العلاقات الهندية الإسرائيلية..الأبعاد الاستراتيجية
24 يونيو 2025
تسلط هذه الورقة الضوء على الأبعاد الاستراتيجية للعلاقة المتنامية، بتسارع كبير في السنوات الأخيرة، بين الهند وإسرائيل. تعتبر الهند ثاني أكبر تجمع سكاني في العالم بعد الصين، وهي ثالث أكبر اقتصاد في آسيا وخامس اقتصاد في العالم أجمع، كما أنها القوة الشرائية الرابعة بعد الصين وأمريكيا والاتحاد الأوروبي. وتقع الهند في منطقة استراتيجية على ممر طريق الحرير، وتجاور دولا محورية في آسيا كالصين وإيران وباكستان، وتشرف شواطئها على مساحات شاسعة من المحيط الهندي. كل ذلك إلى جانب عوامل أخرى لا تقل أهمية، جعلت من الهند محط أنظار الصهاينة وهدفا لسياستهم الخارجية منذ عقود.
وفي الناحية المقابلة تقع إسرائيل في منطقة حيوية جدا من العالم، وهي الحليف الأقرب والاستراتيجي للولايات المتحدة، بل إن العلاقة بينهما توصف بالعلاقة العضوية، كما أنها باتت أحد أهم الدول المصدرة للسلاح وللتكنلوجيا العسكرية الدفاعية أو الهجومية، عدا عن تطورها التكنولوجي المتقدم جدا، والذي منحها تميزا واضحا في مجالات عديدة مثل الطب والزراعة والري وغيرها.

استغرق الأمر أكثر من أربعة عقود لتدشّن الهند علاقات رسمية مع إسرائيل، جاء ذلك بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار حليفها الأهم الاتحاد السوفييتي، وتبدل للتحالفات على الساحة الدولية التي باتت تدار بتفرد من القوة الأمريكية، مما جعل الهند تعيد توجيه سياستها الخارجية وـولوياتها بما يتناسب مع هذه البيئة الجديدة، وبما يخدم مصالحها بالدرجة الأولى، وقد تبع ذلك استلام حزب الشعب الهندوسي ذو التوجهات الليبرالية وسياسة الانفتاح الاقتصادي لمقاليد الحكم في البلاد، حيث ترافق ذلك مع محادثات مدريد للسلام بين العرب واسرائيل، أصدقاء الهند، ليسهل على الأخيرة تطبيع علاقاتها مع الصهاينة.
رأت اسرائيل في التطورات على الساحة الدولية وخصوصا التفرد الأمريكي في قيادة العالم، فرصة لا تعوض، من أجل تحقيق أهدافها في توسيع علاقاتها وتحالفاتها الدولية.
من ناحيتها رأت اسرائيل في التطورات على الساحة الدولية وخصوصا التفرد الأمريكي في قيادة العالم، فرصة لا تعوض، من أجل تحقيق أهدافها في توسيع علاقاتها وتحالفاتها الدولية، وقد رات في الهند اولوية قصوى لأسباب وعوامل عديدة.

أدرك الصهاينة منذ بداية التخطيط لمشروعهم، حجم الصعوبات والعقبات التي ستواجههم في ظل وجود محيط عربي معاد يفوقهم بأضعاف عددا ومساحة، وقد أدركوا أن نجاحهم مرتبط بشكل كبير بالدعم الدولي لهم أكثر من أي عوامل أخرى، "إن الإطار البريطاني يلعب دورا مركزيا في نظرية جابوتنسكي السياسية والعسكرية، لقد كان على قناعة تامة باستحالة تحقيق المشروع الصهيوني خارج إطار التحالف مع بريطانيا. فالمشروع الصهيوني مرتبط ارتباط مصيري بإنجلترا وبرغبتها في مساندته وتقديم العون والمساعدة له"[1].
أدرك الصهاينة منذ بداية التخطيط لمشروعهم، حجم الصعوبات والعقبات التي ستواجههم في ظل وجود محيط عربي معاد يفوقهم بأضعاف عددا ومساحة.
