في غزة المنهكة.. نبتسم ولكن
4 سبتمبر 2025
هناك ضغط نفسي هائل يتعرض له الناس في غزة، بينما لا يراعيه المتابعون كثيرا سواء كانوا أشخاصا أو منصات، وتفشل الصور بنقله ولو جزئيا، كما لا يعرف الذين يعيشون الإبادة بشكل لحظي كيف يتحدثون عنه أو يوضحونه أو يعبرون عنه كواحد من أقسى أوجه المعاناة التي يكابدها الفلسطينيون في غزة.

الحديث هنا ليس عن حالات الأمراض النفسية التي فقدت أدنى متطلبات العلاج، سواء الأطباء المتخصصين أو العيادات التخصصية أو الأدوية اللازمة، وإنما على الوضع النفسي الصعب لمجمل المواطنين الذين يعيشون في توتر وضغط نفسي هائل يحتاج لمئات الدراسات كي نفهمه من زاوية طبية وعلمية.
ولكي لا نبسط الأمور بالرغم من أهميتها، على أنه مجرد ضغط لتوفير الطعام والماء وتوتر بسبب القصف المستمر وقلق النزوح، فإن الأمر أعمق من ذلك بكثير. إذ أننا نتحدث عن أهوال يعيشها الغزيون بشكل مستمر ومتزايد وبدون نهاية، أهوال تبدو لمن يشاهدها مفرقة كأوجاع منفصلة، لكنها في الحقيقة آلام وأوجاع متصلة متراكمة عميقة لا يمكن الانفصال عنها ولا تحييدها.
إذ أننا نتحدث عن أهوال يعيشها الغزيون بشكل مستمر ومتزايد وبدون نهاية، أهوال تبدو لمن يشاهدها مفرقة كأوجاع منفصلة، لكنها في الحقيقة آلام وأوجاع متصلة متراكمة عميقة لا يمكن الانفصال عنها ولا تحييدها.
والغزيون الذين يمرون بهذه الأهوال النفسية هم من الفئات المهشمة، كل غزي مهشم على الحقيقة، أطفال أيتام فقدوا والديهم أو أحدهما، زوجة فقدت زوجها، رجل ماتت عائلته كاملة وبقي وحيدا في آخر العمر، شباب بنوا بيتا لهم بعد سنوات من التعب ثم ضاع في لحظة واحدة. هؤلاء وغيرهم يمرون بعذابات يومية تتعدى فكرة الألم الناتج عن الفقد والنزوح والتجويع وغيره من الآلام.

هناك أيضا فكرة غائبة يحاول الغزيون يوميا الدوران حولها، لا في رثائهم لأنفسهم وأحبابهم وإنما في رثائهم لغزة وخسارتهم لها، المدينة العريقة التي لا يعرف معظمنا من الكون إلا هي، المدينة الحنونة التي بنينا فيها أحلامنا وآمالنا وطموحاتنا وعلاقاتنا وصحبتنا، المدينة التي حفظناها وشكلنا تخيلاتنا عن العالم واتساعه من بحرها وسمائها، تلك المدينة باتت اليوم حطاما حتى بتنا نسمع أنينها من تحت الركام، وهو ما يضاعف آلامنا إذ كانت غزة كل ما امتلكناه نحن المحاصرون النازفون المثقلون بهموم الأرض والوطن.
تلك المدينة باتت اليوم حطاما حتى بتنا نسمع أنينها من تحت الركام، وهو ما يضاعف آلامنا إذ كانت غزة كل ما امتلكناه نحن المحاصرون النازفون المثقلون بهموم الأرض والوطن.
لم أصل للنقطة التي أرغب بتوضيحها عن الآلام النفسية التي نكابدها، ولا أستطيع أن أعبر أكثر من ذلك، كل ما كتبناه ونكتبه وسنكتبه عن الهموم والأحزان التي نشعر بها ليس على الحقيقة إلا توصيفا مجازيا ومجتزءا عن الجرح الغائر في نفوسنا وأرواحنا، والذي يعلم كل غزي أنه لا شفاء منه أبدا.
فهل نبتسم حقا؟ نعم نبتسم لكن ليس حقا.