مترجم: بعد صدمة 7 أكتوبر.. إسرائيل تعيد بناء جهازها الاستخباري
10 أغسطس 2025
بعد 22 شهرا من الهجوم الذي نفذته حركة حماس في 7 أكتوبر 2023، وما تبعه من انتكاسات أمنية غير مسبوقة، شرعت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في إعادة تقييم شاملة لأدائها، متجهة نحو تغييرات جوهرية في بنيتها وآليات عملها.
بحسب ما نقلته وكالة بلومبيرغ الأمريكية عن مسؤولين عسكريين، فإن جهاز الاستخبارات يعكف على إدخال تحولات ثقافية ومهنية عميقة، تشمل تعزيز القدرات البشرية على حساب الاعتماد المفرط على التكنولوجيا، وتوسيع برامج تدريب الجنود على اللغة العربية والدراسات الإسلامية.
ومن أبرز الخطوات التي تم اتخاذها، إعادة إحياء برنامج أُلغي قبل ست سنوات يهدف إلى تجنيد طلاب المدارس الثانوية الناطقين بالعربية، وتكثيف التدريب على اللهجات المحلية مثل اليمنية والعراقية والغزية. وتهدف هذه الخطوة إلى تمكين المحللين من فهم الخطابات الدينية والفكرية للجماعات المسلحة دون الاعتماد الكلي على الترجمات.
جهاز الاستخبارات يعكف على إدخال تحولات ثقافية ومهنية عميقة، تشمل تعزيز القدرات البشرية على حساب الاعتماد المفرط على التكنولوجي.
وأكد ضابط في الاستخبارات، تحدث للوكالة بشرط عدم الكشف عن هويته، أن الجهاز "أساء فهم أيديولوجية حماس وخططها الميدانية بشكل جذري"، مشيرا إلى أن المخابرات كانت على علم بتدريبات مقاتلي حماس، لكنها فسّرتها باعتبارها مجرد استعراضات بلا نية تنفيذية، وكان تقييمها أن "هؤلاء يعيشون في عالم من الخيال"، كما خلص المحللون إلى أن حماس كانت راضية بدورها كسلطة حاكمة، وجرى تهدئتها من خلال التبرعات الخارجية وفرص العمل لبعض الغزيين داخل إسرائيل.
وتنقل بلومبيرغ عن مايكل ميلشتاين، رئيس برنامج الدراسات الفلسطينية في مركز موشيه ديان بجامعة تل أبيب، قوله إن "الإسرائيليين لو قرؤوا صحف حماس واستمعوا إلى إذاعاتها لكانوا أدركوا أن الحركة لم تكن مردوعة، بل كانت تسعى للجهاد".
"الإسرائيليون لو قرؤوا صحف حماس واستمعوا إلى إذاعاتها لكانوا أدركوا أن الحركة لم تكن مردوعة، بل كانت تسعى للجهاد".
وتُعد هذه التحولات جزءا من مراجعة أوسع داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بعد صدمة السابع من أكتوبر، التي أدت إلى مقتل نحو 1,200 إسرائيلي وأسر أكثر من 250، وأعقبتها حرب مدمرة في قطاع غزة راح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين.

اعتادت إسرائيل على رؤية نفسها كجزء من العالم الغربي، لكن محللين يرون أنها اليوم تواجه خطرا وجوديا وتصارع للبقاء على قيد الحياة في الشرق الأوسط. وفي ضوء ذلك، تعيد الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إحياء نهجها القديم في العقود الأولى لقيام دولة الاحتلال، حين شكلّ اليهود القادمين من دول ناطقة بالعربية ركيزة أساسية في العمل الاستخباري. وقد لعب كثيرون منهم أدوارا محورية، أبرزهم إيلي كوهين، الذي تمكن من التغلغل في دوائر السلطة العليا بسوريا، قبل أن يُكتشف أمره ويُعدم في الستينيات.
تشير بلومبيرغ إلى أن خطة الاستخبارات الجديدة تركز على تقليص الاعتماد على التكنولوجيا، وبناء طاقم من الجواسيس والمحللين ذوي معرفة واسعة باللهجات — اليمنية، العراقية، الغزية — إضافة إلى فهم راسخ للعقيدة والخطاب الإسلامي الراديكال، بهدف خلق ثقافة داخلية تعيش وتتنفس طريقة تفكير خصوم إسرائيل في المنطقة. كما تم تفعيل وحدة كانت مهمشة سابقا، مهمتها الطعن في التقييمات السائدة وتشجيع "التفكير غير التقليدي"، في ما يُعرف داخل الأوساط العسكرية بمصطلح "إبخا מסתברא"، أي "العكس قد يكون منطقيا".
تعيد الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إحياء نهجها القديم في العقود الأولى لقيام دولة الاحتلال، حين شكلّ اليهود القادمين من دول ناطقة بالعربية ركيزة أساسية في العمل الاستخباري.
لكن رغم تلك الإصلاحات، يحذّر خبراء من أن النجاح يتطلب تغييرات أوسع في المجتمع الإسرائيلي. فبينما تتوفر اللغة العربية في المدارس، إلا أن الغالبية تفضل تعلم الإنجليزية، وتبقى ثقافة المنطقة مجهولة للكثير من الشباب الإسرائيلي الطامح للعمل في وادي السيليكون بدلا من التعمق في معرفة جيرانه.
وتنقل الوكالة عن أوفير غوترمان، وهو ضابط سابق في الاستخبارات ويعمل حاليا في معهد أبحاث منهجية الاستخبارات، قوله إن ما تحتاجه إسرائيل اليوم هو إعادة بناء ثقافة استخبارية ترتكز على فهم أعمق للعدو وسياقاته.
وأشار غوترمان لتوضيح رؤيته إلى التمييز بين "كشف سر" و"حل لغز". ففي كشف الأسرار - كمعرفة مكان اختباء زعيم ما - برعت إسرائيل، كما أظهرت عملياتها ضد قيادة حزب الله في لبنان خريف العام الماضي. أما في حل الألغاز - مثل: ماذا يخطط هذا الزعيم؟ - فقد ضلّت الطريق.
في المقابل، يرى دان ميريدور، الوزير السابق لشؤون الاستخبارات، أن هذه المراجعة قد تقود إلى استنتاجات خاطئة، مؤكدا أن "فشل 7 أكتوبر لم يكن بسبب ضعف في معرفة الآيات القرآنية أو اللهجات، بل في انعدام الحوار والرؤية السياسية". وبرأيه، فإن ما تحتاجه إسرائيل اليوم ليس مزيدا من المعلومات الاستخباراتية، بل انخراطا أعمق في مسارات التفاوض والانفتاح، بما يتجاوز الحلول الأمنية التقليدية.