وقد أثبتت التجربة التاريخية أن نجاح كيان غريب في الاستمرار والبقاء ضد إرادة وقبول السكان الأصلانيين لا بد له من القوة والمنعة والتفوق، يقول جابوتنسكي :"نحن نقوم باستيطان البلاد خلافاً لإرادة السكان المحليين.. هؤلاء السكان الأصليون يتفوقون علينا الأن عددا بنحو ثمانية أضعاف، وعليه لا يمكن للاستيطان أن يتطور إلا تحت حراسة قوات مسلحة، تماما مثلما تطورت كل أشكال الاستيطان الأخرى عبر التاريخ"[2]. فقد سعت إسرائيل ومنذ قيامها إلى بناء علاقات وطيدة مع الدول الكبرى، بدءا ببريطانيا التي تبنت المشروع الصهيوني في بداياته وصولا إلى الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي للدولة الصهيونية، لكن إسرائيل لم تتوقف عند السعي إلى بناء علاقات وتحالفات مع الدول العظمى فحسب، بل سعت ومنذ البداية الى علاقات مع دول أخرى ذات ثقل إقليمي وخاصة في إفريقيا وآسيا.
إسرائيل لم تتوقف عند السعي إلى بناء علاقات وتحالفات مع الدول العظمى فحسب، بل سعت ومنذ البداية الى علاقات مع دول أخرى ذات ثقل إقليمي وخاصة في إفريقيا وآسيا.
فقد عاشت إسرائيل علاقات مزدهرة لعقود طويلة مع تركيا وإيران الشاه، وبذلت كل جهد ممكن في سبيل بناء علاقات قوية مع الصين والهند، الدولتان الأكبر في القارة الاسيوية، لكن عوامل كثيرة منعت من تطور هذه العلاقة التي شابها الفتور أحيانا، والسرية أحيانا أخرى حتى نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي.
أسهمت أحداث أيلول 2001، ومن قبلها انتهاء الحرب الباردة في إعادة رسم العلاقات الدبلوماسية والتحالفات السياسية في العالم أجمع ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط التي حظيت باهتمام أمريكي خاص. إلى جانب مؤتمر مدريد للسلام، أسهم في تطوير السياسة الخارجية لدول المنطقة وخاصة إسرائيل، التي بدأت بإعادة صياغة لعلاقاتها الدولية بشكل عام واضعة في حساباتها هذه التغيرات الحاصلة في البيئة الدولية والتي أنتجت تفردا أمريكيا واضحا في المشهد الدولي.
مؤتمر مدريد للسلام، أسهم في تطوير السياسة الخارجية لدول المنطقة وخاصة إسرائيل.
وقد ترافقت هذه التغيرات مع تبلور للمدرسة النيوليبرالية في إسرائيل بقيادة شمعون بيرس، التي آمنت أن التعاون الاقتصادي الإقليمي والدولي من خلال التجارة البينية والمشاريع الاقتصادية المشتركة والاستثمارات المتبادلة، والتبادل الثقافي والتعاون العلمي والأكاديمي وتحسين العلاقات السياحية، كل ذلك يخلق بيئة مشجعة للتعاون أكثر من الصراع ويؤدي في النهاية إلى خلق حالة من الاعتمادية المتبادلة صعبة الفكاك، يمكن استغلالها سياسيا لعمل مقايضات ومساومات في ملفات أمنية وعسكرية واستراتيجية وسياسية، حيث وظفت هذه المدرسة إمكاناتها لأجل تذويب الصراع بدلا من حله جذريا عبر مشاريع اقتصادية إقليمية مشتركة[3].
و تزامن ذلك أيضا مع مجموعة من التغيرات لدى الدول الصاعدة، وكان من أبرزها دولة الهند التي بدأت تشهد نموا اقتصاديا سريعا إلى جانب قدراتها العسكرية والبشرية، إضافة إلى ما تمتلكه الهند من علاقات مميزة مع العرب وخاصة علاقاتها التجارية والاقتصادية مع دول الخليج، مما عزز من حضورها القوي في المنطقة.

