شمال الضفة...عدوان يُحاكي الإبادة يُقابل بصمود ومقاومة
12 يوليو 2025
في الساعات الأولى لبدء معركة طوفان الأقصى، وقبل أن يبدأ الاحتلال عدوانه الدموي على غزة، بدا وأن قادة الاحتلال أرادوا تحييد جبهة الضفة أولا قبل بدء الحرب. فعَمِد منذ الساعات الأولى وضمن سيناريو مسبق في حال وقوع حرب كبيرة، إلى نصب مئات الحواجز والبوابات، التي قطعت أوصال الضفة عن بعضها البعض وحاصرت المدن وعشرات القرى ضمن دوائر ضيّقة.
بعد 15 شهرا من العدوان المتواصل على قطاع غزة، أعلن الاحتلال عن ما أسماه عملية "السور الحديدي" في 21 يناير أي بعد أقل من يومين على بدء سريان الهدنة في قطاع غزة.
لم يتوقف الأمر عند الحواجز التي وصل عددها خلال الأيام الماضية إلى أكثر من 1000 حاجز وبوابة، مما يشير إلى وجود حاجز في كل 6 كم مربع في الضفة، حبست الناس داخل سجون كبيرة يرون فيها السماء بلا شبك، فضلا عن شنّ حملات اعتقالات واسعة وغير مسبوقة في كافة محافظات الضفة، حيث بلغ عدد المعتقلين منذ بدء الحرب، وحتى بدء سريان الهدنة صباح الـ19 من يناير من العام الجاري، قرابة 15 ألف معتقل، ويضاف إلى ذلك استدعاء آلاف الشبان لمكاتب مخابرات الاحتلال للتهديد والوعيد، وليس أخيرا بارتقاء قرابة 900 شهيد، وهو الرقم الأعلى لذات المدة في الضفة الغربية منذ سنوات طويلة، وإصابة أكثر من 6500 آخرين.
وبعد 15 شهرا من العدوان المتواصل على قطاع غزة على وجه الخصوص، وبينما كانت الهدنة في قطاع غزة تدخل ساعاتها الأولى، كان الاحتلال المنتشي ببدء ولاية ترامب الذي تعول عليه "إسرائيل" كثيرا في تسهيل تنفيذ ضم الضفة التي يروّج لها اليمين "الإسرائيلي" بشكل متواصل يستعد لتنفيذ خطته في الضفة أو جزء منها فأعلن عن ما أسماه عملية "السور الحديدي" في 21 يناير أي بعد أقل من يومين على بدء سريان الهدنة في قطاع غزة.
بدأت العملية في مخيم جنين، في الـ21 من يناير الماضي، ثم توسعت لتصل إلى مخيم طولكرم في الـ27 من الشهر ذاته، وفي الـ2 من فبراير شملت العملية محافظة طوباس وتحديدا مخيم الفارعة وبلدة طمون، وفي الـ9 من الشهر ذاته وصلت العملية ذروتها بحصار مخيم نور شمس وتهجير أهله في واقع إنساني كارثي في جميع المناطق التي شملها العدوان.
جنين ومخيمها : تفخيخ وقصف وتهجير
بعد قرابة 50 يوما من حصار محكم نفذته أجهزة أمن السلطة على مخيم جنين أعلنت السلطة خلالها اعتقال أكثر من 300 شخص زعمت أنهم عناصر مقاومة، واستشهاد 8 أشخاص، وبعد أيام طويلة من الاشتباكات بين السلطة والمقاومة انسحبت آليات السلطة بشكل مفاجئ واجتاح الاحتلال المخيم في ذات اللحظة.
بدأ الاحتلال عدوانه في مخيم جنين حيث قام بشق الطرق وتجريف الشوارع وتدمير البنية التحتية وقصفت الطائرات مواقع في جنين عدة مرات وصولًا إلى تفخيخ مربع سكني بأكمله في حي الدمج في مشهد يشبه ما حدث بغزة خلال السنة ونصف الماضيتين.
أخطر ما يحدث داخل المخيم هو "إعادة هندسة جغرافية المخيم" التي يقوم عليها الاحتلال من خلال شق طرق جديدة وتدمير منازل، ليصبح المخيم بحسب ما يهدف إليه الاحتلال "أحد أحياء مدينة جنين.
عدوان الاحتلال في جنين وحتى لحظة كتابة هذه الكلمات أسفر عن ارتقاء 25 شهيدا واعتقال عشرات الشبان وتدمير أكثر من 140 منزلا وبناية سكنية وتهجير معظم سكان المخيم الذين أصبحوا نازحين في قرى جنين المختلفة.
ولعل أخطر ما يحدث داخل المخيم هو "إعادة هندسة جغرافية المخيم" التي يقوم عليها الاحتلال من خلال شق طرق جديدة وتدمير منازل، ليصبح المخيم بحسب ما يهدف إليه الاحتلال "أحد أحياء مدينة جنين،" بالإضافة إلى وضع مسميات عبرية لبعض المناطق داخل المخيم ما يوحي بأهداف خطيرة يسعى الاحتلال لتنفيذها داخل المخيم.
