المجازر في غزة والخطة في الضفة
24 يونيو 2025
منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة والتي راح ضحيتها حتى اليوم أكثر من 51 ألف شهيدًا من الذين وصلوا المستشفيات والأعداد التي أعلن عنها فقط، بالإضافة إلى تدمير شبه كامل وشامل لكل معالم قطاع غزة، وما زال مسلسل التدمير والإبادة مستمرًا منذ 18 شهرًا.
خلال الـ18 شهرًا الأخيرة روّج الاحتلال لعشرات الخطط في ما يخص قطاع غزة، بدت في جميعها إما غير منطقية، وإما تهدف لشراء الوقت لتمرير مخططات أخرى، فتارة يتبنى خطة تقضي بدفع الناس إلى الجنوب وحشرهم في رفح ثم دفعهم إلى الهجرة عبر مصر...
ثم يعود عن خطته ويبيد معالم مدينة رفح جنوبًا ويتجه نحو خطة الجنرالات شمالًا، وتارة أخرى يروج للميناء الأمريكي العائم الذي زعم البعض حينها أنه مخصص لنقل المهاجرين عبر البحر، ومرات عديدة يروج للنصر المطلق والقضاء على المقاومة، ثم ما يلبث أن يجلس معها في مفاوضات غير مباشرة.
تشير الأرقام أنه وبنهاية العام 2024 يوجد بالضفة أكثر من 770 ألف مستوطن معظمهن مسلحين، وأن عدد المستوطنات في الضفة الغربية 180 مستوطنة وعدد البؤر الاستيطانية 256 بؤرة استيطانية
القاسم المشترك بين جميع هذه الخطط وغيرها أن أيًا منها لم ينجح، ورغم أن الوسطاء نجحوا في جسر الهوة بين المقاومة والاحتلال الذي تكلل بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار وإجراء صفقات تبادل على مراحل متعددة واضحة المعالم إلا إن الاحتلال عاد إلى الحرب والقصف بلا أهداف واضحة ولا خطط باتفاق عدد كبير من قادة الاحتلال وجنود احتياطه وجزءًا من صحافييه وكتابه.
إذن ما الذي يريده الاحتلال وتحديدًا اليمين الإسرائيلي المتطرف ؟
معطيات ما يجري في الضفة الغربية منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة تعطي مؤشرات لا تقبل التأويل عن مضي الاحتلال في تنفيذ خططه في الضفة الغربية؛ فتشير الأرقام أنه وبنهاية العام 2024 يوجد بالضفة أكثر من 770 ألف مستوطن معظمهن مسلحين، وأن عدد المستوطنات في الضفة الغربية 180 مستوطنة وعدد البؤر الاستيطانية 256 بؤرة استيطانية، بالإضافة إلى جعل الضفة الغربية كانتونات صغيرة وجزر منفصلة بزرع أكثر من 898 حاجزًا في عموم الضفة الغربية -هذا الرقم قفز عن الألف حاجز وبوابة مع نهاية الربع الأول من العام 2025- ليكون في الضفة في كل 6 كم مربع حاجزًا أو بوابة.
في وقت لا تبدو فيه الخطط واضحة في ما يخص قطاع غزة بالنسبة للاحتلال فإنها تبدو واضحة جلية كعين الشمس في الضفة، بل ويسير الاحتلال بتنفيذ مخططاته على قدم وساق طمعًا في أن يصل إلى حلم ضم الضفة الغربية رسميًا إلى إسرائيل والتي يعتبرها اليمين الإسرائيلي المتطرف والمتدينين اليهود مكانًا مقدسًا ويطلقون عليها "يهودا والسامرة".
هذه الأرقام شهدت قفزات كبيرة خلال الربع الأول من العام الجاري خاصة في ملف الاستيطان والاستيطان الرعوي الذي تصادر آلاف الدونمات خدمة لأهدافه، فبات أكثر من 786 ألف دونمًا من أراضي الضفة الغربية تحت سيطرة المستوطنين ضمن ما يسمى "البؤر الاستيطانية الرعوية" في ما لا تزال عمليات المصادرة مستمرة على غرار مصادرة 10 آلاف دونمٍ في الخليل وتجريف 2000 دونم في قرية أم صفا قضاء رام الله ومصادر أكثر من 160 دونم من أراضي مدينة البيرة.
يسير الاحتلال بتنفيذ مخططاته على قدم وساق طمعًا في أن يصل إلى حلم ضم الضفة الغربية رسميًا إلى إسرائيل والتي يعتبرها اليمين الإسرائيلي المتطرف مكانًا مقدسًا ويطلقون عليها "يهودا والسامرة".
كل هذا دون الحديث عن الهجوم غير المسبوق على شمال الضفة الغربية وتحديدًا مخيمات طولكرم وجنين ونور شمس التي حولها الاحتلال إلى ركام، ودمر البنية التحتية فيها بنسبة 100% وهدف آلاف المباني فيها ويسعى إلى إعادة هندسة واقعها الجغرافي لجعلها جزءًا من المدن بهدف القضاء على رمزية اللجوء فيها.
في هذا الإطار وبناء على الأرقام أعلاه، يسارع اليمين الإسرائيلي المتطرف بزعامة سموتريتش وبن غفير وكاتس، وبدعم مباشر من الإدارة الأمريكية، لضم الضفة الغربية وجعل عام 2025 عام السيادة على الضفة التي بات يبتلعها الاستيطان يومًا بعد يوم، إذ يرى اليمين الإسرائيلي الفرصة مواتية بل وذهبية لتطبيق المخططات في ظل أكثر حكومة متطرفة في تاريخ إسرائيل.
عودة على بدء: متى ستتوقف الحرب على قطاع غزة ؟
ربما لا يستطيع أحد أن يدعي موعد انتهاء الحرب على قطاع غزة، لكن أحد جوانب الإجابة عن هذا السؤال ربما تكون: عندما ينتهي المستوطنون من تنفيذ كامل خططهم في الضفة الغربية، إذ ينشغل العالم أجمع بحرب الإبادة على قطاع غزة وتنشغل وسائل الإعلام بنهر الدم السائل في القطاع ويفيض الرأي العام بالحديث عن المجاعة في قطاع غزة، في ما يستغل الاحتلال كل هذا، بل وربما يستخدمه عن سبق تخطيط لتنفيذ كل مخططاتهم في الضفة الغربية وربما في المسجد الأقصى.