مع بداية تسعينيات القرن الماضي بدأ حزب المؤتمر تراجعه في الحياة السياسية الهندية لصالح أحزاب أخرى في مقدمها حزب الشعب القومي الهندوسي، جاء ذلك مع انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي حليف الهند القوي، وقد دفع ذلك إلى تبني الهند سياسة انفتاح اقتصادي على الغرب، حيث وجدت في إسرائيل البوابة الأنسب للحصول على التكنلوجيا الغربية، التي تحتاجها في تطوير ترسانتها الروسية القديمة، إلى جانب الرغبة في الاندماج في السوق العالمية، والتي يسيطر الغرب في ذلك الحين على معظمها.
كما أوجد هذا التحول الداخلي في الهند أرضية لتقدم العلاقات الهندية الإسرائيلية إلى مستويات غير مسبوقة، حيث وجد الحزب الهندوسي صاحب الخلفية اليمينية المتطرفة، تشابهاً بينه وبين حكومات اليمين التي سيطرت على الحياة السياسية في إسرائيل بصورة شبه تامة في العقدين الأخيرين.
وجد الحزب الهندوسي صاحب الخلفية اليمينية المتطرفة، تشابهاً بينه وبين حكومات اليمين التي سيطرت على الحياة السياسية في إسرائيل بصورة شبه تامة في العقدين الأخيرين.
رأى كل من الطرفان ان مكافحة الإرهاب تدفع كل منهما نحو الاخر، فالدولتان تعيشان ظروفا مشابهة من حيث البيئة المعادية ومن حيث مواجهتهما "للأصولية الإسلامية المتطرفة"، ما يستدعي منهما التعاون في هذا المجال الواسع، وما يشمله من تبادل للمعلومات الاستخبارية وتطوير لأنظمة الرقابة والمتابعة، إضافة الى مكافحة تهريب الأموال إلى الجماعات الإرهابية وغيرها[4].
أعطت إسرائيل أهمية كبرى للحدود المشتركة بين الهند وباكستان، الدولة الإسلامية الوحيدة صاحبة القدرات النووية. فتعزيز العلاقة مع الهند، سيعطي إسرائيل عاجلا أم آجلا، القدرة والآليات على مراقبة التطورات الباكستانية عن كثب، والتعرف عن قرب على قدرات الدولة الإسلامية النووية، وبالرغم من أن التخوف من انتقال التكنلوجيا النووية الباكستانية الى أحد الدول المعادية لإسرائيل لم يعد كبيرا، إلا أن إسرائيل تحسب احتمالات المستقبل وما يمكن أن يحدث في داخل باكستان كسيطرة جماعات أصولية متطرفة على الدولة مثلا، وبالتالي دخول السلاح الباكستاني إلى حيز التهديد الفعلي لإسرائيل.
إسرائيل نجحت، ومؤخراً بمساعدة العرب، في إقناع العديد من دول العالم بعدم ربط العلاقة معها بالصراع العربي الإسرائيلي أو بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
دفع التحول الهام على صعيد العلاقات العربية الإسرائيلية، الى إزالة أية حواجز من أمام عربة العلاقات الإسرائيلية الهندية. فمع عقد مؤتمر "مدريد للسلام" ثم توقيع اتفاقية "أوسلو" واتفاقية "وادي عربة"، أزيل من أمام الهنود أي عائق سياسي أو أخلاقي يمنع من تطوير العلاقة مع الدولة العبرية، كما أن إسرائيل نجحت، ومؤخراً بمساعدة العرب، في إقناع العديد من دول العالم بعدم ربط العلاقة معها بالصراع العربي الإسرائيلي أو بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي[5]. كما تراجعت قضية كشمير والخلاف الباكستاني الهندي كعامل مؤثر في العلاقات الهندية العربية في مؤشر واضح على تراجع المحدد العربي في السياسة الخارجية الهندية بصورة عامة.
