آثار شمال الضفة الغربية بين الضم والتهويد
24 يونيو 2025
الاحتلال المارق بكل حكوماته منذ البداية إلى الآن يمارس كل ألاعيبه وخططه لتهويد وسرقة كل ما يمكنه سرقته من أراضي فلسطين؛ مائها وبحرهاتراثها وأرضها حجرها وشجرها وكل ما حباها الله.
بحسب وزارة السياحة والآثار الفلسطينية فإن عدد المواقع الأثرية الرئيسة في الضفة الغربية وقطاع غزة مجتمعة هو 944 موقعًا، أما المعالم الأثرية فعددها يناهز الـ 10 آلاف معلم أثري. كما أن هناك ما يزيد عن 350 نواة لمدينة وقرية تاريخية تضم فيها ما يزيد عن 60 ألف مبنى تاريخي.
وكل ذلك وضعه الاحتلال تحت يديه باستصدار الكينيست لقانون جديد ينص، كما نشرت صحيفة هآرتس: "لا جدال في أن هذه المناطق غارقة في التاريخ اليهودي، ولا يوجد للمكتشفات والمواقع الأثرية أي علاقة تاريخية أو غيرها بالسلطة الفلسطينية. لذلك، فإن الحديث عن الوضع السياسي لمناطق الضفة الغربية ليس له أي صلة بمسؤولية إسرائيل عن الاكتشافات الأثرية التي يملكها شعبها اليهودي، ومن هنا جاء مشروع القانون هذا لتحديد الصلاحيات والمسؤولية الإسرائيلية على الآثار بالضفة".
بحسب وزارة السياحة والآثار الفلسطينية فإن عدد المواقع الأثرية الرئيسة في الضفة الغربية وقطاع غزة مجتمعة هو 944 موقعًا، أما المعالم الأثرية فعددها يناهز الـ 10 آلاف معلم أثري
وفق هآرتس فإن القرار يأتي ليُمكّن الاحتلال من ضم المواقع الأثرية في ظل خطوات يتخذها المجلس الوزاري السياسي الأمني للاحتلال "كإجراءات عقابية" ضد السلطة الفلسطينية وتجريدها من صلاحياتها حول الآثار الموجودة بأراضيها في مناطق "ب"، وبالتالي السماح للإدارة المدنية التي يسيطر عليها وزير الأمن المتطرف سموتريتش بإنفاذ القانون في تلك المواقع ومنع أي ترميم أو بناء فيها بل وهدمها.

منطقة المسعودية هي موقع أثري كان أحد محطات سكة حديد الحجاز التي أُنشأت في العهد العثماني عام 1905، وكانت تقع في حيز يزيد عن 26 دونمًا (الدونم=1000 م مربع). اقتُسمت هذه الدونمات إلى نصفين، نصف يقع في مناطق "ب" التابعة للسلطة الفلسطينية والنصف الآخر يُخضِعه الاحتلال لسيطرته الأمنية والإدارية عبر تصنيفه في مناطق "ج".
في الفترات الماضية كثفت دائرة الآثار "الإسرائيلية" رفقة مختصين، وتحت غطاء من جيش الاحتلال وحمايته، اقتحامها لمنطقة المسعودية الأثرية قرب مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، وقضت في كل مرة ساعات طويلة عاينت خلالها الموقع ميدانيًا وأجرت مسحًا هندسيًا له.
منطقة المسعودية هي موقع أثري كان أحد محطات سكة حديد الحجاز التي أُنشأت في العهد العثماني عام 1905، وكانت تقع في حيز يزيد عن 26 دونمًا (الدونم=1000 م مربع).
