مقاتلو جباليا: عماد عقل وفوزي أبو القرع
24 يونيو 2025
كانت جباليا دومًا في الواجهة، أنجبت المقاومين الذين ناضلوا لدحر الاحتلال في كل اجتياح، ذاع صيتها في انتفاضة الحجارة عام 1987، بعدما دهس سائق إسرائيلي عدد من العمال الفلسطينيين، فأعلن المخيم احتجاجه على ذلك وانطلقت المظاهرات المنددة، وسرعان ما تحولت لانتفاضة شعبية.
عُرفت جباليا ب "مخيم الثورة"، فكانت معقلًا للثوار الفلسطينيين على الدوام، وبمجرد ذكر جباليا يتوارد إلى الذهن أسماء لا تغيب عن الذاكرة على الرغم من مرور سنوات على استشهادهم، مثل قائل المقولة الشهيرة: "لن يدخلوا معسكرنا" عماد عقل، ونزار ريان وفوزي أبو القرع ومحمود المبحوح، وغيرهم الكثيرون من أبناء المخيم التي لا يتسع المقام لذكرهم جميعًا. وفي هذا المقال تسليط الضوء على عدد من المقاومين الفلسطينيين الذين عرفتهم أزقة مخيم جباليا وأهلها.
عماد عقل

لُقب عماد عقل أبرز مؤسسي كتائب القسام بصاحب "الأرواح السبعة"، والمشتبك من مسافة صفر، ومرعب الصهاينة، وُلد في 19 حزيران/ يونيو 1971 في مخيم جباليا، وأطلق والده عليه اسم عماد نسبة لعماد الدين زنكي القائد الذي انتصر على الصليبيين. تعود أصول عقل إلى قرية برعير المجاورة لمدينة المجدل، وقد تهجرت عائلته منها وقطنت جباليا في عام النكبة.
تفوق الرجل الذي لقبه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ب "الأسطورة". حصل على المرتبة الأولى على الدوام، وحين نجح بتفوق في الثانوية العامة قرر دراسة الصيدلة في معهد الأمل بغزة، لكن الجيش الإسرائيلي اعتقله في أيلول/ سبتمبر 1988 لمدة عام ونصف العام، فلم يستطع الالتحاق بالدراسة، وحين أُفرج عنه في آذار/ مارس 1990 قرر تحويل مساره من الصيدلة إلى قسم الشريعة في كلية حطين بالأردن، لكن الاحتلال منعه من السفر.
يعد عقل من القادة البارزين في كتائب القسام الذي لم يكن عمرهم طويلًا ولكن كان زاخرًا بسجل مشرف بالإنجازات، فُخلدت ذكراه بالتاريخ الفلسطيني الحديث، وكتب الكاتب غسان دوعر كتابًا يستعرض فيه أعمال عقل العسكرية وسيرته بعنوان"عماد عقل أسطورة الجهاد والمقاومة"
بدأ عماد عقل بالانخراط في سلك المقاومة وهو طالب في الثانوية العامة، فكان له حضور لافت في انتفاضة الحجارة عام 1987، شارك في المظاهرات وفعاليات الانتفاضة الشعبية، وكان يواجه المستوطنين ويشجع الشباب على العمل الجهادي، حتى اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي عام 1988 بتهمة الانتماء لحركة حماس ونشاطه في الانتفاضة، لينقطع عن صفوف المقاومة، حتى الإفراج عنه عام 1990، فالتحق بعدها بكتائب عز الدين القسام ليبدأ معها مشورًا جهاديًا ويشكل شوكة في حلق الإسرائيليين، لم تطل حريته طويلًا فاعتقلته قوات الجيش بعد فترة وجيزة مرة أخرى، ثم نال حريته.
كان أول عمل لعقل الالتحاق بمجموعات عسكرية شمال غزة، تلاحق العملاء، ثم حاز على منصب ضابط اتصال بين "مجموعة الشهداء" عام 1991، نفذ عقل رفقة مجموعته عدة عمليات عسكرية ضد قوات الجيش من مسافة صفر، وعكفت على مواصلة ملاحقة العملاء والسيطرة على سلاحهم واستخدامه في عملياتها، كان أسماء قادة مجموعة الشهداء مجهولًا حتى اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي عضوين منهما وهم يعبرا الحدود الفلسطينية المصرية عام 1991، وأبرحتهما تعذيبًا، حتى قالا أسماء رفاقهم، ومن وقتها طُبع اسم "عماد عقل" في ذهن الجيش الإسرائيلي، وأصبح المطلوب الأول ل "إسرائيل".
