ماذا يمكن أن نتعلم من ذكرى اتفاق أوسلو
ومذبحة صبرا وشاتيلا عن النضال الفلسطيني؟
أتى شهر سبتمبر (أيلول) ليكون ممثلاً عن سلسلة مِن الدمار التاريخي بحق القضية والشعب الفلسطيني.
إن إحياء الخيانات المؤلمة والكوارث التي حصلت خلال فترة قصيرة من أربعة أسابيع يُعتبر طقس مؤلم يتأمل الفلسطينيون من خلاله الحاجة المستمرة الى التحرر ونيل الاستقلال.
لقد حان الوقت لاعتبار الطرق المختلفة التي تعرضت بها حريتنا بشكل مستمر الى الحرمان والضياع عن طريق العنف الاستعماري والاستيطاني، وكذلك الانتهازية والخيانة من طرف ما يسمى بمنظمة التحرير.
يصادف يوم الثلاثاء الماضي، 13 أيلول / سبتمبر، الذكرى السنوية التاسعة والعشرين لتوقيع اتفاق أوسلو في عام 1993. بدأت عملية السلام والتي بموجبها ألقى عناصر منظمة التحرير الفلسطينية أسلحتهم مقابل الإثراء والمنفعة الشخصية لجماعة صغيرة منهم، بالإضافة الى اعتقادهم المُضلل والأحمق بأن هذا الخضوع والاستسلام سوف يضمن لهم الحصول على شرعية سياسية أكبر في أعين واشنطن والهيئات الدولية أوروبية التمركز.
** دراسة حالة في الخيانة:
في ممارسة للسادية الماسوخية على النمط السياسي، تستطيع أن تتخيل كمية الدماء المراقة التي انطوت عليها المصافحة المثيرة للغثيان بين رئيس منظمة التحرير ياسر عرفات مع مجرم الحرب رئيس الوزراء الإسرائيلي يتسحاق رابين في حديقة البيت الأبيض بينما يقف كلنتون راضياً عن نفسه ومبتهج.
تخلت العناصر الرجعية داخل الحركة الفلسطينية عن فكرة الكفاح المسلح من أجل لا شيء سوى الاحتمال الضئيل بأن الفلسطينيين في يوم من الأيام وبطريقة أو بأخرى قد يحققون دولة خاصة بهم من خلال المفاوضات البرجوازية.
وكأن الاختلاف والتفاوت في ميزان القوى بين الاحتلال والشعب المحتل يمكن أن يختفي ببساطة من خلال التجمع على طاولة المفاوضات.
حقيقة أن الفلسطينيون بعد 29 عاماً ليس لديهم ما يظهرونه سوى المزيد من أحياء الغيتو
المحاصرة واستعمار الأرض بلا قيود وإخراج اللاجئين والمنفيين مِن الاعتبارات السياسية
والعنف الاستبدادي على أيدي كل من دولة الاحتلال وأذناب السلطة الفلسطينية الفاسدة
والبلطجية دليل واضح على مدى سخافة هذا الافتراض بالدولة منذ البداية.
** القتل الاستيطاني:
كما لو أن هذا لم يكن صادماً بما فيه الكفاية، يصادف 16-18 سبتمبر أيضًا الذكرى الأربعين لمجزرة صبرا وشاتيلا. في مثل هذا اليوم من عام 1982، هاجمت ميليشيات الكتائب اللبنانية الفاشية حي صبرا ومخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت وقتلت الآلاف في هيجان ونوبة إبادة جماعية.
وكانت المجزرة مدعومة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي التي قامت بغزو واحتلال لبنان في
محاولة لطرد المقاومة الفلسطينية، ونُفذت بعلم تام وتقاعس متعمد من الولايات المتحدة.
وجاء حمام الدم في أعقاب الخطة الإمبريالية الأمريكية "خطة ريغان"، والتي رفضت من خلالها واشنطن الحاجة إلى إقامة دولة فلسطينية لصالح التطبيع الناجح مع إسرائيل باعتبارها مركزية لتنفيذ قرار الأمن الدولي رقم 242، وطالبت الأردن بالتحدث نيابة عن الفلسطينيين في المفاوضات.
هذا التجاور القاسي يكشف عن التداخل بين الوحشية الجسدية للقتل الاستعماري وبين عدم التمكين السياسي الذي تطبقه القوى المستبدة مثل الولايات المتحدة الاستعمارية على الجنوب العالمي سعياً وراء الهيمنة الجغرافية الإمبريالية.
في أعقاب المجزرة، أصدرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تقرير لجنة كاهان الذي، كما يقول المفكر الفلسطيني ستيفن سلايتا، اتبع نمطًا أقرب الى تبرئة الاستعمار. والجدير بالذكر أن تقرير لجنة كاهان قد تم الاحتفاء به من قبل وسائل إعلام الشركات الليبرالية الإمبريالية مثل نيويورك تايمز.
لا يزال إرث صبرا وشاتيلا، حيث تُقتل الضحية بحصانة كاملة، مستمراً بعد أربعة عقود – ينعكس فيما ما فعلته قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد أن اغتالت الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقله. (لم يُتعب رئيس الولايات المتحدة جو بايدن نفسه لتعلم كيفية نطق اسمها بشكل صحيح).
