قراءة في تداعيات حرب الطوفان
30 أبريل 2025
حرب “طوفان الأقصى" التي اندلعت في أكتوبر 2023، لم تكن مجرد مواجهة عسكرية تقليدية، بل شكّلت صدمة عميقة على مستويات مختلفة داخل المجتمع الإسرائيلي. تأثيراتها تجاوزت النطاق العسكري لتطال الأبعاد الاجتماعية والسياسية والنفسية والاقتصادية، ما أحدث تغييرات جوهرية في النسيج الداخلي للمجتمع الإسرائيلي. تسلط هذه المادة الضوء على تداعيات حرب الطوفان على المجتمع الإسرائيلي وبطقاته من نواح عدة. وفي ما يلي أبرز هذه التأثيرات:
تداعيات حرب الطوفان النفسية والاجتماعية والاقتصادية

إن الهجمات المفاجئة ونجاح العمليات الفلسطينية في تجاوز التحصينات الأمنية، أثرت بشدة على شعور الإسرائيليين بالأمان. استهداف المستوطنات والعمليات داخل المدن أحدث حالة من القلق والخوف بين السكان، ما أدى إلى تصاعد مشاعر عدم الثقة بالقيادة والمؤسسة الأمنية. انتشار قصص الفقد والخسائر البشرية عمّق من الجراح النفسية، خصوصًا بين عائلات القتلى والجرحى.
وفي ما يلي أبرز هذه الآثار النفسية التي تعد من تداعيات حرب الطوفان التي ظهرت في طبقات المجتمع الإسرائيلي:
صور المجازر التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة، رغم كونها تبرَّر رسميًا كـ”دفاع عن النفس”، أثارت انقسامًا داخل المجتمع الإسرائيلي:
إصرار الحكومة الإسرائيلية على استمرار الحرب رغم وجود اسرى إسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية أضاف بُعدًا جديدًا من التوتر النفسي ومزيدًا من تداعيات حرب الطوفان.
•الغضب الشعبي: عائلات الأسرى والجمهور العام يشعرون بالخيانة، إذ تُقدَّم الأولويات العسكرية على أرواح مواطنيهم.
•الشعور بالعجز: يزيد التعامل البارد للحكومة مع ملف الأسرى من شعور الإسرائيليين بالعجز تجاه حماية أنفسهم أو أحبائهم.
تفاقم الانقسامات الداخلية
المجتمع الإسرائيلي يعاني بالفعل من انقسامات عميقة على أسس سياسية، ودينية، واجتماعية. جاءت الحرب لتزيد من حدّة هذه الانقسامات، إذ تصاعدت الانتقادات للحكومة الإسرائيلية والجيش، متهمةً إياهم بالتقصير في حماية المدنيين وإدارة الأزمة. كذلك، تعمّقت الخلافات بين المتدينين والعلمانيين حول كيفية إدارة الصراع والتعامل مع الفلسطينيين وبرزت هذه النقطة باعتبارها إحدى تداعيات حرب الطوفان المركزية.
أزمة الثقة بالقيادة: عقب الحرب، ازدادت الدعوات لمحاسبة المسؤولين السياسيين والعسكريين الذين فشلوا في التنبؤ بالهجوم أو التصدي له بشكل فعال. انتقادات واسعة طالت رئيس الوزراء الإسرائيلي وقيادات الأجهزة الأمنية، ما أدى إلى تآكل ثقة الجمهور بمؤسسات الدولة، التي طالما اعتُبرت ركيزة استقرار المجتمع الإسرائيلي.
من تداعيات حرب الطوفان: تأثيرات اقتصادية
الاقتصاد الإسرائيلي تأثر بشكل كبير نتيجة الحرب، مع تراجع الاستثمار الأجنبي، وتعطل الإنتاج في القطاعات الحيوية بسبب التصعيد الأمني. تكاليف إعادة الإعمار وتعويض المتضررين أضافت أعباء كبيرة على الخزانة العامة، ما قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية.
تصاعد الهجرة العكسية: الحرب دفعت العديد من الإسرائيليين إلى التفكير بالهجرة العكسية أو البحث عن ملاذات أكثر أمانًا، خاصة مع فقدان الشعور بالاستقرار والأمان داخل إسرائيل. هذه الظاهرة تؤثر على ديموغرافيا الدولة وتزيد من القلق بشأن مستقبلها، وبلغة الأرقام فإن هناك نحو 83 الف "إسرائيلي" غادروا البلاد خلال عام 2024م.
إعادة النظر في السياسة الأمنية والعسكرية: فشل الجدار الأمني ونظام القبة الحديدية في التصدي للهجمات بشكل كامل دفع المجتمع الإسرائيلي إلى المطالبة بإعادة تقييم الإستراتيجية الأمنية. الدعوات لتشديد الإجراءات الأمنية ستؤثر على الحريات المدنية داخل إسرائيل وتزيد من عسكرة المجتمع.
انعكاسات على صورة إسرائيل عالميًا: الحرب أظهرت إسرائيل باعتبارها دولة تواجه تحديات وجودية، ما أثّر على صورتها كـ”قوة لا تُقهر” في المنطقة. كما أن الانتقادات الدولية للرد الإسرائيلي على الحرب، خاصة في ما يتعلق بالاستهداف العشوائي للمدنيين في غزة، ساهمت في تآكل التعاطف الدولي.
لقد ظهرت تداعيات حرب الطوفان بشكل عميق على المجتمع الإسرائيلي، إذ كشفت عن هشاشته الداخلية، وزادت من التحديات التي تواجهه على المستويين الداخلي والخارجي. هذه التأثيرات قد تكون طويلة الأمد، ما يفرض على إسرائيل مواجهة أزمات متشابكة، تتراوح بين إعادة بناء الثقة داخليًا وتعزيز موقعها خارجيًا.