بالإضافة إلى كل ذلك تشكل الهند سوقاً كبيراً وقدرة شرائية عالية أمام الصادرات الاسرائيلية العسكرية والمدنية على حد سواء، ما يزيد من دائرة علاقات إسرائيل السياسية والاقتصادية والأمنية في ظل بيئة دولية متجهة نحو تعددية قطبية، أو على الأقل بروز قوى صاعدة منافسة للقوة الأمريكية المهيمنة منذ ثلاث عقود[6]. فقد وقعت الدولتان مؤخرا، بالشراكة مع الإمارات العربية، اتفاقا يهدف إلى الوصول بحجم التجارة بين أطرافه الثلاث خلال السنوات الخمس القادمة إلى 115 مليار دولار.
تصدر التعاون العسكري والتكنولوجي المجال بين البلدين، حيث تعتبر الهند أكبر مستورد للسلاح في العالم، وتأتي إسرائيل كثاني أكبر مورد لها بعد روسيا، فعلى سبيل المثال لا الحصر، استوردت الهند قرابة 50% من إجمالي صادرات إسرائيل من السلاح في الأعوام الخمس الأخيرة، وتستثمر الهند عشرات المليارات من الدولارات لتجديد ترسانتها من السلاح وعتادها العسكري العائد للحقبة السوفييتية، بهدف مواجهة ومواكبة القدرات العسكرية المتزايدة لجاريها الصين وباكستان.
استوردت الهند قرابة 50% من إجمالي صادرات إسرائيل من السلاح في الأعوام الخمس الأخيرة، وتستثمر الهند عشرات المليارات من الدولارات لتجديد ترسانتها من السلاح وعتادها العسكري العائد للحقبة السوفييتية.
ومنذ عودة حزب الشعب الهندوسي إلى الحكم عام 2014، أبرمت الهند اتفاقيات عديدة مع إسرائيل في المجال العسكري، فقد أبرمت الهند اتفاقا مع الصناعات الجوية الإسرائيلية بقيمة ناهزت ملياري دولار، حيث ستقوم إسرائيل بتزويد الهند بمنظومة دفاع متطورة من صواريخ أرض جو وقاذفات وتكنولوجيا في مجال الاتصالات، كما وقع الطرفان على صفقة أسلحة تقوم إسرائيل بموجبها بتزويد الهند بصواريخ مضادة للدبابات بقيمة بلغت أكثر من نصف مليار دولار، هذا إلى جانب اتفاق بين الطرفين بأكثر من 600 مليون دولار لتزويد البحرية الهندية بأنظمة دفاع صاروخية.
يعد التعاون بين الطرفين في المجال العسكري بشكل عام هو أحد أهم أشكال التعاون بينهما، حيث تورد الصناعات العسكرية الإسرائيلية إلى الهند طائرات بدون طيار وأنظمة مراقبة ورادارات ونظم اتصالات، إضافة إلى التعاون بينهما في المشروع الأبرز وهو نظام الدفاع الجوي "براق 8"، كما وقعت الشركات الإسرائيلية اتفاقيات تفاهم مع شركات هندية حكومية، تهدف إلى بناء مشروع مشترك لصناعة الطائرات بدون طيار ومشاريع متعلقة بنظم الاتصالات والحروب الإلكترونية[7].
لم يقتصر التعاون بين البلدين على الجانب العسكري، بل تعداه إلى معظم المجالات الاقتصادية والعلمية كالطب والزراعة والري والمواصلات والطاقة البديلة وتكنلوجيا المعلومات، فقد أصبحت الهند ثالث أكبر شريك اقتصادي لإسرائيل في آسيا، وقد تم في السنوات الأخيرة توقيع عشرات الاتفاقيات التجارية وغيرها بين شركات إسرائيلية والشركات الهندية، وبشكل شبه يومي تنشر غرفة التجارة الإسرائيلية الواقعة في تل أبيب عقودا وصفقات مع شركات هندية، بل وتحث رجال الأعمال الإسرائيليين على التعاون التجاري مع الهند، ويحظى قطاع الماس والأحجار الكريمة بحصة الأسد من التبادل بين الطرفين[8].
لم يقتصر التعاون بين البلدين على الجانب العسكري، بل تعداه إلى معظم المجالات الاقتصادية والعلمية كالطب والزراعة والري والمواصلات والطاقة البديلة وتكنلوجيا المعلومات.