محاولات تهويد المسعودية ووضع اليد عليها مستمرة ولا تتوقف، حيث تضاعفت الاقتحامات اليومية للجنود والمستوطنين وبأعداد كبيرة تصل للآلاف خلال تنظيمهم وقيامهم للاحتفالات بمناسباتهم المختلفة. إضافة إلى سيطرة الاحتلال على أكثر من 3 آلاف دونم من سهل المسعودية وبئر المياه الارتوازية الوحيدة التي تسقي مدينة نابلس وعددًا من قراها الشمالية، والهدف الأهم تقطيع أواصر المجتمع الفلسطيني وشل الحركة السياحية للفلسطينيين بالمكان والمتعطلة أصلًا منذ 3 سنوات جراء اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه المستمرة.
كل هذا أثار قلقًا كبيرًا لدى الفلسطينيين، فهي لم تأت ضمن الانتهاكات التي اعتادها جنود الاحتلال والمستوطنون، بل تنسجم مع قرار الكنيست الذي تحدثنا عنه سابقًا، والذي يمنح صلاحياتٍ لسلطة الآثار "الإسرائيلية" في الضفة الغربية ما يعني وجهًا آخر لضم وسرقة الأرض بشكل مباشر.
كذلك قبر يوسف الذي يقع في الطرف الشرقي من نابلس وهي تحت السيطرة الفلسطينية، ويعتبره اليهود مقامًا مقدسًا منذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967م، بزعمهم أن رفات النبي يوسف بن يعقوب أُحضر من مصر ودفن في المكان، لكن علماء آثار نفوا صدق الرواية كعادة كذب الاحتلال مبينين أن عمر المقام لا يتجاوز بضعة قرون، وأنه ضريح لشيخ مسلم اسمه يوسف دويكات من نابلس.
قبر يوسف الذي يقع في الطرف الشرقي من نابلس وهي تحت السيطرة الفلسطينية، ويعتبره اليهود مقامًا مقدسًا منذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967م، بزعمهم أن رفات النبي يوسف بن يعقوب أُحضر من مصر ودفن في المكان
كما ويؤكد الفلسطينيون أن المقام وقف إسلامي تمامًا، ومسجل في الأرشيف العثماني ولا دخل لليهود فيه. وهو ليس الأول من نوعه فقد انتشرت المقامات في فلسطين وبلاد الشام بشكل كبير، وبحسب الروايات والمؤرخين فإن عمر القبر يعود إلى 200-250 عام ليس أكثر.

ومن الأمور التي تزيد من خطورة وأهمية القبر هو اقتحام الأسيرة "الإسرائيلية" المفرج عنها في صفقات طوفان الأقصى، آغام بيرغر، مشاركةً المستوطنين واحتفالاتهم لقبر يوسف، مؤكدين استمرارهم على النهب والسرقة والضم.
تعتبر تل شيلون واحدة من المواقع الأثرية السياحية الأكثر استثمارًا في الضفة الغربية بالنسبة للاحتلال.
وكذلك تل شيلون الذي ضمه الاحتلال إلى مستوطنة شيلو جنوب نابلس، وهو في الأصل خربة شيلون التي تقع إلى الشمال من قرية ترمسعيا والجنوب من نابلس، إذ تعتبر تل شيلون واحدة من المواقع الأثرية السياحية الأكثر استثمارًا في الضفة الغربية بالنسبة للاحتلال.
إن موضوع تطوير التل يعتبر جزءًا أساسيًا في سياسة حكومة الاحتلال الحالية وسابقاتها كذلك، إذ صرف ما يُقدر ب 20 مليون شيكل على تطويره ووضع مخططات تشمل استثمارات بعشرات ملايين الشواكل. إن تطوير الموقع يعتبر وسيلة صارخة لجلب الكثير من الزوار إليه وإيجاد اتفاق واسع بخصوص أهميته باعتباره جزءًا لا يتجزأ من دولة الكيان.
