د. إسراء دبيغ.. فقيهة حملت إرث أم المؤمنين عائشة
3 سبتمبر 2025
في بيت يتنفس بالحب، وأرواح معلقة بالسماء، في كنف والد نذرها للعلم وخدمة الإسلام، منذ أن كانت جنينا في رحم أمها التي ظللت قلبها بالحب والعطف، وأشعلت من روحها جذوة حتى تنير لابنتها الوصول، وصبت عليها من ألوان الحب فأزهر قلبها وانتشى.
صنعت نجاحها بالعيون الساهرة، ومجافاة الراحة، واعتناق التعب، ومصاحبة الكتب، ومرافقة الصفحات والأقلام والأوراق، والتدوين والكتابة والاجتهاد، وبالرغم من طول الطريق وصعوبة المنال لم ينطفئ لها عزم، بل أسرجت همتها لينتشر ذلك النور من قلبها إلى العالم كله، سيكون حديثنا هذه المرة مع أنثى ذات طراز فريد، جمعت بين العلم والدعوة، ونذرت قلبها وقفا لله تعالى.
نشأت الدكتورة إسراء محمد دبيغ في بلدة بلعا قضاء طولكرم، وهي باحثة ومهتمة في مجال العلم الشرعي، وناشطة دعوية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حصلت على درجتي البكالوريوس والماجستير في تخصص الفقه وأصوله من جامعة النجاح الوطنية، وناقشت أطروحة الدكتوراه مؤخرا في نفس التخصص، وفي ذات الجامعة.
منذ نعومة أناملها وخطى طفولتها الأولى التي كانت مفعمة بالحب والدلال، تشكلت شخصية الدكتورة إسراء وزرعت فيها بذرة الحلم الأولى، فقد عاشت في كنف والد ملازم لطلب العلم الشرعي، وقراءة القرآن والدعوة إلى الله تعالى، حيث كان يشركها في تحضير دروسه ويلقي مواعظه على مسمع طفلته الصغيرة قبل أن يلقيها في قلوب الرجال.
وقد سارت والدتها على ذات الدرب الدعوي، في تحفيظ القرآن وعقد حلقات العلم والأدب، وفي ظل هذا الجو الدعوى والمحضن العلمي تشكلت أولى خطوات الحلم.
ببراءة قلبها ونقاء طفولتها بدأت د. إسراء بتدوين دروس دعوية على كراسة لا زالت تحتفظ بها حتى الآن، ثم تلقي تلك الدروس على والدها الذي كان يرى فيها روحه كل يوم.
ببراءة قلبها ونقاء طفولتها بدأت د. إسراء بتدوين دروس دعوية على كراسة لا زالت تحتفظ بها حتى الآن، ثم تلقي تلك الدروس على والدها الذي كان يرى فيها روحه كل يوم، ألقت الداعية إسراء درسها الدعوي الأول وهي ابنة ١٣ سنة، في عمر الطفولة وريعان الصبى، لكنها روته بدين الله والدعوة إلى سبيله.
ألقت درسها الأول أمام جمع غفير من النساء في المسجد بعد إصرار من والدها، اختلج في قلبها خفقات من التوتر والخوف والتردد، لكن والدها لم يترك ابنته تعارك ذلك الموقف وحدها، وجعل يلح بالدعاء بأن يفتح الله على قلب طفلته الحبيبة، كانت النساء في المسجد يرين فيها الفتوة والطفولة، لكنه كان يراها جيشه الذي لا يهزم، وسنده الذي لا ينحني.
وبقلب يتطاير فرحا بشرته بأنها ألقت درسها الأول، وأنها قد خطفت قلوب النساء وأطربت مسامعهن، فانسكبت دموع الفخر والبهجة على قلبه، وهمس في أذنها وصية حفرت في وجدانها إلى الأبد: "طريق الحق والدين شاق، وثمن الارتقاء في الدعوة مكلف جدا، لكن اعلمي يا ابنتي أن من اشتغل لدين الله فلن يضيعه الله".

رافقها ذلك الشغف واتسعت رقعة الحب في قلبها للدعوة إلى الله تعالى، ففي مرحلة الثانوية العامة شاركت الداعية إسراء في مسابقة الداعية المتميز وأحرزت المرتبة الثانية على مستوى محافظة طولكرم بالرغم من أنها أصغر المتقدمين سنا وأقلهم علما وقتذاك.
اختارت الداعية إسراء أن تكمل دراستها الجامعية في تخصص الفقه وأصوله في جامعة النجاح الوطنية، حتى تقوي مرجعيتها العلمية بشكل رصين وواضح ليخدمها ذلك في مشوارها الدعوي الذي يتطلب علما غزيرا متجددا، لم تتوقف الدكتورة إسراء عند هذا الحد، بل سعت لنيل درجة الماجستير في ذات التخصص، وجعلت رسالتها بعنوان: "الإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي في التصور الفقهي"، حتى تؤصل خلفية علمية واضحة قبل انخراطها في مجال الدعوة عبر مواقع الإعلام والتواصل الاجتماعي كأنثى، وما يتبع ذلك من أحكام وضوابط.
كان شعارها الدائم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف"، فسعت لتطوير مهاراتها في اللغة الإنجليزية، وتعلمت بشكل ذاتي مهارات التصوير والإنتاج وإعداد البرامج الدعوية.
آمنت الدكتورة إسراء بأن التخصص في مجال واحد هو طريقها للوصول والتميز، وأن التشتت عدو النجاحات والأحلام، فلم تتفرع إلى أي علم آخر، واستعدت لمواصلة الشغف بمتابعة الدراسة لنيل درجة الدكتوراه في ذات الجامعة في تخصص الفقه وأصوله بعد أن أحرزت المرتبة الثانية في امتحان القبول.