تعاني الهند منذ سنوات طويلة أزمة حادة في نقص المياه، وقد وجدت الهند ضالتها في التكنولوجيا الإسرائيلية في مجال تحلية المياه، إلى جانب الخبرة في إدارة الموارد المائية، حيث لعبت إسرائيل دورا مهما في نقل التكنلوجيا المائية وأنظمة تنقية المياه إلى الجانب الهندي، فقد وقع الجانبان مذكرة تفاهم عام 2017 حول إدارة وتنمية الموارد المائية، ما عجل من قيام الشركات الإسرائيلية في هذا المجال ببناء العشرات من محطات تنقية المياه في الهند. كما قاد التعاون في هذا المجال بين البلدين إلى التعاون في قطاع الزراعة، حيث أولت الحكومة الهندية أهمية كبرى للخبرات الإسرائيلية في القطاع الزراعي، وينفد الطرفان مشاريع تعاون زراعية تستهدف ولايات هندية بعينها، وفي المقابل تستورد إسرائيل من الهند الكثير من المنتجات الزراعية الهندية.
وخلال زيارته لتل ابيب عام 2017 وقع رئيس الوزراء الهندي مودي ونظيره نتنياهو على تأسيس صندوق للبحث والتطوير إضافة إلى سبعة اتفاقات تعاون في مجالات أخرى منها الصناعات الطبية والدوائية وبحوث الفضاء وتكنولوجيا المعلومات وغيرها[9].
لا شك ان تطور العلاقات الهندية الاسرائيلية له دلالات وتداعيات على منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا بشكل عام، ويبدو أن التطور المستمر في هذه العلاقة سيلقي بظلاله على المشهد السياسي الدولي والإقليمي مخلفا تداعيات بعيدة المدى، فمنذ عهد قريب تم تدشين ما عرف بالتحالف الهندي الإبراهيمي، والذي ضم في عضويته كل من الولايات المتحدة والهند والإمارات العربية وإسرائيل. هذا يعني حتما أن مسألة الصراع العربي الإسرائيلي أو الفلسطيني الإسرائيلي لم تعد عاملا مؤثرا في نظرة الهند إلى علاقتها مع إسرائيل، بمعنى أن الهند تجاوزت البعد العربي في علاقاتها مع عدو العرب الأول إسرائيل، وهي اليوم مدفوعة إلى الدخول معه في علاقة تحالف استراتيجي بتبرير أو ربما بدعم أطراف عربية بصورة مباشرة أو غير مباشرة كالإمارات أو غيرها من الدول المؤمنة بالتطبيع مع دولة الاحتلال، وهذا لا شك سيجعل من الصعب على الهند الوقوف إلى جانب القضايا العربية ضد إسرائيل، كما حصل في تصويتها الحيادي على تقرير العدوان الإسرائيلي على غزة في الأمم المتحدة عام 2014[10]، أو في موافقتها على عدم مساواة الحركة الصهيونية بالعنصرية.
الهند تجاوزت البعد العربي في علاقاتها مع عدو العرب الأول إسرائيل.
إن بعض ملامح العلاقة الجيو استراتيجية المتعددة الوجوه ما بين إسرائيل والهند، إنما تشكّل رأس جبل الجليد فقط في هذه العلاقات الخطيرة، ذات الأبعاد التوسعية والمرتكزة على بنية تحتية أيديولوجية وخلفية دينية معادية للإسلام وللعرب خصوصا في العقدين الأخيرين من الزمن. وإذا كانت إسرائيل توظف كل هذا الجهد المخابراتي والتقني والعسكري والديبلوماسي في الهند، فهذا لن يكون بلا مقابل، بل إن الهند تدرك ما يترتب عليها من واجبات أدبية واستراتيجية تجاه إسرائيل، بما يخدم الأمن القومي لكلا البلدين على المديين القريب والبعيد، وخصوصا فيما يتعلق بمحاصرة الأهداف القومية العربية وأهداف الوحدة الإسلامية، على الرغم من وجود مصالح هندية متعددة الأوجه في الدول العربية الخليجية بنوع خاص، الأمر الذي يمكن أن يخدم أيضا الأهداف الإسرائيلية في هذه المنطقة.
