طائر محتل.. عن طائر المينا
3 يوليو 2025
أينما تسير وتتنقل تجده أمامك.. يسير أرضاً بخفة وجرأة لا تجدها عند الطيور الأخرى، فلا يسارع إلى الفرار عند اقترابك منه، ينبش حاويات القمامة بمهارة قطة، ويجوب الشوارع والطرقات وأسطح المنازل والأسوار والحدائق بحثاً عما يصلح تناوله لطائر مثله...
لونه أسود لامع يميل إلى البني الداكن أو الرمادي القاتم، أطراف جناحية من الخارج تتشح بشريط أبيض يظهر بوضوح عند الطيران وكذلك ذيله، قليل من الصُفرة على رجليه، ومنقار أصفر فاقع أيضاً.. حول عينيه تلتف بقعة جلدية صفراء باهتة وقد تكون بيضاء أحياناً، تتميز بخلوِّها من الريش وبروزها بقوة، وكأنها عيون آدمية تحيط بعيونه وتزيده جاذبية وأناقة.
صوته مرتفع متكرر، قد تسمعه يغرد بصوت شجيٍّ جميل، وقد يطرق سمعك أصواتاً مختلفة تصدر عنه وتسبب لك الارتباك، فهو لا يستقر على نمط تغريد واحد يجعلك واثقاً من نوع الطائر الذي يطلقه.. انتبه؛ إنه ماهر في تقليد أصوات الطيور الأخرى، ويقال إنه قادر على تقليد صوت الإنسان إذا تلقى تدريباً ممنهجاً.
بدأت حكاية هذا الطائر تحديداً ولوحظ بدء انتشاره عام 2011، بعد حرائق الكرمل في حيفا المحتلة.. حيث كان طائر المينا محتجزاً في حدائق الحيوان
يفاجئك بوقاحته، ومهاجمته للطيور حتى تلك الأكبر حجماً منه مثل الحمام والغربان، يراه المزارعون ومن يهتمون بالطيور ويراقبونها، ويلفت انتباه سكان القرى خاصة، ويتعجبون من سلوكه العدواني وشراسته ويتأذون منه أيضاً. حجمه أصغر قليلاً من الحمام البري، وأكبر قليلاً من البلبل المعروف، يشبه إلى حد كبير في الحجم طائر الشحرور.
قد تتساءلون ما هذا الطائر؟ ومن أين أتى؟ لماذا لم يكن ينتبه إليه أحد قبل عقد من الزمان تقريباً؟ أين كان مختبأ؟ ولما ظهر هكذا وانتشر فجأة؟ هل هو طائر فلسطيني؟ ولماذا يثير الاستفزاز بوقاحته وتعدياته على الطيور الأخرى حتى الداجنة منها مثل الحمام والدجاج؟ ولماذا يهاجمها؟
حسناً: إنه طائر المينا.. أو البلبل الهندي كما يشيع تسميته بين الفلاحين والمزارعين..
بات المينا ينتشر في فلسطين، من الشمال إلى الجنوب، ومن السهول إلى الجبال إلى الأغوار، لا تجد منطقة تخلو منه.. انتشاره الواسع بات يثير الاستغراب، لأن من يعرفون طيور فلسطين يدركون تماماً أنه ليس بطائر وطني ولم يكن مقيماً في فلسطين قبل عقود من الزمان، كحال العصفور الدوري مثلاً أو البلبل أو طائر الشمس الفلسطيني أو الحجل أو الهدهد... وغيرها من الطيور الفلسطينية.
بدأت حكاية هذا الطائر تحديداً ولوحظ بدء انتشاره عام 2011، بعد حرائق الكرمل في حيفا المحتلة.. حيث كان طائر المينا محتجزاً في حدائق الحيوان داخل أقفاص خاصة يرقبه المتنزهون ويستمتعون بالنظر إليه والاستماع إلى أصواته، ولكن بعد الحريق أُطلق في البيئة، ولسماته الشخصية وذكائه وقدرته المميزة على التكيف والتكاثر السريع والتغذي على كل ما يُتاح له، ولفراغ مساحات شاسعة من الغابات الصنوبرية من الطيور الأخرى التي فرَّت منها عند حدوث الحريق؛ لم يجد المينا له منافسون في الطبيعة؛ فاستطاع الانتشار في جميع المناطق في فلسطين المحتلة بسرعة مذهلة.