واجه عقل جنود الاحتلال من مسافة صفر، ونصب الكمائن لهم، ومن العمليات العسكرية التي نفذها عقل، كمين ببندقية "كارلو غوستاف" لجنود الجيش الإسرائيلي في 4 مايو 1992، والذي استهدف به قائد الشرطة الإسرائيلية بغزة يوسي آفني، لكنه نجى حينها. ومن بعدها اشتد الخناق على عقل ورفاقه، لاحقتهم قوات الاحتلال، فقرر الانتقال في 22 مايو 1992 إلى الضفة الغربية ليبدأ عمليات عسكرية هناك باسم "الجناح العسكري لكتائب القسام".
وفي أكتوبر/تشرين الأول 1992 نفذ عقل عملية في مدينة الخليل، مستهدفًا سيارة عسكرية تابعة للجيش، أصاب خلالها ضابطًا و3 جنود، تبعها بعملية ثانية بعد 4 أيام ضد معسكر للجيش الإسرائيلي، فُقتل جندي وأُصيب آخر بجراح خطيرة.
استمر عقل في سلسلة عملياته العسكرية يخطط للكمائن ويوجه الرصاص وجهًا لوجه ضد جنود الجيش الإسرائيلي، فكثفت قوات الجيش الإسرائيلي ترصدها بالمقاومين بالضفة الغربية وعلى رأسهم عماد عقل، فاضطر للعودة إلى غزة في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1992، على الرغم من صعوبة الحركة بين المدن الفلسطينية، ليستكمل عمله النضالي رفقة شركاء السلاح.

سجل في تاريخ عقل النضالي العديد من العمليات العسكرية اللافتة، والتي أخذت صدى كبير في الأوساط، ومن أبرز المهمات عملية مسجد مصعب بن عمير في حي الزيتون التي نفذها في 12 سبتمبر/أيلول 1993، ونتج عنها قتل 3 جنود من بينهم ضابط، والاستيلاء على عتادهم العسكري، تاركًا قصاصة ورقية بجانب القتلى كتب عليها تبني كتائب القسام، وتلك العملية كانت أولى عمليات المقاومة الفلسطينية توثيقًا بالكاميرا، ومن هنا انطلقت فكرة الإعلام العسكري ومن حينها اقترنت الكاميرا بالبندقية في عمليات كتائب القسام.
وآنذاك عقب رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين على العملية، وقال: "أتمنى لو أستيقظ من نومي فأجد غزة وقد ابتلعها البحر".
وقبل العملية المصورة الشهيرة مصعب بن عمير، عُرض على عائلة عقل أن تنفي ابنها إلى مصر أو الأردن لمدة 3 أعوام فقط، مقابل أن لا يمثل أمام المحاكم الإسرائيلية، لكنه رد بالقول: "رابين لا يستطيع أن يمنع شابًا قرر أن يموت". وعكف على مواصلة عملياته العسكرية، فنفذ في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1992 عملية بحي الشيخ رضوان تسببت في مقتل جندي وإصابة آخر، وواصل نصب الكمائن والقتال من مسافة صفر.
لم يتمكن الاحتلال من عماد عقل ونجى من عمليات اغتيال عدة، ولذلك أُطلق عليه صاحب "الأرواح السبع"، ولكن بعد مطاردة استمرت ما يزيد عن عامين تمكنت القوات من حصاره في بيت "أم نضال فرحات" في الشجاعية.
في ما شهد العام 1993 على ظهور الرجل الذي نفذ أكثر من 40 عملية ضد قوات الجيش الإسرائيلي، في فيديو مصور وهو ملثم بالكوفية الحمراء، استعرض فيه أبرز عمليات القسام، فكانت الكوفية بلونها الأحمر أيقونة تدلل على الفدائي عماد عقل. كان عقل يردد مقولة عز الدين القسام: "سأبقى في فلسطين حتى أنال الشهادة وأدخل الجنة، هذا جهاد نصر أو استشهاد".
في ما قال عنه الأسير السابق والكاتب هاني أبو اسباع، "إن عقل كان بارعًا في لم شمل الشباب بجانبه، يحبهم ويحبونه، ولديه حلول وإجابات لكل مشكلة". ونقل مقولته التي كان يرددها على مسامع رفاقه: "اليوم الذي أطارد فيه ولا أنفذ فيه عملا أو أبادر بعمل هو خسارة".
لم يتمكن الاحتلال من عماد عقل ونجى من عمليات اغتيال عدة، ولذلك أُطلق عليه صاحب "الأرواح السبع"، ولكن بعد مطاردة استمرت ما يزيد عن عامين تمكنت القوات من حصاره في بيت "أم نضال فرحات" في الشجاعية.