وفي غياب المتابعة العربية المطلوبة، تواصل إسرائيل تطوير علاقاتها مع الدول البارزة ذات الثقل العالمي مثل الهند لمنعها من دعم القضايا العربية والإسلامية وتستغل الفوارق والإشكالات الدينية والأيديولوجية لإثارة حرب الكراهية ضد العرب والمسلمين. وقد تمكن الإسرائيليون من زرع الكراهية وعدم الاحترام للعرب والمسلمين في كل مكان ثبتوا نفوذهم فيه، تحت عناوين محاربة "الإرهاب" ومكافحة "الأصولية الإسلامية".
تواصل إسرائيل تطوير علاقاتها مع الدول البارزة ذات الثقل العالمي مثل الهند لمنعها من دعم القضايا العربية والإسلامية وتستغل الفوارق والإشكالات الدينية والأيديولوجية لإثارة حرب الكراهية ضد العرب والمسلمين.
وقد اجتمعت الهند وإسرائيل في شن حملات تحريضية ضد الإسلام والمسلمين والزعم بأن الهندوس واليهود يتعرضون لحملات إبادة في فلسطين وكشمير، في حين أن الدولتين تملكان ترسانتي أسلحة نووية وفوق تقليدية من شأنهما تعريض الدول المجاورة لهما لأكبر الأخطار، تحت عناوين نصرة الديموقراطية في وجه الديكتاتورية، فيما الهدف الحقيقي من هذا الحلف هو تشكيل فكي كماشة هندوسي يهودي للإطباق على العالمين العربي والإسلامي على جميع الأصعدة الاقتصادية والعسكرية والأمنية والحضارية، بإشراف ومباركة الراعي الأميركي، الذي يمثل رئيس مجلس إدارة هذا المشروع بأكمله.
إن التعاون الواسع بين الهند وإسرائيل في مجالات عديدة، وخاصة في المجالات العسكرية والأمنية، يعزز من فرصة إسرائيل في جر باكستان إلى مربع تطبيع العلاقات معها، فالحديث الإسرائيلي المتكرر عن القنبلة النووية الإسلامية، والإشارات إلى الدعم الباكستاني لجماعات إسلامية متطرفة يهدف إلى زيادة الضغط على باكستان التي تأمل إسرائيل في حال تطبيع العلاقات معها، أن يدفع ذلك دولا إسلامية أخرى إلى السير ورائها في ذات الطريق، كما أنه يحقق لإسرائيل ذوبان البعد الإسلامي للصراع العربي الإسرائيلي.
الهدف الحقيقي من هذا الحلف هو تشكيل فكي كماشة هندوسي يهودي للإطباق على العالمين العربي والإسلامي على جميع الأصعدة الاقتصادية والعسكرية والأمنية والحضارية، بإشراف ومباركة الراعي الأميركي.
وتذهب بعض التحليلات إلى أن إسرائيل تلعب دورا بارزا في استمرار حالة الصراع الهندي -الباكستاني، لارتباط ذلك بالحفاظ على سوق السلاح الهندية. فروبرت فيسك يعتبر أن إسرائيل أصبحت جزءا من تحالف غير معلن مع الهند في مواجهة باكستان. وأشار فيسك إلى مصدرين أساسيين يدعمان هذا التحالف. المصدر الأول، هو المكاسب الإسرائيلية المتحققة من مبيعات السلاح للهند. والمصدر الثاني يتعلق بتشكل ما سماه فيسك "مجمعا صناعيا عسكريا" في البلدين، باتت لديه مصلحة في تعميق العلاقات الهندية -الإسرائيلية خاصة في مجالات الدفاع[11].
إن أحد أهم أهداف إسرائيل الاستراتيجية، والخفية في نفس الوقت، من وراء العلاقات المتطورة مع الهند هو تضييق الخناق على إيران التي تمتلك علاقات تعاون وثيقة مع الهند في مجالات مختلفة، وقد بذلت إسرائيل كل جهد ممكن عبر حليفتها الكبرى الولايات المتحدة من أجل إحباط مشروع أنبوب الغاز الإيراني عبر باكستان الى الهند، وقد تحقق لها مؤخراً ما أرادت، والذي لو قدر له النجاح لساعد في فك العزلة الأمريكية المفروضة على إيران[12].
