من ملحمة العبور.. ذاكرة المجد
15 أكتوبر 2023
في السابع من أكتوبر، دخل عناصر كتائب القسام مستوطنات غلاف غزة ومعهم خرائط تفصيلية، مدعمين بمعلومات استخباراتية دقيقة عن ثغرات المنظومة الأمنية الإسرائيلية. وفي تحقيق لصحيفة "نيويرك تايمز" تبيّن أن كتائب القسام كانت على علم مفصل بكيفية عمل جيش الاحتلال، وأماكن تمركز الوحدات، وكم من الوقت سيستغرق وصول التعزيزات.
لن نكفّ عن استحضار تفاصيل ذلك اليوم المجيد، من التخطيط الدقيق والتنفيذ المحكم، إلى لحظات العبور الأولى التي وُصفت بـ "بروفة التحرير".

بدأ الهجوم حوالي الساعة 06:30 صباح يوم السبت السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023، عندما تم إطلاق آلاف الصواريخ دفعة واحدة بالتزامن مع عبورٍ بري وجوي وبحري إلى الأراضي المحتلة. معظم العبور كان عن طريق البر، ومن أجل تعطيل قدرات المراقبة لجيش الاحتلال، أطلقت حماس طائرات بدون طيار، ودمرت أبراج المراقبة والاتصالات على طول الحدود مع القطاع، وبالتالي خلقت "نقاط عمياء" لإسرائيل. وباستخدام المتفجرات والجرافات، اخترق السياج في عدة نقاط، وسمح لنحو 200 مجاهد بالعبور في الموجة الأولى، بينما تمكّن ما يزيد عن 1800 مقاتل قسامي من العبور في موجة أخرى.
بدأ الهجوم حوالي الساعة 06:30 صباح يوم السبت السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023، عندما تم إطلاق آلاف الصواريخ دفعة واحدة بالتزامن مع عبورٍ بري وجوي وبحري إلى الأراضي المحتلة.
لم يهاجم القسام عددا من المستوطنات في المنطقة المحيطة فحسب، بل هاجم أيضا ثماني قواعد للجيش الإسرائيلي على الأقل. وفي تصريخ لمسؤول عسكري كبير في جيش الاحتلال لصحيفة التايمز، قال "إن عناصر القسام كانوا يعرفون بالضبط مكان خوادم الاتصالات في بعض القواعد، وقاموا بتدميرها، بطريقة جعلت من الصعب للغاية تحديد مدى الاختراق وطلب المساعدة".
وبحسب المصادر العبرية، فقد أسفر العملية في ساعاتها الأولى عن مقتل 1000 جندي إسرائيلي على الأقل، وأسر 150 آخرين.
وفي تحقيق نشرته صحيفة التايمز البريطانية، كُشف عن تفاصيل إحدى أبرز العمليات التي نفذها عناصر كتائب القسام في السابع من أكتوبر، والتي استهدفت قاعدة عسكرية إسرائيلية حساسة تابعة لجهاز الاستخبارات. وبحسب الصحيفة، كانت هذه القاعدة من أوائل المواقع التي تعرضت للهجوم، في عملية اتسمت بالدقة والتخطيط المسبق.
تكوّنت المجموعة المنفذة من عشرة مقاتلين، كانوا يحملون خرائط تفصيلية تشير إلى معرفتهم الدقيقة بموقع القاعدة وتركيبتها. وبعد اجتيازهم للحدود على متن خمس دراجات نارية، واصلوا التقدّم نحو الهدف، مطلقين النار على مركبات إسرائيلية خلال الطريق. وفي غضون عشر دقائق فقط، انحرفوا عن الطريق الرئيسي إلى مسار ترابي، وترجلوا عند بوابة غير مأهولة، ثم قاموا بتفجير نقطة التفتيش بعبوة ناسفة صغيرة، قبل تمكنهم من دخول القاعدة دون مقاومة تُذكر.
وبحسب التايمز، وثّق مقاتلو القسام العملية باستخدام كاميرا كانت مثبتة على جسد قائد المجموعة، والذي استُشهد لاحقا. ويظهر في التسجيل أن المقاتلين واجهوا في البداية صعوبة في التنقل داخل القاعدة، لكنهم استعانوا بخريطة تحمل إشارات ملوّنة ساعدتهم في التوجّه نحو هدفهم الأساسي، وهو مبنى محصّن في قلب القاعدة.
عند دخولهم المبنى، وصل المقاتلون إلى غرفة تحوي أجهزة حاسوب، وصفها التقرير بأنها بمثابة مركز استخبارات. وهناك، عثروا تحت أحد الأسرّة على جنديين كانا يحاولان الاحتماء، فأطلقوا عليهما النار، ما أدى إلى مقتلهما على الفور.
وصل المقاتلون إلى غرفة تحوي أجهزة حاسوب، وصفها التقرير بأنها بمثابة مركز استخبارات.
