الأرض المسلوبة: قراءة في سياسات الاستيطان في الضفة
28 أبريل 2025
ما يحدث الآن من استيلاء إضافي لـ 48 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية المحتلة (آخر ما أعلن عنه الاحتلال) خلال حرب الإبادة على قطاع غزة المحاصر، لم يكن وليد الصدفة ولا مفاجئًا للعالم، بل توالت عمليات السرقة والنهب المستمر والمسعور اتجاه أراضي فلسطين من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، حيث كانت ومازالت الهدف الأساسي من وجود هذا الاحتلال البغيض الشرس.

كما هو معروف لدى الجميع فإن مساحة فلسطين التاريخية تتعدى 27 ألف كم مربع، ومع وجود عصابات الاحتلال ومصادرتهم المستمرة للأراضي قبل وأثناء الحكم العثماني، فقد تمكنوا من الحصول على الأراضي بالتحايل من خلال وسطاء أجانب، أو من خلال بناء دور أيتام ومستشفيات، ومن ثم تحويلها لأملاك يهودية وغيرها من الخروقات التي سعت الدولة العثمانية، فترة حكم السلطان عبدالحميد الثاني آن ذاك، التصدي لها، بمنع تملك اليهود تارةً، ومنع السفر إلى القدس -تحديدًا- أو الاستقرار فيها تارةً أخرى. وبلغ مقدار ما استطاع اليهود الروس المهاجرين والمدعومين بمكائد الأجانب، ودعم هيرتزل الضخم لهم، وبكل ما أوتي من قوة ومال وعلاقات، لم تتجاوز 2 % في أكثر تقدير، لكن سقوط السلطان عبد الحميد الثاني 1909 الذي حاول جاهدًا منع تملكهم وهجرتهم إلى فلسطين، إلى أن من جاء بعده من السلاطين فتحوا الباب وسهّلوا تملك اليهود للأراضي والعقار أملًا في حصولهم على امتيازات خاصةً مع ضعف الدولة العثمانية حينها وقلة دخلها ومواردها الاقتصادية.
وفي عام 1918 بلغ مجموع الأراضي الفلسطينية التي كان يملكها اليهود 650 ألف دونم، أي ما يشكل 2% من إجمالي مساحة فلسطين، وفي عهد الانتداب البريطاني استغلوا فقط 1,682 كم2 شكلت ما نسبته 6.2% من أرض فلسطين التاريخية. وارتفعت النسبة إلى 8% عام 1948، وكل ذلك من خلال المجازر والقتل والتهجير القسري والكثير من الخروقات.
في عام 1918 بلغ مجموع الأراضي الفلسطينية التي كان يملكها اليهود 650 ألف دونم، أي ما يشكل 2% من إجمالي مساحة فلسطين، وفي عهد الانتداب البريطاني استغلوا فقط 1,682 كم2 شكلت ما نسبته 6.2% من أرض فلسطين التاريخية. وارتفعت النسبة إلى 8% عام 1948، وكل ذلك من خلال المجازر والقتل والتهجير القسري والكثير من الخروقات.
استخدمت دولة الاحتلال في السنوات الأولى بُعيد عام 1948 آلياتٍ مختلفةً للاستيلاء على الأراضي، بما في ذلك التدابير التشريعية القانونية أمام العالم، إذ أنشأت الكثير من القوانين والتشريعات التي تساعدها على ابتلاع الأراضي، ومن أبرزها "قانون أملاك الغائبين" لسنة 1950، ولاحقًا به "قانون استملاك الأراضي" لسنة 1953.
هذه القوانين التي أتاحت للكيان انتزاع الأراضي وملكيتها من اللاجئين (الذين رُحلوا قسرًا عن أراضيهم وممتلكاتهم) على أساس غيابهم عن البلاد بعد 1947. وطبّقت هذه القوانين على الأشخاص الذين نزحوا داخل حدود الدولة الوليدة أيضًا، إذصنفتهم دولة الكيان تحت مُسمى "الغائبين الحاضرين "،وما برحت تردد مبرر استيلائها على الأراضي بأنه لخدمة المصلحة العامة والمحافظة على الطابع اليهودي للدولة ولم تتراجع عن امتلاكها للأرض رغم وجود أصحابها. استخدمت حكومة الاحتلال هذا التبرير في مطلع مارس 1976 عندما أعلنت عن خطط لمصادرة 20 ألف دونم ضمن برنامج تطوير الجليل لبناء مستوطنات يهودية ومعسكرات تدريبية.
