك ايضا .