اغتيال القادة: هل يُنهي المقاومة؟
16 يوليو 2025
لطالما لجأت الدول والقوى الدولية إلى سياسة اغتيال القادة كوسيلة للقضاء على الحركات الثورية والمقاومة المسلحة، ومع ذلك، فإن دراسة التاريخ وتجارب الحركات الأيديولوجية تظهر أن هذه السياسة غالبا ما تفشل في تحقيق أهدافها الإستراتيجية، فاغتيال القادة قد يخلخل صفوف التنظيم مؤقتاً، ويؤخر وصول الجماعة للهدف، لكنه لا يُنهي مقاومة متجذرة في أيديولوجية عميقة وشبكات دعم مجتمعي، و في الحالة الفلسطينية، يبقى السؤال الأبرز: هل يمكن لهذه السياسة أن تحقق هدفها المتمثل في إنهاء المقاومة؟

يقر مسؤولون إسرائيليون سابقون بفشل هذه السياسة في إنهاء المقاومة. يقول ميلشتاين، الذي عمل في جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي "أمان": "في بعض الأحيان يكون من الضروري اغتيال زعيم بارز للغاية. ولكن عندما تبدأ في التفكير في أن هذا سيغير اللعبة وأن منظمة أيديولوجية ستنهار لأنك قتلت أحد قادتها، فهذا خطأ فادح".
من جانبه، أكد رام بن باراك، نائب رئيس الموساد السابق، أن اغتيال قائد بارز مثل يحيى السنوار لن يحقق أهداف إسرائيل: "بعد سقوط السنوار، سيأتي شخص آخر. إنها حرب أيديولوجية، وليست حربًا على الأفراد".
حركات مثل حماس ليست مجرد مجموعات يقودها أفراد يمكن بإزاحتهم إنهاء الصراع، بل هي حركات تستمد قوتها من قضايا أيديولوجية وسياسية معقدة.
هذه التصريحات تكشف عن إدراك عميق بأن حركات مثل حماس ليست مجرد مجموعات يقودها أفراد يمكن بإزاحتهم إنهاء الصراع، بل هي حركات تستمد قوتها من قضايا أيديولوجية وسياسية معقدة.
اعتمدت إسرائيل منذ عقود سياسة اغتيال القادة، لكنها لم تحقق أهدافها الأساسية. فبعد مرور أكثر من عام على هجومها على غزة في 7 أكتوبر، لم تتمكن من القضاء على حماس أو إنهاء مقاومتها. ورغم الدمار الواسع الذي خلفته الهجمات، لا تزال حماس تسيطر فعلياً على القطاع وتستمر في نشاطها، وهذا الفشل يرجع إلى عدة عوامل، أبرزها طبيعة حماس الأيديولوجية والتنظيمية، فهي ليست مجرد جناح عسكري، بل حركة متكاملة تضم أبعاداً سياسية واجتماعية، مما يجعلها عصية على محاولات التصفية، إلى جانب الدعم الشعبي، الذي يضمن قدرة حماس على تجديد قياداتها وإعادة بناء صفوفها.
تُعد سياسة اغتيال القادة، أو "قطع الرؤوس"، جزءاً من إستراتيجية إسرائيل في مواجهة المقاومة الفلسطينية. وخلال الانتفاضة الثانية عام 2000، بلغت هذه السياسة ذروتها. ووفقاً لدراسة أجراها الباحث ستيفن ديفيد، كثّفت إسرائيل عمليات الاغتيال بهدف تقويض الهجمات الفلسطينية.
ومع ذلك، كانت النتائج عكسية. ففي حين كانت نسبة القتلى الفلسطينيين إلى الإسرائيليين في الانتفاضة الأولى حوالي 25 إلى 1، تمكنت الجماعات الفلسطينية المسلحة في الانتفاضة الثانية من تقليص هذه النسبة إلى 3 إلى 1.
ردت إسرائيل بتشديد القيود على حركة الفلسطينيين وزيادة عملياتها العسكرية، لكن ذلك لم يوقف المقاومة. على العكس، أعادت حركات المقاومة تنظيم صفوفها، مما أظهر محدودية تأثير هذه السياسة.
تستمد حماس قوتها من كونها جزءاً لا يتجزأ من النسيج المجتمعي الفلسطيني. فهي لا تمثل جناحاً عسكرياً فقط، بل توفر خدمات اجتماعية وسياسية تجعلها تحظى بشعبية واسعة، ويعتبر الفلسطينيون حماس رمزاً للدفاع عن الحقوق الفلسطينية والقوة الرافضة للاستسلام، هذا الدعم الشعبي يُمكّن الحركة من تجنيد أعضاء جدد، وإعادة بناء مواردها الحيوية، فضلاً عن الحفاظ على قدرتها التنظيمية رغم استهداف قياداتها.
التاريخ مليء بأمثلة لحركات ثورية واجهت اغتيالات لقياداتها واستمرت في النضال، مما يُظهر أن الأيديولوجيا والتنظيم القوي قد يتغلبان على الخسائر الفردية.
جبهة التحرير الوطني الجزائرية
خلال الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي (1954-1962)، اغتيل العديد من قادة الجبهة. ورغم ذلك، استمرت الجبهة في النضال حتى نالت الجزائر استقلالها.
حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة
كان اغتيال مارتن لوثر كينغ جونيور عام 1968 ضربة كبيرة لحركة الحقوق المدنية، لكنه لم ينهِ نضال الأميركيين الأفارقة. على العكس، دفع مقتله الحركة للاستمرار بقوة أكبر.
الثورة الكوبية
رغم اغتيال إرنستو “تشي” غيفارا، استمرت الثورة الكوبية كرمز للمقاومة ضد الهيمنة الإمبريالية وألهمت حركات ثورية حول العالم.
المقاومة الفيتنامية
خلال حرب فيتنام، استهدفت الولايات المتحدة قادة المقاومة الفيتنامية، لكن اغتيالهم لم يوقف نضال الفيتناميين، الذين تمكنوا في النهاية من الانتصار.
تشير الدراسات إلى أن عمليات اغتيال القادة قد تزيد من الدعم الشعبي للمقاومة. فعندما تُظهر الحركات الثورية قدرتها على الصمود، تعزز شرعيتها في نظر المجتمع المحلي والدولي، بالإضافة إلى ذلك، فإن الأضرار الجانبية، مثل مقتل مدنيين أثناء تنفيذ عمليات الاغتيال، تزيد من التعاطف مع المقاومة وتدفع المزيد من الأفراد لدعمها.
رغم تأثيرها التكتيكي على المدى القصير، أثبتت سياسة اغتيال القادة فشلها في تحقيق أهداف إستراتيجية طويلة المدى، فالحركات المقاومة، خاصة تلك التي تستند إلى أيديولوجيات عميقة ودعم شعبي واسع، قادرة على تجاوز خسارة قادتها وإعادة تنظيم صفوفها، وفي حالة حماس، يظهر بوضوح أن اغتيال القادة لن يؤدي إلى إنهاء المقاومة، بل إن جذور الصراع الأيديولوجية والسياسية تجعل الحل الحقيقي مرهونًا بتحقيق اهداف المقاومة، وعلى غرار ما حدث مع حركات ثورية عالمية، فإن محاولات قمع المقاومة بالقوة أو عبر استهداف رموزها غالبًا ما تكون سببًا في تعزيزها، وليس في إنهائها.