واعتمدت جميع الحكومات الصهيونية المتعاقبة سياسة بناء المستوطنات وتوسيعها في الضفة الغربية إضافة لكل ما احتل داخل الخط الأخضر، كما قدمت الحوافز والتسهيلات لتشجيع هجرة الصهاينة المستوطنين إليها. وبعد أن كانت الضفة الغربية خالية تمامًا من المستوطنات عام 1966. بدأت المستعمرات والبؤر الاستيطانية بالانتشار على سفوح الجبال ومفترقات الطرق التي تربط المدن الفلسطينية مع بعضها البعض، ومن ثم تمتد تدريجيًا لتشمل ما يحيطها لتأكل المنطقة بالكامل.
طبقت الحكومات الصهيونية منذ احتلال الضفة الغربية في 1967 تشريعات وأساليب "قانونيةً" وأوامرَ عسكريةً لتيسير استعمار الأراضي الفلسطينية، ومنها مصادرة الأراضي بذريعة الأمن والتي تستخدمها إسرائيل لتقويض اتفاقية جنيف، التي تسمح لدول الاحتلال بمصادرة الأراضي مؤقتًا لأسباب أمنية. وبهذا الأسلوب استولت إسرائيل على أراضٍ لبناء ما لا يقل عن 42 مستوطنة، بما فيها الطرق الالتفافية التي تربط مستوطنات الضفة بالمستوطنات عبر الخط الأخضر. ومن الأساليب الملتوية الأخرى التي تستخدمها إسرائيل "القانون العثماني" و"قانون الانتداب الإنجليزي" الذي يسمح للدولة بمصادرة الأرض "لغرض عام”، رغم أن المناطق المُستولى عليها كانت تُستخدم في الرعي لقرون مضت.

في اتفاقية أوسلو في مرحلتها الثانية عام 1995 قُسمت الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية إلى 3 أقسام، وهي (أ، ب ، ج)، تكون هذه التقسيمات بناءً على اتباع هذه الأراضي لإدارة وسلطة مدنية وأمنية مختلفة عن الأخرى.
المناطق أ وهي المناطق التابعة للسلطة الفلسطينية مدنيًا وأمنيًا -وإن كانت شكليًا- وهي تشكل 18% من مساحة الضفة الغربية لعام 2011 وتشمل هذه المنطقة جميع المدن الفلسطينية والمناطق المحيطة بها من القرى القريبة، مع عدم وجود مستوطنات صهيونية. ويُعد الدخول إلى هذه المنطقة محظورًا على جميع "المواطنين الإسرائيليين" بموجب قانون الاحتلال.
ومناطق ب وهي المناطق التي تقع تحت سيطرة مشتركة من الإدراة المدنية الفلسطينية وإدارة أمنية للاحتلال، وهي تشكل نسبة 21% من الضفة لعام 2011 وتشمل العديد من البلدات والقرى والطرق الفلسطينية وبدون وجود مستوطنات كما يُفترض.
الحدث الأكثر كارثية للأراضي الفلسطينية كان بناء جدار الفاصل العنصري في 2002، إذ مكّنها من الاستيلاء على أراضٍ أكثر في الضفة الغربية. بُني الجدار لفصل الضفة الغربية عن دولة الكيان بذريعة تحقيق "الأمن الإسرائيلي" كالمعتاد
ومناطق ج وهي التي تقع تحت سيطرة مدنية وأمنية للكيان المحتل وتشكل ما نسبته 61% لعام 2011 وتشمل جميع المستوطنات الصهيونية (المدن والبلدات والقرى) والأراضي القريبة ومعظم الطرق التي تربط المستوطنات، التي يقتصر استخدامها على المستوطنين فقط، وكذلك المناطق الاستراتيجية التي توصف بأنها "مناطق أمنية ،"وقد كان هناك 1000 مستوطن صهيوني يعيشون في المنطقة ج في عام 1972، مقارنةً بحلول عام 1993 فقد ارتفع عدد المستوطنين إلى 11 ألف مستوطن، وتضاعفت الأعداد في قفزات مرعبة فوصلت عام 2012 لتصبح أكثر من 300 ألف مستوطن، في حين أن عدد الفلسطينين الذين يسكنون هذه المناطق 150 ألف غالبيتهم من البدو والفلاحين وهم السكان الأصليين للمنطقة.
والحدث الأكثر كارثية للأراضي الفلسطينية كان بناء جدار الفاصل العنصري في 2002، إذ مكّنها من الاستيلاء على أراضٍ أكثر في الضفة الغربية. بُني الجدار لفصل الضفة الغربية عن دولة الكيان بذريعة تحقيق "الأمن الإسرائيلي" كالمعتاد، ومهّد هذا الطريق لضم العديد من المستوطنات. خطَّت إسرائيل مسار الجدار داخل الضفة الغربية وليس على طول الخط الأخضر، وبذلك استولت فعليًا على المزيد من أراضي الضفة.