إن أحد أهم أهداف إسرائيل الاستراتيجية، والخفية في نفس الوقت، من وراء العلاقات المتطورة مع الهند هو تضييق الخناق على إيران التي تمتلك علاقات تعاون وثيقة مع الهند في مجالات مختلفة.
يضاف إلى كل ذلك، البعد الأمريكي في العلاقة بين الطرفين وما يمكن أن تستفيده أمريكا من هذا التطور المتصاعد لها، فكما سعت الهند للاستفادة من إسرائيل والتقرب من الغرب، ستسعى أمريكا لاستغلال الهند في صراعها مع الصين، فموقع الهند الاستراتيجي يمنحها القدرة على إعاقة الخطط والمشاريع الصينية، مثل مشروع الحزام والطريق، وأن تلعب دورا هاما في الأجندات الأمريكية في المنطقة. كما أن التحالف الجديد الناشئ بين الهند وإسرائيل والإمارات قد يوفر لأمريكا فرصة لتحقيق الكثير من الأهداف في المنطقة، وحلا لكثير من القضايا التي كانت تتطلب وجودا امريكيا مباشرا.
مرت العلاقات الهندية الإسرائيلية خلال العقد الأخير بحالة من الازدهار التي لم يسبق لها مثيل وباتت تشهد اتجاها تصاعديا في تعميق هذه العلاقة، كما أن العلاقة بين الدولتين آخذة بالتحرر من العلاقة مع العالم العربي كمحدد للعلاقة بينهما، فقد تراجعت قيمة هذا المحدد بشكل واضح منذ مؤتمر "مدريد للسلام" بصورة متسارعة، وهو مرشح أن يشهد مزيدا من التراجع في ظل تسارع عمليات التطبيع العربي مع إسرائيل. وقد لعبت عوامل أخرى دورا بارزا في التحولات الحاصلة في العلاقات الهندية الإسرائيلية كان أبرزها تطور قائمة من المصالح المشتركة ونجاح الطرفين في مأسسة هذه العلاقات والمصالح، إضافة إلى التحول داخل الخريطة السياسية الهندية والمتمثل باستمرار حزب بهارتيا جانتا في قيادة البلاد.
ولا يمكن وصف تلك العلاقت بين إسرائيل والهند أنها جاءت كاستهداف للقضايا العربية، بقدر ما جاءت كإملاء فرضته الظروف السياسية والاقتصادية المستجدة، إلى جانب ركض كل من الدولتين وراء مصالحها القومية
سارعت كل من الدولتان، الهند وإسرائيل، إلى استغلال التغيرات الحاصلة في النظام الدولي بعد انتهاء الحرب الباردة، فتعزز التعاون بينهما إلى مرحلة وصلت اليوم إلى شبه تحالف استراتيجي، ولا يمكن وصف تلك العلاقة أنها جاءت كاستهداف للقضايا العربية بقدر ما جاءت كإملاء فرضته الظروف السياسية والاقتصادية المستجدة، إلى جانب ركض كل من الدولتين وراء مصالحها القومية. وليس أدل على ذلك من تطور العلاقات الإسرائيلية مع معظم الدول الإقليمية النامية كالصين واليابان وروسيا وغيرها. وفي المقابل لا يمكن القول أن تطور هذه العلاقة لا يضر بالمصالح العربية والإسلامية على مختلف الصعد وخاصة الصعيد السياسي والأمني، فإسرائيل تسعى دوما إلى تعزيز تحالفاتها على حساب العرب والمسلمين بهدف زيادة نقاط قوتها على حسابهم في شتى المجالات.
لا شك أن رياح هذه العلاقة جاءت بما تشتهيه سفن أمريكا، التي تتوقع أن يعود عليها هذا التعاون بالنفع وأن تحصل على بعض الخدمات الهندية في الصراع الصيني الأمريكي.