وتشير الصحيفة إلى أن المقاتلين وجدوا الوقت الكافي لتوثيق لحظات العملية، بما في ذلك التقاط صور شخصية داخل القاعدة، في مشهد يعكس مستوى السيطرة والثقة بالنفس أثناء التنفيذ. ولم تُداهم قوات الاحتلال الموقع إلا في وقت لاحق من ساعات الصباح، حيث تمكّنت من الوصول إلى القاعدة وخاضت اشتباكا مع المقاتلين، انتهى باستشهادهم.
بحسب تحقيق نشرته صحيفة التايمز البريطانية، فإن حركة حماس كانت تستعد للهجوم المفاجئ منذ فترة طويلة، ضمن عملية تخطيط شاملة لم تقتصر على التدريب السري، بل امتدت لتشمل تدريبات علنية رآها الجميع، بينما ظلّ الاعتقاد السائد في الأوساط الإسرائيلية أن الحركة "مردوعة" ولا تسعى إلى التصعيد، بل مهتمة فقط بالامتيازات الاقتصادية التي حصلت عليها بعد عملية "حارس الأسوار" في عام 2021.
حركة حماس كانت تستعد للهجوم المفاجئ منذ فترة طويلة، ضمن عملية تخطيط شاملة لم تقتصر على التدريب السري، بل امتدت لتشمل تدريبات علنية رآها الجميع، بينما ظلّ الاعتقاد السائد في الأوساط الإسرائيلية أن الحركة "مردوعة" ولا تسعى إلى التصعيد.
ويكشف التحقيق عن وثيقة تعليمات تم العثور عليها بحوزة أحد المقاتلين الذين استشهدوا خلال الهجوم، وهي مؤرّخة في أكتوبر 2022، ما يدل على أن الإعداد للعملية بدأ منذ عام على الأقل. الوثيقة، التي وُجدت في أحد الكيبوتسات المستهدفة على يد متطوعين شاركوا في جهود الإنقاذ، توضح أن المقاتلين قُسّموا إلى وحدات ذات مهام واضحة ومحددة.
فقد أُنيطت ببعض الوحدات مهام لاستهداف البنية التحتية العسكرية، فيما كُلّف آخرون بمهام قيادة المركبات، بينما كُلّفت وحدة ثالثة بتوفير غطاء ناري عبر إطلاق النار من الخلف، لتمكين القوات المتقدمة من التوغل بفعالية. وتضمنت التعليمات توجيه مجموعة محددة لمهاجمة كيبوتس معيّن من زوايا محددة مسبقا، مع تحديد عدد الجنود المتواجدين في المستوطنات المحيطة، وحصر عدد المركبات العسكرية المتاحة، وتقدير الزمن الذي ستستغرقه التعزيزات للوصول.
أُنيطت ببعض الوحدات مهام لاستهداف البنية التحتية العسكرية، فيما كُلّف آخرون بمهام قيادة المركبات، بينما كُلّفت وحدة ثالثة بتوفير غطاء ناري عبر إطلاق النار من الخلف، لتمكين القوات المتقدمة من التوغل بفعالية.
كما أشار أربعة مسؤولين أمنيين تحدثوا إلى صحيفة "نيويورك تايمز"، إلى أن هذه الوثيقة لم تكن الوحيدة، بل كانت جزءا من منظومة أوسع من التعليمات التي تلقّاها المقاتلون، من بينها أوامر لفرق خاصة بالتمركز في نقاط تقاطع رئيسية ونصب كمائن للتعزيزات القادمة من الجيش الإسرائيلي.
وتؤكد الوثيقة أيضا أن المقاتلين تلقوا تعليمات مباشرة باحتجاز جنود كرهائن لاستخدامهم في التفاوض لاحقا، حيث ورد فيها نص صريح يقول: "خذوا الجنود أسرى ورهائن، من أجل التفاوض عليهم."
فيما نشرت شبكة "سكاي نيوز" البريطانية تقريرا جديدا، استند إلى وثيقة تم العثور عليها بحوزة أحد مقاتلي كتائب القسام الذين استشهدوا خلال الهجوم، ويبدو أنها نفس الوثيقة التي أشارت إليها نيويورك تايمز سابقا، نظرا لتطابق التفاصيل وتاريخها.
وتُظهر الصور التي أرفقتها "سكاي نيوز" للوثيقة أن عبارة "سري للغاية" كانت منقوشة على غلافها باللغة العربية. وبحسب الشبكة، فقد قام خبراء مختصون بمراجعة الوثيقة وأكدوا موثوقيتها، معتبرين أنها جزء من خطة مدروسة جرى الإعداد لها منذ وقت طويل.
وأُشير إلى تفاصيل تقنية متقدمة، منها ما يتعلق بآلية اختراق السياج الأمني المحيط بالمستوطنات. فعلى سبيل المثال، تشير الوثيقة إلى أن اختراق ما يُعرف بـ"سلك الجيل الثالث" يتطلّب زمنا لا يتجاوز 40 ثانية فقط. ويُقدّر – بحسب الوثيقة – أن الجنود المتمركزين قرب الكيبوتس المستهدف سيستغرقون من 3 إلى 5 دقائق للوصول إلى موقع الحدث، ما أتاح هامشا زمنيا حاسما للمجموعة المهاجمة لتنفيذ مهمتها.
[1] مركز المعلومات الوطني الفلسطيني https://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=9014