أسطول الصمود.. هل تنجح إرادة الشعوب في كسر حصار غزة؟
11 سبتمبر 2025
من شاطئ سيدي بوسعيد في تونس، انطلق "أسطول الصمود" العالمي، ذلك الشُعاع البحري الذي انبثقت منه إرادة الشعوب الحرة ليشقّ سحب الحصار المطبق على غزة، في مهمة إنسانية وصفت بالأجرأ في التاريخ الحديث، ومن المتوقع أن تحجز مكانها إلى جانب بعض أبرز أعمال العصيان المدني غير العنيف، مثل مسيرة الملح التي قادها غاندي.
يضم الأسطول نحو 50 سفينة وبوارج صغيرة، تقل مايزيد عن 600 ناشط من 44 دولة حول العالم. يمثل الأسطول سردا مضادا ذو امتداد دولي؛ قافلة مجتمع مدني تصر على أن الإبادة الجماعية غير مقبولة، وأن تجويع السكان المدنيين ليس سياسة بل جريمة، وأن البحر لا يزال ملكا للأحرار.
يمثل الأسطول سردا مضادا ذو امتداد دولي؛ قافلة مجتمع مدني تصر على أن الإبادة الجماعية غير مقبولة، وأن تجويع السكان المدنيين ليس سياسة بل جريمة، وأن البحر لا يزال ملكا للأحرار.
خلال الليلتين الماضيتين، تعرض الأسطول لهجومين بطائرات مسيرة استهدفت السفن الرئيسية في القافلة. ففي صباح التاسع من سبتمبر 2025، ذكر الأسطول أن إحدى سفنه الرئيسة تعرضت لهجوم بطائرة مسيّرة حارقة أثناء رسوها قبالة تونس، مما أدى إلى نشوب حريق صغير على سطحها. وبعدها بساعات أفادت تقارير أن قاربا آخر في الأسطول تعرَّض إلى هجوم مماثل بالطائرات المسيرة أثناء تواجده بالمياه التونسية، دون وقوع إصابات بين الركاب. ويتهم المنظمون قوات الاحتلال الإسرائيلي بالوقوف وراء هذه الهجمات في محاولة لإعاقة المهمة.
ليست هذه المحاولة الأولى لكسر الحصار الخانق المفروض على غزة منذ عام 2007. ففي أغسطس 2008، نجح قاربان صغيران، هما "غزة الحرة" و"ليبرتي"، في التسلل عبر الحصار والرسو في شواطئ غزة، وكان أول وصول من نوعه في تلك المرحلة. وبين 2008 و2016، أطلق النشطاء أكثر من 30 رحلة بحرية، وصل بعض قواربها إلى غزة، لكن معظمها تم اعتراضه.
أشهر عملية اعتراض وقعت في مايو 2010، عندما اقتحمت القوات البحرية للنظام الصهيوني سفينة "مافي مرمرة" في المياه الدولية، ما أدى إلى مقتل عشرة ناشطين أتراك. وفي عام 2016 صادرت إسرائيل سفينة "قوارب النساء إلى غزة"، واعترضت "العودة" في 2018، وخلال صيف 2025 اقتحمت القوات الإسرائيلية مرة أخرى سفنا متجهة إلى غزة، مثل "مدلين" و"حنظلة". وهكذا لطالما قابلت إسرائيل الأساطيل الإنسانية بالغارات البحرية والعقوبات الانتقامية.

قد تكون هذه المرة مختلفة، إذ يأتي الأسطول في ظل سياق عالمي يواجه فيه العالم حملة إبادة كارثية وسياسة حرمان متعمد في غزة. هذه الأزمة الإنسانية باتت معروفة على نطاق واسع. الملايين يطالبون بإنهاء القتل الجماعي، ورفع الحصار، وفتح الممرات الإنسانية، ومنع استخدام التجويع كسلاح.
ثانيا، التحالف الداعم لهذه القافلة أوسع وأكثر عالمية مقارنة بعام 2010، ويضم قادة بلديات، وحركات عمالية، وناشطين، وفنانين، وشبكات تواصل اجتماعي، ومجموعات دينية، يتعاونون عمليا عبر حجز السفن، والمشاركة، والمرافقة، والاستفادة من قوة الموانئ. ففي مدينة جنوة، على سبيل المثال، حذر عمال الموانئ من أنهم سيوقفون البضائع المتجهة لإسرائيل إذا تعرضت القافلة لأي هجوم، مؤكّدين أن هذه الخطوة ليست رمزية بل قوة حقيقية قادرة على التأثير في السياسات.
يأتي الأسطول في ظل سياق عالمي يواجه فيه العالم حملة إبادة كارثية وسياسة حرمان متعمد في غزة.
ثالثا، الفجوة الإعلامية تقلصت بشكل كبير. ففي عام 2010، اكتشف العالم الهجوم بعد وقوعه، أما في 2025، فالبث المباشر، وأنظمة تحديد الهوية الآلية، والفرق الدولية تجعل من الصعب اختفاء أي حادث. ومع تحوّل الأساطيل المدنية إلى منصات إعلامية عائمة، ترتفع تكلفة أي اعتراض أو هجوم. وحتى وكالات الأنباء الرئيسية تصف الآن أسطول "الصمود" بأنه أكبر محاولة بحرية لتوصيل المساعدات منذ بدء الحصار.
إن الحصار المفروض على غزة غير شرعي بشكل واضح، في حين أن مهمة "أسطول الصمود" مشروعة تماما، إذ تستند إلى الحق المعترف به دوليا لشعب غزة في تلقي المساعدات الإنسانية دون تدخل أو عرقلة.
ينص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن "تجويع المدنيين كوسيلة للحرب" يُعد جريمة حرب، ويحظر القانون الإنساني الدولي فرض حصار بحري يضر بالمدنيين بشكل غير متناسب، أو يجوع السكان، أو يعيق وصول الإغاثة الإنسانية، وكل هذه المعايير تنطبق على الحصار الإسرائيلي لغزة، الأمر الذي دفع منظمات الأمم المتحدة والخبراء إلى إدانته مرارا. كما أكدت المحكمة الدولية في لاهاي في رأيها الاستشاري الصادر يوليو 2024، أن إسرائيل قوة محتلة في غزة، وبالتالي مُلزمة بتوفير الاحتياجات الأساسية للفلسطينيين قدر الإمكان.
هددت الحكومة الإسرائيلية بمعاملة المشاركين في الأسطول الحالي كـ "إرهابيين" ومصادرة سفنهم، رغم أن مهمتهم سلمية بالكامل.
أما فيما يخص الحق في الإبحار، ينص القانون الدولي للبحار، على حق جميع السفن في الملاحة الحرة في البحار المفتوحة، ولا يوجد أي مبرر لإسرائيل للتدخل بالقوة في رحلة الأسطول. كما يضمن القانون الإنساني الدولي حماية المدنيين، ويحق للنشطاء على متن الأسطول الحصول على الحماية باعتبارهم غير مقاتلين.
حاولت إسرائيل تبرير هجومها باتهامات ضد النشطاء، إلا أن تلك الاتهامات أُبطلت من خلال تحقيقات مستقلة، وتكرر نفس النمط مع الأساطيل الأخرى؛ تنهار مزاعم إسرائيل تحت التدقيق، بينما تتراكم الأدلة على استخدام العنف غير القانوني. والآن، هددت الحكومة الإسرائيلية بمعاملة المشاركين في الأسطول الحالي كـ "إرهابيين" ومصادرة سفنهم، رغم أن مهمتهم سلمية بالكامل.