الآن ومع عودة ترامب في ولايته الثانية ووعوده، بات الوضع أكثر خطورة وسوداوية، بدأها بإلغائه العقوبات المفروضة على المستوطنين الذين شرعها مجلس الشيوخ الأمريكي ضدهم لضلوعهم في نشاطات استيطانية في الضفة ضد الفلسطينين وأراضيهم. كل ذلك تسارع بصورة ملحوظة، إذ رصدت الهيئات الفلسطينية منذ عامين نشاطات استيطانية متسارعة في المناطق المصنفة "ب " وتمثل 18% من المساحة الكلية للضفة الغربية المحتلة، واليوم تتنامى المخاوف في الأوساط الرسمية والحقوقية الفلسطينية من احتمال منح الإدارة الأمريكية الجديدة الضوء الأخضر لتنفيذ "خطة الضم" التي لوّح بها ترامب مرارًا في ولايته الأولى عما وصفت حينها بـ "بصفقة القرن".
بلغ عدد المستعمرات القائمة الآن مع بداية عام 2023 نحو 176 مستوطنة و186 بؤرة استيطانية، يسكنها 726 ألفا و427 مستوطنًا.
وفي آخر تصريحات السيادة الفلسطينية، صرّح مؤيد شعبان وزير الهيئة الفلسطينية لمقاومة الجدار والاستيطان:"بأن المناطق المصنفة "ج" تشكّل نحو 60% من أراضي الضفة، إذ تسيطر إسرائيل على حوالي 70% منها". ومن ثم أضاف: "منذ عامين، بدأ التسلل إلى مناطق "ب" عبر دعاوى وافتراءات مختلفة، مثل قرار حكومة الاحتلال في عام 2023 بضم المواقع الأثرية الفلسطينية إلى ما تُسمى بـ "سلطة الآثار الإسرائيلية". لدينا أكثر من 3200 موقع أثري في الضفة الغربية، غالبية هذه المواقع تقع ضمن المناطق المصنفة "ج"، وهناك المئات منها في المناطق "ب". وحتى عمليات التنقيب في هذه المواقع أصبحت مرتبطة بـ "سلطة الآثار الإسرائيلية"."
وقد بلغ عدد المستعمرات القائمة الآن مع بداية عام 2023 نحو 176 مستوطنة و186 بؤرة استيطانية، يسكنها 726 ألفا و427 مستوطنًا. وشكّلت المستوطنات ما نسبته 42% من مساحة الضفة الغربية، وتمت السيطرة على 68% من مساحة المنطقة "ج" لمصلحة المستوطنات، وهي منطقة تضم 87% من موارد الضفة الغربية الطبيعية و90% من غاباتها و49% من طرقها، وبالتالي قُطعت أواصر الضفة الغربية ومدنها وتحويلها إلى مربعات سكنية مُحاصرة.
صادق كيان الاحتلال لمصادرته 12.7 كم مربع من أراضي الضفة، إذ أعلن أنها المصادرة الأضخم منذ 3 عقود. وبذلك ترتفع مساحة الأراضي المصادرة تحت بند "أراضي دولة" منذ بداية العام إلى 23.7 كم مربع.
كما شهد النصف الثاني من عام 2024 بناء 52 بؤرة استيطانية جديدة في مختلف أنحاء الضفة ضمن المناطق المصنفة "ب"، في خرق واضح لبنود اتفاقية أوسلو حيث أن هذه المناطق تقع تحت السيطرة المدنية الفلسطينية الكاملة بما في ذلك سلطة التخطيط والبناء، ولدولة الاحتلال السيطرة الأمنية فقط في هذه المناطق.
وفي نفس العام صادق كيان الاحتلال لمصادرته 12.7 كم مربع من أراضي الضفة، إذ أعلن أنها المصادرة الأضخم منذ 3 عقود. وبذلك ترتفع مساحة الأراضي المصادرة تحت بند "أراضي دولة" منذ بداية العام إلى 23.7 كم مربع.
كل هذه السرقات والنهب المستمر للأراضي لن يتوقف؛ فالهدف واضح وهو كل الأرض الفلسطينية وما وراءها، فإن لم يكن هناك وقفة قوية وقاطعة لكل هذه التجاوزات والخروقات حتى للقانون الدولي، فلا يمكن الحصول على بيئة مناسبة سليمة لعيش هانئ للإنسان الفلسطيني.