ولكن، كما يتضح من عمل روبرت فيسك، فإن مذبحة صبرا وشاتيلا حفزت أيضًا روح صحفية معارضة جديدة تحدت استخدام الصهيونية لذريعة "الإرهاب" والاتهامات الكاذبة بـ "معاداة السامية" لارتكاب مجزرة ضد بحق الفلسطينيين واللبنانيين الذين قتلوا على أيدي الفاشيين المحليين بمساعدة قوات الاحتلال وختم الموافقة الأمريكية.
من المفترض أن يتراوح إجمالي عدد القتلى بين 800 و2000 فلسطيني وما لا يقل عن 100 لبناني، ومع ذلك، وكما يشير المؤرخ رشيد الخالدي، بسبب قيام القوات اللبنانية باختطاف العديد من الأشخاص الذين لم يتم العثور عليهم مطلقًا، فقد لا يُعرف العدد الكامل للضحايا مطلقاً.
في أعقاب صبرا وشاتيلا، تمكن الصحفيون لأول مرة من نقل الفظائع التي واجهوها على الأرض بشكل مباشر ودون ضغوط من جهة أصحاب العمل، ومن هذا المنطلق، أحدثت المجزرة تحولا نوعياً في كيفية تحدي المراسلين والناشطين للرواية السائدة في فلسطين.
هذه الأيام، يستطيع الفلسطينيون التحايل وتخطي وسائل الاعلام السائدة ولفت الانتباه إلى العنف
الصهيوني من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، كما رأينا في مايو 2021 عندما شارك نشطاء
في الشيخ جراح قصصهم ونضالاتهم مع العالم. على الرغم من أن عمالقة التكنولوجيا في وادي
السيليكون يواصلون بخبث ممارسة "الفصل العنصري الرقمي" ضد الفلسطينيين، إلا أنه من غير
الممكن لأي قدر من عمليات الحذف أن يزيل ما شاهده العالم بالفعل.
** نهاية الحداد الأبدي:
تماماً مثل اوسلو، إرث مذبحة صبرا وشاتيلا يكشف استحالة تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني من خلال الوسائل الدبلوماسية طالما بقي الطابع الاستيطاني الاستعماري للكيان الصهيوني والسيطرة الإمبريالية للولايات المتحدة على ما هي عليه.
تكريم الشهداء الذين سقطوا مِن وقت قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي وكذلك من سقطوا بسبب العنف الذي تم إضفاء الشرعية عليه من خلال إطلاق ما يسمى بـ "عملية السلام" لا يتطلب سوى الالتزام الراسخ بدعم المقاومة الفلسطينية بكافة أشكالها، بما في ذلك الكفاح المسلح.
كما كتبت في موضع آخر، "المصطلح الأكثر دقة لإطار عملية السلام في أوسلو ستكون" عملية القطعة "، لأن الحرية الفلسطينية تتعرض باستمرار الى الاختفاء والتجاهل حيث يتم استعمار المزيد من الأراضي الفلسطينية قطعةً قطعة".
بينما نشاهد قوات الاحتلال الإسرائيلي تداهم بكل جرأة منازل الفلسطينيين وتصادرها وتدمّرها وتوصم أي منظمات تعمل لضمان محاسبة اسرائيل عن جرائمها كمنظمات "إرهابية"، فقد حان الوقت للتوقف عن توقع أي خير من الإمبريالية الأمريكية أو حليفتها الدولة الصهيونية الاستعمارية الاستيطانية.
نحن بحاجة إلى دعم المقاومة الفلسطينية بكافة أشكالها، وذلك لأن الشعب الفلسطيني المحتل بأمس الحاجة إلى المطالبة من خلال المقاومة بالقوة والوكالة التي سيستمر الاستعمار وحلفاؤه في إنكارها وحرمانه منها لضمان الهيمنة الاستعمارية في المستقبل.
لذلك لا يمكننا تقسيم العمل السياسي الفلسطيني إلى مجالات تعزز شرعية وظلم قوى الشر التي منذ نشأتها ما زالت تدعم موت الشعب الفلسطيني ونزع صفة الإنسانية عنه.
في الوقت الراهن، إضافةً الى الرقابة المستمرة والرثاء اللازم لهذه الأحداث المحطِّمة، نحتاج الى ضمان توجيه ذاكرتهم نحو دعم مقاومة الفلسطينيين في المستقبل بأي وسيلة ممكنة.
وهذا يشمل الأبطال الذين يستمرون في حمل السلاح، وأيضاً الذين يخرجون الى الشوارع ليقولوا "كفى" في وجه الإفلاس الأخلاقي لاتفاقية أوسلو، والذين لم يعودوا يقبلون بالمفاوضات مع قوى استعمارية استيطانية لا ينتج عنها سوى الموت والدمار للشعب الفلسطيني.
الشعب الفلسطيني يستحق ما هو أكثر بكثير من الحداد الدائم، لا شيء أقل من الحرية الكاملة والمطلقة وتحرير بلادنا من النهر إلى البحر.
مقال مترجم من صحيفة:
Middle east eye