لا شك أن رياح هذه العلاقة جاءت بما تشتهيه سفن أمريكا، التي تتوقع أن يعود عليها هذا التعاون بالنفع وأن تحصل على بعض الخدمات الهندية في الصراع الصيني الأمريكي، لكن الهند تبقى محكومة بعوامل الجغرافية السياسية التي تفرض عليها أن تعطي اعتبارا لبعدها الإقليمي وقربها من الصين وإيران وباكستان، وما لها من علاقات متشابكة مع هذه الدول، ما يعني أنه ليس من السهل أن تنسلخ عن هذا المحيط.
1 بار-نير دوف، المواجهة: بنغوريون والتصحيحيون، تل أبيب، عام عوفيد، 1987، .
2 زيئيف جابوتنسكي، مقالات: في الطريق الى الدولة، (تل أبيب: عام عوفيد، 1957)، .
3 أيمن يوسف و مهند مصطفى: سياسة إسرائيل الخارجية تجاه القوى الصاعدة. مركز مدار، رام الله: 2011..
4كيف ولماذا ولد العشق بين الهند واسرائيل :ارئيل كهانا، 17\1\2018 انظر:
https://www.makorrishon.co.il/news/12257/
5الفلسطينيون قلقون من دعم الهند لاسرائيل: امير تيبون،7\7\2015
https://news.walla.co.il/item/2870514 انظر:
6 اسرائيل والهند والامارات والعمل على رفع حجم التجارة: سونيا جرودسكي، 19\1\2021
https://finance.walla.co.il/item/3466161انظر:
7 اسرائيل والهند علاقة استراتيجية عسكريا وسياسيا: محمد وتد،انظر
https://bit.ly/3GghUXO
8 نفس المصدر السابق
9 للاطلاع على تفاصيل زيارة رئيس الوزراء الهندي الى اسرائيل: انظر، https://www.gov.il/he/departments/news/firstvisitofindainpm
10 تساؤلات حول التعاون العسكري والاقتصادي بين الهند و باكستان: عدنان ابو عامر ،27\3\2021 ،انظر
https://bit.ly/31F2IEV
11 العلاقات الهندية الاسرائيلية :الموجة الثالثة ،محمد فايز فريحات
https://www.prc.ps/9273-2/
12 للاطلاع على الغاء مشروع خط الغاز الايراني الى الهند، انظر:
____________________________________________________
[1] بار-نير دوف، المواجهة: بنغوريون والتصحيحيون، تل أبيب، عام عوفيد، 1987، ص94.
[2] زيئيف جابوتنسكي، مقالات: في الطريق الى الدولة، (تل أبيب: عام عوفيد، 1957)، ص186.
[3] يوسف، أيمن ومصطفى، مهند: سياسة إسرائيل الخارجية تجاه القوى الصاعدة. مركز مدار، رام الله: 2011. 16-17.
[4] كيف ولماذا ولد العشق بين الهند وإسرائيل: أرئيل كهانة: انظر،
https://bit.ly/3erKr0E
[5] الفلسطينيون قلقون من دعم الهند لإسرائيل: أمير تيبون: انظر،
https://bit.ly/3esctZT
[6] إسرائيل والهند والامارات والعمل على رفع حجم التجارة: سونيا جرودسكي: انظر،
https://bit.ly/3H7XKj8
[7] إسرائيل والهند علاقة استراتيجية عسكرياً وسياسياً: محمد وتد: انظر،
https://bit.ly/3GghUXO
[8] نفس المصدر السابق.
[9] للاطلاع على تفاصيل زيارة رئيس الوزراء الهندي الى إسرائيل: انظر،
https://bit.ly/3mBjo7z
[10] تساؤلات حول التعاون العسكري والاقتصادي بين الهند واسرائيل: عدنان أبو عامر: انظر،
https://bit.ly/31F2IEV
[11] العلاقات الهندية الإسرائيلية: الموجة الثالثة، محمد فريحات: انظر،
https://bit.ly/3Hi4zPn
[12] للاطلاع على مشروع خط الغاز الإيراني الى الهند: انظر،
https://bit.ly/304jgWj