براءة محاصرة بالخوف: أطفال الضفة في مرمى اعتداءات المستوطنين
23 نوفمبر 2025
إضافة إلى توفير مساحات آمنة للعب الأطفال، حيث إن اللعب من أفضل وسائل شفاء الأطفال من آثار الصدمات، وتشجيع الطفل على الحديث والتعبير عن ذاته ومخاوفه بكلمات واضحة معبرة.
اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية، كيف تؤثر في الأطفال؟
تتسم الضفة الغربية حاليا بأحوال يسودها التوتر السياسي والتهديد المستمر وانعدام الأمان؛ نتيجة اعتداءات المستوطنين التي تجاوزت الحد وتتصاعد وتيرتها يوميا، وتتخذ طابعا استفزازيا عنيفا ينال من الفلسطينيين جسديا ونفسيا، في مزارعهم وحقولهم وعلى الطرقات وحتى في بيوتهم التي يقتحمونها بكل وقاحة أيضا. والأطفال ليسوا بمنأى عن هذا الواقع القاتم الذي يحفر في أعماقهم أخاديد، ترافقهم بقية حياتهم على شكل ندوب لا تزول مهما تقدم بهم العمر.
شعور الطفل باستمرار بأن الاعتداء قد يحدث في أي لحظة يخلق في نفسه توترًا يوميًا مزمنًا، يُعد من أخطر أشكال الضغط النفسي على الأطفال.
تعرض الطفل لعنف متكرر بذاته، أو مشاهدته لاقتحامات وانتهاكات في المنطقة التي يعيش فيها، يدفعه للشعور بأن حياته ليست ذات قيمة، ويتطور لديه شعور بالضعف أو فقدان السيطرة، وينظر للمستقبل بسلبية، وقد تتراكم هذه المشاعر السلبية وتظهر لديه لاحقا على شكل اكتئاب أو صعوبات في اتخاذ القرار. كما قد ينشأ لديه بشعور بأنه مستهدف بسبب هويته، وهو ما يتسبب له بضغط نفسي كبير.
تعليم الطفل الصمود، والتكيف، وابتكار الأساليب للدفاع عن نفسه وحقوقه يدعمه ويشجعه على التعافي من الآثار السلبية لما مر به. وتنفيذ برامج الدعم النفسي في المدارس عبر جلسات جماعية وفردية تساعد على التفريغ الانفعالي وبناء مهارات التكيف، وتدريب الأهالي على التعامل مع قلق الطفل ومخاوفه؛ حيث إن الأهل هم المصدر الأول للاحتواء والأمان.
شعور الطفل باستمرار بأن الاعتداء قد يحدث في أي لحظة يخلق في نفسه توترًا يوميًا مزمنًا، يُعد من أخطر أشكال الضغط النفسي على الأطفال.

في الرابع من ديسمبر 2023 وأثناء مهاجمة المستوطنين لقرية دير قديس غرب رام الله، قاموا بإطلاق النار على الفلسطينيين ما تسبب بإصابة طفلين. وفي البلدة القديمة في الخليل، واعتدى مستوطنون من مستوطنتَي بيت هداسا ورمات يشاي على الطفل إسلام شريف التميمي (13 عاما) بالضرب المبرح، وتسببوا بإصابته برضوض وجروح في رأسه، وتزامن الاعتداء مع تحطيم زجاج منزل لعائلة سدر في شارع الشلالة وسط المدينة من بعض المستوطنين، ما أثار حالة من الذعر لدى الأطفال هناك. وفي 23 سبتمبر 2023، تعرّض الطفل أسيد خالد الحدار (4 سنوات) للرش برذاذ الفلفل من المستوطنين ما تسبب بإصابته بحروق في الوجه. أُصيب أكثر من 20 شخصا من بينهم أطفال، أحدهم كان رضيعا (حديث الولادة) خلال هجوم للمستوطنين على خلة الضبع في مسافر يطا.
يتأثر التحصيل الدراسي لدى الطفل الذي يعيش ضغطا يوميا، حيث نجده يعاني من ضعف التركيز والانتباه، يتسبب بتدنّي تحصيله الدراسي، وفقدانه للدافعية للتعلم والإنجاز وحتى التفكير بالمستقبل.
كما رشق مستوطنون مدرستين في قرية جبع قرب بيت لحم بالحجارة، ما أجبر التلاميذ على الفرار. وفي 9 سبتمبر 2024 اعترض مستوطن مسلح طريق أطفال من مدرسة عرب الكعابنة في منطقة المعرجات في الأغوار، ومنعهم من وصول المدرسة، ما تسبب في إصابتهم بالذعر الشديد. وفي 6 يناير 2025، أُصيب 3 طلاب فلسطينيين بعد اعتداء مستوطنين على مدرستهم في الأغوار الشمالية.
كما يتأثر التحصيل الدراسي لدى الطفل الذي يعيش ضغطا يوميا، حيث نجده يعاني من ضعف التركيز والانتباه، يتسبب بتدنّي تحصيله الدراسي، وفقدانه للدافعية للتعلم والإنجاز وحتى التفكير بالمستقبل. وخاصة إذا كانت المدرسة ترتبط في ذهن الطفل بالتهديد أو الاحتكاك بالمستوطنين، كأن تكون قريبة من مستوطنة أو طريق يستعملها المستوطنون.

