قراءه في كتاب

خمسة الاف يوم في عالم البرزخ للاسير حسن سلامة

 

 بقلم: ثامر سباعنه

مركز الميدان للدراسات والأبحاث

 

عند الحديث عن الكتابه عند الاسرى لابد أن نُدرك جميعا أن الكتابه عند الاسرى الفلسطينيين ليست ترفاً أو من باب التسليه وقضاء الوقت، بل الكتابه للأسير الفلسطيني هي شكل من أشكال التحدي والمواجهة المستمرة للمحتل والمتمثل هنا بالسجّان، فالسجان يسعى دائما لملاحقة الورقة والقلم، ومصادرة ما يكتبه الأسير، بل أحيانا تكون الكتابه سببا من أسباب معاقبة الأسير وعزله، كما أن خروج ما يكتبه الاسير بالنسبة للأسير هو تحرر لجزء من هذا الأسير.

في كتاب خمسة آلاف يوم في عالم البرزخ للأسير حسن سلامة نجد أن الأسير حسن سلامة قد سطر شهادة تاريخية عن ما يعيشه الاسرى الفلسطينيون من قمع وقهر وظروف تتنافى مع كل ما هو انساني وتخالف القوانين والشرائع، يوثق الأسير حسن سلامة من خلال كتابه وثيقه مهمه ممكن الاستناد لها وترجمتها ونشرها للعالم الغربي لادراك حقيقة إنسانية وديمقراطية "إسرائيل".

ويقول الدكتور أسامة الأشقر تعليقا على مراجعته للكتاب : أننا لسنا هنا أمام مذكرات يكتبها شخص ذو تجربة خاصّة مختلفة، وإنما هي شهادة تاريخية موثقة عن واحدة من أندر التجارب الإنسانية الفرديّة التي تعرّضت للتوحّش الجماعيّ المؤسسي من كيان يحترف التدمير المنهجيّ على مدار سنوات طويلة، يتعرض فيها المرء المعزول في زنزانات العزل بانتظام وتواصل عنيف لتجريده من كل ما يُشعره بالبقاء أو الرغبة في الحياة، يتمنى فيها هذا المرء الموت ولا يموت، ويبحث عن أيّ سبب يجعله يشعر بأنه ما زال حيّاً، وأنّ ما حوله بشرٌ؛ هي تجربة عميقة تحتاج إلى دراسات نفسية معمّقة، وأظنّ أن الباب انفتح عليها بوضع هذه الشهادة الشخصية على طاولة البحث والنظر.

الأسير حسن سلامة يتناول في كتابه مجموعه من الجغرافيات المتنوعه المرتبطه في سجون الاحتلال المُقامه على أرض فلسطين المحتله، فقد وصف الأسير حسن مجموعه من سجون الاحتلال وتحديدا أقسام العزل فيها، وتحدث عن ظروف المعيشه في كل قسم، وشكل وتركيبة كل قسم إضافه الى توزيع الغرف وحجمها ومحتوياتها.

كما تناول الكاتب سيرة مجموعه من الاسرى الفلسطينيين الذين التقى بهم خلال فترة العزل، وتحدث عن المشاعر الإنسانية التي تجمع هؤلاء الاسرى في ظروف قاهره صعبه هي ظروف العزل.

ذكر الكاتب الأسير حسن سلامة مجموعه كبيرة من القصص التي حدثت خلال فترة وجوده في العزل، منها القصص المؤلمه الموجعه لاسرى فقدوا وعيهم وتفكيرهم داخل هذا العزل وتحولوا الى أسرى مرضى نفسيين فاقدين للأهليه بسبب صعوبة الظروف التي يعيشها الأسير في العزل، ومن شدة ما يواجهه المعزول من حرمان وفقدان لأي تواصل بشري، كما احتوى الكتاب على قصص الصمود والبطوله والتحدي، وكيف انتصر الاسرى الفلسطينيين في أكثر من مواجهه مع السجان من خلال تعاونهم وتضامنهم مع بعضهم البعض وخوضهم الإضرابات عن الطعام لتحقيق أهدافهم في تحسين ظروف الاعتقال ، ولعل أكبر انتصاراتهم كانت اضراب الكرامه الذي انتهى بإخراج الاسرى المعزولين من عزلهم.