كان شعارها الدائم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف"، فسعت لتطوير مهاراتها في اللغة الإنجليزية، وتعلمت بشكل ذاتي مهارات التصوير والإنتاج وإعداد البرامج الدعوية، واستطاعت بفضل الله إعداد مئات الحلقات والبرامج الدعوية.
استكملت الدكتورة إسراء مرحلة الدكتوراه بكل ما فيها من تحديات عظيمة، واستطاعت نشر خمسة أبحاث علمية محكمة منهجية في مجلات علمية محكمة، وتوجت تلك المرحلة بأطروحة عنوانها: "نوازل مالية معاصرة في المجال الطبي دراسة فقهية مقارنة"، والتي هدفت إلى تبصير كل من ينضم إلى مهنة الطب الإنسانية بأحكام الشريعة الإسلامية.

عن عائلتها تقول الدكتورة إسراء: "عائلتي هي الهدية التي أحمد الله عليها، لقد تربيت في كنف أم وأب اتخذوا من شرع الله منهجا لهم، تعلمت من والدي الحكمة والعزيمة والرشد، أما والدتي فقد غلفت تلك الحكمة بالحنان، وروت عزيمتي بالحب والإيمان، ولا أنسى رفيق دربي وأخي الحبيب مصعب فقد وقف سدا منيعا أمام التحديات التي عصفت بي في رحلتي تلك".
لم تنس الدكتورة إسراء كيف كان والدها يقف خلف الكاميرا أثناء تصوير الحلقات الدعوية، وكيف كان يمسك لها أدوات التصوير، وينتظرها إلى أن تنهي درسها، ويرافقها في تنقلاتها الدعوية، حتى أسمته "رفيق الدعوة إلى الله"، كانت تحس برفرفات دعواته الدافئة تكلل طريقها بالتيسير والقبول.
كان والدها يقف خلف الكاميرا أثناء تصوير الحلقات الدعوية، وكيف كان يمسك لها أدوات التصوير، وينتظرها إلى أن تنهي درسها، ويرافقها في تنقلاتها الدعوية، حتى أسمته "رفيق الدعوة إلى الله".
رزقت الدكتورة إسراء بجدة محبة للعلم تواقة للحكمة، تابعت تفاصيل مشوارها الدعوي خطوة بخطوة، لدرجة أنها هيأت حديقتها المنزلية وزرعتها بالورود لتبدو بأبهى حلة وجعلتها منبرا للدعوة تلقي فيها حفيدتها دروسها وتصدح بدعوة الحق من بيت الجدة الدافئ.
أما عن الصعوبات والتحديات، فلم تكن طريق الدكتورة إسراء منثورة بالورد، بل واجهت تحديات حاسمة وظروفا حالت بينها وبين الدعوة إلى الله لكنها واجهتها بالصبر والعزيمة والإصرار.
تقول الدكتورة إسراء: "الحياة مليئة بالأزمات والعثرات، وهذا طبيعي، لكن الغير طبيعي أن تخور قوانا أو نسقط في المنتصف، الصعوبات التي قدرها الله لي كانت في ظاهرها سيئة، لكن عندما أدركت مراد الله منها في قلبي كان لها أثرا في صقل شخصيتي في مواجهة الحياة، وهذا ما جعلني أشعر بلذة وحلاوة النجاح".
أنشأت الدكتورة إسراء صفحتها الدعوية على منصة فيسبوك في عام ٢٠١٦، كمشروع منفرد ونوعي مستقل وقتذاك في طرق الأنثى باب الدعوة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كان هدفها واضحا منذ البداية بأن تكون قلبا حانيا يقترب من واقع الفتيات ويفهم ما فيه إشكالات وتحديات وهموم، فالمرأة أدرى بمشاعر المرأة وأكثر فهما لها، كما أن واقعنا المعاصر يحتاج داعيات متمكنات يكن مرآة حقيقية للنساء في المجتمع المسلم، وهذا الثغر الذي استخلف الله فيه الداعية إسراء فأخذته بقوة بفضل الله.
"الحياة مليئة بالأزمات والعثرات، وهذا طبيعي، لكن الغير طبيعي أن تخور قوانا أو نسقط في المنتصف".
أنتجت الداعية إسراء خلال مسيرتها الدعوية برامج كثيرة، منها برنامج رسالتي، وليطمئن قلبي، وقصص الأنبياء، ونلتقي لنرتقي، وصحابية بالعامية، والمؤسسات الغاليات، وريحانة رمضان، إضافة إلى عشرات الندوات في المساجد والجامعات والفضائيات، والاستضافات الإعلامية المختلفة، وسلاسل الفتاوى الشرعية في كل ما يخص المرأة المسلمة.
لم يكن طريق الدعوة الإعلامية سهلا، بل لاقت الدكتورة إسراء تحديات وانتقادات مجتمعية كبيرة، واعتبر الكثير وجودها تحديا لن تستطيع اجتيازه، وحملا لن تكون على قدره، لكنها واجهت كل محاولات التثبيط مستعينا بالله، لأنها كانت تبصر ملامح طريقها بدقة!
لم تترك الدكتورة إسراء زمام أحلامها، ولا زالت تتابع رسالتها، وتحث خطاها في رحاب الرقي والتفرد، غايتها القبول والرضى، والذكر الحسن في الدنيا والآخرة، وسماء غاياتها مرصعة بالنجوم، التي ستسطع نورا ممتدا على رفوف الذكريات الجميلة، يوم أن يقول الله للأمنيات فتكون!