هُدمت المخيمات وارتقى المقاومون .. لماذا يستمر العدوان على شمال الضفة؟
30 أبريل 2025
في الأيام الأولى من بدء عدوان الاحتلال على مدينة طولكرم ومخيميها، والذي جاء بعد قرابة أسبوع من عملية "السور الحديدي" التي ابتدأها الاحتلال في جنين، كان عدد من جنود الاحتلال يسيرون في شوارع طولكرم في محاولة لمخاطبة "أهل المدينة" وأصحاب المحلات التجارية فيها قائلين لهم أن المعضلة منحصرة فقط في المخيمات التي تحتضن الإرهابيين -على حد وصفهم- وأن عليهم الاستمرار في حياتهم بشكل طبيعي لأن أحدًا لن يمسهم بسوء وأنهم في عملية محدودة مكانيًا وزمانيًا، مكانيًا في المخيمين، وزمانيًا إلى حين "القضاء على الإرهاب"
ذات السياق تردد -وما زال- على لسان قادة الاحتلال والناطقين باسمه ووسائل إعلامه مُدعِّين أن العملية محصورة في مخيمات شمال الضفة وتهدف إلى القضاء على المقاومة وتحقيق ما أسموه الأمن والاستقرار.
بعد اقتراب العدوان من إغلاق شهره الثالث وبعد أن دمر الاحتلال كل أشكال الحياة في المخيمات الثلاث "جنين، طولكرم، نور شمس" وارتقاء عدد كبير من أفراد المقاومة في المخيمات المذكورة واعتقالل عدد منهم وانسحاب آخرين وتهجّر تحت وقع الاجتياح والتدمير والقصف جميع من في المخيم ولم تشهد المخيمات أي اشتباكات منذ أن انتصف شهر فبراير الماضي .. فما الذي يفعله الاحتلال منذ شهرين وهو من الناحية العملياتية والعسكرية حقق كل أهدافه المعلنة فيها ؟
الواقع وتصرفات الاحتلال على الأرض تدلل أن ثمة خطوات استراتيجية ينفذها الكيان في المخيمات تتجاوز مشهد التدمير الانتقامي وتخريب البنية التحتية، وليس لها علاقة بسردية الاحتلال ومعادلته بأن "المقاومة سبب والدمار نتيجة" بل تتجاوز ذلك إلى عمليات هندسية غير عشوائية تهدف إلى محو معالم المخيمات ورمزيتها.
تشير الأرقام أن الاحتلال وحتى نهاية اليوم الـ81 من بدء العملية العسكرية دمر أو حرق 3250 وحدة سكنية داخل مخيم جنين بشكل كلي أو جزئي، وأنه دمر 396 منزلًا في مخيمات طولكرم بشكل كلي، و 2573 منزلًا بشكل جزئي ودمر 100% من البنية التحتية للمخيمات و 85% من شوارع مدينة جنين بحسب الأرقام الرسمية، ونشر خريطة لهدم ما يزيد عن 93 بناية سكنية في مخيم جنين.
الناظر إلى خريطة الهدم في مخيم جنين، والمتفحص لعمليات الهدم المستمرة في مخيمات طولكرم يرى ويعلم أن عمليات الهدم لا تتم بشكل عشوائي وإنما بشكل هندسي تهدف إلى جعل المخيم حي من أحياء المدينة حيث يخلق تواصلًا جغرافيًا مباشرًا بين المخيم والمدينة عبر تجريف المباني وتوسيع الشوارع وقتل روح المخيم المرتبط بأزقته الضيقة وبيوته المتكدسة.
نعم قد يكون للاحتلال أهدافه العسكرية من ذلك بالنظر إلى تاريخ المخيمات في صناعة الكمائن لجيش الاحتلال بين أزقتها على غرار ـكمين المنشية والدمج وغيرهما، لكن الأهداف الاستراتيجية تتجاوز ذلك بكثير عبر السعي إلى جعل هذه المخيمات أجزاءً من المدن وبالتالي إلغاء رمزية المخيم الدال فلسطينيًا وعالميًا على رمزية اللجوء وحق العودة والمذكّر دومًا بالمظلمة التاريخية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني على يد العصابات الصهيونية في أربعينيات القرن الماضي.
معروف فلسطينيًا وخاصة بين أهالي المخيمات أن المخيمات "محطة انتظار مؤقتة حتى العودة" ويريد الاحتلال عبر إعادة الهندسة هذه التي يقوم بها إلى هدم هذه المحطات لأن وجودها مرتبط بسؤال جوابه يحرج الاحتلال:
لماذا وُجدِت هذه المخيمات في المدن الفلسطينية ؟ لأن بها لاجئين
من الذي هجّر هؤلاء اللاجئين ؟ إسرائيل!
من أين هجرتهم ؟ من حيفا ويافا وعكا وصفد
أين تقع هذه المدن: هي إسرائيل الحالية التي قامت على أنقاض منازل وأحلام وآمال هؤلاء المهجرين وآبائهم وأجدادهم
تكتمل هذه الخطوات وتظهر معالم الحرب على هذه الرمزية بالنظر إلى سلوك الاحتلال إزاء الأونروا، فإن كان الاحتلال يتذرع بحربه ضد مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس بحجة ما يسميه "الإرهاب" فلماذا يغلق مدارس الأونروا بالقدس ؟ ولماذا يحرق مستوطنوه مقرها في الشيخ جراح ؟ وكم كتيبة عسكرية يوجد في مخيمات شعفاط وفي الشيخ جراح ؟
الجواب رغم تعقيده إلا أنه يظل بسيطًا .. يريد الاحتلال أن يغلق هذه المدارس وأن يلغي وجود الأونروا في العاصمة المقدسة ببساطة لأن وجود هذه المدارس وهذا المقر يشكل في الأذان ذات السؤال أعلاه وذات الجواب المحرج.
سؤال آخر يقفز في ذهن كل متابع للشأن العام في الضفة .. لو سلمنا جدلًا أن الاحتلال هدم المخيمات الثلاث بسبب وجود المقاومة، فما سبب عزمه هدم عشرات البنايات والمنازل في مخيم العين في نابلس ؟ ذاك المخيم الهادي الوادع الصغير الذي لم تتشكل فيه أي كتيبة عسكرية رغم أنها تشكلت في بقية مخيمات نابلس وبلدتها القديمة ؟
نظرة تاريخية سريعة تحيلك إلى أن مخيم العين كان أول مخيم أقيم للاجئين الفلسطينيين على الأراضي الفلسطينية وكان حينها يسمى بـ "مخيم رقم 1" وبالتالي ليس ثمة جهد يجب أن يبذل في معرفة إجابة السؤال ذاتها حول سعي الاحتلال لمحو رمزية اللجوء واللاجئ الفلسطيني في غزة والضفة والقدس رغم تعدد الذارئع والمسببات والمزاعم إلا أن السلوك على الأرض يحيلك إلى جواب واحد.
وبالعودة إلى جولة الجنود في شوارع طولكرم في الأيام الأولى للعدوان لطمأنتهم أن العدوان لن يخرج عن إطار محاربة "الإرهابيين" في المخيمين وبالنظر إلى واقع مدينة طولكرم اليوم تبدو الأمور واضحة للعيان من خلال تهجير مربعات سكنية كاملة تتجاوز 12 بناية سكنية يقطنها عشرات العائلات الذين تحولوا إلى نازحين في مناطق أخرى من المدينة وفي القرى .. وما زال العدوان مستمرًا دون أن يُخمن أحد إلى أين سيصل