في العام 2014 قدمت إلى مكاتب التنظيم المركزية للاحتلال مخططات بناء في تل شيلون، تضم مركز زوار بمساحة حوالي (11 ألف م مربع) وهي مساحة غير مسبوقة في موقع أثري وحيد. يهدف التطوير إلى تحويل التل الى مركز مؤتمرات، ونشاطات وسياحة ذات قابلية تصل إلى استيعاب 5 آلاف زائر في اليوم. أما الهدف الحقيقي هو تقوية المستوطنات والوجود الاستيطاني في المنطقة بواسطة السياحة مع منع كامل للفلسطينين من زيارة أراضيهم او زراعتها.

يعود مقام بنات يعقوب الأثري للحقبة المملوكية، والذي أُقيم على أنقاض مبنى روماني يُعد من أهم المقامات الإسلامية المنتشرة في فلسطين ويخلد ذكرى نبي الله يعقوب والد سيدنا يوسف.
المقام الذي هو عبارة عن غرفتين بنيتا معظمها من حجارة الحمام الروماني، والمكون من غرفتين بنظام القبة الحجرية يقع في ضاحية أرتاح التابعة لسلطة بلدية طولكرم إداريًا وفنيًا تحت إشراف وزارة السياحة والآثار الفلسطينية تمامًا كما يُفترض. لكن ذلك لم يُثنِ المستوطنين، تحت حماية مشددة من قوات الاحتلال، من اقتحامهم للمقام وبشكل مستمر وإقامة الاحتفالات والرقصات خلال مناسباتهم المختلفة ودونها أيضًا.
يعود مقام بنات يعقوب الأثري للحقبة المملوكية، والذي أُقيم على أنقاض مبنى روماني يُعد من أهم المقامات الإسلامية المنتشرة في فلسطين ويخلد ذكرى نبي الله يعقوب والد سيدنا يوسف.
في الوقت الذي ما زال الاحتلال يُصعّد عدوانه على مدينة طولكرم ومخيميْها لشهره الرابع، استغلال المستوطنون ذلك وزاد تجولهم داخل المقام في ظل إجراءات مشددة فرضتها قوات الاحتلال لتأمين اقتحامهم.

إلى الشمال من مدينة نابلس تقع بلدة سبسطية الأثرية، وحسب وزارة السياحة الفلسطينية فإن جذور البلدة الأثرية تعود إلى العصر البرونزي (حوالي 3200 قبل الميلاد) وتضم آثارًا تعود إلى الحضارات الكنعانية والرومانية والبيزنطية والفينيقية والإسلامية.
كما يقع في وسطها موقع أثري يعرف بـ"مقبرة الملوك" يعود إلى العهد الروماني. يضم الموقع الذي يُعتقد أنه مقبرة رومانية غرفتين فيهما مُجمع قبور، ويوجد أعلى القبور تماثيل تُجسد سادة وعبيدًا وأطفالًا.
حسب وزارة السياحة الفلسطينية فإن جذور البلدة الأثرية تعود إلى العصر البرونزي (حوالي 3200 قبل الميلاد) وتضم آثارًا تعود إلى الحضارات الكنعانية والرومانية والبيزنطية والفينيقية والإسلامية.
أعرب رئيس بلدية سبسطية محمد عازم للجزيرة نت حول ما يحدث للبلدة بأنه "ترجمة حقيقية" لقرار الكنيست "الإسرائيلي" بهدف السيطرة على الموقع الأثري وتهويده وبلع الأرض الفلسطينية بالكامل. في الفترة الأخيرة أصدر الاحتلال قرار مصادرة 1300 م وسط المنطقة الأثرية.
كما لا ننسى الاقتحامات اليومية الممنهجة للمستوطنين وجيش الاحتلال واعتداءات تطال كل شيء في القرية، بالتزامن مع هدم منشآت سكنية وسياحية وإنذارات أخرى بالهدم. ويضيف عازم أن قرار الكنيست الأخير يهدف في عمقه إلى "تهويد الموقع الأثري عبر حفريات وعمليات تنقيب مباشرة، وإنهاء النشاطات السياحية الفلسطينية وتدمير الحركة الاقتصادية".