تناول الكاتب ظروف العزل وما يعانيه الأسير المعزول من قلة بل حرمان من النوم لعدة أسباب من أهمها الحشرات والقوارض المنتشره في اقسام العزل اضافه لإجراءات إدارة السجن والسجانين، من دق دوري على الأبواب حتى في ساعات الليل، اضافه لفتح واغلاق فتحات الأبواب بقوة متعمده في ساعات نوم الاسرى، إضافة الى عمليات التفتيش والاستفزاز اليومي وخاصة في ساعات الليل.

في الكتاب توثيق لدور الحركة الاسيرة وتحديدا الهيئة القيادية العليا لاسرى حماس في موضوع التفاوض لاتمام عملية تبادل الاسرى في صفقة وفاء الاحرار، والمعايير التي وضعها الاسرى، وكيف سعت إدارة السجون للضغط على الاسرى لتسريع عمليه التبادل والضغط لخفض مطالب المقاومة.

من الأمور الوارده في الكتاب والتي تحتاج الى وقفه ودراسة معمقه، هي حالة التعاطف والتعاون التي تتشكل بين الاسرى الأمنيين الفلسطينيين المعزولين مع السجناء المدنيين اليهود والذين جزء منهم قيادات في المافيا، هذه الحاله من التعاون والتضامن بين الطرفين لها ابعادها الانسانيه التي تشير الى صعوبه الحال الذي يحياه الطرفان في العزل مما يدفعهم للتعاون امام إدارة العزل لتحسن ظروف اعتقالهم والمطالبه بحقوقهم، بل نجد في بعض القصص الوارده في الكتاب حالات التعاطف والتضامن تصل الى نقل السجناء المدنيين المعلومات والاخبار للأسرى الفلسطينيين المعزولين، بل وتشكلت حالات من الصداقة التي استمرت حتى بعد انتهاء العزل.

كيف يؤثر التواصل الخارجي النشط على نفسية المعزول ويحفّزه؛ وهنا لدينا تجربة عاطفية غنية بالتفاصيل تتعلق بـ”غفران زامل” التي اختارت رفيق حياتها في قصة مثيرة، وعقدت قرانها عليه دون أن تلتقيه، وظلت وفية له لسنوات طويلة لا تجمعهما إلا عاطفة مكتوبة في رسائل ينقلها الصليب الأحمر أو مكالمات هاتفية مخطوفة، أو همسات خجولة عبر أثير إذاعة الأسرى، وهي العلاقة التي غيّرت مجرى حياة هذا الأسير، وجعلت له أملاً شاغلاً يؤمن به إضافة إلى معتقداته القوية التي ثبتته؛ كما أن لدينا تجربة غنية أخرى تتعلق بوالدة الأسير حسن سلامة ودورها في تثبيته، ولا شكّ أن هذه الأمّ قد أعطت ابنها زاداً روحيّاً هائلاً رفع من قدرة حسن سلامة على البقاء والنهوض، وهي التي حُرمت من زيارة ابنها المعزول لنحو 12 عاماً. مجتمع المعزولين وكيفية إدارة التواصل فيما بينهم، ومحاولة إيجاد روابط رفيعة باستخدام كل فرصة للتواصل في أي مستوى (التواصل بين الأسرى الأمنيين، التواصل مع السجناء الجنائيين من اليهود والعرب، التواصل مع المرضى النفسيين المحتاجين لرعاية، الأضرار الناشئة عن هذا التواصل، التواصل مع إدارات السجون وسياساتها القائمة على الكذب والضغط وإخلاف المواعيد…، كيفية عقد المشاورات في ظروف العزل؛ وعرض بعض تجارب التواصل المضحكة مثل ما يسميه الكاتب هنا “فيسبوك العزل” عبر فتحات شبابيك الحمامات).[1]