لذا لا بد من فهم التداعيات النفسية التي يخلفها هذا العدوان، وتسليط الضوء على انعكاساته السلوكية والاجتماعية والتعليمية، من أجل العمل على توفير الدعم اللازم وحماية حق الأطفال في العيش بأمان وكرامة.
هذه الصدمة تدفع الطفل إلى اجترار الموقف في ذهنه وكأنه يتكرر باستمرار، الإصابة بنوبات هلع وكأنه يتعرض للموقف، نجده يميل لتجنب أماكن أو أشخاص يذكرونه بما حدث.
ورصدت منظمة أطباء بلا حدود الآثار النفسية لعنف المستوطنين على الأطفال الفلسطينيين، واستخلصت أن العنف المتواصل من المستوطنين وجيش الاحتلال يترك آثارًا نفسية عميقة، خصوصًا في المناطق التي تتعرض باستمرار لهذه الاعتداءات مثل مسافر يطا في الخليل. وأشارت المنظمة إلى ظهور أعراض مثل الكوابيس الليلية، نوبات هلع، عدم القدرة على التركيز في المدرسة للأطفال.
هذه الصدمة تدفع الطفل إلى اجترار الموقف في ذهنه وكأنه يتكرر باستمرار، الإصابة بنوبات هلع وكأنه يتعرض للموقف، نجده يميل لتجنب أماكن أو أشخاص يذكرونه بما حدث.
وعلينا أن ننتبه أن كل طفل يُعبّر عما يجول في خاطره بطريقة مختلفة، فقد نجد أطفالًا يصبحون عدوانيين نتيجة شعورهم بالعجز، في الوقت الذي نجد آخرين ينسحبون اجتماعيًا، ويتجنبون الكلام عن مشاعرهم وما يخيفهم.
وفي تقريرها رقم 39، ذكرت اليونيسف أن بيئة حماية الأطفال قد انهارت تقريبا؛ بسبب استمرار أعمال العنف، والتهجير. وتضررت سلامة الأطفال النفسية نتيجة عنف المستوطنين الذي ما يزال من العوامل التي تهدد أمن الأطفال واستقرارهم. ونوهت اليونيسف أن لديها فجوة كبيرة في تمويل، ما يعيق تقديم الدعم الكامل للأطفال المتضرّرين.
وقد أصدرت اليونيسف بيانا في 22 يوليو 2024 يفيد بأن عدد الأطفال الفلسطينيين القتلى في الضفة الغربية ارتفع بشكل كبير منذ السابع من أكتوبر 2023، حيث قُتل 143 طفلا، وأكثر من 440 طفلا أصيبوا برصاص حي، وأكد البيان أن الأطفال يعيشون خوفا يوميا على حياتهم وأن العنف في الضفة الغربية يؤثر بشدة على رفاههم الجسدي والنفسي.
وقد يطور الطفل بعد ذلك نوعا من القلق الاجتماعي وانعدام الثقة، حيث يتعلم أن البيئة المحيطة به هي غير آمنة، ما يدفعه إلى أن يكون شديد الحذر الشديد من الغرباء، وتنخفض ثقته بالبالغين من غير أسرته، ويجد صعوبة كبيرة في الاندماج مع الآخرين في المدرسة والمجتمع.
وقد يطور الطفل اضطراب ما بعد الصدمة خاصة عندما يشاهد اقتحامات البيوت والاعتداء عليها، واعتداء على أهله وأقاربه وجيرانه وأصدقائه، وتكسير البيت وتخريب الأثاث وممتلكات الأسرة، ومصادرة أراضي يعرفها قد تكون لأسرته أو لغيرها... الخ.
وقد يطور الطفل بعد ذلك نوعا من القلق الاجتماعي وانعدام الثقة، حيث يتعلم أن البيئة المحيطة به هي غير آمنة، ما يدفعه إلى أن يكون شديد الحذر الشديد من الغرباء، وتنخفض ثقته بالبالغين من غير أسرته، ويجد صعوبة كبيرة في الاندماج مع الآخرين في المدرسة والمجتمع. كما يصبح الطفل شديد الغضب ويصبح عدوانيا يميل إلى الانسحاب والوحدة. وكلا النمطين يعتبر مؤشرا على تعرض الطفل لضغط نفسي كبير.
وهذه الحالات غيض من فيض من اعتداءات للمستوطنين على الفلسطينيين التي لا تقتصر على الكبار، إنما تنال من الأطفال أيضا، دون اعتبار لصغر سنهم وبراءتهم.

يتعرض الأطفال أنفسهم في مناطق الضفة الغربية لاعتداءات جسدية ولفظية من المستوطنين، مثلما يحدث في الخليل في محيط البلدة القديمة، كما يشاهد الأطفال بأعينهم العنف الذي يمارسه المستوطنون ضد أسرهم في المزارع والحقول أو حتى في البيوت كما يحدث في مسافر يطا حاليا وكما حدث مع عائلة دوابشة عام 2015 في قرية دوما جنوب شرق نابلس. يورث ذلك للأطفال خوفا دائما من كل صوت أو حركة، وقد يولد لديهم رهبة من مغادرة البيت إلى المدرسة أو اللعب في الشارع، خوفا من مصادفة المستوطنين في الطرق أو على الحواجز.
يتميز الطفل بكونه حساس عاطفيا لمحدودية الخبرات الحياتية التي يمتلكها، ولكونه يعيش مرحلة مهمة وخطرة تتسم بالنمو الجسدي والعقلي والنفسي، ولافتقاده القدرة الكافية على التعبير بكلمات واضحة ومعبرة عما يشعر به، عدا عن خياله الواسع، وحاجته الكبيرة للانتماء والقبول من محيطه، كل ذلك وغيره من العوامل يجعله أكثر عرضة للتأثر بالعنف والتعرض للصدمات النفسية، خاصة مع انعدام الشعور بالأمان، وخشيته على أسرته وبيته.