مؤخرًا بعد إعلان الاحتلال بتاريخ 7 أيار 2023 بتخصيص 32 مليون شيكلًا لتطوير المنطقة الأثرية ولذات الأهداف من ضم وسرقة، وهذا ما عبّرت عنه وهاجمته صفحة وزارة السياحة والآثار الفلسطينية الرسمية على الفيسبوك، وبحسب الدليل فإن سلطات الاحتلال سبق أن صادرت 8 دونمات من البلدة لصالح بناء مستوطنة "شافي شمرون"، في حين شهدت المستوطنة توسعا خلال السنوات اللاحقة.
ويضيف عازم أن قرار الكنيست الأخير يهدف في عمقه إلى "تهويد الموقع الأثري عبر حفريات وعمليات تنقيب مباشرة، وإنهاء النشاطات السياحية الفلسطينية وتدمير الحركة الاقتصادية".
ويأتي بعد نحو أكثر من أسبوع من اقتحام وزيرة حماية البيئة التابع للاحتلال عيديت سيلمان، إلى جانب وزير التراث المتطرف عميحاي إلياهو ورئيس مجلس المستوطنات في شمال الضفة يوسي داغان، يوم 12 أيار 2025، للموقع الأثري وإعلانهم إطلاق "عملية إنشاء متنزه السامرة".
كما أكد رئيس بلدية سبسطية باستهداف الاحتلال لنحو ألف دونم، أي ما يقارب 80% من مساحة الموقع، وأشار في حديث آنذاك إلى أن إنشاء الحديقة سيتضمن إجراء "حفريات ونبش قبور وشق طرق وإقامة شبكات كهرباء، وإحاطة الموقع بأسلاك شائكة وإقامة بوابة ونقطة أمنية إسرائيلية".

موقع دير سمعان قرب سلفيت الذي طوَّقه الاحتلال بمستوطناته ومنع الفلسطينيين وأصحاب الأرض من دخوله منذ 3 أعوام. ففي شباط الماضي من عام 2025، أحاط الاحتلال خربة "دير سمعان”"بوحدات سكنية استيطانية، ووضعت لافتة تشير إلى بؤرة استيطانية جديدة باسم “ليشيم” على أراضي قريتي دير بلوط وكفر الديك.
وعادة ما يستهدف المستوطنون المناطق الأثرية في جميع قرى وبلدات سلفيت، وينظمون رحلات استيطانية إلى تلك المناطق الاثرية، وهو ما يشكل خطرًا عليها بتغيير أسمائها ووضع لافتات باللغة العبرية عليها.
موقع دير سمعان قرب سلفيت الذي طوَّقه الاحتلال بمستوطناته ومنع الفلسطينيين وأصحاب الأرض من دخوله منذ 3 أعوام.
كما يوجد عشرات المواقع الإسلامية التي استولى عليها المستوطنون وحولوها إلى معابد، مثل قبر يوسف في نابلس ومسجد بلال (قبة راحيل) في بيت لحم والمسجد الإبراهيمي في الخليل وهذه مجرد أمثلة.
وتأتي هذه الاعتداءات في ظل محاولات الاحتلال المتواصلة لفرض السيطرة الكاملة على الضفة، إذ باتت مدنًا وبلدات مسرحًا لاقتحامات يومية ينفذها الجيش والمستوطنون، يتخللها سقوط شهداء وجرحى فلسطينيين، وحالات اعتقال وتخريب للممتلكات العامة والخاصة.
وظلت المواقع المحتلة على الدوام بؤرًا للتوتر من خلال احتفاظ الاحتلال بمواقع داخل المدن الفلسطينية، ما يحول دون تمكن الفلسطينيين من إقامة دولة مترابطة فيُسهّل عليهم ضم وسرقة هذه الأراضي وإضافتها للمستوطنات ضمن خططهم التوسعية.