من القصص المؤثرة والمهمه في الكتاب قصة الأسير حسن سلامة مع الأسير الرفيق احمد سعدات، وكيف تعارفا على بعضهم البعض من خلال الصوت والحديث وبينهما جدار، واستمر الحديث لايام واشهر، وبعد فتره تم نقل حسن سلامة لغرفة أحمد سعدات الذي لم يعرف حسن سلامه بداية اللقاء الى أن قام حسن بالتعريف عن نفسه مما جعل الرفيق أحمد سعدات يُعاود السلام على حسن ويُحسن استقباله، وهذه القصة تشير الى ظروف العزل والحرمان من رؤية الطرف الاخر ، بل إن الأسير المعزول يمضي أشهر وسنين في غرفته وحيدا دون أي شريك في الغرفه.

كما تناول الأسير حسن سلامة موضوع إيجابيات وسلبيات مشاركة زنزانة العزل مع أسير اخر، فبالرغم من كل مساوئ ومواجع الوجود في غرفة العزل وحيدا الا أن قدوم أسير اخر يشاركك الغرفه قد يحمل بعض السلبيات أيضا، فمساحه غرفة العزل محدوده جدا لا تسمح بوجود أسيران في نفس الغرفه، اضافه لعدم توفر وسائل التهويه في الغرفه مما يجعل من وجود اسيران في الغرفه أمر متعب ويرفع من حرارة الغرفه ، ولعل الأصعب في الموضوع هو عدم التوافق بين الاسيران، فوجود أسيران غير متوافقان في غرفة العزل أمر صعب جدا ومزعج جدا وله انعكاسات سلبيه على الأسيران وعلى حياتهم اليوميه، والحديث هنا عن غرفه صغيره جدا لا تتسع لشخص، ومع ذلك تجد فيها شخصان يمضيان معا 23 ساعه في نفس الغرفه و ساعه معا في ساحه الفورة.

تحدث الأسير حسن في كتابه عن المشاعر الانسانيه وكان الأسير واضح جدا وصريح في كلامه، لم يحاول تحسين الصورة او بهرجه كلماته، بل تحدث عن ساعات الضعف وساعات الألم، تناول لحظات الغضب، كتب عن مشاعره الحقيقية عن صفقة وفاء الاحرار وعدم وجوده بها، تحدث عن مشاعره وهو وحيد في العزل طيلة سنوات طوال وانتظار تحرك الاسرى والشارع الفلسطيني، ووصف فرحه وافتخاره بوقفة الاسرى البطوليه في اضراب الكرامه الذي انتهى بخروج كل المعزولين.

 لعل أجمل وأصدق المشاعر التي تناولها حسن في كتابه، ارتباطه بالاسيره المحرره غفران زامل، كيف بدأت الحكايه، وكيف كانت نظرته للموضوع والمحاذير التي وضعها هو نفسه لهذا الارتباط، وكيف تغيرت الأمور انتهاءا بارتباط غير من حسن الكثير الكثير، ولعل أهم ما أضافه هذا الارتباط الرسالة القوية بأن الحرية قريبه، الأسير حسن أفرد فصل بعنوان ( العزل بطعم الحب) وكيف تغيرت حياة حسن بعد الارتباط، وماذا أضافت غفران لحسن، وكيف بات يبحث حسن عن وسائل وطرق للتواصل مع الخارج والتواصل مع غفران، مشاعر إنسانية صادقة تُعيدنا الى مربع أن الأسير ما هو الا انسان، رغم كل سيرة البطولة والتحدي التي ننسجها عن أسرانا الا أن الجانب الإنساني جانب مهم جدا ومطلوب فعلا اظهاره للعالم .

الكتاب صدر عن مركز الزيتونه للدراسات والاستشارات، عام 2022 بواقع 224 صفحه ويحوي في نهايته على مجموعه من الوثائق ورسائل حسن سلامة اضافه الى صور للاسير حسن سلامه.