وفي ذلك شهادة لابن خنساء فلسطين، حسام فرحات، فيقول عن يوم المداهمة: "وصلت قوات الجيش لمكان عقل عن طريق العملاء، فجاؤوا إلى المنزل بسيارة شبيهة لسيارة رفاقه، خرجت على الباب لاستقبالهم، وعبرت عن استغرابي لخط سيرهم الذي تغير، وسألتهم عن السبب، ولكن على حين غرة قاموا بتثبيتي وتقيدي، فنظرت وإذ ب15 سيارة تحاصرنا، رآهم شقيقي مؤمن وركض لإخبار عماد بالمداهمة، فظنها إجراء عاديًا للمنطقة ولكن سرعان ما اكتشف أنهم أتوا لأجله حين حاول الهرب من البوابة الخلفية".
يكمل فرحات: "صلى عقل صلاته الأخيرة وحمل سلاحه، وودع العائلة، وأوصى شقيقي نضال بسداد ديونه، ومواصلة السير على طريق الجهاد، وانطلق لوجهته يطلق رصاصاته تجاه القوات الإسرائيلي، ولكن الجنود تمكنوا من قتله في حديقة منزلنا وتحديدًا تحت شجرة الزيتون". رحل عماد عقل مقبلًا غير مدبر بعد إصابته بقذيفة مضادة للدروع بالوجه، في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 1993 عن عمر يناهز 22 عامًا، قضاها متنقلًا في ساحات المعركة يناضل ضد الاحتلال الإسرائيلي.
يعد عقل من القادة البارزين في كتائب القسام الذي لم يكن عمرهم طويلًا ولكن كان زاخرًا بسجل مشرف بالإنجازات، فُخلدت ذكراه بالتاريخ الفلسطيني الحديث، وكتب الكاتب غسان دوعر كتابًا يستعرض فيه أعمال عقل العسكرية وسيرته بعنوان"عماد عقل أسطورة الجهاد والمقاومة". في ما تم تكريمه بفيلم أُنتج في 2009 اسمه "عماد عقل.. أسطورة المقاومة".

برز اسم فوزي أبو القرع في انتفاضة عام 1987، وكان له دور بارز فيها، وعمل مع الشهيد عماد عقل آنذاك، عرف بأنه واحد من أبرز مهندسي التصنيع في كتائب القسام، رافق حسن المدهون من كتائب شهداء الأقصى، فشكلا نموذجًا نوعيًا للالتحام بين صفوف الفصائل الفلسطينية، خططا للعديد للعمليات العسكرية ولم يفترقا حتى عند الموت.
برز اسم فوزي أبو القرع في انتفاضة عام 1987، وكان له دور بارز فيها، وعمل مع الشهيد عماد عقل آنذاك، عرف بأنه واحد من أبرز مهندسي التصنيع في كتائب القسام
ولد في عام 1970م، وعاش حياته في معسكر جباليا، إذ هُجرت عائلته من بلدة بيت جرجا، ترك الدارسة بسبب ظروف عائلته المعيشية، فعمل في وقت مبكر ليساعدها، نزوح إلى المخيم وعاش فيه/ ورزقه الله بمحمد وميسون، وعند استشهاده كانت زوجته حاملًا في شهرها الثامن.
يُقال عنه "مهندس العمليات النوعية" في كتائب القسام، صنع صواريخ القسام وطورها، وقذائف الهاون، والأحزمة الناسفة، أشرف على العديد من العمليات العسكرية وتنفيذها، ومن أبرزها عملية زلزلة الحصون بمعبر المنطار الذي اشترك فيها مع رفيق دربه حسن المدهون، فنفذها محمود المصري من القسام، ومهند المنسي من كتائب شهداء الأقصى، وسمير حجا من ألوية الناصر صلاح الدين، إذ فجروا عبوة ناسفة واشتبكا مع العدو لمدة ساعتين.
كما أشرف أبو القرع بالاشتراك مع كتائب شهداء الأقصى، على عملية ريم الرياشي والتي نُفذت في معبر بيت حانون "إيرز" شمال غزة، ونتج عنها قتل 4 جنود وإصابة 10، إضافة لعملية السهم الثاقب شرق الشجاعية، وعملية في ميناء "أسدود" التجاري أدت لمقتل عدد من الجنود وإصابة آخرين.
وفي العام 2005 استهدف سلاح الجو الإسرائيلي سيارة القائد فوزي أبو القرع، ورفيق دربه حسن المدهون، وبذلك يكون طوي دفتر قياديين كانا لهما بصمة في تاريخ المقاومة الفلسطينية.