يبدأ الطائر في بدايات فصل الربيع بالتكاثر ويستمر حتى أواخر الصيف، وقد يمتد تكاثره على طول العام في حال توفر الغذاء والجو الدافئ والمسكن له، كالمدن مثلاً، حيث يبني عشه في تجاويف الأشجار أو الجدران أو المباني، وبمقدوره أن يعشش في ثقوب أعمدة الكهرباء وفتحات التهوية وتحت الأسطح، وقد يحتل أعشاش طيور أخرى مثل الهدهد أو الوروار أو الزرزور وغيرها فيطردها، ويكسر بيضها ويلتهم صغارها، ويضع بيوضه في أعشاشها.
طائر المينا من أخطر الطيور الغازية في فلسطين، بل وفي العالم بشكل عام، فهو يسبب مشاكل بيئية واقتصادية عدة، بتهديده للطيور المحلية الأخرى، وتكاثره على حسابها، ومهاجمته للمحاصيل الزراعية على شكل جماعات تلتهم الثمار بلا رحمة، وتتسبب بخسائر مادية للمزارعين.
وقد يصنع عشًا خاصاً به يكون عادة غير منتظم( ليس كبقية الطيور الأخرى الفلسطينية) من الأعواد والقش والبلاستيك والورق وأي شيء يتسنى له حمله ونقله حتى الأسلاك والقطع المعدنية الأخرى! وأحياناً لا يكتفي بعش واحد، بل يبني أكثر من عش في المنطقة الواحدة، كنوع من الحماية لمنطقته والتوسيع فيها، فيحتكر مناطق التعشيش لنفسه ويستوطنها والتي تستخدمها الطيور المقيمة الأخرى أصلاً، ما يتسبب بتهجيرها منها، وهذا يُعقِّد من مشكلة السيطرة على انتشاره.
بيضه أزرق فاتح بدون بقع، تضع الأنثى في العش من 4 إلى 6 بيضات في كل مرة، تحتضنها بمساعدة الذكر لمدة تتراوح بين 13–15 يومًا، تفقس بعدها الفراخ عمياء وعارية، يتناوب الأبوان على إطعامها، وبعد 3 أسابيع تصبح الفراخ ناضجة بشكل كافي يمكنها من مغادرة العش، لتبدأ حياة البالغين بعد فترة قصيرة.
قد يُفرِّخ الزوج الواحد من هذا الطائر من 2-3 مرات في الموسم الواحد، وهنا تبرز مشكلة قدرته العالية على التفريخ والتي تزيد من عدد أفراده وانتشاره بشكل كبير على حساب الطيور الأخرى.
طائر المينا من أخطر الطيور الغازية في فلسطين، بل وفي العالم بشكل عام، فهو يسبب مشاكل بيئية واقتصادية عدة، بتهديده للطيور المحلية الأخرى، وتكاثره على حسابها، ومهاجمته للمحاصيل الزراعية على شكل جماعات تلتهم الثمار بلا رحمة، وتتسبب بخسائر مادية للمزارعين.
يلوث المناطق السكنية بفضلاته التي تتراكم بكثافة في المناطق التي يستعمرها وتسبب تلفاً في الممتلكات(مكيفات الهواء وأعمدة الكهرباء وغيرها) عدا عن الرائحة الكريهة التي يطلقها
يلوث المناطق السكنية بفضلاته التي تتراكم بكثافة في المناطق التي يستعمرها وتسبب تلفاً في الممتلكات(مكيفات الهواء وأعمدة الكهرباء وغيرها) عدا عن الرائحة الكريهة التي يطلقها، ينقل عبر مخلفاته الميكروبات والجراثيم والفطريات المسببة للأمراض.. ويسبب إزعاجاً شديداً بصواته المرتفعة والمتكررة التي يطلقها خاصة قرب الغروب أو بعد ولادة الفجر من مستعمراته التي تتواجد بين المنازل في المناطق السكنية.
هذا الطائر الغازي جميل الشكل والصوت، يشكل خطراً على التوازن البيئي في فلسطين، ويهدد الطيور الفلسطينية الأخرى.. فليس كل جميل نافع!!