عدوان الاحتلال في جنين لم يقتصر على المخيم فحسب فطال القصف بلدة قباطية أكثر من مرة، حيث ارتقى شهيدين بقصف مركبة في الـ24 من يناير، وقصف مركبة أخرى في في الأول من فبراير الجاري ارتقى بها شهيدين آخرين.
في الـ27 من يناير، وبعد مضي قرابة أسبوع على بدء عملية الاحتلال في جنين قصفت طائرة "إسرائيلية" مركبة في مخيم نور شمس كانت تقل قائد كتيبة طولكرم التابعة لكتائب القسام الشهيد إيهاب أو عطيوة ويرافقه الشهيد رامز الضميري، وفور القصف اقتحم الاحتلال مخيم طولكرم وحاصره من جميع الجهات وبدأ عملية واسعة بداخله، نتج عنها تهجير ما يزيد عن 80% من أهالي مخيم طولكرم، وتدمير البنية التحتية وتفجير المنازل وتغيير معالم المخيم على غرار ما يحدث في مخيم جنين.
قام الاحتلال بتهجير أهالي المخيم وسكان الجبلين لتصل نسبة النزوح من داخل المخيم إلى ما يزيد عن 70% من أهله.
عدوان الاحتلال في طولكرم لم يقتصر داخل حدود المخيم فحسب، بل شمل محيط المخيم وعدة أحياء داخل طولكرم، اقتحمها الاحتلال وطرد سكان عدد من المباني منها، وحوّلها لثكنة عسكرية لجنوده المشتركين في العدوان، كما تعمد تدمير الشوارع والممتلكات داخل المدينة أيضاً مثل منطقة المحكمة ودوار جمال عبد الناصر.
بعد 13 يوما من العدوان المتركز بشكل رئيسي في مخيم طولكرم، وسع الاحتلال عدوانه ليشمل مخيم نور شمس الذي يحوي 15 ألف فلسطيني إذا ما احتسب سكان جبلي النصر والصالحين المتاخمين للمخيم، حيث قام الاحتلال بتهجير أهالي المخيم وسكان الجبلين لتصل نسبة النزوح من داخل المخيم إلى ما يزيد عن 70% من أهله.
على مستوى المقاومة، كانت الصورة في مخيم نور شمس مختلفة عن غيرها من المناطق، حيث بدا أن تأخر الاحتلال ببدء حملته في مخيم نور شمس مقارنة بجنين وطولكرم وكذلك طوباس، أتاح للمقاومين إعادة ترتيب صفوفهم وتجهيز خططهم الدفاعية، حيث ما زال الاحتلال ومنذ 12 يوما يواجه مقاومة شرسة داخل المخيم ونجح المقاومون في إيقاع جنود الاحتلال بكمائن عدة، وما زالت الاشتباكات تسمع من عدة أحياء داخل المخيم منذ اللحظة الأولى لبدء العدوان.
طوباس.. عدوان دفعته المقاومة من خلف الخطوط

ليلة الـ30 من يناير، وبينما كان الاحتلال مركزا عملياته العسكرية في جنين فقط، ارتكب الاحتلال مجزرة فظيعة في بلدة طمون قضاء طوباس، بقصف طائرات الاحتلال لمجموعة من الشبان، ارتقى على إثرها 10 فلسطينيين دفعة واحدة، وبعد 3 أيام من المجزرة أعلن الاحتلال توسيع عملياته العسكرية لتشمل طوباس وتحديدا مخيم الفارعة وطمون.
لم تختلف الصورة كثيرا عن جنين وطولكرم، فقد مارس الاحتلال هوايته في حربه على الحجارة التي تمثل في حقيقتها هوية فلسطينية وعربية وإسلامية، فبدأ بحفر الطرق وتدمير الشوارع وضرب البنية التحتية، وهُجّرت تحت تهديد السلاح قرابة 60% من سكان مخيم الفارعة، ومنع التجول بشكل دائم في بلدة طمون، فيما شملت الاعتقالات مناطق واسعة في المحافظة من ضمنها بلدة عقابا.
وهُجّرت تحت تهديد السلاح قرابة 60% من سكان مخيم الفارعة، ومنع التجول بشكل دائم في بلدة طمون، فيما شملت الاعتقالات مناطق واسعة في المحافظة.
