الطوفان وميلاد الوعي الحضاري
8 أكتوبر 2025
ستحفظ الجدّات قصة السابع من أكتوبر كما تُحفظ الأساطير الملهمة في ذاكرة الأمم والحضارات والإمبراطوريات: "كان يا ما كان، رجال من قلب الحصار، من أهل الله وخاصته، استعدّوا ما استطاعوا، وفتحوا ثقبة في جدار الخوف، فتسلل النور من جديد ليبعث الأمة من رمادها".
ستُروى أسماء الشهداء والأبطال كما تُروى أسماء الأوّلين وفتوحات العظماء، وستحكي القصص عن أهل الطوفان الذين امتلكوا المعنى الأوسع للانتصار؛ ذلك المعنى الذي يتصل بعمق الوعي الذي يولّده الحدث، وبالتحول الأخلاقي والحضاري الذي يخلّفه في نهضة الأمة وإيقاظ العالم.

سيمرّ الزمن، وستخفت ضوضاء الشاشات، وسيعود المؤرخون إلى قراءة ذلك اليوم على مهل: كيف تهاوت الأسطورة حين انكشفت، ونهض الإنسان حين تذكّر رسالته، وبدت الآلة العملاقة قزمة أمام فكرة تمشي على قدمي رجل يعرف لماذا يمشي ويرابط ويقاوم، وله جذور حضارية عميقة تزداد وعيا وحضورا في الزمان ومنغرسة في المكان ولها تاريخ وتراث وهوية، لا يمكن تذويبها ومسخ ثقافتها وإنكار وجودها وحقوقها وحضورها.
ومن قلب الحدث، خرج المعنى الأهم الذي سيعيد تشكيل الوعي الحضاري، في لحظة فارقة من الوعي العربي، تقدّمت قوة شعبية صلبة، غير دولتية، خرجت من لحم الناس ودمهم وألمهم، فكَسرت هيبة الحديد والنار، وفتحت ثقبا في جدار الخوف، وأطلقت مسار التحرير الطويل. لم تكن المقاومة جيشا نظاميا ضخما، ولا حظيت بدعم خارجي، لكنها امتلكت أغلى ما يُملك: إرادة تشقّ الحجر، وعقيدة لا تتزعزع، ويقينا في وعد الله، وإنسانا مؤمنا بدينه وهويته ووطنه.
لم تكن المقاومة جيشا نظاميا ضخما، ولا حظيت بدعم خارجي، لكنها امتلكت أغلى ما يُملك: إرادة تشقّ الحجر، وعقيدة لا تتزعزع، ويقينا في وعد الله، وإنسانا مؤمنا بدينه وهويته ووطنه.
هكذا قدّمت المقاومة الطوفانية برهانها العملي على أن الانتصار ممكن متى اجتمع الجهد، واتحد الصف، وتحملت الأمة كلفة التحرر والتحرير.
ما أطلقه رجال الطوفان كان بداية دورة حضارية جديدة لم تكتمل بعد. كتبوا على جدار التاريخ: "إننا نستطيع إن شئنا"، وتركوا للأجيال القادمة أمانة مواصلة المسير.

حين يتبدد وهم العدو وغروره، ويعترف برجفة الخوف في داخله، وحين تستعيد الأمة ثقتها بقدرتها وطاقتها الكامنة، يبدأ التاريخ في التحرك ببطء متراكم، كصخرة تنحدر من قمة تعرف وجهتها. ذلك هو معنى الطوفان: أن تنفض الأمة عن كتفيها غبار القرون المثقلة بالانحطاط والاستبداد والاستعمار، وأن تغادر الأمة التدين الناعم والغثائي الخالي من الفعل والأثر والمنفصل عن الشهادة والنهضة، وتتقدم إلى ساحة البناء واستعادة المبادرة والريادة، ساحة يعرف فيها كل واحد مكانه: الأم دليل، الشهيد عنوان، العالِم ميزان، والسياسي أمين على المقاصد، والمقاوم مرابط على حدود المعنى قبل حدود الجغرافيا.
إن الشرارة التي اشتعلت يوم السابع لن تنطفئ. فقد بدأت المعركة الطويلة، وفتحت صفحة جديدة في كتاب النهوض عنوانها أن الشعوب حين تستعيد وعيها وثقتها تعيد كتابة الزمن بمداد الحرية والكرامة.
إن الشرارة التي اشتعلت يوم السابع لن تنطفئ. فقد بدأت المعركة الطويلة، وفتحت صفحة جديدة في كتاب النهوض عنوانها أن الشعوب حين تستعيد وعيها وثقتها تعيد كتابة الزمن بمداد الحرية والكرامة.
مذ ذاك اليوم بدأ الميلاد الجديد: ميلاد جيل يقرأ التاريخ بوصفه قابلا للتحرير والتعديل، لا حالة جامدة ممتلئة بقصص الهزيمة والاستسلام. ميلاد إنسان يعيد تعريف الأمن من زاوية العدالة، ويعيد تعريف القوة من زاوية الإرادة، ويعيد تعريف النصر من زاوية الوفاء للمعنى والحقيقة.
ربما يتأخر النصر الشامل والتتويج النهائي، وربما تطول الطريق وتكثر المنعطفات والآلام والأوجاع، غير أن المسار صار معروفًا، والسؤال تغيّر من: "هل يمكن؟" إلى "متى وكيف؟" وهنا تتبدّل بوصلة الحكاية: "ليست كل راية تُرفع فوق مبنى انتصارًا؛ فبعض الانتصارات إعادة تعريف للممكن وللإرادة وللقوة".