وبينما كانت قوات الاحتلال تبحث عن المقاومين في شوارع وبيوت مخيم الفارعة وطمون باغتت المقاومة الاحتلال ونفذت هجومًا خلف الخطوط وقف قادة الاحتلال ومخابراته في حيرة كبيرة إزائه وذلك بعد قيام مقاوم بالتسلل إلى حاجز تياسير المعروف بتحصيناته العسكرية وهجومه لوحده على قوة قوامها 11 جنديًا أسقط منهم 10 بين قتيل وجريح وسيطر على برج الحراسة ليعجز الاحتلال لمدة ساعات طويلة عن تحديد هويته لتعلن عائلة دراغمة أن منفذ العملية هو ابنها الشهيد محمد عاطف دراغمة.
شمال الضفة.. بؤرة مقاومة متصاعدة

إذا اعتُبِر أن معركة سيف القدس نقطة زمنية شهدت من بعدها انطلاقة المقاومة في شمال الضفة، بشكلها الحالي القائم على التمركز في أماكن محددة، واستدراج الاحتلال لها ونصب الكمائن لآليات وجنود الاحتلال بين أزقة المخيمات والطرقات، فإن الأرقام تشير إلى أن خسائر الاحتلال خلال الـ4 سنوات الماضية في المناطق التي شهدت وجود هذا الشكل من المقاومة وتحديدًا في "جنين، طولكرم، نابلس، طوباس" مقتل 43 جنديا ومستوطنا وإصابة 491 آخرين، فيما يقارب 3500 عملية إطلاق نار واشتباك و12 عملية دعس و 21 عملية طعن، الأمر الذي يشير إلى ما يزيد عن 70 عملا مقاوما في هذه المناطق شهريا خلال هذه السنوات.
وفي الحديث عن معركة طوفان الأقصى وإسهام الضفة بها، فتظهر أرقام المقاومة في عموم الضفة مقتل 59 جنديا ومستوطنا، وإصابة 455 آخرين، إثر تنفيذ المقاومة 2144 عملية إطلاق نار واشتباك خلال تلك المدة، إضافة إلى تنفيذ 48 عملية طعن و 33 عملية دعس.
يرى الاحتلال أن المقاومة تشكل استنزافا دائما لقواته مع كل اقتحام له في تلك المناطق ومحيطه،ا وتقوّض من نشاطه وعملياته التي يريد لها أن "تتم بهدوء".
من بين خسائر الاحتلال التي تبرزها هذه الأرقام في عموم الضفة، اعترف الاحتلال بمقتل 14 جنديا ومستوطنا في المناطق الثلاث التي يشن عليها عدوانه الحالي "جنين طوباس طولكرم"، وإصابة 161 آخرين بين جنود ومستوطنين إثر تنفيذ أكثر من 1250 عملا مقاوما، وتفجير آلاف العبوات الناسفة في المناطق المذكورة نتج عنها إعطاب أكثر من 81 آلية وإسقاط 12 طائرة "مسيرة - درون".
يرى الاحتلال أن المقاومة المتمركزة في مخيمات شمال الضفة وبعض المناطق والقرى كالبلدة القديمة في نابلس في عهد عرين الأسود وبلدة طمون في طوباس وبعض بلدات وقرى جنين مثل قباطية وجبع والسيلة الحارثية، يرى أنها تشكل استنزافًا دائمًا لقواته مع كل اقتحام له في تلك المناطق ومحيطها وتقوّض من نشاطه وعملياته التي يريد لها أن "تتم بهدوء" بينما تحرمه الكتائب المنتشرة في عموم هذه المخيمات والمناطق من الهدوء الذي يحلم به وتكبده الخسائر بشكل مستمر ومتواصل.
يريد الاحتلال من عملية كهذه قارب عمرها على الشهر أن يقضي على تشكيلات المقاومة في شمال الضفة كما يعلن عبر بياناته الرسمية، لكنه يريد أيضًا معاقبة الحاضنة الشعبية التي تحتضن المقاومة منذ سنوات وتضحي من أجلها بأولادها وبيوتها وبنيتها التحتية فهجّر ما لا يقل عن 40 ألف نسمة وقتل 46 فلسطينيا معظمهم من المدنيين والنساء والأطفال.
في وقت فشل فيه الاحتلال بتحقيق أحلامه بالقضاء على المقاومة في غزة، انتقل للضفة ليسد شيئًا من فشله في غزة لكن المقاومة في الضفة استبقته بخطوة وأرسلت له رسالة التحدي والاستمرار بعملية تفجير جيب أسفر عن مقتل جندي وإصابة 4 آخرين في بلدة طمون في الساعات الأولى لبدء الهدنة في غزة، ثم واصلت طوباس توجيه ضرباتها القاتلة للاحتلال بعملية تسلل خلف الخطوط أسفرت عن مقتل جنديين وإصابة 8 آخرين. وفي جنين ومخيم نور شمس تواصل المقاومة نصب الكمائن وتفجير العبوات وإمطار الجنود بزخات الرصاص رغم اقتراب العدوان من إتمامه شهره الأول في منطقة تفتقد لكل مقومات صمود المقاومة لكن إرادة الفلسطيني في كل مرة تناطح مخرز الاحتلال وتصنع المعجزات.